لا تسمع لهم حساً.. Washington Post: هكذا أسكت محمد بن سلمان التيار المحافظ في السعودية وقلّص نفوذه

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/06 الساعة 22:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/06 الساعة 22:37 بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة Washington Post الأميركية الأربعاء 6 يونيو/حزيران 2018، إن الإجراءات القاسية التي يتخذها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ضد التيار المتشدد في السعودية، أفقدت السلفيين السعوديين نفوذهم، وأربكتهم، بعدما كانوا يتمتعون بنفوذ كبير.

وأضافت الصحيفة الأميركية أن التيار المحافظ تراجع بشكل كبير بعد تمتعهم بنفوذٍ كبير فترة طويلة؛ إذ صاروا يظهرون الآن ظهوراً حذراً أشبه بالمشي على أطراف أصابعهم عبر بعض الشبكات الاجتماعية مثل تويتر. وينتقدون على مضضٍ في المساجد والتجمُّعات المجتمعية التغييرات الأخيرة التي يعارضونها بشدة، مثل تخفيف الحدود الاجتماعية بين الرجال والنساء.   

وبحسب Washington Post، فإن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هو مهندس هذا الاضطراب الذي أصابهم؛ إذ تضمَّنت تعهُّداته بتحديث البلاد الحد من نفوذ المُحافظين المعروفين باسم السلفيين، الذين يلتزمون بصورةٍ متشددة من الإسلام قائلين إنَّها تتبع سُنَّة النبي محمد والصحابة والتابعين.

طموح محمد بن سلمان والصراع مع التيار المحافظ

ويقول مُحلِّلون إنَّ طموح ولي العهد السعودي وضعه في صراعٍ مع شبكةٍ سلفية قوية تُشكِّل أكثر قوة سياسية تماسكاً خارج نطاق الأسرة الحاكمة السعودية. وللحفاظ على هدوء أعضاء هذه الشبكة، استخدم محمد بن سلمان مزيجاً من الترويع والاحتواء.

إذ سُجِن رجال دين سلفيون معروفون باستقلالهم، لكنَّه احتوى آخرين، من بينهم بعض رجال الدين الذين عارضوا منح المرأة حقوقاً أكبر، وتبنَّوا آراءً متشددةً أخرى، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال رجلٌ من العاصمة السعودية الرياض عمره 50 عاماً، يعتبر نفسه سلفياً: "لا نعرف ماذا يحدث!".

وتحدَّث الرجل للـWashington Post بعد تجمُّعٍ مسائي ضمِّ مجموعةً من السعوديين المحافظين في منزل أحد أقاربه مؤخراً، وأعرب عن قلقه من أن يصير برفقة زملائه من السلفيين مثل طائفة الأميش في الولايات المتحدة: معزولين عن مجتمعٍ متساهل بسبب آرائهم المتشددة. وقال: "يبدو كأنَّنا سنصبح غرباء".

وأثار سعي ولي العهد لإحداث توازن جدلاً حول ما إذا كان أكثر اهتماماً بتأسيس دولة متسامحة أم توطيد سلطته بتحييد المنافسين المحتملين.  

يقول مؤيدوه إنَّه أثبت التزامه بتخفيف تشدُّد الأيديولوجية السعودية بالحد من نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي فرضت قوانين أخلاقية مثل الفصل بين الجنسين عن طريق ضرب المُخالفين بالعصي في بعض الأحيان. وأجرى إصلاحاتٍ كذلك على رابطة العالم الإسلامي التي تضم جمعياتٍ خيرية سعودية وتأسست في الستينيات من القرن العشرين، والتي استخدمها السعوديون في نشر الفكر المتشدد بأنحاء العالم، بحسب الصحيفة الأميركية.

وكتب سعود السرحان، الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في أحد مقالاته الأخيرة: "هذه المرة، لا سبيل إلى العودة إلى الماضي. ثمة رغبةٌ واضحة في التخلُّص من جميع أنواع الإسلام السياسي، سواءٌ السني أو الشيعي، من جانب القادة والجماهير، الذين يرون النسخة الأكثر تطرفاً من هذه الأيديولوجيات الإسلامية نفسها في عقيدة القتل الوحشي التي يتبنَّاها ما يُسمَّى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

هل يرضي ولي العهد المتشددين؟

السعوديون أمام أحد صالات السينما
السعوديون أمام أحد صالات السينما

 

لكنَّ بعض منتقديه يقولون إنَّ هناك علامات كذلك على أنَّه يحاول إرضاء المتشددين، مشيرين إلى إلقاء الدولة القبض مؤخراً على بعض أبرز المدافعين عن حقوق المرأة في السعودية والتشهير بهم علناً. وكان يمكن لبعض السلفيين الذين اعتقلتهم السلطات أن يساعدوا الدولة في حربها على التعصُّب والتطرُّف، بحسب Washington Post.

وقال عبد الله العودة ابن سلمان العودة، رجل الدين المحبوب والمُؤيد للإصلاحات السياسية والذي يقبع في السجن منذ شهر سبتمبر/أيلول 2017، للصحيفة الأميركية: "إنَّهم يستهدفون المسلمين المعتدلين ويُبقون المتطرفين مُقرَّبين منهم".

وأشار العودة، إلى أنَّ الحكومة السعودية استعانت بوالده بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001 للمساعدة في مكافحة التطرف؛ إذ أضفى اختيار رجل دين معروفٍ باستقلاله شرعيةً على مكافحة التطرُّف.

وقال ستيفان لاكروا، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس، إنَّ السلطات السعودية في عهد محمد بن سلمان "تحاول تحقيق توازن بين الليبراليين والمُحافظين كما تفعل دائماً". ولكنَّها الآن تنتهج أساليب "أكثر وحشيةً بكثير" من أساليب الحكام السعوديين السابقين على حد قوله، مضيفاً: "وهذا ما أُسمِّيه توازن الخوف".

وقال العديد من السلفيين إنَّهم يعتقدون أنَّ الاعتقالات التي حدثت في سبتمبر/أيلول 2017، كانت تهدف إلى إرسال رسالة، مفادها أنَّ التغييرات القادمة ليست قابلةً للتفاوض أو النقد. وقال الرجل السلفي البالغ من العمر 50 عاماً: "لقد جعلوهم عبرةً للآخرين؛ كي لا يتحدثوا كثيراً".

تحدث هذا الرجل هو وعددٌ من السلفيين الآخرين الذين أجريتُ معهم حواراتٍ في هذا التقرير بشرط عدم الكشف عن هويتهم؛ خوفاً من أن تعتقلهم السلطات أو تنتقم منهم، بحسب الصحيفة الأميركية.

ردود الفعل على التغيير

فيما تحدث الرجل في إحدى الأمسيات الأخيرة بمنزل أحد أقربائه في حيٍ سكني بالرياض، حيث تجمَّع نحو 12 سلفياً مع تقديم الشاي والحلويات عدة مرات.

وقال الرجل: "لا نأخذ معتقداتنا من الحكومة"، مشيراً إلى أنَّ بعض التجمُّعات التي يناقش فيها السلفيون أمور دينهم، على شاكلة هذا التجمُّع، هي تربة إنماء الأيديولوجية السعودية. وأضاف أنَّ الدولة ينبغي لها التركيز على أشياء أخرى مثل الاقتصاد، بحسب Washington Post

بينما أوصى أحد أقربائ،ه )42 عاماً)، القادة السعوديين بـ"قراءة التاريخ، تاريخ الدول التي سقطت بسبب هجر الدين، فما جعلنا أثرياء وأقوياء ليس النفط ولا الذهب"، على حد قوله.

جديرٌ بالذكر أنَّ تقديرات عدد السلفيين في المملكة تتفاوت تفاوتاً كبيراً؛ إذ تتراوح بين 100 ألف شخص ومليون أو أكثر. وعلى الجانب الآخر، قال بعض السلفيين مثل علي زيد، وهو رجل أعمال في مدينة الدمام السعودية، إنهم لم يشعروا بانزعاجٍ كبير من التغييرات التي طرأت مثل افتتاح دور السينما أو إقامة الحفلات الموسيقية، كما تذكر الصحيفة الأميركية.

ترك زيد أيام شبابه التي كان فيها مُحافظاً متشدداً يَعِظ بما سماه "الدعاية السلفية" وراء ظهره، وهو الآن في الأربعينيات من عمره ويعيش في الخارج ولديه أسرة. وقال إنَّ التغييرات "ليست مهمة"، وأضاف: "أنت تقرأ وتُعلِّم نفسك بينما تكون هناك آراءٌ أخرى".

لكنَّه قال إنَّ الكثيرين ممَّن يعرفهم "متدينون للغاية وغير سعداء على الإطلاق. فهُم يعتقدون أنَّهم قادرون على مواجهة هذه التغييرات. ينجحون أحياناً ويفشلون أحياناً".

واشتكى رجل آخر يبلغ من العمر 42 عاماً ويعمل مُغسِّلاً في أحد المساجد بالمنطقة الشرقية من الاحتفالات العامة،  للصحيفة الأميركية، حيث رأي اختلاطاً بين الرجال والنساء، وعدداً متزايداً من النساء غير المحجبات الذين شبَّههن بـ"أوعية العسل" المكشوفة التي تجذب الرجال كالذباب.

وقال: "ما يحدث قد يُبعِد المسلمين عن مسارهم الصحيح".

وحاول البعض نقل شكاواهم إلى شخصياتٍ مؤثرة تعمل في هيئة كبار العلماء بالمملكة، من بينهم الشيخ سعد ناصر الشثري الذي عارض في الماضي الاختلاط بين الجنسين بأول جامعةٍ مختلطة في البلاد.

ولكن، لا أحد يتيقن من الجانب الذي يقف فيه رجال الدين حالياً، في ظل تبنِّيهم من جانب السلطات الحالية. ولم يردّ الشثري على طلبات التعليق على هذا الأمر، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال زيد متحدثاً من مقهىً مزدحم في المنطقة الشرقية مؤخراً: "أعتقد أنَّ المُحافظين ليس بإمكانهم فعل شيء سوى قبول الواقع: فهناك تغييراتٌ كل يوم".

إعادة تأطير التطرُّف

وقالت Washington Post: "بدت الحكومة في بعض الأحيان حذرةً من مواجهة المحافظين بقوة شديدة. ففي شهر أبريل/نيسان 2018، على سبيل المثال، اعتذر مسؤولون سعوديون عن لقطاتٍ أُذيعت في إحدى فعاليات مصارعة المحترفين بالرياض ظهرت فيها نساءٌ شبه عاريات. وربما كان اعتقال ما لا يقل عن 17 ناشطاً في الأسابيع الأخيرة، من بينهم مدافعون رياديون عن حقوق المرأة، إرضاءً كذلك لحلفاء ولي العهد المحافظين.

وقال لاكروا إنَّ ولي العهد السعودي يحرص في الوقت نفسه على أن يقل تأثير المُحافظين المتشددين على الشباب السعودي، الذي يُشكِّل 60% من إجمالي سكان المملكة، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأنشأ محمد بن سلمان كذلك سرديةً جديدة تتجنب الأسئلة الصعبة عن تطوُّر الأيديولوجية الدينية المتشددة للمملكة العربية السعودية على أيدي أناسٍ من بني شعبها؛ بل يُلقي باللوم في مشكلة الفكر المتطرف على قوىً خارجية. وقال لاكروا إنَّ هذا التفسير "غير دقيق تاريخياً إلى حدٍ كبير"، لكنَّه سمح لولي العهد بتجنيد رجال دين في مشروعٍ لإنشاء مؤسسةٍ سنية أكثر خضوعاً تحت قيادة الدولة، بحسب الصحيفة الأميركية.

واقترن هذا الجهد بمحاولاتٍ من جانب القادة السعوديين في الأشهر القليلة الماضية للتواصل مع الأديان والطوائف الأخرى، مثل المسيحيين واليهود، وكذلك الشيعة المُهمَّشين في المملكة الذين يعتبرهم السُنَّة المتشددين كُفاراً، بحسب Washington Post.

وبعض هذه الجهود بذلتها رابطة العالم الإسلامي، التي غيَّرت نبرتها تحت قيادة محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام للرابطة.

فقبل بضع سنوات فقط، لم يتطرَّق مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي استضافته السعودية ورابطة العالم الإسلامي تقريباً إلى موضوع التطرف السُّني. ولكن في حوارٍ صحفي أُجري مؤخراً، قال العيسى بوضوحٍ إنَّ مواجهة المتطرفين السُنَّة، المتمثلين في تنظيمي داعش والقاعدة، هي الأولوية.

"خطابٌ سطحي"

سلمان العودة
سلمان العودة

وفي قضية سلمان العودة، يبدو أنَّ السبب الظاهري لاعتقاله هو رفضه التغريد على تويتر دعماً لقطر في الأزمة الخليجية، بينها وبين 4 دول عربية، على رأسها السعودية.

لكنَّ السلطات السعودية كانت لديها أسبابٌ أكثر إلحاحاً لإبعاد سلمان العودة عن الأنظار: شعبيته ودوره الرائد في حركة "الصحوة" التي تدمج الفكر الديني بالأنشطة السياسية، وهو ما يراه الحُكَّام السعوديون تهديداً لهم، بحسب الصحيفة الأميركية.

يُذكَر أنَّ سلمان العودة اعتُقِل بسبب نشاطه السياسي من قبل، ولكنَّه منذ إطلاق سراحه في عام 1999 كان مفيداً للحكومة السعودية في ظل انتقاده المقاتلين الإسلاميين المتطرفين.

إذ كتبت مضاوي الرشيد، الباحثة السعودية بكلية لندن للاقتصاد، في كتابها Muted Modernists: The Struggle Over Divine Politics in Saudi Arabia: "انتقد (سلمان العودة) الجهاديين في برامج إعلامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وأظهَر سوء فهمهم بنْية النصوص الإسلامية التي تتحدث عن الجهاد الشرعي، وشدَّد على عدم شرعية عولمة النضال أو قصره على الوطن حيث يُقتَل مسلمون وغير مسلمين"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وكتبت أنَّه بعد ثورات الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام 2010، قدَّم دعم سلمان العودة للمظاهرات السلمية "خياراًوسطاً بين الموقفين الدينيين": تطرُّف الجهاديين وخضوع رجال الدين التقليديين.

وقال ابن سلمان العودة إنَّ الاعتقال يتناقض مع الحديث الحالي عن الإصلاح في السعودية. وأضاف: "تُشكِّل الإصلاحات الحقيقية، مثل الإصلاحات السياسية والانتخابات وحرية التعبير وحرية التجمُّع، تهديداً حقيقياً للخطاب السطحي الذي تقدمه الدولة"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال مشيراً إلى عمل والده ومعاصريه من رجال الدين: "إذا كنت تتحدث عن محاربة التطرف، فإنَّهم كانوا يقودون الحملة ضد التطرف على مرِّ عقدين من الزمن".

علامات:
تحميل المزيد