تدرس تركيا في الوقت الراهن إمكانية الحصول على مقاتلات روسية من طراز سو ـ 57، بدل مقاتلات إف ـ 35 الأميركية، وذلك وفقاً لما ورد في صحيفة "يني شفق" التركية والعديد من المصادر الأخرى التي أكدت أن تركيا لا تمانع توريد الطائرات الأميركية، بل يتعلق الأمر بضرورة إيجاد بديل محتمل في حال لم تتم الصفقة مع الولايات المتحدة الأميركية.
تأخر واشنطن في إتمام الصفقة سيحول انتباه تركيا إلى مقاتلات الجيل الخامس الروسية زهيدة الثمن مقارنة بسعر إف ـ 35.
ومن المقرر أن تستلم تركيا الدفعة الأولى من صفقة المقاتلات الأميركية التي تضمن 100 مقاتلة من طراز إف ـ 35، في يونيو/حزيران 2018، إلا أن مصير الصفقة بات مجهولاً تماماً في الظروف الراهنة.
لكن في أبريل/نيسان، أعلن أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن نيتهم في وقف عمليات التسليم، ويعزى ذلك إلى اعتقال السلطات التركية للقس الأميركي، أندرو برونسون، المتهم بربطه بعلاقات مع الواعظ الإسلامي، فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، والقاطن في الولايات المتحدة الأميركية.
ومن أحد أسباب تأخر واشنطن في إتمام الصفقة، نية تركيا شراء منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية "إس ـ 400"
وترى صحيفة Svabodnaya Pressa الروسية أن شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الدفاعية الروسية "إس ـ 400" يعد من ضمن الأسباب الخفية، التي تدفع الولايات المتحدة لعدم تزويد تركيا بهذه المقاتلات.
ويظهر ذلك من خلال مصادقة مجلس النواب الكونغرس الأميركي في 25 مايو/أيار على مشروع قانون حول ميزانية البنتاغون للسنة المالية 2019، الذي بموجبه يتم منع وزير الدفاع من الموافقة على توريد تركيا للأسلحة الأميركية، دون التطرق إلى مسألة شراء أنقرة لصواريخ أرض جو الروسية.
إلا أن تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي..
فقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، هامي أكسوي أن بلاده يمكن أن تتخذ إجراءات صارمة ضد الولايات المتحدة، في حال رفضت تسليمها مقاتلات إف ـ 35.
بات جلياً للعيان أن الاجراءات التي توعدت أنقرة باتخاذها بعد فترة وجيزة من صدور قرار الكونغرس الأميركي تتمثل في استبدال المقاتلات الأميركية، بالمقاتلات الروسية. وقد رفض المسؤولون الأتراك التعليق على هذه المعلومات.
ومع ذلك، قال مصدر تابع للأمانة العامة لصناعات الدفاع التركية، لوكالة ريا نوفوستي، أن المعلومات المتداولة لا تعكس الموقف الرسمي لأنقرة، بل مجرد آراء تحيل إلى وجهات نظر الخبراء.
واتبعت تركيا مع سيناريو المقاتلات ما فعلته مع عقد شراء منظومة "إس – 400"
ففي البداية كانت أنقرة تعتزم شراء منظومة الدفاع الصاروخية الأميركية "باتريوت"، لكن سرعان ما عدل الجانب الأميركي عن قراره رافضاً تسليم هذه المنظومة لتركيا. ونتيجة لذلك، أبرمت أنقرة اتفاقاً مع موسكو، ما أثار استياء واشنطن.
في هذا الصدد، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في لقاء بصحيفة "دي زايت" الألمانيّة في مارس/آذار سنة 2018، "لقد كنا في حاجة ماسة لهم بسبب افتقارنا لنظام دفاع جوي. وكنا نواجه مشاكل حتى إذا ما تعلق الأمر بشراء أسلحة بسيطة من الولايات المتحدة بسبب شكوك الكونغرس، ذلك ما يدفعنا إلى شراء المنظومة من أي طرف آخر. وفي حال ضمنت الولايات المتحدة موافقة الكونغرس، فسنقوم بشراء منظومة "باتريوت" الأميركية، علماً أنه وقع إبرام عقد بقيمة 2.5 مليار دولار منذ يوليو/تموز سنة 2017″.
وفي المقابل، أوجدت واشنطن حججاً لتعطيل صفقة "إس- 400"..
حيث يعارض المسؤولون الأميركيون وبشكل رسمي شراء منظومة الدفاع الروسية، بذريعة عدم تتطابق هذه المنظومة مع منظومة الدفاع الجوي لحلف الناتو، التي تعد تركيا أحد أعضائه. إلى جانب ذلك، أعلنت الجهات الأميركية عن استعدادها لتزويد أنقرة بأنظمتها الخاصة، رغم عدم تقديمها لضمانات رسمية بشأن الإمدادات.
وتقول الصحيفة الروسية أنه وبناء على ذلك، يشكك الخبراء في إتمام الصفقة وشراء تركيا لمنظومة "إس ـ 400″، على الرغم أنه من المقرر استلام المنظومة في سنة 2019.
فقامت روسيا بعرض صفقتها، ليثبت لواشنطن أن الأتراك بإمكانهم إيجاد أسلحة بديلة
وفيما يتعلق بالمعلومات الواردة حول منح روسيا مقاتلات سو ـ 57، لتركيا، تبدو المسألة أقرب إلى محاولة لإظهار عدم قدرة واشنطن على ترهيب أنقرة بشأن رفض تمكينها من مقاتلات إف ـ 35، لا سيما أن الأمر سيكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة.
تغيب التصريحات الدقيقة التي تفيد بتسليم تركيا مقاتلات سو ـ 57، في السنوات القادمة. وقد بات من الواضح أن واشنطن وأنقرة تحاولان تخويف بعضهما البعض والتنافس حول من يمكنه التمسك بمواقفه أكثر.
إلا أن الصحيفة الروسية ترى أن لواشنطن طرقاً أخرى تجعل تركيا توقف صفقاتها مع روسيا
في الأثناء، لم تستخدم الولايات المتحدة جميع أساليب الضغط التي تتقنها ضد حليفها الشرقي. وبحسب الصحيفة الروسية فإنه في حال لم تنجح في إقناع أنقرة بطريقة ودية، ستلجأ إلى سياسة العقوبات، واتخاذ بعض التدابير داخل حلف الناتو، وصولاً إلى تجميد العضوية أو الإقصاء.
لكن مهلاً، فتركيا تستطيع الرد على هذه العقوبات..
فمن جهتها، تستطيع تركيا الرد على ذلك، خاصة وأنها الداعم الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة، في حين تحتضن أراضيها قاعدة إنجرليك الجوية، القاعدة الشرقية للقوات الجوية الأميركية. ومما لاشك فيه أن الأيام القادمة ستكشف عن الطرف الذي سيتراجع أولاً، في محاولة لتجنب الدخول في معركة.
فما الذي يختبئ خلف تهديدات أنقرة التخلي عن شراء مقاتلات إف 35 الأميركية؟
يعتقد الخبير العسكري سيرغي إيشينكو، أن المقاتلات الروسية مجرد ذريعة استخدمت في الصفقة الجارية بين الولايات المتحدة وتركيا. كما أشار إيشينكو إلى أن المسألة بمثابة خطوة سياسية، وليست عسكرية من جانب أنقرة، التي لن تتمكن من الحصول على مقاتلات سو ـ 57 على المدى القصير نظراً لعدة عوامل.
إذن، الأمر يعد خطوة سياسية من أنقرة لعدة أسباب..
في المقام الأول، بسبب عدم وجود نية من الجانب الروسي لبيع هذه المقاتلات. وثانياً، لعدم قدرة روسيا على إنتاج عدد كاف من مقاتلات سو ـ 57، في الوقت الراهن، علاوة على أنه من المقرر تسليم مقاتلة واحدة للدفاع الجوي الروسي، حيث ستخضع لاختبارات عسكرية في السنوات القادمة. وحتى في حال موافقة روسيا على بيع المقاتلات، فلن تتمكن من إنتاج العدد الضروري بالنسبة لتركيا.
وفقاً للمنهج العالمي، لا يمكن أن ينجح تصدير الأسلحة الحديثة إلا بعد اعتمادها من طرف جيش البلد المصنع. وبمجرد استخدامها في التدريبات، والمناورات أو العمليات القتالية، تظهر كفاءة وفاعلية السلاح، ما يخلق رغبة في شراء هذه الأسلحة من طرف بلدان أخرى.
وتركيا تحاول ابتزاز واشنطن بالمقاتلات الروسية
لا سيما في ظل وجود خلافات بينهما فيما يتعلق بالحملة السورية، وعضوية تركيا المحتملة في الاتحاد الأوروبي. ومن خلال تبني هذا المنهج، تسعى تركيا للحصول على بعض التنازلات من طرف الولايات المتحدة الأميركية.
هل لا يزال بإمكان تركيا التراجع ورفض شراء هذه أنظمة إس 400 الروسية؟
يجيب الخبير العسكري إيشينكو، أنه من الصعب حسم الأمر فيما يتعلق بهذه المسألة. فلدى الأميركيين فرص كافية لإجبار تركيا على التخلي على صفقة إس ـ 400. وفي الكثير من الأحيان يتمسك الأتراك بالرفض، وتحدث المفاجأة فيما بعد.
ويتوقع إيشينكو أنه في المستقبل ستتعرض أنقرة لضغط أكبر من الأميركيين، وسنرى إلى أين قد يقودنا ذلك.
فيما يتعلق بمقاتلات إف ـ 35، فإنه على المستوى التقني بإمكان الأميركيين بيعها دون أية مشاكل
ويضيف إيشينكو لقد تم بيعها بالفعل لإسرائيل التي تستخدمها بشكل مكثف. ولكن، ما هي التكلفة التي قد تكون تركيا على استعداد لدفعها؟ أعتقد أن هناك توجهاً نحو تجارة شرقية.
على صعيد آخر، يعتقد فيكتور نادين رايفسكي، كبير الباحثين في معهد أبحاث الاقتصاد والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن تركيا في وضع صعب، إلا أن ذلك لا يحول بينها وبين رغبتها في الحصول على مقاتلات إف ـ 35، ومنظومة "إس ـ 400" أيضاً.
وبالرغم من كل ذلك، لن يتراجع الأتراك عن شراء منظومة "إس – 400"
وفي حين تعتبر التهديدات بعدم تسليم مقاتلات إف ـ 35 للأتراك جدية للغاية، إلا أنهم لن يتراجعوا عن شراء منظومة "إس ـ 400″، نظراً لافتقار تركيا لأنظمة قوية تغطي مجالها الجوي، ما يجعلها تولي اهتماماً بليغاً لهذا الأمر.
وعلى الرغم من تواتر تهديدات الولايات المتحدة، إلا أن الحديث حول إلغاء صفقة "إس ـ 400" غاب كلياً من جهة تركيا. في الوقت ذاته، سلمت أنقرة الدفعة المالية الأولى، في حين تعهدت روسيا بتسريع عملية تسليم المنظومة.
من جهتها، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تثير البلبلة حول هذا الشأن مستخدمة مقاتلات إف ـ 35 كأداة للتأثير على السلطات التركية.
فماذا عن احتمال تزويد تركيا بمقاتلات سو ـ 57؟
يقول رايفسكي أنه لم يقع التطرق إلى هذه المسألة، لا من جانبنا، ولا من الجانب التركي، كما لم نطرح بعد إمكانية بيع هذه المقاتلات في المستقبل القريب، لا سيما وأن الجيش الروسي لا يملك العدد الكافي من هذه المقاتلات. وبالتالي، يبقى الأمر مجرد فرضية بحتة لا أكثر.
ويضيف: "مع مرور الوقت، سنتبين ما إذا كنا سنتفاوض مع تركيا بشأن مقاتلات سو ـ 57. وفي حال وجود احتمال إجراء مبادلات تشمل هذه الأسلحة، يتعين علينا أولاً اختبارها بشكل صحيح، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الإنتاج".
إذن في النهاية، يعد الأمر بالنسبة لتركيا من المسائل السياسية ومنهجاً لاختيار الحلفاء
ويتابع: "وحينما نتحدث عن المساومات والتهديدات المتبادلة من جانب تركيا والولايات المتحدة، يمكن الجزم بأهمية وخطورة المسألة بالنسبة لتركيا، ليس فقط من أجل تعزيز إمكانيات جيشها، بل وأيضاً بهدف التأكيد على سيادتها".
ويعد هذا الأمر من المسائل السياسية، ومنهجاً لاختيار الحلفاء، كما ترتبط عمليات بيع وشراء مقاتلات إف ـ 35، بأمور كثيرة لا تتعلق بمجال شراء الأسلحة.