اعتبر موقع Stratfor الأميركي أن استمرار الحصار، المفروض من 3 دول خليجية وهي الإمارات والسعودية والبحرين على قطر، سيدفع الدوحة إلى البحث عن حلفاء جدد بعدما تخلت إدارة ترمب عنها في هذه الأزمة.
وقال الموقع الأميركي إن الحصار المفروض على قطر من جانب السعودية والإمارات ومصر والبحرين لم يحقق أياً من أهدافه بعد مرور أكثر من عامٍ على تطبيقه. كانت الدول المشاركة قد شرعت في تطبيق حصارٍ اقتصادي ودبلوماسي على الدوحة في مسعىً لتغيير سلوك الحكومة القطرية، وضمن ذلك دعمها جماعات الإسلام السياسي التي حكمت عدة دول عقب نجاح الموجة الأولى من الربيع العربي، التي يرون أنَّها تمثل تهديداً ثورياً قوياً لبقائهم في السلطة.
وبحسب الموقع الأميركي، لم يسر الأمر على هذا المنوال؛ إذ اجتازت قطر العاصفة دون أن يمس اقتصادها وحكومتها أي ضررٍ، بفضل دعم بعض الدول الصديقة للدوحة، ونظراً إلى التقدّم الضئيل الناتج عن الحصار، يُفكر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مد الحصار إلى أجلٍ غير مسمى مثل الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا عقوداً عديدة، ليصبح هو الواقع الجديد. وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، دون إلحاق ضررٍ كافٍ بتحالف الولايات المتحدة في الخليج يحث واشنطن على التدخل للتوسط بين الأطراف المتنازع، فقد تتحقق توقعات محمد بن سلمان.
وكلما طال أمد الحصار، زادت فرص إخفاق قطر في علاقتها بالولايات المتحدة؛ ما سيدفع واشنطن إلى الانضمام إلى الحصار المفروض عليها. فقد تسعى الدوحة إلى تقوية علاقاتها بتركيا وإيران وروسيا والصين؛ للتحوط ضد مخاطر تخلي الولايات المتحدة عنها، ما سيمنح هذه الدول المزيد من النفوذ في منطقةٍ لديها جميعها مصالح حيوية بها.
نظام دعم جديد
وعندما بدأت السعودية والإمارات في فرض حصارهما على قطر في مايو/أيار 2017، فعلتا هذا وهما تعتقدان أنَّهما تحظيان بدعم الولايات المتحدة. وعملت الدولتان، بالإضافة إلى البحرين ومصر، على تأليب واشنطن ضد الدوحة، وبدا أنَّهما نجحتا في مسعاهما بعض الوقت، عندما استهدف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب قطر بتغريداته على موقع تويتر خلال العام الماضي (2018).
انطلقت الدوحة في رحلةٍ للبحث عن دعم القوى الأخرى بدءاً بتركيا، مدفوعةً برغبتها في تجنب تكرار أخطاء الماضي. ففي عام 1971، خسرت قطر داعماً حيوياً لها عندما انسحبت المملكة المتحدة من البلاد على غير رغبتها.
كانت تركيا أكثرها استفادةً من الحصار المفروض على قطر؛ إذ سارعت أنقرة لملء فراغ الدور الأمني الذي تسبب فيه دعم واشنطن للحصار في بادئ الأمر؛ ما أسفر عن إنشاء قاعدةٍ عسكرية تركية دائمة في قطر، وتوقيع اتفاقية تعاون استراتيجي بينهما.
ورغم أنَّ تركيا عضو في حلف الناتو، كان إنشاء هذه القاعدة خارج إطار اتفاقية التحالف، ما مثّل خطوةً محورية لوضعها الأمني المستقل في المنطقة. وستساعد القاعدة تركيا على حماية قطر في مواجهة السعودية، وفي المقابل ستُمكن أنقرة من فرض نفسها كمدافعٍ عن الدول السُنّية الصغيرة في مواجهة هيمنة الرياض، بحسب الموقع الأميركي.
واستغلت إيران أيضاً الحصار لمصلحتها؛ إذ كانت من أوائل الدول التي أقدمت على توفير إمدادات الغذاء الأساسية لقطر، التي تستورد معظم احتياجات سكانها الغذائية. ومثل تركيا، استغلت إيران دعمها لقطر لتقويض مزاعم السعودية بأنَّها حامية العالم العربي السُنّي. والأكثر من هذا، أدت مساعدة طهران للدوحة إلى الحفاظ على شراكتها في حقول فارس للغاز الطبيعي، وأمّنت واحدةً من العلاقات الثمينة القليلة التي ما تزال إيران تتمتع بها مع العالم الخارجي، في وقتٍ تُعيد فيه الولايات المتحدة تفعيل العقوبات المفروضة عليها.
وبفضل خبرتها في التعامل مع الولايات المتحدة سنواتٍ عديدة، لدى الدولة الخليجية الغنية بالنفط والغاز مهارات وقدرة على الوصول إلى مسؤولي الإدارة الأميركي، ما يخول لها تولي دور الوسيط نيابةً عن إيران، في الخلاف مع الولايات المتحدة، وهي ورقةٌ لا تقدَّر بثمنٍ بالنسبة لطهران؛ نظراً إلى ندرة قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة والحكومة الإيرانية.
بالإضافة إلى القوى الإقليمية، تحوَّلت قطر صوب القوى الدولية في مسعاها لتنويع خيارات سياستها الخارجية. كونت الدوحة، على سبيل المثال، روابط عسكرية أقوى مع الصين عبر شراء نظام الصواريخ الباليستية "إس واي-400" في عام 2017، في حين طلبت من روسيا شراء نظام صواريخ "إس-400″، الذي تتفاخر به موسكو وتتفاوض الرياض أيضاً معها حالياً لشرائه.
ولا تسعى قطر إلى تحدي القدرات العسكرية السعودية، إذ إنَّ تعداد سكانها الصغير نسبياً يحول دون تحقيق هذا، لكنَّها تسعى إلى تطوير علاقاتها مع كبار الدول المصدرة للأسلحة العسكرية؛ تحسباً لأي تغييرٍ أميركي في موقفها من الحصار.
وفي الوقت ذاته، ستتوخى روسيا والصين الحذر في دعم تقدّم قطر؛ خوفاً من إزعاج الدول الأكبر المشارِكة في الحصار مثل السعودية والإمارات ومصر. وستتجنب روسيا عقد صفقاتٍ علنية مع الدوحةّ؛ لأنَّ موسكو تعمل بشكلٍ لصيقٍ مع الرياض بشأن سياسات الطاقة. لكن إذا طال أمد الحصار، فقد تلجأ روسيا إلى بيع أسلحةٍ لقطر في نهاية المطاف، كما يرى الموقع الأميركي.
استهجان في واشنطن
لا تحظى علاقات الدوحة الخارجية الجديدة برضا واشنطن، وربما يُجبر هذا الولايات المتحدة على اتخاذ رد فعل إذا شعرت بأنَّ تحالفها مع قطر يتعرض للتهديد. والعلاقات الحالية بين قطر وإيران هي أكثر ما يثير قلق الحكومة الأميركية حالياً. لكن قد تُحيل واشنطن انتباهها صوب علاقات الدوحة ببكين؛ إذ أصبحت الصين قوةً حقيقية منافِسة لصدارة الولايات المتحدة في العالم أكثر من أي وقتٍ مضى.
وعبَّرت الولايات المتحدة بالفعل عن استعدادها لاستخدام نفوذها الأمني لدحض القوى المنافسة لها، مثلما حاولت مع روسيا بشأن صفقةٍ وشيكة لبيع نظام"إس-400″ المضاد للطائرات إلى تركيا.
ورغم كل هذا، إذا نجحت قطر في النجاة من هذا الوضع القائم وفرض شروطها على دول الحصار، فربما سيدفع هذا الولايات المتحدة إلى الوقوف بصف السعودية. وقد يتسبب تجديد الدوحة دعمها لجماعات الإسلام السياسي في دفع إدارة ترمب لإعادة التفكير في موقفها من النزاع.
ومن ناحيةٍ أخرى، قد تتسبب شبكة قنوات الجزيرة، التي عادة ما يُثار جدل بشأنها بسبب تغطيتها للشؤون الإقليمية والحكومات الأجنبية، في وضع بلدها بصدامٍ مع ترمب عن طريق إذاعة قصصٍ إخبارية غير مرغوب فيها عن الرئيس الأميركي. وقد يؤدي تطور الأمور في أيٍ من هذين المسارين إلى انحياز الولايات المتحدة لجانب الدول المشاركة في الحصار، ما سيمنح القوى الدولية والإقليمية الداعمة لقطر، ومعظمهم منافسون للولايات المتحدة، المزيد من الفرص لتعميق علاقاتهم مع الدوحة.
وبحسب الموقع الأميركي، في الوقت ذاته، لن تتمكن تركيا وإيران والصين وروسيا من التفوق على الدور الأميركي في قطر، بغضّ النظر عن كل هذا، كلما طال أمد الأزمة، ستصبح تحالفات قطر أكثر تنوعاً.
اقرأ أيضاً
"نيويورك تايمز": قطر تحقق ضربة لدول الحصار.. ولهذا قرار محكمة العدل الدولية يُعد مهماً للدوحة