وضعت الانتخابات التركية أوزارها لكن ما زالت كواليس عملية التصويت غائبة.. لماذا أتت النتائج هكذا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/25 الساعة 20:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/27 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
التصويت في يالوفا

رافق الانتخابات التركية، التي أجريت الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، العديد من المفارقات التي تعد فريدة من نوعها في العملية الديمقراطية؛ إذ -لأول مرة تقريباً- تصل نسبة المشاركة في انتخابات بالبلاد إلى 87%، في وقت تحدث فيه البعض أن طبيعة التصويت كشفت عن عدم رضا شرائح من الأتراك عن أداء الحزب الحكام في تركيا.  

صحيفة The Guardian البريطانية رصدت في تقرير، كل ما حدث بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكيف نجح أردوغان في حسم الانتخابات، في حين نجح حزب الحركة القومية في الحفاظ على قاعدته التصويتية رغم انشقاق ميرال أكشينار عن الحزب وتأسيسها حزب "الجيد".

ماذا حدث في تركيا؟

أجرت البلاد انتخابات رئاسية وبرلمانية بالوقت نفسه، في ظل نظام رئاسي جديد سيحظى فيه رئيس الدولة بسلطات أوسع وستتقلَّص سلطة البرلمان.

وفاز رجب طيب أردوغان بإعادة انتخابه بأغلبية مطلقة في الجولة الأولى، بنسبة 52.55% من الأصوات. وجاء مُنافسه الأكبر، محرم إينجة، في المركز الثاني بحصوله على نسبة 30.67% من الأصوات، وهو تحدٍّ مُثير للإعجاب، ولكنه ليس كافياً لإجراء جولة إعادة.

وحصل المرشح الرئاسي المسجون صلاح الدين دميرطاش من الحزب الديمقراطي الشعبي المؤيد للأكراد على نسبة 8.36% من الأصوات، وتفوَّق على ميرال أكشينار، التي انفصلت عن القوميين الذين تحالفوا مع أردوغان لإنشاء حزب مُعارض خاص بها.

أمَّا في البرلمان، فقد عبَر حزب الشعوب الديمقراطي عتبة الـ10% من الأصوات الوطنية اللازمة لدخول البرلمان، لكنَّ حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده أردوغان، إلى جانب حلفائه القوميين المتمثلين في حزب الحركة القومية، احتفظ بالأغلبية الإجمالية في البرلمان بعد ظهور قوي وغير متوقع من قِبل القوميين.

وبلغت نسبة المُشاركة في الانتخابات رقماً قياسياً وصل إلى 87%. ومثَّلت النتائج خيبة أمل كبيرة للمعارضة، التي جاءت أقل من التوقعات، مما مهَّد الطريق لاستمرار هيمنة أردوغان.

إذاً.. ماذا الآن؟

سيتولى أردوغان صلاحياتٍ جديدة، حظيت بالموافقة في استفتاء العام الماضي (2017) وستستمر ولايته الأولى لمدة 5 سنوات، ما سيُبقيه في منصبه حتى الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. ويحق له الترشح لمدةٍ ثانية مدتها 5 سنوات.

وسيحتفظ حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية بالأغلبية في البرلمان، ولكن من غير المؤكد إذا ما كان سيصمد هذا التحالف أم لا في برلمانٍ بنفوذٍ متقلص إلى حدٍّ كبير بحسب الصحيفة البريطانية.

كيف أُديرت الحملة؟

ونظَّم محرم إينجة حملةً فعالة، وهي المرة الأولى منذ سنوات التي تسشتعر فيها المعارضة أنها تمثل تحدياً فعالاً.

وكان إينجة -مُدرس الفيزياء السابق- هو المُرشح العلماني الرئيسي عن حزب الشعب الجمهوري المُعارض، وتمكَّن من جذب حشود من مئات الآلاف في كبرى المدن التركية في أثناء مروره على جميع مقاطعات البلاد تقريباً.

وبينما أظهرت جميع استطلاعات الرأي تقريباً أنَّ أردوغان سيفوز بالانتخابات في جولتين على الأرجح، بدا أنَّ العديد من الاستطلاعات تشير إلى أن إينجة وغيره من مرشحي المعارضة سيحصلون على ما يكفي من الأصوات لدفع الرئيس على خوض جولة إعادة في المُنافسة.

لكنَّ النتيجة أظهرت أنَّ أردوغان احتفظ في الأساس بالنسبة نفسها من الأصوات التي أيَّدته دائماً. ففي عام 2014، الذي شهد المرة الأولى التي انتُخب فيها الرئيس التركي مُباشرة بالتصويت الشعبي، فاز أردوغان بـ51.79% من الأصوات. وفي الاستفتاء العام على توسيع الصلاحيات الرئاسية، فازت حملة الرئيس المؤيدة للاستفتاء بـ51.4% من الأصوات. وظلت شعبيته كما هي، حتى بعدما خسر حزب العدالة والتنمية بعض مقاعده في البرلمان. 

في النهاية، بدا أنَّ محاولة إينجة اجتذاب قاعدة أردوغان الدينية المُحافِظة قد فشلت، رغم تصريحه بالمواظبة على "صلاة الجمعة يومياً" واصطحاب أمَّه في آخر تجمُّع انتخابي له على المنصة وهي مرتدية الحجاب، فضلاً عن تعهُّده بعدم التمييز ضد المتدينين؛ إذ إنَّ انعدام الثقة بعلمانيي البلاد يمتد كثيراً داخل أعماق قاعدة أردوغان.

ماذا عن البرلمان؟

يبدو أنَّ الناخبين قد التزموا بالتصويت لمعسكراتهم الانتخابية، حتى وإن كانوا قد صوَّتوا لأحزاب مختلفة داخل تحالفاتهم. وبدلاً من استقطاب ناخبين من حزب أردوغان، سرقت أحزاب المعارضة في الغالب الناخبين بعضها من بعض.

احتفظ حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان، وحلفاؤه القوميون المتمثلون في حزب الحركة القومية، بأغلبية أصواتهم في البرلمان بعد أداء قوي مُدهِش من جانب حزب الحركة القومية. ودخل الحزب الديمقراطي الكردستاني الموالي للأكراد وحزب الشعوب الديمقراطي الليبرالي البرلمان لمدةٍ ثانية على التوالي بالحصول على أكثر من 10% من الأصوات الوطنية، ولكن بسبب الأداء القوي لحزب الحركة القومية، نجح فقط في إضعاف أغلبية الحزب الحاكم.

قبل الانتخابات، كان من المتوقع أن يحصل حزب الحركة القومية -الذي بالكاد عقد عدد قليل من المسيرات الانتخابية وانفصلت عنه مجموعة من الأعضاء للانضمام إلى بعض أحزاب المعارضة كحزب "الجيد"- على نسبة أصوات تتراوح بين 5 و7%. لكنَّه حصل على نسبةٍ أكثر بقليل من 11%.

وانخفضت نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية الحاكم من 49.5% في الانتخابات الأخيرة إلى 42.5%، بينما انخفضت نسبة أصوات حزب الشعب الجمهوري بنسبة 3% تقريباً. ويبدو أنَّ بعض ناخبي حزب العدالة والتنمية قد عاقبوا الحزب بسبب المزاعم التي تدور حول فساد وعدم كفاءة بالتصويت لمصلحة حلفائه القوميين، لكنَّهم لم يصلوا إلى حد الانضمام إلى المعارضة.

وخسر حزب الشعب الجمهوري الأصوات لمصلحة حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، وهذا تكتيكٌ استراتيجي صُمِّم لضمان دخول حزب الشعوب الديمقراطي البرلمان، وكانت تلك هي استراتيجية المعارضة لإنهاء أغلبية حزب العدالة والتنمية في البرلمان. ولكن، يبدو أنَّ ناخبي حزب الشعب الجمهوري قد انضموا إلى حلفائهم المُعارضين، ويُقصد هنا حزب الخير الوطني، الذي فشل بدوره في استقطاب الناخبين القوميين والمحافظين المُهمين من معسكر أردوغان.

وربما يكون أداء إينجة أيضاً قد وضعه في موضعٍ يُمكِّنه من السيطرة على حزب الشعب الجمهوري، والظهور كزعيم جديد للحزب، بعدما تفوق على حزبه في الانتخابات.

علامات:
تحميل المزيد