في الوقت الذي صبَّ المسؤولون السعوديون جام غضبهم على كندا، التزمت الولايات المتحدة الصمتَ الكامل، ما يشير إلى تحول صارخ في العلاقات بين الجارتين الشماليتين.
فبعد تولّي دونالد ترمب مقاليد السلطة بوقت قصير، بات من الواضح أن العلاقة الطويلة الوطيدة بين الولايات المتحدة وجارتها الشمالية على وشك التحول، فهناك مسألة إعادة المفاوضات المقتضبة لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وآلاف طالبي اللجوء الذين يعبرون الحدود المشتركة، والحملة ضد السياسات التجارية الحمائية لكندا، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ولكن خلال هذا الأسبوع، ربما قد برز التحول الأكثر حدةً في العلاقة بين الجارتين، إذ صرَّحت الولايات المتحدة أنها ستلتزم الصمت حيال غضب المسؤولين السعوديين، بسبب مطالبة كندا بالإفراج عن نشطاء الحقوق المدنية المسجونين بالسعودية.
صرَّحت هيذر ناورت، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، خلال الأسبوع الجاري، أن "الأمر يرجع لحكومة المملكة العربية السعودية والكنديين، في التوصل لحلٍّ للأزمة". وأضافت: "على الطرفين حل المسألة بالطرق الدبلوماسية معاً. لا يمكننا فعل ذلك بالنيابة عنهم".
ليس لدينا صديق واحد في العالم بأسره
وسرعان ما لوحظ موقف كندا المنعزل شمال الحدود. فقد عبرت راشيل كوران، مديرة السياسات خلال حكم رئيس الوزراء الكندي السابق، ستيفن هاربر، عن أسفها عبر تغريدة على موقع تويتر، إذ قالت "ليس لدينا صديق واحد في العالم بأسره".
وقد أشار بوب راي، الزعيم السابق لحزب العمال الاتحادي، إلى أن المملكة المتحدة كان لها موقف صامت مماثل. وكتب راي على حسابه على موقع تويتر "سارع البريطانيون والترامبيون بالاختباء، وقالوا إننا أصدقاء للسعوديين والكنديين". وأضاف "نشكر دعمكم لحقوق الإنسان، وسوف نتذكر هذه الواقعة بكل تأكيد".
اندلع هذا الخلاف، الأسبوع الماضي، عندما عبَّرت وزارة الخارجية الكندية عن قلقها حيال الاعتقالات التي تنال أعضاء منظمات المجتمع المدني السعودي، والناشطات في مجال حقوق المرأة، من خلال تغريدة صرَّحت فيها عن المخاوف التي عبَّرت عنها الأمم المتحدة في وقت سابق.
وسرعان ما جاء ردّ المملكة العربية السعودية، فقامت بطرد السفير الكندي لديها، وعلَّقت الاستثمارات وعقود التجارة الجديدة مع أوتاوا، ووضعت خطةً لسحب آلاف الطلاب والمرضى السعوديين من كندا، بالإضافة إلى تعليق رحلات الطيران من وإلى كندا، من بين تدابير عقابية أخرى.
وفي معرض حديثه إلى المراسلين الصحافيين في الرياض، حثَّ وزير الخارجية السعودي كندا على "إصلاح خطئها الكبير"، وحذر من اتخاذ المملكة لتدابير عقابية إضافية ضد كندا.
رسالة للآخرين وليس كندا فقط
وقال محللون ومسؤولون إقليميون للصحيفة البريطانية، إن هذا الخلاف ليس له علاقة كبيرة بكندا، وأشاروا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الرياض ما هي إلا إشارة موجَّهة إلى الحكومات الغربية بشكل أشمل، أن أي انتقاد لسياساتها الداخلية يُعد أمراً غير مقبول.
في غضون ذلك، أعربت دول عدة عن دعمها للمملكة العربية السعودية، بما في ذلك مصر وروسيا. إلا أن كندا ظلَّت وحيدة دون دعم في هذه المسألة، حتى بعد أن أعلنت وسائل إعلام حكومية بالمملكة عن "قطع رأس" و"صلب" رجل مُتهم بقتل امرأة، وارتكاب مجموعة جرائم أخرى.
كندا مستمرة في علاقاتها مع المملكة لكنها ستضغط عليها أيضاً
وقال جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، إن كندا مستمرة في علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع المملكة العربية السعودية. وصرَّح لعدد من الصحافيين هذا الأسبوع قائلاً: "نحترم أهمية الدور الذي يقومون به في العالم، ونشهد أنهم حققوا تقدماً في كثير من القضايا المهمة".
لكنه أكد في نفس الوقت على أن حكومته ستواصل الضغط على المملكة العربية السعودية، في سجلها في مجال حقوق الإنسان. وقال: "لكننا في الوقت نفسه سنواصل التحدث بوضوح وحزم في قضايا حقوق الإنسان في الداخل والخارج، وقتما رأينا ضرورة لذلك".
في هذا الخلاف على وجه التحديد، كندا ليست بحاجة إلى مساندة الولايات المتحدة، حسب ما صرَّح به توماس جونو، الأستاذ بجامعة أوتاوا. إذ قال: "إن العلاقات الكندية السعودية محدودة للغاية، وبالتالي ليس ثمة أضرار هائلة قد أصابت كندا في الوقت الراهن". وأضاف: "إلا أن هناك مصدر قلق كبير يجب أخذه في الحسبان: عندما نواجه أزمة حقيقية، ثم نجد أنفسنا وحدنا، ما الذي يتوجب علينا فعله؟"
أشار جونو إلى أن أحداث هذا الأسبوع قد أضافت حماسة إلى المحادثات التي بدأت رويداً رويداً في كندا. وقال: "لقد بدأنا البحث والتحليل بجدية في أعماقنا، عن معنى أن تكون الولايات المتحدة أكثر حيادية بالنسبة لكندا، وأكثر رفضاً للقواعد والمبادئ التي يحددها دورها القيادي في النظام العالمي، الذي لعبته لمدة 70 عاماً"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وشجَّعت التغيرات التي حدثت لدى الجارة الجنوبية المملكة العربية السعودية، حسب وصف جونو، على اتخاذ الإجراءات الأخيرة ضد اليمن وقطر ولبنان، فيما يُعد نمطاً من السلوك العدواني الطامح المتهور.
توقعات باستمرار الأزمة
لا يرى جونو حلاً سريعاً لهذا الخلاف، خاصةً أن كلا الجانبين غير متضررين بشكل كبير من هذا النزاع. وقال: لقد أظهرت المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية رغبةً في العدول عن سلوكها المتهور والمندفع، بينما تبغض الحكومة الفيدرالية الكندية -التي هي على موعد مع إجراء انتخابات عامة في غضون 14 شهراً والتي تتعرض لانتقاد حاد جراء بيعها أكثر من 900 عربة مصفحة للرياض– أن تتبنى أي موقف استرضائي تجاه المملكة المحافظة.
وفي الوقت الذي شعر فيه كثيرون في كندا بخيبة أمل تجاه موقف المملكة المتحدة وأوروبا، لتفضيلهما البقاء علناً على الحياد من هذا الخلاف الدبلوماسي، أشار جونو إلى أنه موقف غير مفاجئ. وقال "عندما خاضت المملكة العربية السعودية خلافاً مماثلاً مع السويد وألمانيا في السنوات القليلة الماضية، هل وقفت كندا إلى جانب السويد أو ألمانيا. كلا، على الإطلاق". وأضاف: "لقد التزمنا الصمت لعدم وجود مكاسب يمكن تحقيقها إذا دخلنا إلى هذا المعترك. وبالتالي فإن الأمر نفسه ينطبق على الجانب الأوروبي".
ولقد اجتذب موقف كندا المنفرد من أجل الدفاع عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية دعماً من بعض الشخصيات من شتى بقاع العالم، فقد نشرت صحف الغارديان، ونيويورك تايمز هذا الأسبوع مقالات افتتاحية، تحثُّ أوروبا والولايات المتحدة على الوقوف إلى جانب كندا. بل ذهبت صحيفة الواشنطن بوست إلى أبعد من ذلك، إذ نشرت مقالتها الافتتاحية باللغة العربية.
وقد ردَّد نداءاتهم عدد من الأصوات البارزة في الولايات المتحدة، بما في ذلك السيناتور بيرني ساندرز. فقد كتب عضو مجلس الشيوخ الأميركي على صفحته في موقع تويتر "إنه لَأمر مشروع تماماً أن تسلط الحكومات الديمقراطية الضوءَ على قضايا حقوق الإنسان لدى الحكومات غير الديمقراطية". وأضاف: "يجب أن تكون الولايات المتحدة واضحةً في إدانة القمع، خاصةً عندما تمارسه حكومات تنال دعمنا".
اقرأ أيضاً