وبدأت حلقة جديدة من الصراع بين الخَصمين اللدودين.. السعودية وإيران وجهاً لوجه لكن هذه المرة على أرض العراق

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/22 الساعة 22:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/27 الساعة 20:23 بتوقيت غرينتش

فصل جديد من الصراع الإقليمي بين السعودية وغريمتها اللدود إيران، بدأ واضحاً في العراق عقب انتهاء الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار 2018 والتي لم تستطع أي قائمة الحصول على أغلبية فيها مما فتح الباب أمام التحالفات السياسية التي لا تخلو دوماً من التدخل الإقليمي ولاسيما في بلد مثل العراق.

وبحسب نتائج الانتخابات فقد حصلت قائمة سائرون التي يقودها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على المرتبة الأولى بواقع 54 مقعداً، من أصل 329 مقعداً؛ وجاءت في المرتبة الثانية قائمة "الفتح"، التي يقودها القيادي في الحشد الشعبي، الحليف الأوثق لإيران، هادي العامري، بـ 47 مقعداً، ثم حلت قائمة النصر التي يقودها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على 42 مقعداً، ورابعاً قائمة دولة القانون لنوري المالكي المقرب من طهران على 26 مقعداً فقط.

وبحسب الدستور العراقي الدائم الذي اعتمد عام 2005، فلابد وأن يحصل من يشكل الحكومة على 50% من الأصوات+ صوت واحد، حتى يتمكن من ذلك، وهو ما يعادل 165 مقعداً، مما يعني ضرورة تحالف أكثر من قائمة حتى تتشكل الحكومة العراقية الجديد.

السعودية تحاول الاعتماد على الصدر

هذه المرة مثلت النتائج واقعاً جديداً في ظل حالة الصراع بين السعودية وإيران، ورغبة كل طرف في كسب جولة في الحرب الباردة بينهما منذ 40 عاماً، ولكن هذه المرة على الأراضي العراقية.

قائمة سائرون التي يتزعمها الصدر الذي قدم نفسه هذه المرة على أنه شيعي عراقي ذات ميول عربية، بعيد عن رغبة إيران في الهيمنة على العراق، تحتاج إلى نحو 110 مقعداً حتى تتمكن من تشكيل الحكومة، مما يعني ضرورة البحث عن قائمة أخرى قريبة مما يروج له الصدر أو على الأقل تكون بعيدة عن الهيمنة الإيرانية.

الصدر الذي فتح صفحة جديدة مع السعودية بالزيارة التي قام بها قبل عدة أشهر إلى جدة  والتي التقى فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كانت فيما يبدو مناورة منه لكسب أصوات العراقيين السنة والشيعة الذي يعتبرون أنه جاء الوقت لكف يد إيران عن التدخل في الشأن العراقي الداخلي، لكنه لم يحقق ما يريد.

فبحسب النتائج خلت قائمة الصدر من أي مقعد في المحافظات السنية أو المحافظات الكردية، وإنما حققت نتائج في المحافظات التي بالأساس تعد معقل قوة تياره الذي بدأه والده الراحل محمد صادق الصدر، مما يعني خطة لم تتحقق بالكامل، لكن على كل حال مازالت قائمة سائرون في المرتبة الأولى.

هذه المرة أظهرت السعودية، اهتماماً استثنائياً بالانتخابات على أمل الدفع باتجاه تدعيم الأصوات الرافضة للتدخل والنفوذ الإيراني من الشيعة "العروبيين"، والرهان عليهم مُمثَلين بالتيار الصدري، الذي يقود قائمة سائرون في محاولةٍ لخلق حالة توازن في مواجهة النفوذ الإيراني وليس بالضرورة أنْ يضاهيه في المرحلة الراهنة، لكنّه خطوة على طريق تآكل الجرف الإيراني لصالح الجرف العربي، كما يعتقدون.

ولا يبدو ذلك متاحاً في المرحلة الراهنة لعدم وجود قوة حقيقة رافضة فعلاً للنفوذ الإيراني من الشيعة العرب، بما فيهم التيار الصدري الذي تراهن عليه المملكة.

ثمّة تناقضات وعراقيل ستواجه تحالفي سائرون والنصر مستقبلاً، لتعارض مواقف الدول الإقليمية المعنية بشأن الانتخابات مثل السعودية التي تدفع باتجاه إبعاد التحالفات المحسوبة على إيران، مثل التحالف "المحتمل" شبه المؤكد بين دولة القانون بقيادة المالكي والفتح بقيادة، وهو ذات موقف الولايات المتحدة التي ستختلف مع السعودية فيما يتعلق بدعم تحالف سائرون، الذي يمتلك جناحاً عسكرياً يعرف باسم "سرايا السلام"، إحدى فصائل الحشد الشعبي، وهي امتداد لجيش المهدي، الذي دخل في مواجهات مع الولايات المتحدة.

لذلك، سيكون لزاماً على التحالف الذي يريد تشكيل الحكومة المقبلة عقد تحالفات مع كياناتٍ سياسيةٍ مغايرةٍ عرقياً أو طائفياً، أو كياناتٍ سياسيةٍ من ذات الطائفة تختلف معها سياسياً وتتنافس معها على السلطة والنفوذ في مراكز القرار.

يمكن لقائمة سائرون، أنْ تلتقي مع الجميع باستثناء تحالف متوقع لقائمتي الفتح ودولة القانون، بما لديهما من أصواتٍ لوحدهما تصل إلى 73 صوتاً دون تحالفاتٍ مع كتل وكيانات أخرى.

إيران تراقب

على الطرف الآخر باتت إيران تراقب الوضع في العراق عن كثب، فبعدما فشل رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي تحقيق المركز الأول بالقائمة التي يقودها وهي "النصر"، الذي يحاول الموازنة بين رضا إيران عليه ورضا الولايات المتحدة، وحل في المرتبة بـ 42 مقعداً، باتت رغبة طهران في البحث عن داعمين للعبادي لتفويت الفرصة على السعودية بكسب جولة في العراق.

البديل الإيراني فيما يبدو هو نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، الذي أطيح به من الحكومة، بسبب التقارير التي كانت تتحدث عن الفساد الذي أصبح وحشاً صعب هزيمته، وأيضاً الخسائر المتتالية للجيش العراقي على يد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في البصرة والموصل، مما سهل مهمة استبدال المالكي بالعبادي.

لكن قد يكون حان الوقت لعودة المالكي إلى المشهد أو على الأقل إجباره من قبل طهران على التحالف مع العبادي والقوائم الأخرى القريبة من طهران مثل قائمة "الفتح"، التي يقودها القيادي في الحشد الشعبي، الحليف الأوثق لإيران، هادي العامري، بـ 47 مقعداً.

المالكي يتحرك

عضو ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، قال إن ائتلافه شكل لجنة للتفاوض مع الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات بهدف تشكيل الكتلة الأكبر.

وقال عضو الائتلاف بهاء المالكي "لجنة من ثلاثة أشخاص هم حسن السنيد وقصي السهيل وسامي العسكري شكلت من قبل ائتلاف دولة القانون للتفاوض مع الكتل السياسية بهدف تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان".

"اللجنة بدأت حوارات مع ائتلاف الفتح (المكون من أذرع سياسية لفصائل الحشد الشعبي)، وفي طور إكمال حواراتها مع باقي الكتل السياسية".

وأشار إلى أنه "من المقرر خلال اليومين المقبلين الإعلان عن نتائج تلك الحوارات والتفاهمات".

وتضم قائمة الفتح، تحالفاً واسعاً لأجنحةٍ سياسيةٍ تابعة لفصائل الحشد الشعبي، معروفة بولائها للسياسات الإيرانية وتمتاز بقوتها التسليحية، وتنظيم شبيه بالجيوش شبه النظامية، التي تتخوف الكيانات الأخرى من قدراتها على فرض عملية سياسية منسجمة مع الرؤية والشروط الإيرانية مستقبلاً.

ومن بين نحو 71 فصيلاً يشكلون قوات الحشد الشعبي، هناك 41 فصيلاً منها أعلنت بشكلٍ رسمي "بيعتها الشرعية" للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

بنت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها آمالاً على فوز ائتلاف النصر، وتسمية العبادي، لولايةٍ رئاسيةٍ ثانية؛ لكنّ ذلك لا يبدو قد تحقق، بعد صعود ائتلاف سائرون.

فإيران، ستسعى خلال فترة مفاوضات تشكيل الكتلة النيابية الأكبر بشكلٍ ما، إلى إعادة هيكلة "البيت الشيعي" على أسس جديدة، لتجاوز حالة الصراعات البينية، وتعارض السياسات وتناقض مصالح مكوناته السياسية وتعدد الولاءات، والسعي لضمان ولاء أغلب الكيانات الشيعية لسياساتها، وعدم الإفلات باتجاه جهودٍ عربية تقودها السعودية، لسحب أكبر مساحة من نفوذ إيران في العراق للعراقيين أولاً ثم لمحيطهم العربي، أو نحو الولايات المتحدة التي تخوض تنافساً على النفوذ مع طهران طيلة سنواتٍ دون صدام بينهما، بل توافق أو ما يُشبه لقاء الضرورة، خاصةً في السنوات الأخيرة للحرب المشتركة على "داعش".

هل سينجح الصدر في تشكيل الحكومة؟

يمكن لقائمة سائرون، أنْ تلتقي مع الجميع باستثناء تحالف متوقع لقائمتي الفتح ودولة القانون، بما لديهما من أصواتٍ لوحدهما تصل إلى 73 صوتاً دون تحالفاتٍ مع كتل وكيانات أخرى.

ستتخلى قائمة سائرون عن الكثير من خطابها المُعتَمد في برنامجها الانتخابي للدخول في تحالفاتٍ تؤهلها للوصول إلى عتبة 165 مقعداً لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر.

ولم تحصد قائمة سائرون، من برنامجها الانتخابي أيّ أصوات إضافية قياساً إلى نتائج انتخابات 2014، لكنّ المقاطعة الواسعة للانتخابات من مؤيدي الكتل الأخرى هي التي وضعت قائمة سائرون بمركز الصدارة، وليست أصوات الناخبين.

لذلك، من غير المستبعد أنْ تفشل قائمة سائرون في تشكيل الكتلة النيابية الأكبر، إذا واصلت إيران تدخلها بشكل فاعل لإعادة بناء "البيت الشيعي"، بالاعتماد على الحليف التقليدي من قائمتي الفتح ودولة القانون، في ما ستلعب سائرون دوراً مؤثراً في الحكومة المقبلة إلى جانب دور رقابي أكثر فاعلية من الدورات الانتخابية السابقة.

وكان الصدر قد التقى الإثنين 21 مايو/أيار  رئيس الوزراء العراقي الأسبق، زعيم ائتلاف "الوطنية"، إياد علاوي، بهدف تشكيل حكومة "وطنية"، بعيدة عن الاصطفافات الطائفية، لكن يبدو أن الأمر لم يحسم بعد.

أيضاً الصدر التقى، الثلاثاء، حيدر العبادي واتفق الرجلان على الرؤية العامة لتنظيم العمل السياسي المقبل.

وبحسب بيان من مكتب العبادي فإن هناك تطابقاً في الأفكار ووجهات النظر بين الصدر والعبادي.

تحميل المزيد