وصل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي تناديه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "عزيزي باراك"، إلى برلين السبت 6 أبريل/نيسان، والذي يتمتَّع بقوامٍ نحيف وابتسامةٍ هادئة يُذكِّران الألمان بعصرٍ مختلف انتهى منذ وقت ليس ببعيد.
لكن أوباما حسب صحيفة The New York Times الأمريكية لم يأتِ ليتحدث عن الماضي. فقد أتى ليتحدث عن المستقبل: نحو 300 شخص من القادة الشباب من جميع أنحاء أوروبا تجمَّعوا في لقاء مفتوح في العاصمة الألمانية برلين.
لم يستغرق أوباما وقتاً طويلاً في الحديث إلا وتطرّق لأحد مخاوفه الأساسية وأرجع السبب في ذلك لما سمّاه "قلب أوروبا".
ورأى أوباما أن أوروبا تعد واحدة من ساحات المعارك الرئيسية بين الديمقراطية الليبرالية والشعبوية اليمينية المتطرفة.
نبه من صراعات وإراقة دماء
وقال الرئيس الأمريكي السابق أمام القاعة المكتظة بالحضور: "لقد عادت نبرة القومية تعلو من جديد لا سيما لدى أنصار اليمين المتطرف. ونعلم إلى أين يؤدي ذلك. وأوروبا تعلم جيداً أكثر من أي شخص آخر إلى أين يؤدي ذلك".
وأضاف: "يؤدي ذلك إلى الصراعات وإراقة الدماء والكوارث".
لم يذكر أوباما اسم خليفته. لكن المقارنة مع الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب كانت واضحة.
وتابع أوباما: "أعتقد أن تغير المناخ يعد تحدياً وجودياً للبشرية جمعاء. وأعتقد أيضاً أن خلق التسامح والاحترام في بلادنا أمر ضروري. كما أؤمن حقاً بالحق في المساواة بين الجنسين".
وماذا عن العنصرية والهجرة؟
وفي حديثه الذي دام لمدة ساعتين مع الشباب ظل أوباما يتردد كثيراً على موضوعي العنصرية والهجرة.
فقال: "تثير قضايا الهجرة الكثير من الاضطرابات السياسية هنا في أوروبا وفي بلدي أيضاً".
وحث أوباما جمهوره على التعاطف مع من يشعرون بالقلق تجاه اللاجئين، قائلاً: "لا يمكننا وصف كل من ينزعج من المهاجرين بأنه عنصري".
كان أوباما يتمتع بشعبية كبيرة في ألمانيا. حتى قبل انتخابه رئيساً، في يوليو/تموز 2008، توافد 200 ألف شخص من سكان برلين لرؤيته وهو يتحدث عند نصب عمود النصر في قلب المدينة. ولا يزال الكثيرون يحتفظون بتقديره.
وتصدر عنوان "رئيسنا" الصفحة الأولى لصحيفة Tagesspiegel الليبرالية الألمانية قبل سرد السياسات التي جعلت الألمان يحبون أوباما: دعمه للمؤسسات متعددة الأطراف ورغبته في التصدي لظاهرة تغير المناخ والتفاوض مع إيران لتجميد برنامجها النووي.
وكتبت Tagesspiegel: "شعر أوباما بأنه رئيسٌ للشعب الألماني كما لو أنه خُلق من أجلهم. وقد تأكد الشعور، فالتناقض مع دونالد ترامب عزَّزه".
ويزداد الاعتقاد في ألمانيا بأن رئاسة ترامب تعد تحدياً للالتزام الأمريكي تجاه أوروبا وللقيم التي يقوم عليها التحالف الغربي.
وطبقاً لاستطلاع رأي أصدره مركز بيو للأبحاث الأمريكي سبتمبر/أيلول الماضي فإن الألمان يثقون بأن يتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ "القرار الصحيح" أكثر بثلاثة أضعاف من ترامب.
كانت هناك دائماً علاقة خاصة بين ميركل، وهي أول سيدة ألمانية تتقلَّد منصب المستشارة، وأوباما وهو أول رئيس أمريكي أسود، حسب قول مساعديهما. غرباء في بلادهم وغالباً ما اتفقوا في القضايا السياسية المهمة.
وعلى النقيض، يختلف ترامب وميركل في الأسلوب والجوهر.
أوباما زار أكثر من بلد
ويأتي اللقاء في برلين عقب فعاليات مشابهة في جنوب إفريقيا ولقاءات مصغرة في أماكن أخرى مثل البرازيل وإندونيسيا تنظمها مؤسسة أوباما، وهذا اللقاء يعد محورياً لجهود أوباما عقب انتهاء فترة رئاسته بغرض "المشاركة مع الأجيال التالية" في حل المشاكل الكبرى لهذا العصر.
وقالت جوليان سميث، المستشارة السابقة في إدارة أوباما وهي الآن زميلة أكاديمية بوش الألمانية: "كانت دعوة إلى العمل من أجل الجيل القادم من الزعماء الأوروبيين وسعياً نحو اصطفافهم في وقت يتمزق فيه النسيج الاجتماعي الأوروبي".
يختلف نهج مؤسسة أوباما عن مؤسسات أخرى مثل مؤسسة كلينتون أو مؤسسة بيل ومليندا غيتس الذين يسعون للتعامل مع قضايا معينة. ويرى آخرون في نهج أوباما عودة لجذوره كمنسق مجتمعي، وهو أيضاً ما يصفه به كثير من الناشطين الشباب الذي رحبوا به ترحيباً حاراً في برلين أمس السبت.
وقالت ليوني إلاند وهي صحفية ألمانية كانت ضمن 300 من القادة الشباب في القاعة: "كان هنا كناشط سابق وملهم. إنه يمثل الوجه الآخر لأمريكا، أمريكا التقدمية وبطريقة أخرى الحلم الأمريكي".