لماذا تصعِّد السعودية بهذا الشكل تجاه كندا؟.. 3 أسباب تقف وراء موقف الرياض المفاجئ

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/08 الساعة 18:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/08 الساعة 21:44 بتوقيت غرينتش

حتى الآن لا يستوعب المراقبون، سرعة التصعيد من قِبَل السعودية تجاه تغريدة وزير الخارجية الكندية حول حقوق الإنسان في المملكة، التي على إثرها وصل الأمر إلى طرد السفير الكندي من السعودية ، وسحب سفيرالرياض وقطع دراسة المبتعثين، ووقف الرحلات الجوية، وأخيراً بيع أصول سعودية في كندا.

بالفعل الأمر مثير للاستغراب، فالتغريدة لولا التطورات الأخيرة ربما لم يكن ليلتفت إليها أحد، كما أن الحديث عن حقوق الإنسان في العالم الآن ليس من المحرمات، حتى عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية؛ لأن واشنطن قالت ما ذكرته الوزيرة الكندية في تغريدتها، دون أن يحدث هذا الضجيج.

لكن بات الآن واجباً البحث عن إجابة للسؤال: لماذا كل هذا التصعيد الذي يعتبره البعض غير مبرر على تغريدة؟

لا أحد يملك إجابة قطعية عن هذه الإجراءات إلا السعوديون وحدهم، ولكن بالتأكيد هناك أسباب وراء هذا الأمر، سنحاول في هذا التقرير التعرض لها.

  • رسالة السعودية للجميع: انتقادات حقوق الإنسان خط أحمر

على مدار نحو عام مضى، وبالتحديد منذ وصول الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، مطيحاً بابن عمه الأكبر الأمير محمد بن نايف، والإجراءات في المملكة تسير بسرعة البرق، فيما لا يعرف الكثيرون أين تذهب الأمور، خشية الاعتقال أو السجن.

فعقب توليه المنصب رسمياً، قام بن سلمان باعتقال عدد من الناشطين والدعاة، من بينهم الشيخ سلمان العودة، وعلي العمري وغيرهما، حتى مِن غير الإسلاميين، كان البعض يراها رسالة بأن الأيام القادمة ستكون صعبة، حتى يمرر الرجل القوي إصلاحاته، التي تكلَّلت أخيراً بمنح السعوديات حقَّ قيادة السيارة، والسماح بحفلات الموسيقى، والسينما، في البلد الذي ظلَّ لعقود يرى هذه الخطوات من المحرمات.

قبل هؤلاء شنَّ ولي العهد السعودي حملة اعتقالات طالت أمراء ووزراء سعوديين، عُرفت فيما بعد بحملة مكافحة الفساد، ظلّوا أسابيع في فندق الريتزكارلتون في الرياض، حتى حقَّق الأمير السعودي مبتغاه.

هذه الإجراءات التي توصف بـ "القمعية" تثير استهجان المنظمات الحقوقية في العالم، التي بالفعل كرَّرت نداءاتها للرياض من أجل الإفراج عن المعتقلين، لكن كان هناك رد دوماً يتهم هذه المنظمات بعدم الحياد، لكن حين خرجت الانتقادات من كندا، كانت هناك رسالة فيما يبدو أن هذا الملف خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

العلاقات التجارية بين كندا والسعودية ليست بالكبيرة، ومن ثم هذا التصعيد معها قد يكون رسالةً رمزيةً لن تؤثر اقتصادياً بشكل كبير، ولكن سيكون لها انعكاسها بلا شك على الجانب السياسي، الذي سيجعل أي دولة تفكر عدة مرات قبل أن تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية.

  • الالتفاف حول القيادة الحالية

بريق الأمير محمد بن سلمان لدى قطاع لا بأس به من السعوديين بدأ يخفت، بسبب حالة التقشف التي يطالبهم بها ولي العهد، في ظلِّ زيادة الأسعار، وتبخر حلم التغيير الذي كان يروج له مع ظهور الأمير محمد بن سلمان على الساحة السياسية، أغلب هذه الأمور صدمت بالواقع، رغم القرارات والإجراءات بشان السينما وقيادة السيارة وغيرها.

الوضع في اليمن ليس ببعيد عن هذا التصعيد والتوتر بين كندا والسعودية، فرغم مرور أكثر من 3 سنوات على بدء عاصفة الحزم -العملية العسكرية التي يقودها التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن- لم يتحقق شيء يذكر، إلا أن هيبة الدفاع الجوي السعودي كُسرت بسبب الصواريخ البالستية التي يطلقها الحوثيون، وتستهدف مقارَّ أمنية وعسكرية في العمق السعودي.

أيضاً حملة الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية السعودية بحق معارضين، أو إن شئت فقل غاضبون من سياسيات الأمير الشاب، بلا شك أثَّرت على صورته، الذي يحاول أن "ينقذ" البلاد من الفكر المتشدد، كما ذكر هو بنفسه في أحد خطاباته، فوجد فيما يبدو قطاع كبير من هؤلاء الناس أن الأمرَ ليس إلا مجرد دعاية سياسية، فكان لا بد من البحث عن طريقة لإظهار صورة القيادة بشكل جديد.

في الواقع هذا التصعيد قد يعود بالإيجاب، على صورة الأمير محمد بن سلمان، فقد نجح في وقت قصير أن يثير شجون الوطنية لدى قطاع كبير من السعوديين، الذين عبَّروا عن ذلك في تغريدات على تويتر، تدور حول الاعتزاز بموقف البلاد تجاه كندا.

أيضاً الوساطات التي تحاول كندا أن تجعلها تلعب دوراً لحل هذه الأزمة، بلا شك ستنعكس إيجاباً على صورة الأمير بن سلمان، الذي سينظر إليه السعوديون على أنه أرغم كندا على التراجع عن موقفها، أو على الأقل جعلها تبحث عن وسيط لحلِّ مشكلتها مع الرياض، وهذا ما عبَّر عن وزير الخارجية عادل الجبير، الذي قال إن كندا تعرف ماذا يجب عليها أن تفعل.

  • الصفقة المليارية العالقة بينهما

ثمة شق آخر غامض في هذا التصعيد، وهو صفقة سلاح بمليارات الدولارات ما زالت عالقة بين البلدين، بسبب دعوات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في كندا لوقفها، لأن الرياض تستخدم هذا السلاح في قمع المتظاهرين الشيعة في مدينة العوامية بالمنطقة الشرقية السعودية.

فالصفقة العسكرية التي تقدر قيمتها بـ15 مليار دولار. ورقة بيد المملكة، يعتبر محللون أنها في صلب الخلاف الدبلوماسي الأخير.

الصفقة نفسها التي كانت ستُدخل المليارات بعقود الصناعة والصيانة والتدريب مدة 14 عاماً، هي نفسها أحد أكبر أسباب انتقاد حكومة جاستن ترودو، عقدَ اتفاقية من هذا النوع، وبهذا الحجم، مع المملكة.

سرية الاتفاقية التي طلبتها السعودية عند إبرام الصفقة مع شركة General Dynamics دفعت الساسة الكنديين إلى التحفظ على الإفصاح عن معلوماتها وتفاصيلها، فكانوا يصفون السيارات بأنها شاحنات تارة، وسيارات جيب تارة أخرى.

لكن الشبهات حول الصفقة لم تمنع نشطاء كنديين من مراقبة استخدام ما تبيَّن لاحقاً أنه مدرعات وعربات عسكرية ثقيلة، ضد المعارضين السعوديين، بعدما تسرَّبت فيديوهات في صيف 2017، تُظهر استخدام هذه المدرعات في منطقة العوامية بالمنطقة الشرقية -ذات الأغلبية الشيعية- وصلت إلى حدِّ رفع دعاوى تطالب بإيقاف التصدير، ولكنها باءت بالفشل.

عدم تنفيذ هذه الصفقة جعل الرياض تنظر إلى الأمر وكأنه ضغط من أجل تنفيذ ما تريد المملكة منها، خاصة في ظلِّ رغبة أميركية -فيما يبدو- من أجل زيادة التوتر والتصعيد مع كندا، التي تحاول إدارة ترمب معاقبتها على موقفها الأخير من الاتفاقيات التجارية، والاجتماع الأخير الذي عُقد في كندا.


اقرأ أيضاً

انسحبت إدارة ترمب من دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان.. لكن مهلاً، كندا مستعدة للدفاع عن الحريات ولو على حساب علاقاتها مع السعودية

السعودية ترفع  شعار "لا تقربوا ملف حقوق الإنسان، وإلا فلوموا أنفسكم".. الرياض تتخذ من كندا ذريعة لوضع سياسة متشدّدة تجاه المنتقدين

 

علامات:
تحميل المزيد