تنقلهم سيارات مرسيدس فضية وتقام لهم جنازتان.. طقوس دفن الموتى في «جنة الزهراء» كبرى مقابر إيران

«جنة الزهراء» في طهران هي واحدة من كبرى المقابر بالعالم، تقع في السهول الجنوبية للعاصمة الإيرانية، وسميت على اسم فاطمة الزهراء بنت علي بن أبي طالب.

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/15 الساعة 21:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/16 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش

"جنة الزهراء" في طهران هي واحدة من كبرى المقابر بالعالم، تقع في السهول الجنوبية للعاصمة الإيرانية، وسميت على اسم فاطمة الزهراء بنت علي بن أبي طالب.

في المقبرة يرقد أكثر من 1.7 مليون شخص، أحدهم هو أمير أشرف الدراخشاني. كل مجتمع صغير في طهران لديه شيخه الموقر، وفي المبنى الشاهق الارتفاع البالغ 26 طابقاً، كان الشيخ هو دراخشاني، وهو مهندس تدرب في الولايات المتحدة.

بعد ظهر كل يوم، كان يتجول برويّة في القاعة الطويلة ببنايتي في غرب طهران، وهذا يلخص تمرينه اليومي. شيع أنَّه بلغ من العمر 106 أعوام، لكن هذا لم يكن حقيقياً، إلا أنَّ سكان المجمع كانوا يحبون تصديق ذلك.

كان الجيران يتوقفون ليلقوا عليه التحية، في حين كان يتحرك هو بتركيزٍ بالغ، ويخطو خطوةً تلو الأخرى ببطء، ويقابلهم بابتسامةٍ عريضة.

لكن مؤخراً، جاء النبأ المحتوم. مات السيد دراخشاني. بالنسبة لسكان المبنى، كانت جنازتاه -إحداهما رسمية والأخرى غير رسمية- حدثين كبريَين.

سيارات مرسيدس فضية تنقل الموتى

بالنسبة لمعظم سكان العاصمة، تتبع شعائر الجنازة برنامجاً صارماً. بعدما يحدد الطبيب سبب الوفاة، وتُودِّع الأسرة فقيدها، تأتي عربة نعش فضية اللون، غالباً ما تكون سيارة مرسيدس-بنز، وتنتظر أمام منزل المتوفى. ومنذ أن اشترت المقبرة الرئيسية العشرات من السيارات الألمانية قبل عقدٍ من الزمان، كان الناس في طهران يمزحون بأنَّهم حتماً سيركبونها مرةً واحدة على الأقل.

في أثناء فترة العقوبات الأخيرة، كان من الصعب الحصول على قطع الغيار؛ لذا انضمت سيارات رينو الآن إلى أسطول السيارات التي تنقل الموتى إلى "جنة الزهراء".

في مقبرة الزهراء يرقد أكثر من 1.7 مليون شخص
في مقبرة الزهراء يرقد أكثر من 1.7 مليون شخص

دُهِنَت سيارات الرينو بالفضي أيضاً كما هو الحال مع نظيراتها الألمانية، وثُبِّتت على أسطحها كذلك أضواء حمراء دوّارة، وهي مفيدة في اقتحام شوارع طهران المزدحمة بسرعة.

هناك قدرٌ من العجلة يحيط بالموت في إيران. تُلزِم العادات الإسلامية بدفن المتوفى في أقرب وقت ممكن، ويفضل أن يجري ذلك في غضون 24 ساعة.

ويُغسَّلون في غرف مشتركة

في يوم جنازة دراخشاني، اجتمع أفراد عائلته وأصدقاؤه المقربون بقاعة الاستقبال الهائلة في "جنة الزهراء" لبدء جنازته. تسمى القاعة "Oroujian"، التي تترجم إلى "الصعود إلى الله".

وفي ظل دفن نحو 150 شخصاً بالمقبرة يومياً، تزدحم قاعة الاستقبال بالمشيعين الذين يرتدون ملابس سوداء. ويصبح المشهد أشبه بمحطات المطار، حيث يعبر المتوفون من بوابات مرقمة مختلفة، ينتظرون في الغرف حيث ستُغسَّل أجسادهم وفقاً للطقوس الإسلامية.

 يتم دفن نحو 150 شخصاً بمقبرة الزهراء يومياً
يتم دفن نحو 150 شخصاً بمقبرة الزهراء يومياً

قبل عقدٍ من الزمان، كان هذا يحدث علانيةً، في هيئة طقس لا أستطيع وصفه إلا بكونه أشبه بغسل السيارات، في حين تُفتَح النوافذ ليسترق أفراد الأسرة النظرات. كانوا في عجلةٍ من أمرهم وكان لديهم الكثير ليفعلوه.

يُغسَّل الموتى حالياً في غرف أكثر خصوصية، ويمكن لأفراد الأسرة اختيار أن يحضروا الغسل. وفي حين تعد دعوة أحدهم بـ"المُغسِّل" إهانةً في إيران، فهي مهنة منتشرة احتفظت بمكانتها بين الناس لسنوات.

وتُتلى عليهم الأدعية بعجالة

عندما خرج دراخشاني مِن غُسله، كان جسده، مثله مثل غيره، ملفوفاً بقطعة قماش بيضاء بسيطة، ثم وُضِعَ على نقالة وغُطِّيَ وجهه. حمله المشيعون على أكتافهم وهم يصيحون بـ"لا إله إلا الله"، وتبعهم الآخرون في طابورٍ طويل.

في جميع أنحاء القاعة، كان هناك مجموعات أخرى من المشيعين يتبعون جثث أحبّائهم.

وُضع دراخشاني بعناية على الأرض أمام صفٍ طويل من الأعمدة الحجرية في ارتفاع الخصر، كلٌ منها مزود بمقبس لميكروفون.

وظهر شيخ شيعي فجأة، وأدخل ميكروفونه في العمود الذي احتوى على مكبرٍ للصوت، وبدأ في تلاوة الشعائر الأخيرة لجارنا، مع القليل من الملاحظات الشخصية.

ثم أُدخلت نقالة إلى شاحنة صغيرة تابعة للمقبرة، والتي انطلقت إلى أرض تحفها القبور، وتبعها مشيعو دراخشاني.

توضع فوق القبر 5 أحجار مسطحة إلى أن تجهز ألواح الرخام
توضع فوق القبر 5 أحجار مسطحة إلى أن تجهز ألواح الرخام

في موقع الدفن، اصطفت مجموعة من الكراسي القابلة للطي تحت خيمة مناسبات وُضعت فوق مجموعة قبور قريبة. جلس كبار السن عليها في حين كان جسد دراخشاني يدلف بعناية إلى قبره وهو ما زال ملفوفاً في قماشته البيضاء.

يتجول العديد من المنشدين المشيعين الذين يعملون لحسابهم الشخصي في أرجاء المقبرة، وكان أحدهم يحمل معه مكبر الصوت المحمول الخاص به، وهو يرتل مجموعةً أخرى من الصلوات. وضعت 5 أحجار مسطحة فوق القبر، وستبقى هناك طوال الأسابيع القليلة القادمة إلى أن تصبح ألواح الرخام التي طلبتها العائلة جاهزة.

ثم يقيم لهم أحبابهم جنائز خاصة

كانت تلك الجنازة الرسمية. لا تحب الدولة الإيرانية الناس الذين يلقون الخطابات العامة الطويلة، التي يمكن أن تتحول إلى خطاباتٍ رسمية، أو تصير سبيلاً للضلال. لكنَّ هذا لم يمنع تنظيم جنازةٍ غير رسمية لجارنا.

فبعد ذلك بيومين، نظمت أسرة دراخشاني هذه المراسم لمجموعة أوسع من الأصدقاء والجيران.

حضرها جميع الساكنين في البناية، حتى إن المراهقين نزعوا سماعات آذانهم التي تصاحبهم دائماً كعلامة على الاحترام. جلسنا جميعاً بينما غنى مطرب إيراني قديم على دقات الدف والطبلة الإيرانية التقليدية، ونغمات الفلوت.

لا تحب الدولة الإيرانية الناس الذين يلقون الخطابات العامة الطويلة
لا تحب الدولة الإيرانية الناس الذين يلقون الخطابات العامة الطويلة

غنى جملاً من أغنية إيرانية شهيرة تسمى "Morg-e Sahar"، قائلاً: "يا عندليب، انحب، وأنعش قلبي".

وفي حين يعد التحدث بالمقبرة مكروهاً، إلَّا أنَّه كان من المستحب إلقاء خطب تذكارية. استذكر رضا أسجبور، وهو رجل ذو شعر أبيض، كيف اقترض السيد دراخشاني منذ وقتٍ طويل الأموال اللازمة لإنهاء حمام سباحة البناية، الذي ما يزال قيد الاستخدام حتى الآن.

يضيف أسجبور: "لأنَّه أحب السباحة!". وكان أكثر ما أثر فيه هو هدوء دراخشاني: "في أثناء الحرب، عندما أمطرت القذائف العراقية طهران، كان يؤدي جولاته التدريبية راسماً تلك الابتسامة على وجهه".

ثم بللت وجنتيه الدموع وهو يختم كلمته: "هذا كل ما لدي لأقوله عن جارنا العظيم، سيظل مكانه فارغاً للأبد".

علامات:
تحميل المزيد