بالفعل فنزويلا تغرق في أزمات داخلية قد تحرق الأخضر واليابس، لكن الرئيس يستغل كل هذا لصالحه ويخرج في النهاية منتصراً

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/07 الساعة 19:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/07 الساعة 19:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفنزولي مادورو

كل هذه الاضطرابات التي تموج بها فنزويلا  قد توحي بشيء هام، وهو أن الأزمة استفحلت ووصلت إلى أعلى مستوياتها، ولكن رغم كل هذا يحكِم الرئيس نيكولاس مادورو قضبته عليها، وما حدث قبل يومين من محاولة اغتيال فاشلة سيصبُّ في مصلحته في النهاية.

وبحسب صحيفة The New York Times الأميركية، يبدو أن مقاطع الفيديو واسعة الانتشار تُظهِر الرئاسة في فنزويلا في حالةٍ من التداعي.

أحد المقاطع يُظهِر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يطارده حشدٌ جائع مُلوِّحين بالأواني والمقالي في عام 2016. وفي مقطع آخر، يدخل مادورو ساحةً قبل يوم الانتخابات في مايو/أيَّار الماضي من أجل تعبئة حشدٍ حوله، لكنَّه يجد الميدان خاوياً عملياً. هناك أيضاً الصور التي التُقِطَت مطلع الأسبوع، التي تُظهِر اهتزاز منصة الرئيس جرَّاء انفجارٍ وقع يوم السبت 4 أغسطس/آب، بينما تتبعثر صفوف القوات وتهرب في ذعر.

ويأتي تصوير هذا الضعف بينما تواجه فنزويلا الأزمة الاقتصادية الأكبر في تاريخها الحديث.

هل هذه الاضطرابات في صالحه أم ضده؟

إلا أنَّ مادورو ظلِّ في السلطة، ويتساءل كثيرون الآن ما إذا كان مادورو يتمسَّك بالسلطة على الرغم من هذه الكوارث، أم ربما بسببها إن نظرنا للأمر من زاوية أخرى.

وقال ديفيد سميلد، أستاذ علم الاجتماع، الذي يدرس فنزويلا في جامعة تولين البحثية الأميركية: "هناك منطقةٌ بين الديمقراطية والديكتاتورية الصريحة، يمكن فيها للأزمات الاقتصادية أن تساعد الرئيس في تعزيز سلطته".

في الواقع تمكَّن مادورو من تجاوز محاولات تمرد، وأشهر من الاحتجاجات الحاشدة في الشوارع، والعزلة عن البلدان المجاورة، وتهديدات بالتدخل العسكري من جانب الرئيس الأميركي ترمب، وتراجع عائدات النفط، والانشقاق داخل صفوف حزبه، والنزوح الجماعي لشعبه، والانتخابات التي أقيمت في شهر مايو/أيّار ووصفت على نطاق واسع بأنَّها انتخابات مزورة، ومدّدت ولايته حتى عام 2025.

بذل مادورو جهوداً كبيرة من أجل محاكمة أولئك الذين ربما يطيحون به من المنصب، مثل الجيش الفنزويلي الذي يراه المراقبون منذ فترةٍ طويلة أقوى مجموعة يمكن أن تنقلب عليه.

ومع انهيار الاقتصاد، الذي ترك البلد فارغاً من المواد الغذائية والأدوية وأدى لانهيار قيمة العملة، عرض مادورو على الجيش الامتيازات المربحة المتبقية. يدير القادة العسكريون حاليّاً الصناعات الغذائية والنفطية، ويسيطرون على المناطق التي يُستخرج منها الذهب والألماس والكولتان. ويقول المحللون إنَّ هذه الإجراءات ضمِنت ولاء الجيش له حتى الآن، إذ حسب الجنرالات، وجدوا أنَّه من المربح أكثر البقاء في صف الحكومة الحالية بدلاً من العودة إلى الديمقراطية، حينها سيكون مستقبلهم بلا ملامح، بحسب الصحيفة الأميركية.

شبح احتجاجات الشوارع ما زال يطارده

ولا يزال مادورو على الأرجح يواجه خطر احتجاجات الشوارع، مثل تلك التي احتدمت في كاراكاس، عاصمة فنزويلا، وغيرها من المدن لعدة أشهر العام الماضي 2017، وأدت إلى مصرع أكثر من 100 شخص بعد حملات القمع الدموية التي شنَّها الرئيس. لكن في هذه الأيام اختفت تلك الاحتجاجات. وأصبحت المسيرات تركز على أغراضٍ غير سياسية، وغالباً ما تكون لها علاقة بالضغط على المسؤولين المحليين لاستعادة خدماتٍ مثل المياه والكهرباء. وقد أدى انقطاع كهربائي إلى ترك 80% من العاصمة كاراكاس دون كهرباء لساعاتٍ، في الأسبوع الماضي، وأصبح ذلك القصور شائعاً في مدنٍ أخرى.

وقال هيبيرت غارسيا بلازا، وهو جنرال سابق فرَّ من البلاد بعدما اتهمته حكومة مادورو بالفساد، إنَّ وكالات الأمن الفنزويلية تنهي الاحتجاجات حالما يُخطط لها، لمنع اندلاع أي مظاهراتٍ أخرى مثل تلك التي اندلعت عام 2017.

وقال: "إنَّهم يستأصلون الورمَ من جذوره"، إذ تنفذ وكالات التجسس عمليات الاعتقال  في حالة ظهور أي دليل على "اضطراباتٍ اجتماعية أو محاولاتٍ للانتفاض".

تذكرنا الأوضاع ببعض حكام أميركا اللاتينية في القرن العشرين، مع وجود فروقٍ شاسعة: وقتذاك، كان يقف الجنرالات دون إظهار أي تعبيرٍ على وجوههم، مرتدين نظاراتٍ سوداء، بينما يقف التشكيل العسكري في حالة انتباه. لكن يبدو أنَّ مادورو في أزمةٍ مستمرة مثلما ظهر يوم السبت 4 أغسطس/آب، عندما فرّ حراسه من الهجوم، في حين سعى هو للحصول على حماية.

ذريعة جديدة لقمع الخصوم

ويجادل الكثيرون بأنَّ مادورو يستغل هذه الاضطرابات لصالحه. ويتوقع دميتريس بانتولاس، وهو محلل سياسي ومستشار مخاطر في كاراكاس، أنَّ محاولة القتل المزعومة ستُستخدم كذريعة إضافية لقمع الخصوم المحتملين. وبالفعل اعتقلت الحكومة في وقتٍ لاحق ستة أشخاص، قالت إنَّهم نفَّذوا محاولة اغتيال مادورو.

قال بانتولاس: "أخشى أن أي رجل مجنون قد يجرب شيئاً من هذا القبيل الآن"، وحدثٌ كهذا قد يمنح مادورو مزيداً من النفوذ.

بالرغم من أنَّ مادورو قد لا ينطبق عليه نموذج الدكتاتور العسكري تماماً، لكنَّه حذا حذو زعيم كوبا السابق فيدل كاسترو: اعتمد على نزوح المواطنين الساخطين كصمام أمان.

وصحب حكم كاسترو موجتان كبيرتان من الهجرة تبعتا سيطرته على الحكومة. تكونت الموجة الأولى من الكوبيين المتعلمين من الطبقة المتوسطة والعليا، الذين عارضوا ثورته عام 1959، أما الثانية فقد شملت الطبقة الأفقر، التي فرَّت في قوارب في مطلع الثمانينات.

شهدت فنزويلا موجات مشابهة من الهجرة، لكنَّها وقعت في آنٍ واحد.

أصبحت كولومبيا الآن موطناً لما يقرب من مليون فنزويلي، ومعظمهم من الفقراء، الذين سعوا للحصول على ملجأٍ هناك وفي البرازيل، التي تشاركها فنزويلا الحدود. لجأ المتعلمون في فنزويلا إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك بعض بلدان أميركا الجنوبية مثل بيرو وتشيلي اللاتي قامت بتوظيف المتخصصين.

وكانت النتيجة هي تغيير التركيبة السكانية، حيث يوجد الكثير من معارضي مادورو خارج البلاد، في حين قرَّر الكثير ممن مكثوا بالبلاد التعايش مع الوضع.

وقال سميلد المتخصص في علم الاجتماع: "هذا الأمر ترك السكان قانعين بما يحدث، أو يميلون لأن يكونوا أكثر سلبية"، بحسب الصحيفة الأميركية.

مع ذلك، حذَّر سميلد من أنَّ التمسك بالسلطة عن طريق استغلال كارثة متكررة ليس بالأمر المستدام على المدى الطويل.

إجراءات محسوبية

وأشار إلى مثال الجيش، الذي حصل أصحاب الرتب فيه على زيادةٍ في الرواتب فاقت زيادة الأجور بالنسبة للعمال الآخرين، لكنَّها مع ذلك لم تفق التضخم. قدّر سميلد أنَّ الراتب الأساسي الذي يتقاضاه الجنرال العادي يساوي حوالي 250 مليون بوليفار فنزويلي شهرياً، أي ما يعادل 70 دولاراً. وجديرٌ بالذكر أنَّ حكومة مادورو اتخذت إجراءات محسوبية أخرى، مثل السماح للمقربين بتجريد الشركات الحكومية من الأصول، وخضعت هذه الإجراءات لتحقيقات المدعين الأميركيين.

ولا يتوقع سوى عددٍ قليل من الاقتصاديين أنَّ مقترحات مادورو الأخيرة، التي تشمل إزالة خمسة أصفار من العملة والسماح بالمعاملات التجارية الخارجية، ستصبّ في مصلحة الاقتصاد الفنزويلي، الذي لا تزال علته الرئيسية هي الانحدار الشديد في إنتاج النفط الذي لم يعالجه مادورو بعد.

لكن في الوقت الحالي، يبدو الرئيس راضياً عن نجاح أسلوبه. بالرغم من كونه خليفةً للرئيس الشعبي هوغو تشافيز، فإنَّه أحياناً يجرب حظه بمقارناتٍ مع الزعماء الذين لجأوا إلى القوة الغاشمة للحكم.

وقال في بثٍّ إذاعي له في أواخر العام الماضي 2017: "هناك أناس في العالم يرونني على أنَّني ستالين الكاريبي (الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين)، وأنا أرى أنَّني أشبهه بالفعل. انظروا إلى مظهري، أحياناً ما أنظر إلى نفسي في المرآة وأرى ستالين".


اقرأ أيضاً

كانت الطائرتان محمَّلتين بالمتفجرات وتقتربان من الرئيس الفنزويلي.. هكذا ساعدت التكنولوجيا في إبقاء مادورو على قيد الحياة

الفيديو الذي لم يُذعه التلفزيون الفنزويلي عن محاولة اغتيال الرئيس.. شاهد كيف أنقذه حرَّاسه