أَمَرَ قائدٌ عسكري، تعهَّد على مدار سنوات بأنَّه سيسيطر على ليبيا، قواته الخميس 4 أبريل/نيسان 2019، بالمسير إلى العاصمة طرابلس.
يضيف تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية أنه بحلول الليل، كانت تلك القوات قد باتت على بُعد 25 ميلاً (40.2 كيلومتر تقريباً) من المدينة، واندفعت قوات قوية مُنافِسة لإيقافها، الأمر الذي يثير احتمالية تجدُّد الحرب الأهلية.
وبدا أنَّ التقدُّم من جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر يُؤذِن بمرحلةٍ جديدة وربما حاسمة في صراع السلطة الذي مزَّق ليبيا منذ انتفاضة الربيع العربي عام 2011.
وعرقلت هذه الخطوة تقريباً خطط عقد مباحثات سلامٍ هذا الشهر أبريل/نيسان بين الأطراف الليبية المتنافسة. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد وصل إلى طرابلس لهذا الغرض في اليوم السابق على هذه التطورات. وحثَّ غوتيريش، الخميس، على "الهدوء وضبط النفس".
غرقت ليبيا في الفوضى منذ الإطاحة بالديكتاتور السابق العقيد معمر القذافي في 2011، وراحت منذ ذلك الحين المدن والميليشيات المتنافسة تتبارى على السلطة. وتسبَّبت هذه الفوضى في تقلُّص إنتاج البلاد من النفط، واستنزاف معظم ثروتها السيادية، وتوفير ملاذاتٍ للمتشددين وتحويل ساحل البلاد الطويل على البحر المتوسط إلى نقطة انطلاق للمهاجرين النازحين باتجاه أوروبا قادمين من إفريقيا والشرق الأوسط.
حفتر عميل CIA يتلقى دعماً من 4 دول
بعدما أعلن حفتر –الضابط السابق في جيش العقيد القذافي وأحد العملاء السابقين الذين عملوا مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)- في عام 2014، عزمه توحيد البلاد تحت حكمه، عانى على مدار السنوات الثلاث التالية لانتزاع مدينة بنغازي من سيطرة منافسيه. وتلقّى دعماً مكثفاً من مصر والإمارات العربية المتحدة، وانضمت إليهما فيما بعد فرنسا وبدرجةٍ محدودة روسيا، وفرض في نهاية المطاف سيطرته على معظم المنطقة الشرقية من البلاد.
وبدا أنَّ حركته المفاجئة، الخميس، مقامرة بأنَّه بات بمقدوره الآن فرض السيطرة.
قال محللون إنَّ تقدُّمه يرقى إلى كونه رهاناً على أنَّه يمكنه، من خلال خلقه هالة من الحتمية حول بروزه باعتباره رجل ليبيا القوي المقبل، إبرام الاتفاقات مع المجموعات المحلية المسلحة حول طرابلس من أجل ضمهم إليه، تماماً كما نجح بذلك في مناطق أخرى.
لكنَّ تقدُّمه تسبَّب حتى الآن في أثرٍ فوري تمثَّل في توحيد الكثير من الميليشيات المناطقية حول طرابلس، التي كانت متباينة في ما بينها من قبل، ضده.
إذ قال قادة ميليشيات من مدينة مصراتة –أقوة قوة مُنافِسة للواء حفتر- الخميس، إنَّهم سيحشدون قواتهم ويرسلونها إلى طرابلس لإيقافه.
معارضوه: نحن مستعدون لهذا المستبد بكل ما أوتينا من قوة
وقال قادة معارضيه في بيان: "نحن مستعدون لهذا المستبد بكل ما أوتينا من قوة". وأضافوا: "نحن مستعدون كما كنا دائما في الملمَّات لوقف هذا الزحف المشؤوم".
إذا فشل، سيعاني هزيمةً مُدمِّرة
يقول محللون إنَّ حفتر (75 عاماً) ربما يشعر أنَّه لا يوجد أمامه متسعٌ من الوقت لتحقيق طموحه.
قال فولفرام لاخر، الباحث في شؤون ليبيا بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: "بالنسبة لحفتر، إمَّا أن يحصل على كل شيء أو لا شيء. هذا بوضوحٍ انتزاعٌ للسلطة، لكن إذا فشل، سيعاني هزيمةً مُدمِّرة. فلن يكون قادراً على الحفاظ على خطوط إمداده".
وانهارت العملية السياسية الانتقالية، التي انطلقت بعد إزاحة العقيد القذافي، عام 2014، بالتزامن تقريباً مع إعلان اللواء حفتر عزمه السيطرة على السلطة. وحين انزلقت البلاد إلى حربٍ أهلية، حاولت الأمم المتحدة، بدعمٍ من الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، تسوية الصراع عن طريق الوقوف بجانب حكومة الوفاق الوطني القائمة في طرابلس.
في ظل عدم وجود قوة مسلحة تحت قيادتها، اعتمدت حكومة طرابلس على مقاتليها المحليين.
الحكومة تدفع الرواتب لحفتر وجنوده
ونشأ توازنٌ وعر بين حكومة طرابلس في الغرب واللواء حفتر في الشرق. وواصل المصرف المركزي في طرابلس دفع رواتب الموظفين الحكوميين في نطاق سيطرة حفتر، بما في ذلك جنوده، وسمح حفتر لحكومة طرابلس ببيع شحنات النفط عبر الموانئ التي يسيطر عليها.
لكنَّ هذا التوازن اختلَّ قبل نحو شهرين، حين اندفعت قوات اللواء حفتر للمرة الأولى إلى الصحراء الجنوبية. وتوصَّل إلى اتفاقاتٍ مع القبائل المحلية وحصل خلال ذلك على السيطرة على واحدٍ من أكبر حقول النفط في ليبيا، حقل الشرارة. وتنبَّأ الكثير من المحللين آنذاك بأنَّها كانت مسألة وقت فقط قبل أن يتحرَّك باتجاه العاصمة.
جادل البعض، الخميس، بأنَّ حفتر قد يكون قادراً أيضاً على التوصُّل إلى تسوياتٍ مع بعض المجموعات المحلية المسلحة حول طرابلس لينضموا إلى جانبه.
لكن مع ظهور الإشارات الأولى على تقدُّمه الأربعاء 3 أبريل/نيسان، حثَّه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس على "وقف استخدام لغة التهديدات". وأَمَر السراج، في بيانٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، كافة القوات الموالية لحكومته بالاستعداد لمواجهة أية تهديدات، بما في ذلك "من تنظيمات إرهابية، أو إجرامية، أو مجموعات خارجة عن القانون، أو مرتزقة، أو مَن يهدد أمن أي مدينة ليبية".