رغم أن الهجمات الإرهابية وحوادث إطلاق النار الجماعية تعد نادرة في نيوزيلندا، ليست الهجمات على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش يوم الجمعة 15 مارس/آذار 2019 حوادث منفصلة عن الغرب حيث يُوجَّه خطاب كراهية المهاجرين المتصاعد ضد المسلمين في الغالب.
يقول بيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي في شبكة CNN الأمريكية، إن الأعمال الإرهابية الوحشية الأخيرة في نيوزيلندا تسلط الضوء على ثلاثة توجهات ناشئة في الغرب: الهجمات على الأهداف الإسلامية، واستخدام الشبكات الاجتماعية كمنصة يستخدمها الإرهابيون لنشر لقطات فيديو حية، واستهداف دور العبادة بشكل مروع.
الهدف ترويع المسلمين
في 29 يناير/كانون الثاني 2017، قَتَل ألكسندر بيسونيت، وهو متعصب معادٍ للمسلمين، 6 أشخاص في مسجد بمدينة كيبيك الكندية. وقال بيسونيت، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، للمحقق إنه نفذ الهجوم بعد أن نما إلى علمه أن الحكومة الكندية تنتوي استقبال مزيد من اللاجئين، حسبما ذكرت شبكة CBC الكندية.
وبعد نحو ستة أشهر وتحديداً في 19 يونيو/حزيران 2017، قَتَل إرهابي يميني متطرف يدعى دارين أوزبورن شخصاً واحداً شمالي لندن بعد أن دهس مجموعة من المسلمين بسيارته بالقرب من مسجد فنزبري بارك.
وقال المحققون: "إن دارين أوزبورن خطط لهجومه ونفذه بسبب كراهيته للمسلمين". وأظهرت تقارير الشرطة أن أوزبورن، الذي حُكِمَ عليه بالسجن مدى الحياة أجرى أبحاثاً عن الجماعات اليمينية المتطرفة، وتواصل مع زعمائها المتشددين وزار موقع InfoWars الإلكتروني المختص بنظرية المؤامرة الأمريكية قبل أسابيع من تنفيذ الهجمات.
وفي 5 أغسطس/آب 2017، انفجرت قنبلة في مسجد في مدينة بلومنغتون بولاية مينيسوتا الأمريكية بينما كان المسلمون يتجمعون لأداء الصلاة. ولحسن الحظ لم يُقتَل أحد.
وقال أحد الثلاثة المشتبه بهم للسُلطات إنه فجَّر المسجد "لترويع" المسلمين "خارج البلاد" وإظهار أنهم "غير مرحب بهم هنا".
وفي العام الماضي، خطط 3 أشخاص لتفجير 4 سيارات مليئة بالمتفجرات لنسف مجمع سكني بمدينة غاردن سيتي في ولاية كانساس الأمريكية، حيث يحتوي أيضاً على مسجد. وكان المجمع مسكناً لكثير من اللاجئين الصوماليين، ولم يُبد الأشخاص الثلاثة كراهيتهم لهم فقط وإنما "للمسلمين عامة ووصفوا ما خططوا لإلحاقه بهم بأبشع وأعنف العبارات"، حسبما قال المحامي الأمريكي ستيفين مكاليستر. وقد حُكِمَ على الأشخاص الثلاثة في مطلع العام الجاري بالسجن لمدة 25 عاماً على الأقل.
استخدام الشبكات الاجتماعية
أصبحت الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة -سواء أخذت شكل جرائم كراهية أو تصريحات معادية للمسلمين صادرة عن مسؤولين منتخبين- أكثر شيوعاً خلال السنوات الثلاث الماضية، حسبما أوضح روبرت ماكنزي، مدير مبادرة المسلمون في المهجر التابعة للمؤسسة البحثية غير الحزبية New America.
ويعد استخدام الشبكات الاجتماعية من قبل المتطرفين للحشد والتنظيم وبث الأفكار المسمومة قضية أخرى يتعين على شركات التكنولوجيا التعامل معها. ففي يوم الجمعة الماضي 15 مارس/آذار ظهر أن منفذ هجمات نيوزيلندا قد نشر بياناً على الشبكات الاجتماعية قبل أن يبث لقطات حية على موقع فيسبوك لهجومه.
وكان البيان مليئاً بالأفكار المعادية للمهاجرين والمسلمين ومتعصباً للقومية البيضاء. وحُذِفَ الفيديو المباشر الذي بلغت مدته 17 دقيقة، الذي يُظهِر جزءاً من الهجمات من خلال كاميرا مثبتة على خوذة على ما يبدو، منذ ذلك الحين من موقع فيسبوك، إلا أن مقاطع الفيديو وصور الشاشة كانت قد انتشرت على نطاق واسع.
لم يكن استخدام البث الحي جديداً. ففي يونيو/حزيران 2016 قَتَل لاروسي أبالا، وهو إرهابي منتم لتنظيم داعش ضابط شرطة وشريكته في فرنسا. وبعد ذلك مباشرة صور أبالا نفسه في لقطات حية على فيسبوك وأعلن ولاءه لتنظيم داعش بينما يجلس خلفه ابن الزوجين (3 أعوام) مذعوراً.
كان الإرهابيون يعتمدون على المؤسسات الإعلامية التقليدية المعروفة لجذب الانتباه ونشر هجماتهم وإعلان مسؤوليتهم. أما الآن يستطيع الإرهابيون فعل ذلك بأنفسهم باستخدام الشبكات الاجتماعية ببث تغطية حية لهجماتهم.
وبما أنه من المحتمل أن يستمر هذا التوجه، سيتعين على شركات الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك أو يوتيوب مواجهة صعوبات حظر هذا المحتوى المروع من النشر والمشاركة.
لن يكون الأخير من نوعه
وتعد الهجمات الإرهابية في نيوزيلندا جزءاً من توجه منتشر في الغرب، حيث يستهدف الإرهابيون دور العبادة التي كان استهدافها محظوراً بشكل عام في الماضي.
في الولايات المتحدة، خلَّف هجوم أكتوبر/تشرين الأول 2018 على كنيس "تري أوف لايف" في بمدينة بيتسبرغ بولاية بنسيلفانيا الأمريكية 11 قتيلاً. وفي حادث إطلاق النار في كنيسة تشارلستون عام 2015، قَتَل ديلان روف، وهو متعصب للعرق الأبيض، 9 أمريكيين أفارقة. وفي عام 2012 قُتل 6 أشخاص في حادث إطلاق نار جماعي في معبد للسيخ جنوب مدينة ميلواكي بولاية ويسكونسن. وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى في مختلف دول العالم.
وقال المهاجم النيوزيلندي في بيانه إنه أُعجب في السابق بعدد من الإيديولوجيات ومنها الشيوعية والفوضوية والتحررية. ولكنه استقر في النهاية على اتباع القومية البيضاء المتطرفة.
ويدل هذا على أنه مثل الكثير من الإرهابيين قبله، ربما كان يعاني من أوجه استياء ملازمة له في حياته وكان يبحث عن أيديولوجية تسمح له بأعمال العنف. وبصرف النظر فإنه يعد نتاجاً لهذه الأوقات العصيبة وبالتأكيد لن يكون الأخير من نوعه.