يتصاعد في إيران الشعور بالأزمة ويتسع نطاقه. فالاقتصاد يعيش حالةً من السقوط الحر، وقيمة العملة تتهاوى، والأسعار المتزايدة تقصم ظهر سكان الحضر، والجفاف المستمر منذ 5 سنوات يدمر الريف. وكذلك فإنَّ الحرب الضروس بين المحافظين والإصلاحيين حمي وطيسها لدرجة أنَّ الحديث بدأ حول تدخل المؤسسة العسكرية للاستيلاء على السلطة.
والآن فإنَّ شريان الحياة الذي وفره الاتفاق النووي الذي عُقِدَ عام 2015، وكان من المفترَضَ أن يُخفف الضغط عن الاقتصاد الإيراني ويُزيل الحواجز أمام التواصل مع الغرب، بات مهدداً هو الآخر: فالرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن اليوم الثلاثاء 8 مايو/أيار أنَّه سيُنهي مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأميركية.
وبحسب الصحيفة الأميركية، سيكون الخاسر الأكبر من خطوةٍ كهذه هو الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي ينتمي إلى التيار المعتدل، ويبدو الآن ضعيفاً وأصبح ورقةً محروقةً بعد مغامرته بعقد اتفاقٍ مع الأميركيين. ويقول محللون إنَّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيمنح خصوم روحاني من التيار المحافظ تأثيراً كبيراً.
روحاني يخاطب شعبه
وفي خطابٍ متلفز وجهه روحاني للأمة بعد إعلان ترمب، قال إنَّ إيران لن تتخذ إجراءً فورياً بإعادة تخصيب اليورانيوم، وإنَّها ستعاود التفاوض مع أطراف الاتفاق الأخرى، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال إنَّه في حال كان من الممكن تأمين مصالح إيران في ظل الاتفاق، "فإنَّنا سنستمر في العملية، وإن تحول الاتفاق إلى مجرد حبر على ورق، فستكون خطواتنا التالية واضحة".
وإذا ضعف تأثير روحاني، فستقوى شوكة خصومه، وفقاً لبعض المحللين.
إذ يقول علي خرم، السفير الإيراني السابق لدى الصين وأحد مستشاري فريق التفاوض حول الاتفاق النووي: "ترمب خرق الاتفاق الدولي الذي عقده سلفه أوباما، بتحريضٍ من رئيس الوزراء الإسرائيلي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. والآن أفاد تصرفه هذا المتشددين في إيران"، بحسب الصحيفة الأميركية.
ولكن على المدى الطويل، ربما يكون تفكيك الاتفاق النووي خبراً سيئاً للنظام الإيراني بأسره، مع تصاعد السخط الشعبي عليه بسبب أوضاع الاقتصاد وغياب الحريات والفرص. ويمكن كذلك أن يكون خبراً سيئاً للمواطن العادي، بحسب الصحيفة الأميركية.
فيقول أمير حسين حسني، الذي كان يعمل فيما مضى في صناعة الأدوات المطبخية، ويحاول الآن التكسب من بيع العملات الأجنبية: "سنرى المزيد من الهجرة والبطالة وحالات الإفلاس والعوز. ربما يعتقد البعض أنَّ هذا سيُفضي إلى تغيير النظام، غير أنَّ التظاهرات ستُقابل بالقمع، وستكون الحكومة قادرةً في نهاية المطاف على إدارة البلاد. كل ما في الأمر أنَّنا سنزداد فقراً"، كما تقول الصحيفة الأميركية.
الاتفاق لم يف بوعده
وحتى قبل قرار ترمب، لم يرقَ الاتفاق النووي إلى وعوده بالخلاص الاقتصادي للإيرانيين. وقد سبق أن أقنع روحاني الإيرانيين به على اعتبار أنَّه حلٌ للعديد من مشكلات البلاد. ووعد بأن تُغرق الشركات الأجنبية إيران بالاستثمارات والمعرفة، بما سيوفر وظائف وفرصاً لملايين العاطلين، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال كذلك إنَّ هذه التسوية من شأنها أن تُخرج إيران من عزلتها الدولية، وهو أمرٌ تجلى في استئناف العديد من خطوط الطيران رحلاتها إلى طهران بعد إبرام الاتفاق.
وبحسب الصحيفة الأميركية، غير أنَّ المشكلات الأعمق، مثل قوانين الاستثمار المُنفرة التي تقلل من فرص إيران التنافسية، واستشراء الفساد، واعتقال مزدوجي الجنسية على يد قوات الأمن التي يسيطر عليها المحافظون، كل ذلك أطفأ جذوة ما وعد به روحاني. وحاولت العديد من الشركات الأجنبية الاستثمار في إيران، غير أنَّها قُوبلت بظروفٍ عرقلت عملها.
غير أنَّ ما قلص من المزايا الممكنة للاتفاق كان العقوبات الأميركية، التي استمرت في منع أي بنك ذي شأن من العمل في إيران. ومنعت العقوبات أيضاً المعاملات المالية الطبيعية بصورةٍ شبه كاملة، مما حرم إيران من الرصيد النقدي الذي تحتاجه بشدة ومن الاستثمارات الأجنبية، بحسب الصحيفة.
ومن الممكن أن تزيد عودة العقوبات بصورةٍ أوسع من الضغوط على الاقتصاد الإيراني.
ويقول علي سهوجا، عامل النظافة الذي يقول إنَّه لا يستطيع أن يعيل أبنائه الثلاثة: "ليتدخل أي شخص لتغيير مصيرنا، أياً من كان، حتى وإن كان ترمب نفسه. كنتُ أعمل في السابق سائقاً، والآن عامل نظافة، ولا أدرى ماذا ستكون مهنتي التالية. لا يمكن أن أعملاً متسولاً"، بحسب الصحيفة الأميركية.
المحافظون سيعلنون انتصارهم
وبحسب الصحيفة الأميركية فإن المحافظين المتشددين، الذين خسروا لفترةٍ طويلة الدعم الشعبي مع استمرار خضوع الأجهزة الأمنية والمحاكم والتلفزيون الحكومي لسيطرتهم، على الأرجح سيعلنون انتصارهم بعد هذا القرار، لأنَّهم دائماً ما حاججوا بأنَّ الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها في أي صفقة.
وسيستغلون هذه الفرصة لتقويض نفوذ روحاني ومحاولة الاستيلاء على السلطة. غير أنَّ روحاني نفسه وصل إلى سدة الحكم بعد ثمانية أعوام من حكم محافظ متشدد، وهو محمود أحمدي نجاد. ويقف الإيرانيون الآن أمام حقيقةٍ مفادها أنَّ كلا النهجين الإصلاحي والمحافظ قد أخفقا في حل مشكلات البلاد، مما يعمق الشعور بالأزمة لديهم، بحسب الصحيفة الأميركية.
وينتشر السخط على سياسات الدولة بصورةٍ كبيرة، لدرجةٍ تدفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت الجمهورية الإسلامية وأيديولوجيتها الحالية قابلة للاستمرار، مما يؤجج الحديث عن الحاجة إلى رجلٍ عسكري يضع الأمور في نصابها، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال جلال جلالي زاده، العضو السابق في البرلمان الإيراني: "هذا إخفاقٌ كبيرٌ للرئيس روحاني. لقد خدعته الولايات المتحدة بنقض عهودها. ولكن في النهاية جميعنا خاسرون. الآن بات واضحاً أنَّ المحادثات المباشرة والمفتوحة مع الولايات المتحدة هي الخيار الوحيد أمامنا لحل هذا الإشكال".
في الواقع، لا يترك انهيار الاتفاق النووي العديد من الفرص أمام إيران. فكل خطوة ستتخذها إيران ستكون تحت سمع وبصر الولايات المتحدة وإسرائيل، على نحو ربما يُفضي إلى مواجهةٍ عسكرية لا قِبل لإيران بها، بحسب الصحيفة الأميركية.
إيران تستأنف تخصيب اليورانيوم
ويقول المحافظون إنَّ على إيران أن تستأنف تخصيب اليورانيوم، كما كانت تفعل قبل الاتفاق النووي.
وقال أبو الفضل حسن بيجي العضو المحافظ في البرلمان الإيراني لوسائل الإعلام المحلية، في إشارةٍ إلى الموقع النووي التي قالت إيران إنَّها أوقفت العمل به كجزءٍ من الاتفاق: "سنكسر أسمنت أراك، ونعاود فتح المنشأة النووية. ستعاود الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنشطتها النووية مرةً أخرى بصورةٍ أشد قوة مما كانت عليه، مما سيمثل خسارةً للولايات المتحدة وحلفائها"، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويشير آخرون إلى أنَّ خطوةً كهذه من الممكن أن تستدعي عملاً عسكرياً. ويقول أبو القاسم جولباف، المحلل السياسي الذي يروج للتغيير في البلاد: "أنا أدعم عقد محادثاتٍ مباشرة وشفافة بين الولايات المتحدة وإيران، وكلما بكرنا بعقدها كلما كان أفضل". ويرى أبو القاسم أنَّ المحادثات ينبغي أن تكون مفتوحةً أمام الجميع لمتابعتها، ويضيف: "حين يعقدون محادثاتٍ سرية، ربما يقعون في أخطاءٍ لا يمكن تصويبها. ينبغي أن تجلس إيران والولايات المتحدة وجهاً لوجه على طاولة التفاوض"، بحسب الصحيفة الأميركية.
ومن المرجح أن يجد الإيرانيون عدة جهاتٍ يوجهون اللوم إليها لتفكك الاتفاق النووي، وأن يصبوا جام غضبهم على طرفي الأزمة السياسية في البلاد، وعلى الولايات المتحدة. والتظاهرات التي عمت البلاد في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، واستهدفت الطبقة الحاكمة بأسرها، توضح عمق خيبة أمل الإيرانيين فيمن يحكمونه، بحسب الصحيفة الأميركية.
"بركان قد ينفجر"
ويقول داود هيرميداس باوند، أستاذ العلاقات الدولية الذي اشتغل بالتدريس في جامعة الدفاع الوطني: "يمكننا أن نشهد انفجار بركانٍ من الغضب الأعمى، ولن نعرف عواقب أمرٍ كهذا".
وأضاف: "العديد من الناس مستعدون لدعم أي شخصٍ يمكنه أن يمدهم بالأمل. ولكن علينا أن نأخذ في الاعتبار الحس القومي لدى الإيرانيين، وأنَّهم بالقطع لن يتبعوا دون بصيرة دولاً يرونها تضر بالمصالح الإيرانية"، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويقول البعض إنَّهم يشعرون بالدهشة لمجرد سماع أشخاص يقولون إنَّهم يدعمون ترمب، ويرون فيه شخصاً قادراً على حل مشاكلهم.
ويقول علي سابزيفاري، الناشر الذي انضم إلى طابور العاطلين: "حين أجلس في التاكسي أو الحافلة، يصل إلى مسامعي أحياناً ما يرد على لسان أشخاصٍ عاديين يقولون إنَّهم يعشقون ترمب، وأنَّه على الأقل يفي بالوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية. المستضعفون غالباً يلتمسون بطلاً يقدسونه، أياً ما كانت هويته: ترمب أو هتلر، أي شخص يمكن أن يكون بطلاً في عيونهم".
غير أنَّ آخرين يخالفونه الرأي.
إذ يقول حميد رضا تاراغي، المحلل المنتمي إلى التيار المحافظ: "الأشخاص العاديون سيزدادون كرهاً للولايات المتحدة. سيلقون عنتاً في حياتهم، وتصيبهم الفاقة. وسيكرهون ترمب، وهذا أمرٌ جيد".