جملٌ ذو سنامين، وألعابٌ نارية، وعرض ضوئي ثلاثي الأبعاد، بحضور محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.
كانت هذه هي الطريقة التي افتتحت بها جمهورية الشيشان الروسية فندقاً فخماً بعاصمتها غروزني في 5 مايو/أيار 2018، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، نشرته الإثنين 28 مايو/أيار 2018.
يُعد هذا الفندق، المُشيَّد على طراز الأسواق العربية، الأول في الجمهورية ذات الغالبية المسلمة الذي يُبنى بتمويلٍ أجنبي، وكغيره من المشروعات التجارية القادمة، يأتي التمويل من الوطن العربي، وفق الصحيفة الأميركية.
ومن المقرر أن يكون أول زوار الفندق أفراد منتخب مصر لكرة القدم، الذي سيخوض تدريباته الرياضية في الشيشان استعداداً لخوض مباريات كأس العالم، وذلك مطلع يونيو/حزيران المقبل.
وبينما لن تُقام أي من مباريات كأس العالم في تلك المنطقة، فإنَّ دعوة زعيم الشيشان، رمضان قديروف، وقبول الفريق المصري لها، أمرٌ "بالغ الأهمية" بحسب التقرير، الذي يقول إن الخطوة تأتي من قبل "زعيم قوي يسعى لتعزيز طموحاته في الشرق الأوسط".
التحضيرات لاستقبال "الفراعنة"
تنقل الصحيفة عن مسؤولين شيشانيين قولهم إنَّه على المستوى الثقافي، فمن المنطقي أن يكون لمصر معسكرٌ رئيسي في هذه المنطقة الصغيرة بشمال القوقاز؛ إذ سيقع المعسكر بالقرب من مساجد، وأماكن تُقدِّم أطعمةً حلال، وطاقم من موظفي الحكومة المحلية الذين تعلَّموا اللغة العربية خارج البلاد.
وقال وزير الإعلام الشيشاني، جنبلاط عمروف، على هامش التحضيرات في مختلف أنحاء المدينة استعداداً لبداية شهر رمضان: "إنَّهم مسلمون، ونحن مسلمون. كلانا من أهل السنة".
وأضاف: "أعتقد أنَّ مُحمد صلاح سيكون سعيداً" مُشيراً إلى نجم الفريق المصري الشهير، والمعروف بسجوده على أرض الملعب بعد إحرازه أي هدف. وجديرٌ بالذكر أنَّ صلاح تعرَّض لإصابةٍ في الكتف يوم السبت 26 مايو/أيار، ولم يتضح بعد مدى قدرته على المشاركة في مباريات كأس العالم.
نفوذ وعلاقات من الإمارات إلى سوريا
من الإمارات إلى سوريا، تقول الصحيفة، يهدف قديروف إلى الانخراط في العالم الإسلامي الأعظم، ويتصرَّف كمبعوث شبه رسمي للكرملين.
وقبل بضع سنواتٍ فقط، كانت روسيا تعتبره قوةً ضاربة في قمع حركة التمرد الإسلامي في الشيشان، التي شهدت حربيين من أجل الاستقلال عن موسكو في العقود الأخيرة.
أما الآن، يظهر قديروف وجهاً للأقلية المسلمة في روسيا التي يبلغ عددها 20 مليون مسلم.
وبالنسبة لروسيا، التي استعادت الظهور بقوة على المسرح العالمي، فإنَّ زيادة النفوذ في الشرق الأوسط -الذي يضم شبكةً من التحالفات يعود تاريخها إلى الحقبة السوفيتية- أمرٌ مصيري بالنسبة للكرملين لمواجهة الهيمنة الغربية، ودفع المصالح الروسية.
لدى قديروف، عريض المنكبين ذي الـ41 عاماً، لحيةٌ كثة كستنائية اللون، بالإضافة إلى ميله إلى ارتداء البدل الرياضية وتربية الحيوانات الأليفة العجيبة. ويخدم دورُه المتوسِّع مصالح الكرملين جيداً، على حد قول "ألكسي مالاشينكو"، كبير الباحثين في معهد أبحاث حوار حضارات في موسكو.
وأضاف مالاشينكو: "إنَّها حملة علاقات عامة في غاية الذكاء. لا يزال رمضان يعتبر مصر نافذةً أخرى للخروج المستقل إلى الفضاء الإسلامي العالمي".
وتابع أنَّ بوتين يُشجِّع مطمح قديروف الشخصي في مقابل ضمان الاستقرار في المنطقة المُتمردة.
وأضاف أيضاً: "يحتاج الاثنان إلى بعضهما كتوأم. تخيل لثانيةٍ أنَّ قديروف ليس موجوداً -وليكن مريضاً أو يحتضر- سينشأ صراعٌ مدني في المنطقة وستندلع حربٌ أهلية".
أفضت صداقة قديروف المُزدهرة مع الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ مُحمد بن آل زايد آل نهيان، إلى إنشاء صندوق زايد في العام الماضي 2017، الذي أُنشئ في مدينة غروزني الروسية بهدف دعم الأعمال التجارية المحلية. وكان هذا أول مشروع روسي عربي من نوعه. وفي أبريل/نيسان، سيَّرت شركة العربية للطيران التي يقع مقرها في إمارة الشارقة رحلاتٍ مباشرة بين غروزني والإمارات.
وقُبالة مسجد العاصمة الشيشانية، الذي يُعد أحد أكبر المساجد في أوروبا، يجري العمل على بناء ناطحة سحاب جديدة ومُبهرة على طراز الأبراج الدفاعية التي كانت موجودة في العصور الوسطى.
وإلى جانب تعزيز الروابط التجارية مع الدول العربية، قاد قديروف أيضاً مسيراتٍ حاشدة متضامنة مع مسلمي الروهينغا خارج سفارة بورما في موسكو، وأرسل كتيبة شرطة عسكرية شيشانية إلى سوريا، وجدَّد كذلك أحد المساجد في مدينة حلب، ومنح زوجات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الشيشانيين وأولادهم عفواً.
وتنقل الصحيفة عن "بيسلان فيسامبييف" مدير التسويق والتدريب في صندوق زايد: "يبدو أن بوتين فوض تلك الصلاحيات إلى قديروف".
ويقول بعض المدافعين عن حقوق الإنسان إن أفق المباني الأنيق الذي يشبه طراز دبي والحدائق النظيفة في العاصمة غروزني المركزية -الذي لا يُعد علامةً على بقايا الحرب في مدينةٍ كانت مدمرة تقريباً- تكلفتها مرتفعة للقاطنين في الشيشان، وحذَّروا من دور المنطقة في أهم حدث رياضي في العالم.
"إقطاعية قديروف"
أسَّس الرجل نظام حكم يهدف إلى خدمة مصالحه الشخصية بدرجةٍ كبيرة على غرار ولي نعمته، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتهمه مُنتقدوه بأنَّه يحكم الجمهورية الصغيرة ذات المليون نسمة كإقطاعية.
واتسمت فترة ولايته المستمرة منذ عقد بمزاعم التعذيب الوحشي والعقوبات الجماعية؛ إنَّه "رجلٌ متناقض" بحسب التقرير؛ فأساليبه عنيدة وشعبية بطبيعتها.
وقد عادت الشيشان العام الماضي إلى عناوين الأخبار بعد تقارير أفادت بأنَّ مسؤولين شيشانيين شنوا حملة تطهيرٍ وحشية ضد الرجال المثليين، ما أثار غضباً عالمياً وشجَّع على اتخاذ جهودٍ دولية منسقة لمنح هؤلاء الرجال ملجأً في الخارج. لكنَّ قديروف لم يكترث، وكان رده: "ليس لدينا أي مثليين هنا".
حقوقيون يخاطبون "الفيفا" بشأن مصر والشيشان
ولم تغب عن الناشطين الحقوقيين الأحداث المشابهة التي تنطوي على حملةٍ قمعية موسعة شنتها مصر مؤخراً ضد مجتمع المثليين بها. فقبل اختيار مصر للشيشان مقراً لمعسكر فريقها، أرسلت مؤسسة هيومان رايتس ووتش رسالةً إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تحثه فيها على الضغط على السلطات المصرية لمنع قانون مقترح لتجريم المثليين والمتحولين والمزدوجين جنسياً.
كذلك دعت مجموعةٌ من جماعات حقوق الإنسان، بما فيها مؤسستا هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، الفيفا إلى التدخل في الشيشان حيث يقبع رئيس آخر منظمة حقوقية بالمنطقة خلف القضبان على خلفية ما يطلقون عليه قضايا ملفقة.
يُذكَر أنَّ أويوب تيييف (60 عاماً) الذي كان يدير فرع منظمة ميموريال الحقوقية في الشيشان اعتُقِل في مطلع العام الجاري 2018، إذ ذكرت الشرطة أنَّه كان يتعاطى الماريغوانا، ويواجه الآن حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات، وتعرَّضت كذلك ناتاليا إستيميروفا -المديرة التي سبقته- للخطف منذ تسعة أعوام، قبل أن يُعثَر على جثتها التي كانت مُخترقة بوابلٍ من الرصاص ملقاةً على الطريق.
وقالت تانيا لوكشينا، رئيسة منظمة هيومان رايتس ووتش في روسيا: "الضغط الدولي المربك جعل الرئيس بوتين يناقش قضية قمع المثليين مع رمضان قديروف، ما أدى إلى تعليق عملية القمع. والآن، نريد أن يجري الشيء نفسه في قضية تيتيف".