Foreign Policy: المعارضة التركية خسرت أمام أردوغان ثم فقدت عقلها.. وهذا هو سر رسالة محرم إنجه «فاز الرجل»!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/07 الساعة 21:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/07 الساعة 21:17 بتوقيت غرينتش
كليجدار أوغلو ومحرم إينجه/Getty Images

منذ 24 يونيو/حزيران، عندما احتفل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوزه الثالث عشر على التوالي في الانتخابات، وخصومه تتهاوى رؤوسهم في سقوط حر. حالتهم الحزينة تصوّر المشكلة الرئيسية للسياسة التركية وهي أن المعارضة خاوية من الأفكار وتفتقد للإلهام، وقادتها يهتمون بالحفاظ على مقاعدهم أكثر من اهتمامهم بالعبور بالبلاد إلى بر الأمان، كما تقول مجلة Foreign Policy الأميركية.

المعارضة التركية خاضت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في يونيو/حزيران بروحٍ من الاستعجال والتسرع. في شهر أبريل/نيسان 2017، فاز أردوغان  بفارقٍ ضئيل في الاستفتاء الدستوري الذي حوّل النظام السياسي في البلاد من البرلماني إلى الرئاسي، وفتح الباب أمام حلم أردوغان عندما كان عمدةً شاباً، شبَّه أردوغان الديمقراطية بالقطار الذي يمكنك ركوبه ببساطة لتصل إلى مبتغاك ثم تنزل منه، ويبدو أنَّ قطار الديمقراطية المقصود وصل بأردوغان أخيراً إلى محطته بعد الانتخابات الأخيرة، وهي الرئاسة.

المعارضة التركية كانت ترغب في إسقاط أردوغان، لكنها فشلت

وبحسب المجلة الأميركية فعند بدء موسم الدعاية الانتخابية في هذا العام كان الكثير من الأتراك يرون أن التغيير على بُعد خطوات. قاومت المعارضة التكتيك الافتتاحي الذي لعبه أردوغان حتى يدفعهم خارج المنافسة بانضمام حزب الخير بقيادة ميرال أكشينار، الذي انفصل عن حزب الحركة القومية اليميني بعدما تحالف مع حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان.

وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات، نجح تحالف المعارضة في السمو فوق اختلافاته والتجمع حول الرغبة المشتركة، وهي الإطاحة بأردوغان. ضم التحالف العلمانيين والقوميين والمحافظين والليبراليين، الذين لم يكونوا ليجتمعوا في تحالفٍ واحد في الظروف العادية، بحسب المجلة الأميركية.

حتى أنَّهم وجدوا ضالتهم في الفوز على أردوغان متمثلاً في مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه، معلم الفيزياء السابق الذي أثبت بسحره الشعبي وفطنته الخطابية الشديدة وأسلوبه المستقيم في الحديث أنَّه مثيل نادر لدهاء أردوغان السياسي. تمكنت حملة إنجه بجهدها المتواصل، وخطبه الحماسية، ورسالته التي بنى بها علاقاتٍ مع كثيرٍ من الأطراف من كسب الكثير من المؤيدين. واستقطب ماراثون حملته الانتخابية الذي أجراه في اللحظات الأخيرة في أكبر ثلاث مدن تركية أكثر من مليون داعم يهمهمون في تفاؤل بأنَّ الفوز قد دنا.

آمال المعارضة انهارت مبكراً

وبحسب المجلة الأميركية، مع خروج الاستبيانات الأولى، انهارت الآمال العريضة للمعارضة. كانوا واثقين بأنهم على الأقل سيقللون نسبة أردوغان من الأصوات إلى أقل من 50%، ويجبرونه على الدخول في مرحلة الإعادة. لكن بدلاً من ذلك فاز أردوغان بنسبة 52.5% من إجمالي الأصوات. وحصل إنجه على 31% تقريباً، وحصل مرشحا المعارضة الاثنان الآخران مجتمعين على 16%.

بالنظر إلى ما مضى سنجد أنَّ محاولة هزيمة أردوغان أمر محكومٌ عليه بالفشل. كانت جماعات المعارضة في مواجهة رجل يتمتع بشعبية كبيرة قد لا تقهر.

ماذا حدث عقب إعلان النتائج؟

ومنذ انقضاء الانتخابات، انهار تحالف المعارضة الواسع الذي تجمَّع حول إنجه. ونفد الصبر في صفوف ناخبي المعارضة. فهم يريدون رؤية زعماء المعارضة يُعاقبون على فشلهم، ولن ينجو أحد من غضبهم.

بالنسبة للعلمانيين، أصبح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو هو أكثر من يكرهونه. كان كيليتشدار أوغلو زعيماً لحزب المعارضة الرئيسي منذ 2010، وخسارة الانتخابات في الشهر الماضي هي الخسارة التاسعة خلال زعامته، ويبدو أنَّ التعاطف الذي يحظى به قد نفد.

وفي مرمى النيران أيضاً هناك اثنان من نوابه الكُثُر، هما بولنت تيزكان وأونورسال أديغوزيل. جذب تيزكان الاستهجان بسبب إعلانه المبكر ليلة الانتخابات أنَّه ستكون هناك إعادة تصويت، الأمر الذي ثبت عدم صحته في النهاية. وأديغوزيل هو شاب استثنائي كان يُنظَر إليه على أنَّه أحد نجوم الحزب الصاعدين، وكان هو المسؤول عن منصة الحزب الإلكترونية لمراقبة الانتخابات، وهي عبارة عن شبكة بث حيّ من لجان الانتخابات حول البلاد صُمِّمَت لمنع التزوير وتوفير قناة أخرى للمعلومات، لكنَّها انهارت بعد أقل من ساعة من بدء الانتخابات ولم تعد للعمل، بحسب المجلة الأميركية.

خلاف كبير في حزب الشعب

كان حلفاء إنجه يأملون بأن يركب موجة ترشحه للرئاسة ليهزم كيليتشدار أوغلو في إعادة للمنافسة التي أُجريت في فبراير/شباط الماضي حول قيادة الحزب التي خسرها إنجه. لكن هذه المعركة ستكون معركةً صعبة لأن مصير كيليتشدار أوغلو سيحدده "كبار المندوبين" الذين اختارهم هو بنفسه، بحسب المجلة الأميركية.

خلال أيام قليلة من إعلان ترشحه، جمع إنجه دعماً كافياً ليخوض انتخابات قيادة الحزب. لكن خلال الأسبوع الماضي انقلبت الموازين، إذ سحب الكثير من المندوبين دعمهم، ويُزعَم أن هذا قد حدث بضغطٍ من قيادات الحزب، وأقسم داعمي إنجه أن يُصعِّدوا الأمر إلى المحكمة.

لكنَّ مشكلة إنجه الأخطر هي أنَّه لم يخرج من الانتخابات سليماً أيضاً. ففي ليلة الانتخابات، استسلم إنجه الذي وعد أنَّه سيواصل "القتال حتى الرمق الأخير"، وأعلن خسارته السباق الرئاسي بجملة واحدة أرسلها لصحفي يعمل في التلفاز على واتساب يشير فيها إلى أردوغان قائلاً: "فاز الرجل". ثم اختفى دون أثر، مثيراً هيستريا على موقع تويتر.

إنجه لا يخجل من الظهور أمام الكاميرات. لذا افترض مؤيدوه أنَّه أعلن خسارته تحت الإكراه. وظهرت إشاعات جامحة بأنَّه اعتُقِل، أو اختُطِف، أو حتى قُتِل. وامتلأت الشبكات الاجتماعية بأخبارٍ مختلفة من أشخاص يزعمون أنَّهم قد شاهدوه، منهم من قال إنَّه شاهد رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية ويصطحبونه في ممر أحد الفنادق، أو موكباً لأجهزة الاستخبارات متجهاً إلى شقته، ومنهم من نشر صورةً غير واضحة له في مهبط أحد المطارات. راهن عليه ناخبو المعارضة وعلقوا عليه آمالاً كبيرة، لدرجة أن معظمهم لم يستوعب خسارة الانتخابات. لذا، عندما عاد إنجه للظهور مرةً أخرى في اليوم التالي وكأنَّ شيئاً لم يحدث، استشاط الكثير من مؤيديه غضباً. في معظم الدول كان سيُنظر إلى هذا الانسحاب المبكر على أنَّه شرف، لكن في تركيا هو أقرب للخيانة.

وماذا عن حزب الخير؟

الأمور ليست أفضل حالاً في حزب الخير، إذ انحدر تجمهر ما بعد الانتخابات في نهاية الأسبوع الماضي إلى تبارٍ في الصراخ. برزت الوزيرة السابقة إلى الصدارة بعد أن قادت تمرداً ضد دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية المتشددة، الذي كان في صفوف المعارضة لكنَّه أصبح  حليفاً لأردوغان.

وخلال الانتخابات أغضبت أكشينار الكثير من حلفائها السابقين من حزب الحركة القومية عندما رشحتهم للتنافس في مقاطعاتٍ شديدة الصعوبة (وانتهى الأمر بخسارة العديد منهم)، وبدلاً من ذلك منحت الدوائر الأسهل للشخصيات ذات الشعبية الواسعة بين الناس. كان رهانها أنَّ الحزب سيحقق نجاحاً أكبر كحزب بديل في تيار وسط اليمين، لكنَّ الخطة لم تنجح. وخرج حزب الحركة القومية التابع لبهتشلي أكثر قوة من ذي قبل، بينما أظهر حزب الخير أداءً متدنياً في كل الاستطلاعات، ما ترك خبراء تركيا يحكُّون رؤوسهم.

نُشر كل هذا الغسيل المتسخ في غرف حزب الخير المغلقة. إذ وصلت التوترات ذروتها عندما هوجم عثمان إرتورك أوزيل، الزعيم السابق للجنة الشباب في الحزب الذي استقال قبل الانتخابات احتجاجاً على الدائرة التي رُشِّحَ فيها، من مؤيدي خلفه على المنصة، ما أفضى إلى عراكٍ بالأيدي. وفي نهاية الأمر قدمت أكشينار استقالتها. وعلى الرغم من أنَّ أكشينار أعلنت أنَّها ليست لديها أية نوايا للتنافس على رئاسة الحزب ثانية، يبذل حلفاؤها جهوداً متضافرة لتأمين أصواتٍ كافية لترشحها، وإذا نجحوا سيزيد هذا من احتمالية إعادة نجاحها بالتزكية. (يقول منتقدو أكشينار إنَّ هذه كانت خطتها من البداية)، بحسب المجلة الأميركية.

حزب الأكراد هو الآخر يعاني من الكثير

في هذه الأثناء، يعاني حزب الشعوب الديمقراطي من أزماتٍ لأسبابٍ كثيرة، منها أنَّ معظم قادته في السجن. الحزب الآن عالق في صراع بين جناحيه اليميني واليساري. يرى الجناح الأيسر لحزب الشعوب الديمقراطي فرصةً في أزمة القيادة الراهنة في حزب الشعب الجمهوري، ويقولون إنَّ الانتقال من تيار القومية الكردية إلى التقدمية اليسارية سيوسع من قبوله في البلاد، خاصةً في أوساط الناخبين الساخطين من الشباب، وربما يصبح حزب المعارضة الأبرز. واستمال الرئيس الفعلي للحزب صلاح الدين دميرتاش دعماً صادقاً بين ناخبي المناطق الحضرية الذين يميلون إلى اليسار، خاصةً بين الشباب والنساء. واستطاع بحضوره وقبوله لدى الأجيال المختلفة أن يُوضع في مقارنات مع رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما، بالإضافة إلى الأوروبيين الشعبويين اليساريين مثل رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس وبابلو إغليسياس توريون قائد حركة "قادرون" الإسبانية، بحسب المجلة الأميركية.

لكنَّ الكثيرين من جناح اليمين في الحزب، الذين كانوا سياسيين مخضرمين في الحركة الكردية القومية، يعتبرون المطالبات التي تنادي بالتحرك تجاه اليسار هجراً لمهمة الحزب الحقيقية، وهي تحرير الأكراد. حتى في ظل إنكار الحزب وجود أي علاقات مع الجماعات المسلحة، من الصعب إنكار أنَّ حزب العمال الكردستاني لا يملك نفوذاً كبيراً داخل حزب الشعوب الديمقراطي. استفزت الحملة المسلحة لحزب العمال الكردستاني التي دامت طويلاً من أجل استقلال كردستان عداوة الكثير من الأتراك، ومنحت الحزب مكاناً في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية.

تتسم سياسات حزب العمال الكردستاني بالمحافظة الاجتماعية، ما يتسق مع آراء معظم الأكراد الذين يشكلون الأنصار التقليدين للحزب. وانتقد زعماء حزب العمال الكردستاني من أمثال جميل بايق مراراً ما وصفوه بانبطاح حزب الشعوب الديمقراطي أمام "تهميش جيهانغير"، وهو هجوم مستمر يقصد به الإشارة إلى عناصر الحزب الكزموبوليتانيين اليساريين في حي شعبي بإسطنبول وتأثيرهم على قضايا مثل حقوق المثليين، التي لا تلاقي قبولاً بين مجتمعات القبائل والمزارعين الأكراد في جنوب شرقي البلاد.

ورغم كل هذا ينشغل السياسيون الذين يمكنهم إبطاء أو إيقاف هياج الشارع التركي هذه الأثناء بتبادل الانتقادات، وتراشق الألفاظ، وتوجيه أصابع الاتهام إلى بعضهم. وبينما يتشاجرون، يبدو أنَّهم يغفلون عاصفة الحشود، فهناك غضب لدى ملايين الناخبين ممن سئموا وتعبوا من رهن آمالهم على سياسيين عاجزين. وإذا استمروا بنفس أدائهم فلن يتبقى لهم ناخبون ليستقطبوهم، بحسب المجلة الأميركية.

المعارضة التركية تحارب من أجل حياتها، ويبدو أنَّ زعماءها مستسلمين لموتها، طالما سيموتون وهم جالسون على مقاعدهم.


اقرأ أيضاً

تحالف إسلامي علماني ضد أردوغان يحاول جذب المتدينين ويراهن على الأكراد: هكذا اشتعلت الانتخابات التركية

إذاً اقترب موعد الانتخابات التركية وأعلن حزب العدالة والتنمية عن برنامجه.. ما الجديد فيه وهل يكرر أردوغان نفسه؟

أسباب تراجع "العدالة والتنمية" في الانتخابات التركية

علامات:
تحميل المزيد