فتَّش مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب النمساوي، الثلاثاء 26 مارس/آذار 2019، منزل مارتن زلنر، أحد أبرز شخصيات حركة "الهوية" اليمينية المتطرفة في النمسا، والمتحدث باسمها، في خضم تحقيق السلطات في طبيعة علاقة الحركة مع منفذ هجوم نيوزيلندا الإرهابي.
جاء ذلك بعد تأكيد زلنر نفسه، في فيديو على يوتيوب، أنه تلقَّى تبرعاً كبيراً العام الماضي من بريد إلكتروني يضم اسم منفذ هجوم نيوزيلندا، ما يعني أن المبلغ قد يكون آتياً منه.
وقال إنه شكر صاحب التبرع عبر البريد الإلكتروني، موضحاً أن "كل مَن يدعمني يحصل على بريد (شكر) إلكتروني". وزعم أنه سيقدم المبلغ المحول له لأحد المرافق الخيرية.
ويُعتقد أن منفذ الهجوم الأسترالي حوَّل مبلغ 1500 يورو لحركة "الهوية" كتبرع، وفقاً لشبكة "يورو نيوز". وترى وزارة الداخلية أن هناك اشتباهاً أولياً بانتماء زلنر لجماعة إرهابية.
ويقول زلنر إن تحقيقات تجري ضدّه للاشتباه بانتمائه لجماعة إرهابية، زاعماً أنه ليس لديه أي علاقة بهجوم نيوزيلندا والمنفذ، وأن الأخير كان يريد إلحاق الضرر بحركتهم، وتوريطه شخصياً في الأمر، وفق ما نقل عنه موقع "شبيغل أونلاين".
منفذ هجوم "كرايستشرش" زار العام الماضي عدة مدن نمساوية
وكان الإرهابي اليميني المتطرف قد قتل 50 شخصاً في مسجدين في نيوزيلندا، في الـ15 من مارس/آذار 2019، وأصاب العشرات، بمختلف أنواع الأسلحة، قبل أن يتم القبض عليه، حيث يواجه تهماً قد تبقيه خلف القضبان مدى الحياة.
وكانت الداخلية النمساوية قد أكدت مسبقاً وجود الإرهابي منفذ الهجوم قبل أشهر في النمسا، حيث نشر الأخير صوراً لرحلته إلى فيينا ومدن أخرى كسالزبورغ وإنسبروك.
ولا يُستبعد أنه كان موجوداً هناك ليزور أماكن شهدت معارك شهيرة.
يذكر أن المهاجم كتب "فيينا 1683" على رشاش استخدمه في المذبحة، في إشارة إلى معركة حاسمة هزمت فيها أوروبا الدولة العثمانية، خلال الحصار الثاني للعاصمة النمساوية.
الحكومة تنظر في حل "الهوية"
ودعا المستشار سباستيان كورتز، الثلاثاء الماضي، في تغريدتين على موقع تويتر، إلى التحقق من وجود أي علاقة بين منفذ هجوم نيوزيلندا وأعضاء حركة الهوية في النمسا بشكل كامل، ومن دون هوادة.
Es ist wichtig, dass die unabhängige Justiz mit allen nötigen Mitteln und Ressourcen ihre Ermittlungen gemeinsam mit den Sicherheitsbehörden durchführen und diese Netzwerke ausheben kann. Es braucht volle Aufklärung über alle extremistischen Machenschaften.
— Sebastian Kurz (@sebastiankurz) March 26, 2019
قبل أن يقول الأربعاء 27 مارس/آذار 2019، إنه من الممكن تأكيد وجود دعم مالي، وبالتالي صلة بين أتباع حركة "الهوية" ومنفذ هجوم نيوزيلندا.
وأعلن كورتز أن الحكومة الاتحادية تنظر في حل حركة "الهوية"، وأن هناك حاجة لاستيضاح فيما إذا كانت هناك "دسائس في الخلفية"، وفقاً لموقع قناة "أوستيرراشه روندفونك" العامة.
وقال إنه ليس هناك تسامح حيال الأيديولوجيات الخطيرة، بغضّ النظر عن الجهة الآتية منها، وإنه بغض النظر عن نوع التطرف "لا ينبغي أن يكون لشيء كهذا مكان في بلادنا ومجتمعنا".
وبيَّن أن حلَّ المنظمة اليمينية المتطرفة ليس قراراً سياسياً، بل يتم عبر السلطات، وأنه سيتم حلها إن سمحت القوانين بذلك.
وعبَّر عن اعتقاده بأنه "يتوجب مكافحة كل فكر راديكالي"، مستدركاً بأن هناك دولة قانون، وهكذا في حال وجود جماعة إرهابية، ستكون هناك تبعات بالطبع على الحركة المذكورة، مشيراً إلى وجود تحقيقات ضدّ زعيم اليمينيين المتطرفين، وفيما إذا كانت هناك اتصالات أخرى بين منفذ هجوم نيوزيلندا ومواطنين نمساويين.
وتعد وزارة الداخلية مسؤولة عن التحقق عمَّا إذا كان من الواجب حل حركة "الهوية"، "في إطار دولة القانون"، على حد تعبير كورتز.
حلفاء المستشار نفسه متهمون بأنهم على صلة بـ"الهوية"
يذكر أن وزير الداخلية هو روبرت كيكل من حزب الحرية اليميني المتطرف، الذي يحكم البلاد رفقة حزب المستشار كورتز، منذ نهاية العام 2017.
ونفى زعيم حزب الحرية هاينز-كرستيان شتراخه، نائب المستشار كورتز، وجود أية صلة بين حزبه وحركة الهوية، مشيراً إلى أن الحزب يحظر على من ينخرط في حركة "الهوية" شغل أي منصب في حزب الحرية.
وزعم أنه ليس باستطاعته بالطبع استبعاد أن يكون أحد من الحركة المذكورة قد جاء والتقط صورة "سيلفي" معه خلال تجواله في البلاد، لأنه لا يسأل كل من يريد التقاط سيلفي معه، مع من ينشط.
ودافع نائب المستشار شتراخه عن نفسه، عندما وُجّه له سؤال، حول فيما إذا كان نادماً على نشره في الماضي فيديو دعائياً لحركة "الهوية" اليمينية المتطرفة المتهمة حالياً، على صفحته بموقع فيسبوك ومديحه لها.
وبين أن تقييمه العام 2016 لـ "الهوية"، كان على أنها حركة شبابية مضادة ثقافياً لليسار السياسي، معتبراً أن الأمر متروك للقضاء فيما إذا كانت هناك انتهاكات لدولة القانون، وأنه لَأمر "حسن" أن القضاء يحقق.
تشابه بين أيديولوجية أتباع "الهوية" ومنفذ هجوم نيوزيلندا
ولفتت حركة "الهوية" الأنظار إلى نفسها في الأعوام الماضية في أوروبا، بأعمالها الاستفزازية المعادية للمهاجرين والمسلمين، كتمثيلها عملية إعدام على طريقة تنظيم "داعش" في فيينا، و "احتلال" بوابة براندنبورغ التاريخية في برلين، داعية "لتأمين الحدود، لتأمين المستقبل".
وبرّأت محكمة نمساوية الصيف الماضي 17 قيادياً من الحركة، من بينهم زلنر نفسه، من التهم الرئيسية الموجهة لهم بنشر أيديولوجية معادية للأجانب، جراء صعودهم إلى سقف مقر حزب الخضر في العام 2016 في غراتس، ونشر لافتة طولها 16 متراً، كُتب عليها "الأسلمة تقتل"، إلى جانب اقتحام فعالية جامعية داعمة لاندماج اللاجئين. واقتصر الأمر على إدانة اثنين منهم بتهم إلحاق أذى بدني وضرر بالممتلكات والإكراه، على ما ذكر موقع "تزايت" الألماني.
وكانت نشأت الحركة في فرنسا قبل أعوام، قبل أن تنتقل لدول أوروبية أخرى. وتقدر الحركة عدد أعضائها النشطين بـ300.
وتخضع الحركة لمراقبة الاستخبارات الألمانية الداخلية على نطاق البلاد، وتُصنف في النمسا على أنها حركة يمينية متطرفة.
وكانت الحركة قد جمعت عشرات الآلاف من اليورو صيف العام 2017، لاستئجار سفينة، ومحاولة منع قوارب منظمات إنقاذ اللاجئين الموجودة في المتوسط من القيام بمهامها، ضمن حملة تهدف لسد الطريق أمام قوارب إنقاذ اللاجئين، و "الدفاع عن أوروبا" أمام "غزو غير مسبوق" من المهاجرين.
وكان منفذ هجوم كرايستشرش قد تحدَّث في المانفيست (البيان) الذي نشره قبل تنفيذ جرائمه عن "استبدال عظيم" للشعوب الغربية، بالمهاجرين، وهي الصياغة التي يستخدمها الكثير من اليمينيين المتطرفين، منهم من أوساط حركة "الهوية"، وفقاً لموقع "زود دويتشه"، التي أشارت إلى أن المجرم أشار إلى النمسا في المانفيست متحدثاً عن حركة ستبدأ هناك.
وتنسب صياغة "الاستبدال العظيم" إلى الكاتب الفرنسي المعادي للهجرة، رينو كامو، سيما أن لديه كتاباً يحمل نفس العنوان.
وتوضح مجلة "فورن بوليسي" أن هذه العبارة أصبحت شائعة في الجدالات الأوروبية بشأن الهجرة، وباتت مفضلة للسياسيين اليمينيين المتطرفين في جميع أنحاء أوروبا، والنشطاء اليمينيين المتطرفين الأصغر سناً من حركة "الهوية". فيما تبرأ كامو من الهجوم وأدانه.