أوهام كوشنر في الشرق الأوسط.. 5 أسباب يتجاهلها ترمب وصهره ستفشل صفقة القرن، لكن لماذا يصرّان على فرض خطتهما؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/26 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/27 الساعة 06:41 بتوقيت غرينتش

رغم كل ما يثار عن إمكانية نجاح "ًصفقة القرن" وهي الخطة التي يروج لها الرئيس الأميركي ترمب وصهره لحل مشكلة الشرق الأوسط الرئيسية، وهي الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن هذه الصفقة محكوم عليها بالفشل لأن جاريد كوشنر المبعوث الخاص للرئيس الأميركي بنى خطته على 5 "أوهام" بحسب تقرير نشرته مجلة The Atlantic الأميركية، عن 2 من مساعدي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

وقال فيليب غوردون: المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما ومنسق البيت الأبيض السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج، وبريم كومار: المدير الأقدم للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومدير الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، إن ما يفعله كوشنر لا يخرج عن الأوهام والخيالات، لان كل ما يريد فعله صهر ترمب تم تجريبه من قبل في الشرق الأوسط وأثبت فشله.

 وبحسب الصحيفة الأميركية، ففي يوم الأحد الماضي 24 يونيو/حزيران، في أولى مقابلاته مع الصحف الفلسطينية، قال صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه للسلام في الشرق الأوسط إنَّه رغم الشواهد المُناقِضة، فإنَّ "آمال السلام حية بدرجة كبيرة"، وأكَّد أنَّ الإدارة تستعد لإعلان خطتها المُنتظرة طويلاً من أجل السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. وحين سُئِل كيف تختلف تلك الخطة عن المساعي السابقة، أوضح كوشنر أنَّه قام بـ"الكثير من الاستماع"، وأنَّه مقتنع بأنَّ الشعب الفلسطيني "أقل اكتراثاً بنقاط الحوار بين السياسيين" من اكتراثه برؤية كيف يمكن لاتفاقٍ أن يزيد إمكانية حصولهم على حياةٍ أفضل.

وبالنظر إلى المخاطر الحقيقية لتصعيد العنف، والوضع الإنساني البائس في غزة، والتكاليف المستمرة للوضع الراهن، فإنَّ رغبة كوشنر في المضي قُدُماً حتى في وجه فرصة النجاح الضعيفة أمرٌ مفهوم.

لكن للأسف، كشفت مقابلة كوشنر أيضاً أنَّه يعيش في عالمٍ خيالي، ويُجهِّز نهجاً من المُرجَّح أن يُضاعف المشكلات الحالية أكثر مما يحلها. والافتراضات التي يبدو أنَّه يستند إليها في خطته –مهما كانت محتوياتها التي ستُكشَف قريباً- معيبة للغاية لدرجة أنَّه من العادل التساؤل حول ما إذا كان هدفه هو حقاً بدء مفاوضاتٍ جدية، أم مجرد إسعاد قاعدة الرئيس ترمب عبر الاستعداد لإلقاء اللوم في الفشل المقبل على الجانب الفلسطيني، بحسب المجلة الأميركية

وحدد المسؤولان الأميركيان السابقان 5 عناصر قامت عليها خطة ترمب وصهره لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية بحسب تقرير المجلة الأميركية وهي:

أوهام كوشنر الخمسة

أول الخيالات:  عباس يعارضه والشعب الفلسطيني سيعجب بخطته!

يرى كوشنر أنَّ اعتراض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي رفض أن يلتقيه في رحلته الأخيرة، على صفقة القرن، يمكن ايجاد حل لهذا وهو توجيه الخطة "مباشرةً إلى الشعب الفلسطيني".  يشير كوشنر إلى أنَّ عباس يتجنَّبه لأنَّه "خائف من أنَّنا سننشر خطتنا للسلام، وأنَّ الشعب الفلسطيني في الواقع سيُعجَب بها". لكنَّ هذا غير مُرجَّح.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
الرئيس الفلسطيني محمود عباس

وبحسب المجلة الأميركية، عباس بالفعل لا يحظى بشعبيةٍ لدى معظم الفلسطينيين، فمعدل شعبيته أكثر قليلاً من 30%، لكنَّ هذا بالكاد يعود إلى موقفه المتشدد تجاه إسرائيل. ففي نقاشاتنا المكثفة مع عباس وفريقه المُفاوِض حين كنا مستشارين في البيت الأبيض إبَّان إدارة الرئيس باراك أوباما، وجدنا أنَّ أكثر ما  يثنيهم هو خشيتهم من أنَّهم لا يمكنهم إقناع شعبهم بالمزيد من التنازلات، وشعبهم هذا هو الذي كان يحتج لسنواتٍ على استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ومصادرة الأراضي، والقيود المتزايدة على حركة الفلسطينيين. وهذه المشاكل أكبر اليوم. في الواقع، يعارض عددٌ أكبر من الفلسطينيين اليوم حل الدولتين أكثر من حل الدولة الواحدة، وتقول أغلبية تصل إلى 57% إنَّ مثل هذا الحل لم يعد عملياً بسبب التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يمتد الآن عميقاً داخل الضفة الغربية.

 ويدعم أكثر من 35% من الفلسطينيين اليوم حل الدولة الواحدة، أو بعبارةٍ أخرى، دولة واحدة ذات أغلبية عربية وحقوق متساوية للجميع، وهو حلٌ يلقى قبولاً متزايداً لدى الفلسطينيين دون سن الثلاثين.

وبسبب هذه الاتجاهات، من شبه المؤكد أنَّ الزعيم الفلسطيني المُقبِل سيكون أقل –وليس أكثر- استعداداً لتقديم تنازلات، هذا في حال كان يدعم عملية السلام من الأساس. وفي الواقع، تُظهِر استطلاعات الرأي الأخيرة أنَّ عباس سيخسر الانتخابات الرئاسية لو جرت أمام إسماعيل هنية المنتمي لحركة حماس (التي لا تعترف حتى بإسرائيل)، وهنية بدوره سينهزم أمام مروان البرغوثي، وهو قومي فلسطيني يقبع حالياً داخل سجنٍ إسرائيلي منذ عام 2002.

 

ثاني خيالات كوشنر: إدارة ترمب ستنجح في حل القضية بينما أخفق الأخرون!

وبحسب المجلة الأميركية، فإن ثاني أوهام كوشنر اعتقاده بأنَّه والإدارة التي يُمثِّلها في موضعٍ أفضل للنجاح أكثر من كل أسلافهم الذين فشلوا، وهو هدفٌ يبدو أنَّه يُحرِّك ترمب تماماً بقدر ما يُحرِّكه هدف تحقيق السلام في الشرق الأوسط ذاته. لكن في حين أنَّه من الواضح بالفعل أنَّ ترمب صانع صفقات سيئ لم يتوصل حتى الآن إلى أي اتفاقٍ دولي مهم (التنازلات التي تُقدَّم لكوريا الشمالية من طرفٍ واحد في مقابل تعهُّدٍ مبهم بـ"العمل باتجاه" نزع السلاح النووي لا تُمثِّل اتفاقاً دولياً)، فإنَّ السلام في الشرق الأوسط ربما يكون هو أكثر قضية لا يسمح له وضعه فيها بالنجاح. ففي حين كانت كل الإدارات الأميركية دائماً أقرب إلى إسرائيل من الفلسطينيين، كانت كلها على الأقل تحاول الاضطلاع بدور الوسيط النزيه تحت مُسمَّى إيجاد حل وسطٍ عملي، وكان الفلسطينيون ينظرون إليها كشركاء ضروريين.

الرئيس الأميركي وإدارته
الرئيس الأميركي وإدارته

وبحسب المجلة الأميركية، ترمب تخلى حتى عن قشرة الموضوعية. ففي الشهر الماضي، مَنَح من جانبٍ واحد إسرائيل أحد أكثر الجوائز المرغوبة في المفاوضات، فاعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، دون الحصول على أي شيءٍ في المقابل. ولجعل الأمر أسوأ، احتفل بعد ذلك بالخطوة الأحادية لنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وهي خطوة عارضتها 128 دولة في الأمم المتحدة، بحفلٍ كبير نُظِّم قبل يومٍ واحد فقط من إحياء الفلسطينيين لذكرى نكبة 1948. وحضر حفل السفارة العشرات من أعضاء الكونغرس من الجمهوريين فقط، وتضمَّن خطاباتٍ ألقاها قساوسة إنجيليون معروفون أصلاً بتصريحاتهم المتعصبة ضد المورمونيين واليهود والمسلمين، ما يشي بأنَّ الأمر برُمته كان مُتعلِّقاً بالسياسة الأميركية الداخلية أكثر من السلام في الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي قتل فيه الجيش الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين في غزة، لم تختر إدارة ترمب التعبير عن تعاطفها مع الفلسطينيين الذين قُتِلوا، ولا الانضمام إلى المناشدات الدولية لضبط النفس الإسرائيلي. ومن الناحية الأخرى، خفَّض ترمب مساعداته  المالية المخصصة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بسبب الغضب من أنَّ الفلسطينيين لم يمنحوه "التقدير أو الاحترام" المطلوب، كما لو أنَّ المساعدات، حتى حين تخدم المصالح القومية الأميركية، يجب أن تُقابل بالإطراء. وقدَّمت إدارته دعماً غير مشروطٍ للمستوطنات، فقاتل السفير الأميركي لدى إسرائيل ضد استخدام كلمة "احتلال"، ويشير إلى الضفة الغربية باستخدام تعبير "يهودا والسامرة"، كما يُفضِّل المستوطنون الإسرائيليون تسمية المنطقة، بدلاً من الإشارات الأميركية التقليدية إلى "الضفة الغربية". وبالتالي، ليس مُستغرباً أنَّ الفلسطينيين توقفوا عن الحديث إلى الإدارة. ومن الصعب رؤية كيف يمكن النظر إلى الولايات المتحدة في أي وقتٍ تحت حكم ترمب كوسيطٍ نزيه، أو تجاوز عباس، في حين يُعارض ثلثا الفلسطينيين استئناف العلاقات مع المفاوضين الأميركيين، ويرى 88% منهم أنَّ الولايات المتحدة منحازة لصالح إسرائيل.

ثالث الخيالات: مصر ودول الخليج ستساعده في فرض صفقة القرن

ويرى صهر ترمب أنَّ دول الخليج العربية ومصر والأردن ستساعده في التغلب على تلك التحديات الكبيرة. صحيحٌ أنَّ إدارة ترمب أقامت علاقاتٍ وثيقة مع قادة تلك الدول، إلى حدٍ كبير على خلفية موقفها من إيران، وفتح صنبور مبيعات الأسلحة، وتنحية المخاوف التقليدية حيال حقوق الإنسان. وصحيحٌ ايضاً أنَّ هؤلاء القادة الإقليميين يُشاطرون إسرائيل منظوراً استراتيجياً مشتركاً حول إيران والتطرف الإسلامي، والكثير جداً من التحديات الأخرى المطروحة على طاولاتهم، من تراجع أسعار النفط وحتى اليمن وسوريا، ولا يمنحون القضية الفلسطينية الأولوية كما كانت تفعل الأجيال السابقة.

السيسي وترمب إضافة إلى الملك سلمان اثناء تدشين مركز إعتدال لمكافحة التطرف
السيسي وترمب إضافة إلى الملك سلمان اثناء تدشين مركز إعتدال لمكافحة التطرف

لكن وجهات النظر الإقليمية المتغيرة هذه لا تعني أنَّ القادة العرب سيستهلكون رأس مالهم السياسي لإقناع الفلسطينيين، حتى لو كان بإمكانهم فعل ذلك. ولا شك أنَّ كوشنر سمع أحاديثَ إيجابية من الأصدقاء العرب في اللقاءات الخاصة أثناء رحلته التي استمرت أربعة أيام وانتهت للتو إلى الأردن والسعودية ومصر وقطر، قبل الذهاب إلى إسرائيل. لكن لا يجب أن يتوقع تبنِّي أولئك القادة علناً لمواقف حول السلام يرفضها الفلسطينيون والغالبية العظمى من شعوبهم. وهذا ينطبق بصورةٍ خاصة على قضية القدس، إذ سيُدان، ويُستَغَل، أي تخفيف للدعم السعودي أو المصري للفلسطينيين على الفور من جانب منافسيهم في إيران وقطر وتركيا.

رابع الخيالات: الفلسطنيون يمكن شراؤهم بالمال والمساعدات!

يعتقد كوشنر أنَّ الفلسطينيين يمكن شراؤهم بالمساعدات الاقتصادية لتعويض خسائرهم السياسية. ففي مقابلة كوشنر مع الصحيفة الفلسطينية، اقترح أنَّ إدارة ترمب قد "تجتذب استثماراتٍ كبيرة جداً في البنية التحتية.. تقود إلى زيادةٍ في الناتج المحلي الإجمالي، ونأمل أيضاً في غطاءٍ من التعايش السلمي". وبوضع فكرة أنَّ إدارة ترمب لم تستطع اجتذاب استثماراتٍ كبرى لضخها في البنية التحتية الأميركية جانباً، وهو ما يجعل المرء يتساءل بشأن اجتذاب الاستثمارات للضفة الغربية وغزة، فإنَّ هذا التركيز على القضايا الاقتصادية جُرِّب من قبل دون جدوى في عددٍ من المناسبات.

سيدة فلسطينية أثناء حصولها على المساعدات من قبل الأمم المتحدة
سيدة فلسطينية أثناء حصولها على المساعدات من قبل الأمم المتحدة

ففي حقبة أوسلو في التسعينيات، ثُمَّ في خارطة طريق السلام في عام 2002، وعملية أنابوليس في ظل إدارة بوش الابن، وأخيراً جهود وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري أثناء حقبة أوباما، حاولت الإدارات الأميركية المتعاقبة تعزيز فرص السلام بتحسين الظروف المعيشية على الأرض. من الجدير بالثناء بطبيعة الحال تعزيز التنمية الاقتصادية المطلوبة بشدة في الضفة الغربية وغزة، لكن يجب على كوشنر أن يكون قد فهم الآن أنَّ الرخاء لن يحل محل السلام السياسي أبداً. إذ تظل القضايا الرئيسية هي الحدود والسيادة، والأمن، والمستوطنات والاحتلال، واللاجئين، والقدس. فلا يمكن لزعيمٍ فلسطيني أن يظل في الحكم عن طريق التعهُّد بالمنافع الاقتصادية وحدها.

الوهم الخامس: الإسرائيليون تحت حكم نتنياهو سيطروا فرحاً بالصفقة

ما يراه كوشنر أنَّ الإسرائيليين تحت حكم نتنياهو سيطيروا فرحاً بهذه الصفقة على الرغم من أن الأوضاع الداخلية تكشف غير ذلك بحسب المجلة الأميركية، فعلى الأرجح لن يوافقوا على ذلك النوع من الاتفاق الذي سيكون ضرورياً لجعل موافقة الفلسطينيين أو العرب ممكنة بنسبةٍ بسيطة على الأقل. ففي السنوات القليلة الماضية، توقف نتنياهو عن الحديث حتى عن دعم حل الدولتين، الذي قبله أول الأمر على نحوٍ حذر للغاية في خطابٍ ألقاه في عام 2009 في جامعة بار إيلان.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

ولا تدعم الأغلبية من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية حتى إقامة دولة فلسطينية، ناهيك عن التنازلات التي ستحتاج إسرائيل لتقديمها من أجل إقامة تلك الدولة. وفي ظل خضوع نتنياهو وزوجته للعديد من تحقيقات الفساد الجدية، فإنَّ رئيس الوزراء على الأرجح يرى أنَّ أمله الوحيد هو إبقاء تلك الحكومة المتشددة معاً لدرء أو تأخير أي اتهاماتٍ محتملة. ومن غير الواضح كثيراً ما إن كان الشعب الإسرائيلي نفسه مستعداً لتقديم التنازلات الكبيرة اللازمة للسلام، بما في ذلك إجلاء مئات الآلاف من المستوطنين من الضفة الغربية. لكن من الواضح تماماً أنَّ الحكومة الإسرائيلية ليست مستعدةً لفعل ذلك، بحسب المجلة الأميركية.

وفي مقابلته، يُشكِّك كوشنر في ما إذا كان عباس لديه القدرة أو الرغبة لـ"قبول إتمام صفقة". لكن كذلك الحال بالنسبة لنتنياهو، وحقيقة أنَّ كوشنر لا ينتقد إلا جانب واحد فقط تُعَد معبرةً عن الوضع. هذا الأمر في حد ذاته جزءٌ من المشكلة.

لماذا يمضي كوشنر في خطته رغم معرفته بفشلها؟

وبعد 18 شهراً من المحادثات، بمساعدةٍ من البارع جيسون غرينبلات، الذي تشاور مع مجموعةٍ واسعة من الخبراء والمسؤولين من كل البلدان، يتعين على كوشنر إدراك ذلك. فهل هو ساذج أو شيءٌ ما؟ لِمَ عساه يمضي قُدُماً بخطةٍ بمثل تلك الاحتمالات الضعيفة للنجاح؟

صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه للشرق الأوسط جاريد كوشنر
صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه للشرق الأوسط جاريد كوشنر

وبحسب المجلة الأميركية، ربما يعمل كوشنر على أساس أنَّه من الأفضل دوماً أن تحاول وتفشل بدلاً من عدم المحاولة على الإطلاق. لكنَّ هذا أيضاً غير صائب. فالشيء الوحيد الأسوأ من التقدُّم في عملية السلام هو رفع سقف الآمال والتوقعات، فقط لينهار ذلك السقف بعد ذلك بوقتٍ قصير. لقد رأينا ذلك السيناريو يحدث الكثير والكثير من المرات في الماضي، من قمة كامب ديفيد عام 2000، إلى محادثات عباس-أولمرت في عام 2008، وحتى عملية جون كيري بين عامي 2013-201، وكلها فشلت بعد وقتٍ قصير وأتبعها وقوع عنف. ومن حسن حظ كوشنر، لا يمكن  أن تكون التوقعات في هذه الحالة أقل كثيراً. لكنَّ تقديم خطة سلام أخرى فقط لتفشل بمجرد إعلانها لا يؤدي إلا لتشجيع معارضي التوصل إلى تسوية، بل وحتى دعاة العنف، من كلا الجانبين.

وسببٌ آخر للمضي قُدُماً هو ربما إلقاء اللوم على الفلسطينيين في فشل "الصفقة النهائية" بدلاً من إلقائه على السياق الصعب وأخطاء ترمب. وإن كان الماضي مؤشراً، فيمكننا توقُّع أن يقول الجانب الإسرائيلي "نعم، ولكن" (في حين أنَّ المقصود هو "مستحيل")، وأن يقع الفلسطينيون في فخ رفض خطةٍ أميركية أو عدم الانخراط بها على الإطلاق. سيُسعِد هذا جزءاً من قاعدة ترمب، وربما يُخرج الإدارة من موقفها الصعب لمجرد المحاولة، لكنَّه لن يؤدي إلا لزيادة الخلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فيما يفاقم كذلك الانقسامات الحزبية في الولايات المتحدة حول إسرائيل.

ترمب جزء من المشكلة

وبحسب المجلة الأميركية، قد يعتقد كوشنر أنَّ الرفض الفلسطيني سيُبطئ الدعم للمساعي الرامية لإدانة إسرائيل دولياً. لكنَّ هذا أيضاً غير صحيح. فافتقار ترمب الكامل للمصداقية في هذه القضية، بعد قراريه بخصوص القدس والأونروا على وجه الخصوص، يعني أنَّ المعظم في أوروبا والمناطق الأخرى سيستنتجون أنَّ الرفض الفلسطيني للخطة سببه أنَّها لم تكن عادلة، وليس لأنَّ الفلسطينيين يرفضون السلام.

ترمب وصهره
ترمب وصهره

ويُظهِر التصويت غير المتوازن الذي جرى في الأمم المتحدة ضد قرار ترمب بنقل السفارة إلى القدس أنَّ الولايات المتحدة، وليس الفلسطينيين، هي المعزولة حاليّاً. وفي الحقيقة، ربما يشير إلغاء مباراة كرة قدم مؤخراً بين إسرائيل والأرجنتين جزئياً بسبب إصرار حكومة نتنياهو على الرمزية السياسية لإقامتها في القدس إلى تسارعٍ في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS). ففي نهاية المطاف، قد يقول أنصار المقاطعة: إذا دعمت الولايات المتحدة طرفاً واحداً فقط في الصراع، فماذا تبقى هناك لعمله؟ وترسيخ هذه الرؤية عن طريق تقديم خطة سلام فاشلة لن يُقدِّم لإسرائيل أو لأي طرفٍ آخر أي منفعة.

وختم المسؤلان السابقان قائلين لقد كرَّسنا الكثير من السنوات للعمل على هذه القضية، ونشعر بالقلق من تبعات الوضع الراهن على كلٍ من إسرائيل كدولةٍ آمنة وديمقراطية ويهودية، وكذلك مستقبل نحو ستة ملايين فلسطيني. لقد رأينا وشاركنا في جزءٍ كبير من جهود السلام غير الناجحة، بل وحتى غير المدروسة. لكنَّ الواقع هو أنَّه في ظل الظروف الراهنة، وفي ظل الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية الحاليتين، أضحى حل الدولتين في حد ذاته خيالاً. فلا الفلسطينيون، ولا الشعب الإسرائيلي، ولا قادتهما مستعدون حالياً لتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق، وإبراز تلك الحقيقة لن يزيد الأمور إلا سوءاً.

في الدبلوماسية، كما هو الحال في الطب، يمكن أن يكون قسم أبقراط بـ"عدم إلحاق ضرر" مبدأً قيماً. وسيتصرف كوشنر بحكمة إذا ما فكَّر في ذلك الآن.

تحميل المزيد