مقتله قد يزيدهم إصراراً على استكمال بناء سد النهضة، لكن لماذا شعر الإثيوبيون بكل هذا الحزن على “مهندس السدود”؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/29 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/25 الساعة 21:06 بتوقيت غرينتش

اجتاحت إثيوبيا موجةٌ من الحزن لوفاة سيميغنيو بيكيلي، مدير مشروع سد النهضة الضخم الذي يتكلَّف تشييده عدة مليارات الدولارات، بعد العثور على جثته في سيارته مقتلاً قبل أيام.

وتدفَّقت التعازي على الشبكات الاجتماعية من الصحفيين ورجال الأعمال والأكاديميين والسفراء، وحتى الخطوط الجوية التي ترفع العلم الإثيوبي، عقب إعلان العثور على جثة سيميغنيو داخل سيارة بالعاصمة أديس أبابا يوم الخميس 26 يوليو/تموز.            

وتُحقِّق الشرطة في ملابسات مقتله؛ إذ لقى بيكيلي حتفه جراء الإصابة بطلق ناري، وعُثِر كذلك على مسدس داخل سيارته، التي كانت مركونة في ميدان ميسكل في قلب العاصمة، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

سيدة أثيوبية تبكي على رحيل مهندس السد
سيدة أثيوبية تبكي على رحيل مهندس السد

وبحلول ظهر ذلك اليوم، خرج المئات إلى شوارع العاصمة، وكذلك في بلدة غوندر، موطن بيكيلي، في احتجاجات للمطالبة بـ"القصاص" لموت المهندس.  

ولنفهم الأسباب التي جعلت مقتل مدير المشروع يثير الصدمة والحزن على مثل هذا النطاق الواسع -والذي عادة يُرى في الدول الأخرى لموت أحد أفراد العائلة المالكة أو أحد الشخصيات الشهيرة أو السياسية- علينا النظر إلى ما أصبح يمثله سد النهضة الإثيوبي الضخم.    

"طموحات وطنية"

وُصِف السد، المُشيَّد على مجرى نهر النيل بأنه أكثر مشاريع البنى التحتية التي نُفِّذَت في إفريقيا طموحاً. فعقب الانتهاء من بناء السد، الذي يبلغ اتساعه 1.8 كم وارتفاعه 155 متراً، سيسهم في زيادة إنتاج الكهرباء بإثيوبيا إلى 3 أضعافها.    

وسد النهضة الإثيوبي، الذي من المُقرَّر أن يصبح أكبر محطة طاقة كهرومائية في إفريقيا، هو واحدٌ من عدد من مشروعات البنى التحتية العملاقة التي تأمل إثيوبيا بأنَّ تضعها على الطريق لتصبح دولة متوسطة الدخل بحلول 2025.    

وتقول بيليتو بولبولا سورسو، المُحرِّرة في Afaan Oromo Service التابعة لشبكة BBC- إنَّ حجم المشروع وما يتمتَّع به من فرص خلقا وحدة نادراً ما وُجدِت في الدولة التي ظلت على مدى سنوات تعاني من انشقاقات سياسية وعرقية.

وأكدت: "المشروع يوحّد إثيوبيا".  

بدورها، تقول ماتينا ستيفز غريدنيف، مراسلة الشؤون الإفريقية لدى صحيفة Wall Street Journal الأميركية -والتي كانت تعرف سيميغنيو- إنَّه أصبح يمثل هذه الطموحات الوطنية.        

وأضافت في تصريح لبرنامج Focus on Africa على راديو BBC: "كان بيكيلي شخصاً وطنياً جداً وكرَّسَ حياته لتحسين دولته. يبدو وأنه قد كرَّس حياته بأكملها لمستقبل إثيوبيا بتقديم ما بوسعه أي مهاراته الهندسية".    

لم يكن "رجل مظاهر"

تخرَّج المهندس، الذي رحل عن عمر يناهز 53 عاماً، في كلية الهندسة المدنية بجامعة أديس أبابا، وأشرف خلال مسيرة عمله على مشروعي سد آخرين: غيلغل غيبي الأول وغيلغل غيبي الثاني.  

وقد أصبح شخصيةً معروفة لدى العامة عام 2011 حين تولى مسؤولية مشروع سد النهضة الضخم الإثيوبي.

وتقول بيليتو إنَّ الصحافة أجرت معه عدة مقابلات، وكان معروف على نطاق واسع أنه متواضع وبسيط وغير فاسد.   

سد النهضة الأثيوبي
سد النهضة الأثيوبي

وعن طبيعة سيميغنيو الصادقة، تقول بيليتو: "لم يكن رجل مظاهر.. كان يتصرَّف وكأنه أحد العمال في المشروع".

وأجرت تيبيبيسيلاسي تيجابو، من Amharic Service في BBC، مقابلةً مع بيكيلي قبل أيام من مقتله.    

وتقول: "كرَّس حياته كلها للسد"، موضحة أنه كان يقضي أغلب أوقاته في نطاق السد الذي يقع في منطقة بينيشانغول-جوموز الإثيوبية القريبة من السودان، على بعد 1000 كم شمال غربي منزله في العاصمة أديس أبابا.    

وعلقت: "إنه مكان يصعب العيش فيه، لكنه مكث فيه لأكثر من 6 سنوات".

رجل رموز

أصبح بيكيلي رمزاً للسد، وربما يصبح موته كذلك علامة على المشكلات التي تواجه المشروع.   

في هذا الصدد، تقول ستيفز غريدنيف: "كان المتحدث باسم المشروع، والوجه العام له ولا أعرف كيف يمكن استبدال ذلك بسهولة".   

ويُعتقد أن 60% من بناء السد قد اكتمل بالفعل، غير أن التأجيل تسبب بتصاعد ردود أفعال غاضبة.   

في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إنَّ الوتيرة الحالية لأعمال البناء الخاصة بالسد تعني أنه لن يكتمل قبل 10 سنوات.  

وتشير ستيفز غريدنيف إلى أن الإثيوبيين يشعرون بالفخر من حقيقة أن الجزء الأكبر من مشروع السد أقيم بتمويل ذاتي، غير أن تعرض البلاد لنقص الدولار أبطأ من عملية البناء.   

أضف إلى هذا التوترات الجيوسياسية التي تسبب بها السد مع بلاد المصب؛ إذ تشعر مصر بالقلق من أن البنية التحتية للمشروع ستقلل من حصتها من المياه.

وتضيف: "رغم أنَّ السد يتعرض للمشاكل لأسباب عملية، أرى أنَّ موته (بيكيلي) هو بمثابة ضربة حقيقية لما يمثله هذا المشروع، وكيف ترك علامة في نفوس العامة في إثيوبيا".  

وكان يُتوقَع أنَّ يُدفَن سيميغنيو عقب يومٍ واحد من وفاته، غير أنَّ اللجنة الوطنية التي تشكَّلَت لتنظيم جنازته أصدرت بياناً أعلنت فيه تأجيل مراسم الدفن.  

إذ عملت اللجنة على التحضير لجنازة أكبر ستُقام اليوم الأحد، 29 يوليو/تموز، "تليق ببطلٍ قومي مثله".  


 

اقرأ أيضاً

مات مقتولاً بالرصاص.. إثيوبيا تكشف عن سبب موت مدير مشروع سد النهضة

مصر.. السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا الجديد يتفقان على رؤية مشتركة بشأن سد النهضة

تحميل المزيد