طالبت مجلة The National Interest الأميركية، إدارة الرئيس دونالد ترمب، تعميق العلاقات بشكل كبير مع سلطنة عمان، التي تلعب دوراً محورياً في الشرق الأوسط وللمصالح الأميركية رغم بعدها عن الأضواء، رغم كل الحروب التي تطحن الشرق الأوسط.
وقالت المجلة الأميركية، سواءٌ كانت الحروب الأهلية في سوريا واليمن، أو القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو مواجهة بين إيران وأعدائها، أو التصدع في العلاقات بين دول الخليج، فإنَّ هناك الكثير من الأحداث في منطقة الشرق الأوسط التي تشغل بالفعل صناع السياسة الأميركيين، وبرغم كل هذا الضجيج الذي يأتي من المنطقة، لا ينبغي على أميركا أن تتجاهل علاقتها مع سلطنة عُمان.
المكانة الجيوسياسية للسلطنة
وتعتبر عُمان دولة ذات إنتاج قليل للنفط نسبياً، وكثافة سكانية تعتبر الأقل بين الدول العربية، وهي أيضاً من أقدم الدول في المنطقة. ونظراً لموقعها الاستراتيجي في الجزء الجنوب شرقي من شبه الجزيرة العربية ومضيق هرمز، تشترك عُمان والولايات المتحدة في الكثير من التحديات في الشرق الأوسط.
ويتمتع البلدان بعلاقة شراكة منذ قرنين تقريباً. وكان أول تواصل بين الولايات المتحدة وعُمان عام 1790، لكن العلاقات أصبحت رسمية عام 1833 بعد توقيع كلتا الدولتين على معاهدة الصداقة والتجارة، وهي أول صفقة تجارية ثنائية بين الولايات المتحدة ودولةٍ في الخليج العربي.
وفي عام 1840، أرسلت عُمان أول دبلوماسي من العالم العربي ليتم اعتماده لدى الولايات المتحدة. وإقليمياً أصبحت عُمان مهمة من الناحية العسكرية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة عام 1980، عندما كانت أول دولة خليجية ترحب بوجود قاعدة عسكرية أميركية.
واليوم أصبحت العلاقات الأميركية- العُمانية أكثر اتساعاً، فكلتا الدولتين مرتبطتان باتفاقية تجارة حرة ثنائية هي الوحيدة بالنسبة لعُمان، وهي اتفاقية دخلت حيز السريان منذ عام 2009، علاوةً على التقارب العسكري بين البلدين، فالبحرية الأميركية تتواصل بانتظام مع ميناء الدقم، وهو ميناء مهم يقع على الساحل الجنوبي لعمان، بحسب المجلة الأميركية.
كما يمكن للولايات المتحدة استخدام المطارات العسكرية العُمانية في مسقط وثمريت وجزيرة مصيرة. وتستخدم القوات الجوية الملكية العمانية طائرات إف-16 الأميركية، إضافةً إلى صفقات التصدير الدفاعية الأميركية قيد التنفيذ حالياً. وبرغم وجود من يحاولون خلق علاقات تقارب مع مسقط، فإنَّ واشنطن لا يمكن أن ترضى بهذه العلاقة.
المزايا الخمس لعمان
وبحسب المجلة الأميركية فإنه بالرغم من أن الولايات المتحدة تعمل مع منظماتٍ متعددة الأطراف مثل مجلس التعاون الخليجي، فإنَّه ينبغي عليها أن تحافظ على علاقات ثنائية قوية مع دولٍ منفردة في الشرق الأوسط. وتعد عُمان النموذج الأبرز، إذ تُضفي مسقط خمس مزايا مهمة، وفي بعض الأحيان فريدة، إلى هذه العلاقة.
بعيدون عن الصراعات المذهبية
أولاً، كانت عُمان متفاوض مهم مع الولايات المتحدة في المنطقة خلال السنين الماضية، فتقريباً 75% من الشعب العُماني يعتنقون مذهب الإباضية الإسلامي، وهو مذهب مختلف عن السنة والشيعة في الإسلام، مما يجعلهم يتجنُّبون الكثير من الصراعات الطائفية التي ابتليت بها منطقة الشرق الأوسط. وهذا الوضع سمح لعُمان بلعب دورٍ فريد غير مرئي في تسهيل الكثير من المبادرات الدبلوماسية في المنطقة.
علاقاتها مع بريطانيا
ثانياً، لأسبابٍ تاريخية، تتمتع عُمان بعلاقة وثيقة للغاية مع الحليف الأقرب لأميركا: المملكة المتحدة. فالسلطان قابوس بن سعيد آل سعيد يحكم البلاد منذ استيلائه على السلطة من أبيه بمساعدة بريطانيا، بانقلابٍ هادئ نوعاً ما عام 1970. علاوةً على مساعدة المملكة المتحدة لعُمان في قمع ثورة ظفار (1962-1975). وأيضاً يوجد بالفعل تعاون إنكليزي-أميركي قوي في منطقة الخليج العربي، وأيضاً تعاون ثلاثي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعُمان في المنطقة يحقق مزايا استراتيجية لواشنطن.
علاقات مسقط وطهران مهمة أيضاً للولايات المتحدة
ثالثاً، لأسبابٍ جغرافية وتاريخية، ترتبط عُمان بعلاقة فريدة مع إيران، وقد يكون ذلك مفيداً للولايات المتحدة في بعض الأحيان. فعُمان وإيران تقعان على جانبي مضيق هرمز، ومثل بريطانيا قدمت إيران خلال فترة ما قبل الثورة 4 آلاف جندي لمساعدة عُمان في قمع ثورة ظفار. وعبر السنين، ساعدت عُمان في عملية إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في إيران واليمن. لكنَّ غالباً ما يُساء فهم العلاقة بين عُمان وإيران في دول الغرب، ففي العلن تحتفظ عُمان بعلاقاتٍ ودية واقعية مع إيران، وفي السر، يُبدي كبار المسؤولين المخاوف المعتادة من أنشطة إيران في منطقة الخليج.
علاقاتها المتوازنة مع الجميع
رابعاً، تميل عُمان لعرض وجهة نظر بديلة ومهمة داخل مجلس التعاون الخليجي، وهذا ما تراه الولايات المتحدة قوةً لا ضعفاً. وعُمان حذرة جداً، وتحتفظ دائماً بعلاقاتٍ متوازنة مع كافة الدول بالمنطقة، وهي المنطقة التي توصف فيها الكثير من الأمور على نحوٍ خطر بالأسود أو الأبيض، إلا أنَّ توجّه عُمان المتوازن والحذر تجاه التحديات الإقليمية يجعل من مسقط صوتاً مسموعاً في الخليج.
لا مكان للتطرف في عمان
وأخيراً، تعتبر عُمان رائداً إقليمياً وإسلامياً في مكافحة التطرف، فلم يُعرف أنَّ مواطناً عُمانياً واحداً قد انضم إلى صفوف داعش، ومؤشر الإرهاب العالمي لعام 2017، الذي يصدر عن معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، ويُعنى بتقييم تأثير الإرهاب على الدول، مستخدماً مقياساً من الصفر إلى عشرة، وضع عُمان عند درجة الصفر، إلى جانب تسعة وعشرين دولة في العالم، وبهذا أصبحت الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تحقق هذا التصنيف.
رغم كل ما سبق هناك نقاط شائكة أيضاً
وبحسب المجلة الأميركية، برغم ذلك هناك بعض النقاط الشائكة في العلاقة الثنائية تحتاج إلى مزيدٍ من المعالجة.
فمثلاً، التعريفات الجمركية الحالية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصلب والألومنيوم لم تؤثر سلباً فقط على العلاقات مع حلفاء أميركا البارزين، مثل كندا أو المملكة المتحدة، لكن أيضاً على الحلفاء الأصغر مثل عُمان. وعلى مرّ السنين اتخذت عُمان الكثير من الإجراءات لتنويع اقتصادها، ولعب قطاعا الصلب والألومنيوم دوراً رئيسياً في ذلك، ولا تعتبر تلك التعريفات الجمركية مضرةً بالمستهلك الأميركي فقط، لكنَّها تُعَقِّد من دون داعٍ العلاقات الثنائية بين أميركا وبقية الدول.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك عُمان حدوداً طويلة مليئة بالمنافذ مع اليمن، وهناك شكوك أن تكون إيران قد استخدمت الأراضي العُمانية لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، إلا أنَّه لا توجد أي أدلة على مساعدة، أو سماح السلطات العُمانية لإيران بتهريب الأسلحة، فأي شخصٍ سافر إلى المنطقة يعلم مدى بُعد وصعوبة بعض المناطق هناك، وإذا ثبت أن الأسلحة تدخل اليمن عبر عُمان فإنَّ ذلك يعد إساءةً للسيادة العُمانية.
لذا ينبغي على الولايات المتحدة مساعدة عُمان في تأمين حدودها وتعزيز قدراتها على مكافحة الإرهاب، وهذا من شأنه تحقيق مصالح كلا البلدين. ومنذ عدة قرون، تعد عُمان حليفاً لواشنطن يقوم في الوقت نفسه بدور الفاعل الدبلوماسي المهم خلف الستار في المنطقة. وبناءً على ذلك لن تفيد العلاقات الجيدة مع مسقط الولايات المتحدة فقط، بل ستفيد أيضاً المملكة المتحدة والحلفاء الآخرين في المنطقة، بحسب المجلة الأميركية.
من الناحية الجغرافية السياسية، لا ينكر أهمية عُمان في تعزيز مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلا جاهل بمفاهيم الجغرافيا السياسية، فعلاقة أميركا مع عُمان لا ينبغي تجاهلها.