«إذا كان ميتاً حقاً أريد أن أعرف أين جثته».. إشعارات الموت خدمة جديدة من النظام السوري ولكنها ليست بالضرورة صحيحة!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/22 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/22 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش
صورة بالأقمار الصناعية لسجن صيدانيا.. المصدر أمنيستي

عندما رأت رجاء زوجها مازن للمرة الأخيرة، بدت عليه آثار التجويع والتعذيب الشديد، لدرجة أن ابنهما الصغير لم يكن قادراً على التعرف على أبيه.

كان ذلك في أغسطس/آب 2012، عندما احتُجِز مازن في سجن صيدنايا سيئ السمعة، ليكون واحداً من آلاف المحتجزين بعد الثورة ضد الرئيس السوري بشار الأسد التي بدأت قبل عام من ذلك التاريخ.

ومنذ الزيارة الأخيرة، فشلت العديد من المحاولات التي بذلتها رجاء للتواصل مع زوجها، أو الحصول على معلومات عنه. ولم تتأكد أبداً حتى إذا كان حياً أم ميتاً.

غير أن ذلك تغيَّر فجأة هذا الشهر، أغسطس/آب، عندما استقبلت إشعاراً رسمياً يفيد بأن مازن مات في يناير/كانون الثاني 2013.

والآن تبدو الزوجة المكروبة، التي تبلغ من العمر 28 عاماً، غير متأكدة مما يجب عليها تصديقه. فهي لا تثق في النظام الذي حبس زوجها وتتمسك بالأمل بأنه ربما يكون إشعاراً خاطئاً.

قالت رجاء لصحيفة The Financial Times، بعدما طلبت عدم استخدام اسمها الحقيقي خوفاً من أن تؤذى عائلتها: "إذا كان ميتاً حقاً، فأريد أن أعرف أين جثته. إنه يستحق أن يدفن في قبر له، لا أن يُلقى في مقبرةٍ جماعية في مكانٍ ما".

تنتاب عائلات سورية أخرى نفس المشاعر، داخل وخارج البلاد، بعد أن بدأت دمشق في الكشف عن أسماء بعض من عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اعتُقِلوا وقُتِلوا خلال الحرب الأهلية.

آلاف المختفين "قسرياً".. أحياء أم أموات؟

تشير تقديرات الشبكة العربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية غير حكومية، إلى أن النظام "أخفى قسرياً" 82 ألف شخص خلال الحرب. ولا تُعرَف أعداد المحتجزين الذين جرى التأكيد على موتهم، لكن التقديرات تقول إن أعدادهم تصل إلى الآلاف.

لم تعلق الحكومة على مسألة المحتجزين أو إصدار إشعارات الموت، ولم يحظ الموضوع بتغطية في وسائل الإعلام الرسمية.

وبدلاً من ذلك، تُكشَف قوائم الموتى استناداً إلى سجلات حكومية مُحدَّثة، مما يعني أن الأشخاص الذين اختفى ذووهم عليهم أن يفحصوا المكاتب الحكومية المحلية لمعرفة مصير أقربائهم.

وليس أمام اللاجئين، الذين يتجاوز عددهم 6 ملايين سوري ويعيشون خارج البلاد، سوى الاعتماد على أقاربهم أو آخرين ليعرفوا ما إذا كان أزواجهم، وزوجاتهم، وأبناؤهم، وبناتهم تأكَّد موتهم.

صورة توضيحية للمعتقل .. الصورة من أمنيستي

إشعارات الموت.. خدمة جديدة بإيعاز من روسيا

استقبلت رجاء، التي فرَّت إلى لبنان منذ أعوام، إشعاراً بموت مازن من محاميها.

يعتقد كثيرٌ من السوريين أن قرار النظام ببدء إصدار إشعارات الموت مرتبطٌ بنجاحه على أرض المعركة، وجهود روسيا، وهي الداعم الأجنبي الرئيسي للحكومة، من أجل تحويل التركيز عن القتال وتوجيهه نحو إعادة الإعمار.

ونظراً إلى أن أشرعة الحرب مواتية بلا شك لمصلحة الأسد، تضغط موسكو من أجل إنهاء دعمها العسكري، ومن أجل أن تعود الأمور في سوريا شبه طبيعية.

فهم يريدون تبرئة سجّلهم في حقوق الإنسان

يضم جزء من هذه العملية "مجموعة عمل" أُسِّسَت العام الماضي 2017 للتحقيق في مصير المحتجزين ضمن جزء من محادثات السلام التي توسطت فيها روسيا، وتركيا، وإيران. يعتقد بعض النشطاء والعاملين في مجال حقوق الإنسان أن الإصدار غير المتوقع لإشعارات الموت في الأشهر الأخيرة علامةٌ على الضغط من جانب موسكو، كي يعالج النظام أخيراً قضية المختفين.

قال مازن درويش، وهو محام سوري يدافع عن حقوق المعتقلين وعائلاتهم: "يريد الروس تبرئة سجلات النظام على صعيد حقوق الإنسان، وتنظيم إجراءاته للاعتقال، والسماح لدمشق بفتح صفحة جديدة".

والنظام السوري "يخشى من الأفكار أكثر من السلاح"

قالت رجاء عن زوجها الذي شارك في الثورة: "إذا لم يكن يقود تظاهرة، كان يتجول في المنطقة بسيارته، ويبدي استعداده ليجعل الآخرين يعرفون أياً من علامات انتشار قوات الأمن". أُلقي القبض على زوجها بعد أشهر قليلة على يد قوات الأمن، واصطُحب إلى سجن صيدنايا.

أضافت رجاء: "يخشى النظام السوري من الأفكار أكثر من خوفه من السلاح".

أبو محمود، النجار البالغ من العمر 29 عاماً، كان شخصاً آخر من درعا يُحتَجَز في المنشأة العسكرية سيئة السمعة، التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها "مسلخ بشري".

وإشعارات الموت ليست أكيدة.. فيستمر الانتظار

قال أبو محمود، الذي أُلقِيَ القبض عليه في أعقاب ثورة 2011، ثم أُلقِيَ القبض عليه مرةً أخرى في العام الماضي، إنه تعرَّض للتعذيب في سجن صيدنايا، قبل أن يُحكم عليه بالإعدام. لكنه دبر إطلاق سراحه بعد أن دفعت عائلته رشوة لأحد المسؤولين، حسبما يقول.

وأوضح أبو محمود: "قضيت ستة أيام طوال في غرفة مع آخرين في انتظار الإعدام. كان الشعور العام لا يُطاق، أبرياء ينتظرون موتهم المحقق، وغير قادرين على وداع ذويهم".

بعد الفرار إلى تركيا اتصل بعائلة أحد النزلاء الذين كانوا معه في السجن ليُطمئنهم بأن ابنهم لا يزال حياً. صدمتهم الأنباء، فقد حصلت العائلة على وثيقة رسمية تقول إن ابنهم مات في 2015.

قال المحامي مازن درويش إن هذا كان على الأرجح بسبب أن النظام أصدر شهادة الوفاة في وقت صدور الحكم، بدلاً من الانتظار حتى إعدام المعتقلين. غير أن الأمر بالنسبة لعائلته يعني تحمّل دورة أخرى من الصدمة العاطفية، غير متأكدين من مصير ابنهم.

فضلاً عن أن معرفة أن مثل هذه الالتباسات يمكن أن تحدث، تضيف طبقة أخرى من الكرب وعدم اليقين إلى ما تشعر به رجاء. فقد قالت: "يخبرني عقلي أن علي قبول حقيقة أنه مات، لكن قلبي يرفض تصديق الأمر".

وأضافت: "لا أريد أن أكسر قلبه إذا عاد في يوم ما ورأى أننا سلَّمنا بوفاته".

علامات:
تحميل المزيد