رفع الطوارئ وأطلق سراح المعارضين ويريد نهضة حقيقية للبلاد، ولكن.. هذه أخطر الأمور التي قد تعيق مسيرة قائد إثيوبيا الجديد

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/24 الساعة 21:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/24 الساعة 21:28 بتوقيت غرينتش

في أقل من شهرين، خطف رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد الأضواء في البلاد، ليس فقط بسبب التصريحات التي لاقت استحساناً بين معارضيه قبل مويديه، ولكن أيضاً بسبب الإجراءات التي يقدم عليها لحل الأزمات الاقتصادية في البلاد.

صحيفة The New York Times الأميركية، رصدت كيف ينظر الشارع إلى آبي أحمد في جولة لإحدى الصحفيات فيها، التي قالت يصفون أنفسهم بأنَّهم نادي كتاب، ويتقابلون عادةً في أحد أيام السبت من كل شهر، رجال ونساء تتراوح أعمارهم في الغالب بين العشرينيات والثلاثينيات، لمناقشة قصص وروايات الأدب الكلاسيكي.

وبحسب مراسلة الصحيفة الأميركية سوميني سينغوبتا، يبدو اليوم غير اعتيادي. فقد قرَّروا مناقشة قصة بلادهم. وبطل هذه الرواية هو رئيس وزرائهم آبي أحمد، الذي ساعد صعوده إلى أعلى منصب في البلاد، في أواخر مارس/آذار، في إنقاذ إثيوبيا من حافة هاوية الانهيار السياسي.

يُعتبر آبي، البالغ من العمر 41 عاماً، واحداً من أصغر حكام بلاد القارة الإفريقية، وهي القارة صاحبة التعداد السكاني الأصغر سناً حول العالم. وهو يحاول الآن تغيير بعضٍ من الطرق القديمة التي تسير بها الأمور.

ومنذ توليه المنصب، عقد آبي لقاءاتٍ مفتوحة في شتَّى أنحاء البلاد، واستمع إلى ما قاله الشعب. واعتذر عن مقتل المحتجين على يد القوات الحكومية، ودعا إلى الوحدة بين المجموعات العرقية العديدة للبلاد.

"يشعر بألمنا"

وربما يبدو الأغرب من بين كل هذا أنَّه عبر عن ترحيبه باختلاف الآراء السياسية، وهو شيءٌ لم يُسمَع عنه تقريباً في بلدٍ يُسجَن المعارضون فيه عادةً. وفي يوم الجمعة 22 يونيو/حزيران، قال مكتبه على موقع تويتر، إنَّ البلاد لن تحظر بعد اليوم 264 موقعاً إلكترونياً، ومدونة، ومحطة تلفزيونية، معظمها مؤيدٌ للمعارضة.

وقال عضوٌ بنادي الكتاب، وهو محاضر جامعي يبلغ من العمر 33 عاماً يدعى ميكونين مينغيشا: "إنَّه يشعر بألمنا؛ لأنَّه يعاصرنا. لدينا فجوة بين الأجيال مع الحكام القدامى".

فيما قالت ماكدا غيتاتشيو، خبيرة السياسة العامة البالغة من العمر 31 عاماً: "إنه شيءٌ منعش".

ولا يبتهج الجميع بسبب التغيرات المشهودة. ففي يوم السبت 23 يونيو/حزيران، فجَّر شخصٌ قنبلةً في مسيرةٍ مؤيدةٍ لآبي بأديس أبابا، مما تسبب في إصابة عددٍ من الأشخاص حسبما أفاد المسؤولون. وقال متحدثٌ إن رئيس الوزراء كان "في أمان".

إثيوبيا هي الدولة الإفريقية صاحبة ثاني أكبر تعداد سكاني بعد نيجيريا. وحتى بالنسبة لإفريقيا، تعتبر إثيوبيا بلداً شاباً على نحو مذهل. إذ يصل متوسط أعمار سكانها البالغ تعدادهم 100 مليون نسمة نحو 18 عاماً.

وسيكون الاختبار الأكبر أمام آبي الوفاء بمطالبهم الاقتصادية والسياسية. ونفذ بالفعل حتى الآن بعض التحركات السياسية المحنكة غير المألوفة.

أمر آبي برفع حالة الطوارئ قبل الموعد المخطط له. إذ فُرِضَت حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال أقل من عامين، بهدف السيطرة على التظاهرات الواسعة المناهضة للحكومة التي تعكر صفو البلاد، ويقودها الشباب في الغالب.

وأصدر كذلك عفواً عن واحدٍ من أشهر السجناء السياسيين في بلاده، وهو مواطن بريطاني يُدعى أندار غاتشو تسيجى، حُكِمَ عليه بالإعدام لدوره في مجموعة جنبوت 7 المعارضة، التي تعتبرها الحكومة جماعةً إرهابيةً.

وبعد العفو، التُقطت صورة لآبي مع تسيجي، حيث كان الرجلان يبتسمان أمام الكاميرا.

كانت هذه خطوةً متوقعةً من جانب آبي: فهي إشارة رمزية كبيرة دون خطواتٍ محددة لتحقيق الأمور التي عبر النقاد عن قلقهم بشأنها، مثل فتح المجال أمام أنشطة المجتمع المدني أو الحوار الوطني مع مجموعات المعارضة، بحسب الصحيفة الأميركية.

يعرف متى يقول ماذا وأمام مَن

وقال تمرات جورجيس، المحرر بصحيفة Addis Fortune الأسبوعية الناطقة باللغة الإنكليزية، إن "رئيس الوزراء آبي من نوعية الأشخاص الذين يقولون الأشياء الصحيحة أمام الجمهور المحلي، ويعطي الإشارات الصحيحة أمام شركاء التنمية الدوليين".

وأضاف جورجيس، أنَّ ما ينتظر أن يراه هو ما إذا كانت هذه الكلمات والإشارات ستصبح استراتيجيةً للتحرر.

ومع ذلك، اتَّخذ آبي عدداً من التحركات الجسورة هذا الشهر.

قالت حكومته إنَّها ستعقد صفقة سلام لتسوية النزاع الحدودي الدموي مع إريتريا، جارة إثيوبيا وغريمتها. ويحتمل أن تؤدي هذه التسوية إلى إنهاء صداع الأمن الوطني الأكبر في رأس آبي.

وقالت الحكومة أيضاً إنَّها سوف تبيع حصصاً في أكبر شركتين حكوميتين في البلاد، مما يفتح الباب أمام ضخ مزيدٍ من الأموال لحلِّ مشكلة نقص العملة الأجنبية. وزار آبي القاهرة، وهي رحلة نادرة الحدوث من جانب القادة الإثيوبيين، في محاولةٍ لتهدئة التوترات مع مصر حول سد توليد الطاقة الكهرومائية الذي تشيده بلاده على النيل.

وتضيف مراسلة الصحيفة الأميركية "زرتُ إثيوبيا في مايو/أيار لأول مرة منذ حوالي 15 عاماً. وبطريقةٍ ما، ذكرتني بالهند في بدايات التسعينيات، عندما زرتها طفلاً، حينما كانت الحكومة الهندية، التي واجهت أيضاً آنذاك أزمة نقص العملة الأجنبية، تبدأ بحذر فتح اقتصادها أمام العالم.

وتشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدلات التضخم في إثيوبيا، إذ تتجاوز نسبتها 11%. وتدين البلاد بديونٍ كبيرة لدائنين خارجيين، إضافةً إلى أنَّ أزمة العملة حادة للغاية، لدرجة أنَّ الإثيوبيين العاديين يقولون إنَّهم عادةً لا يستطيعون إيجاد الأدوية الأساسية على أرفف الصيدليات.

تقف العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على أعتاب التغيير حالياً. غير أنَّ بوصلة وجهتها يصعب تحديدها.

فقد زاد التعداد السكاني للمدينة بأكثر من ثلاثة ملايين ساكن خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن أنَّ المدينة تشبه موقع البناء. إذ تظهر البنايات نصف مكتملة في جميع أنحاء المدينة، هذا بينما يُعاد تجديد المطار بمساعدة مستثمرين صينيين. وتمتد شبكة سكك حديدية جديدة خفيفة عبر المدينة، بالرغم من أنَّ أديس أبابا يخيم عليها الظلام لساعات عندما تنقطع الكهرباء.

وتشارك سيارات البيتلز فولكس فاغن القديمة الشوارع مع الموديلات القديمة من سيارات تويوتا الرياضية. وفي إحدى حانات الكاريوكي، تتشارك أغاني كوليو وريهانا الأثير مع أغاني البوب الأورومية.

ويستغرق شراء شريحة هاتف جوال ساعاتٍ عديدة في مكاتب شركة Ethio Telecom، المقدم الوحيد لخدمات الجوال في البلاد. ونادراً ما تُقبل البطاقات الائتمانية في المحال. ويشيع تحميل الأفلام بصورةٍ غير قانونية دون أي عقوبة، حسبما يقول مستهلك للأفلام الأميركية، بسبب عدم وجود وسائل قانونية لبثها، بحسب الصحيفة الأميركية.

هذا الإعلان عن بيع حصصٍ من أثمن أصول البلاد، وهما شركة Ethio Telecom والخطوط الجوية الإثيوبية، يمكن أن يكون هديةً للمستثمرين الأجانب، ولا سيما الصينيين الأثرياء الذين حرصوا على توطيد العلاقات مع الحكومة الإثيوبية.

لكنَّ الخصخصة لا تعني فتح الباب على مصراعيه لمنافسة القطاع الخاص، أو على الأقل ليس في الوقت الحالي. ووصف جورجيس الأمر بأنَّه "استجابة بائسة أمام ذلك النوع من التحدي، الذي يواجه الاقتصاد الكلي، وتجد البلاد نفسها في مواجهته الآن".

الأمر الأخطر من الإصلاح الاقتصادي

وبحسب الصحيفة الأميركية، إذا كان الاقتصاد يشكل أكثر التحديات إلحاحاً أمام رئيس الوزراء، فإنَّ اتفاق السلام مع إريتريا هو الأخطر، حسبما قال رشيد عبدي، مدير مشروع القرن الإفريقي في مجموعة معالجة الأزمات الدولية. ويعزى ذلك إلى أنَّها قد تجلب رد فعلٍ شديداً ضد آبي من الحرس القديم بحزبه الذين أقالهم.

وبخلاف ذلك، هناك الخطر الأوسع المتمثل في تعرض الإثيوبيون لخيبة أمل. إذ قال عبدي: "لقد أثار توقعاتٍ هائلة من خلال تصريحاته السياسية الجسورة، وربما بدون قصدٍ عبر خطابه. ويمكن أن يكون تحقيق هذه التوقعات أمراً شاقاً".

يختلف آبي أيضاً عن سابقيه بحكم هويته. إذ إنَّه من أبناء عرقية الأورومو، وهي واحدة من أكبر المجموعات العرقية في البلاد. واشتكى أبناء هذه المجموعة العرقية لسنواتٍ طويلة من التهميش.

ومع هذا، ليس آبي غريباً عن مؤسسة الحكم الإثيوبية.

ارتقى آبي ضابط الجيش السابق عبر المناصب في ائتلافٍ سياسي يسمى نفسه "الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي"، وهي جبهة تحتكر السلطة الآن. إذ تسيطر على جميع مقاعد البرلمان، بالإضافة إلى النظام القضائي. وتتمتع بدعم جيشٍ قوي. وتبدو الحقوق السياسية والمدنية محدودة. والأراضي تسيطر عليها الحكومة، بحسب الصحيفة الأميركية.

الجناح الإصلاحي في الحزب الحاكم

ويشكل آبي الجناح الأصغر والأكثر إصلاحاً داخل الحزب، بالرغم من أنَّه لم ينفذ بعد إصلاحاتٍ سياسية أو اقتصادية ممنهجة. على سبيل المثال، لم يقل أي شيء عن المفاوضات مع مجموعات المعارضة داخل البلاد وخارجها. ولم يفعل الكثير لطمأنة المواطنين العاديين بأنَّ مؤسساتهم، مثل الشرطة، والقضاء، والصحافة، تستطيع أن تكون مستقلة.

وتساءل مينغيشا، المحاضر الجامعي: "هل من الممكن له أن يحقق ذلك في ظل هذا النظام؟"

وامتدحت عضوة أخرى بنادي الكتاب، وهي فريات ولدكيان التي تبلغ من العمر 25 عاماً، رئيس الوزراء لما أطلقت عليه ذكاءه العاطفي. إذ قالت: "إنَّه يتطرق لجميع قضايانا، ولا سيما التي يفكر فيها الشباب". إلا أنَّها لم تكن متأكدة ما إذا كان ما يفعله بكل بساطة هو تهدئتهم، كما لو أنَّه يُلهي رضيعاً ما.

واستعانت ولدكيان بمثلٍ باللغة الأمهرية انفجرت معه الغرفة من الضحك: "كما لو كان يُوهم الدجاج بأنَّه ثيران"، بحسب مراسلة الصحيفة الأميركية.

وبينما كانوا يشربون الشاي والمياه ويستعرضون منشوراتٍ لأحد خطابات آبي، لاحظ عددٌ من أعضاء نادي الكتاب، أنَّ رئيس الوزراء الجديد يبتعد على ما يبدو عن الرطانة المتكلفة، التي عفى عليها الزمن لسابقيه من رؤساء الوزراء.

وقالت غيتاتشيو: "إنَّه لا يستخدم هذه الكلمات. إنَّه يعترف، وأعتقد بطريقة مثالية، بما يشعر به الناس: فشل الحزب، وفشل الحكومة. إنَّه حقاً إثيوبي يركز جداً على الوحدة. وذلك أيضاً جديدٌ علينا".

تحدثتُ إلى غيتاتشيو مرةً أخرى بعد اجتماع نادي الكتاب. وأشارت إلى أنَّ رئيس الوزراء الجديد لم يُنظِّم بعد حواراً وطنياً مع المعارضة. ولم يقترح خارطة طريق للإصلاحات السياسية قبيل الانتخابات القادمة.

وأضافت "إنَّه يثير عدداً من التوقعات. وفي نهاية اليوم، لا يزال يقود وفقاً لهيكل الحزب القديم، وهيكل الحكومة القديم، والقوانين القديمة".

لم يستطع أعضاء نادي الكتاب توقع الطريق الذي ستسير فيه قصتهم الخاصة. إذ اتضح أنَّ بطل قصتهم يحظى بنفس درجة التعقيد التي كانت عليها الشخصية الرئيسية في آخر كتاب قرأوه: وهو كتاب "الأمير"، لميكافيللي.

علامات:
تحميل المزيد