كيف ساعد الإنترنت في صناعة سفاح نيوزيلندا وأمثاله؟

فسّرت صحيفة The New York Times الأمريكية كيف يُمكن أن يساعد الإنترنت في ارتكاب برينتون تارانت جريمته بقتل المصلين داخل أحد المساجد بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا.

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/16 الساعة 08:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/16 الساعة 08:03 بتوقيت غرينتش

قبل دخوله إلى أحد المساجد بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، موقع إحدى أكثر جرائم القتل الجماعي دمويةً في تاريخ البلاد، توقف المسلح المتهم بارتكاب الهجوم الإرهابي ليعلن تأييده لأحد نجوم يوتيوب في مقطع فيديو بدا أنه يوثق حادث إطلاق النار.

وقال القاتل برينتون تارانت: "شباب، لا تنسوا الاشتراك في قناة PewDiePie".

بالنسبة للعين غير الخبيرة، قد يبدو هذا وكأنه التفاف غريب، لكن الأشخاص الذين شاهدوا بث المقطع أدركوا أنه شيء مختلف تماماً، نحن أمام "ميم إنترنت". وهنا فسّرت صحيفة The New York Times الأمريكية كيف يُمكن أن يساعد الإنترنت في ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة.

لماذا طلب القاتل الاشتراك في قناة على يوتيوب؟

مثله مثل العديد من الأشياء التي يبدو أن المشتبه به فعلها استعداداً لتنفيذ الهجوم صباح يوم الجمعة 15 مارس/آذار، ومثل نشر بيان مكوّن من 74 صفحة يذكر فيه أسماء شخصيات محددة معروفة على الإنترنت وأثرت على آرائه، أو كتابة أن لعبة الفيديو فورتنايت "درّبته ليكون قاتلاً"، يخدم تأييده لليوتيوبر الشهير "بيو داي باي" غرضين.

بالنسبة لمتابعينه على الإنترنت، كان هذا بمثابة مزحة ساخرة مقصودة (تحولت عبارة "اشتركوا في قناة بيو داي بي"، التي بدأت محاولة شعبية على الإنترنت لمساعدة اليوتيوبر الشهير في الحفاظ على عرشه باعتباره أكثر حساب يملك متابعين على الموقع، إلى نوع من إشارات التحذير الثقافية للشباب والشغوفين بالإنترنت).

أما بالنسبة لأي شخص آخر، كانت الرسالة بمثابة فخّ مضلل، أي مزحة أُطلِقت لتشتيت انتباه الرأي العام ووسائل الإعلام في محاولة تفسيرها حرفياً.

ربما كان الهدف إذا كان هناك هدف بالأساس هو محاولة إلقاء اللوم على شخصية إنترنت مشهورة وإشعال التوترات السياسية في كل مكان (قال بيو داي بي، واسمه الحقيقي فيليكس شالبرغ، في تغريدةٍ له صباح اليوم: "أشعر بالاشمئزاز الشديد بعد أن نطق هذا الشخص اسمي").

تفسير انتشار خطاب العنف على الإنترنت.. وتأثر القاتل بالشبكات الاجتماعية

تُعد التفاصيل التي ظهرت حول الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش حيث قُتِل 49 شخصاً على الأقل "مروعة".

لكن الأمر المثير للدهشة بشأن هذا الحادث هو كيف كان خطاب العنف منتشراً وواضحاً للغاية على الإنترنت، وكيف كان المشتبه به يبدو على دراية بنظرة الثقافات الفرعية المتميزة على الإنترنت إلى فعلته وكيفية تفسيرها بعد ارتكابه لها.

من بعض النواحي، بدا الأمر وكأنه إطلاق نار جماعي على الإنترنت، جرى تخيله وتنفيذه بالكامل داخل إطار خطاب الكراهية المليء بالسخرية في العصر الحديث.

وأعلن المشتبه عن فعلته على تويتر وعبر موقع 8chan، وهو منصة للرسائل على الإنترنت، وبث الهجوم مباشرةً على فيسبوك.

وأُعيدت مشاهدة المقطع لعدد لا يحصى من المرات على يوتيوب وتويتر وريديت، إذ سارعت منصات الإنترنت المختلفة إلى حذف المقاطع بنفس سرعة ظهور نسخ جديدة منها تقريباً.

وفي بيان لها على تويتر، قالت شركة فيسبوك إنها حذفت سريعاً حسابي المتهم على كل من فيسبوك وإنستغرام، بالإضافة إلى المقطع"، وإنها تحذف أي عبارات مدح أو تأييد للحادث.

وقال موقع يوتيوب إنه "عمل بحذر لحذف أي لقطات عنيفة". بينما قال موقع ريديت في بيان إنه "يحذف أي محتوى يحتوي على روابط لمقطع الهجوم أو البيان".

حتى اللغة التي استخدمها المشتبه به لوصف هجومه قبل تنفيذه وضعته في إطار النشاط السياسي على الإنترنت.

ففي منشوره على موقع 8chan، أشار المتهم إلى الهجوم بأنه "محاولة بذل جهد حقيقي في الحياة". ووضع لإحدى الصور عنوان "فلتذهب آراؤكم إلى الجحيم"، في إشارة إلى عبارة نشرها المتهم بتنفيذ هجوم على كنيس يهودي في مدينة بيتسبرغ الأمريكية، والتي أصبحت فيما بعد نوعاً من الشعار بين النازيين الجُدد.

ويبدو أن بيانه، وهو مزيج من شعارات القومية البيضاء والعبارات الفاشية والإشارات إلى نكات الإنترنت الغامضة، قد كُتِب بطريقة معقدة للغاية.

بالطبع، لا نلوم الإنترنت، ولكن..

سيكون من الظلم أن نلقي باللوم على الإنترنت في هذا الحادث. إذ تعد الدوافع معقدة، والأرواح معقدة، ولا نعلم حتى الآن كل التفاصيل حول الحادث، وقد وجهت السلطات النيوزيلندية اتهامات لرجلٍ ولكنها لم تكشف هويته.

لا يعد العنف المناهض للمسلمين ظاهرة عبر الإنترنت، وكراهية القوميين البيض تسبق ظهور منصات مثل فور تشان وريديت بوقت طويلٍ.

لكننا نعرف أن تصميم منصات الإنترنت يمكنه أن يخلق ويعزز المعتقدات المتطرفة. إذ غالباً ما تعمل خوارزميات المحتوى الموصى به على تلك المنصات على توجيه المستخدمين نحو محتوى أكثر تطرفاً، وهي حلقة تؤدي إلى قضاء المزيد من الوقت على التطبيق، وتحقيق المزيد من إيرادات الإعلانات للشركة.

وتُطبق السياسات المتعلقة بخطاب الكراهية الخاصة بتلك الشركات بشكل ضعيف، كما أن إجراءاتها لحذف المقاطع المصورة، مثل تلك التي جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال ساعات بعد حادث إطلاق النار في كرايست تشيرش، رغم محاولات الشركة لحذفها، تكون متناقضة في أحسن أحوالها.

لا ننسى أن جرائم مشابهة تحمل بصمة الإنترنت

نعلم أيضاً أن العديد من أعمال العنف الأخيرة تحمل بصمة الإنترنت. كان روبرت باورز، المتهم بقتل 11 شخصاً وإصابة 6 آخرين في كنيس "شجرة الحياة" بمدينة بيتسبرغ الأمريكية، مستخدماً دائماً لموقع غاب، وهي منصة تواصل اجتماعي تنال إعجاب المتطرفين.

وكان سيزار سايوك، المتهم بإرسال متفجرات إلى أبرز منتقدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي، ينشر بكثرة ميمات الإنترنت التابعة لليمين المتطرف على فيسبوك وتويتر.

واعتاد الناس الاعتقاد بأن التطرف على الإنترنت بعيد كل البعد عن التطرف الذي يحدث في العالم الفعلي، إذ يرون أن العنصرية والتعصب على منصات الرسائل عبر الإنترنت أقل خطورة من مسيرات كو كلوكس كلان أو النازيين الجدد (حليقي الرؤوس).

والآن، أصبح التطرف على الإنترنت هو مجرد تطرف يتغذى على المنشطات بانتظام. لا يوجد شيء خارج الإنترنت معادل لتجربة أن تدفعك الخوارزميات تجاه نسخة أكثر تشدداً من معتقداتك الحالية، أو يد خفية توجهك من مقاطع ألعاب الفيديو إلى مقاطع تروج للنازية الجديدة.

أصبح الإنترنت الآن هو المكان الذي تزرع فيه بذور التطرف وتروى، وحيث ترشد دوافع المنصات منتجي المحتوى إلى الأيديولوجيات المتطرفة، وحيث يمكن للأشخاص ذوي المعتقدات البغيضة والعنيفة إيجاد وتغذية بعضهم.

ولذا يستمر هذا النمط. يصبح الناس أكثر طلاقة في ثقافة التطرف على الإنترنت، ويصنعون الميمات المتطرفة وينشرونها، وينعقدون حول بعضهم وتتحجر آراؤهم، وأحياناً يثور أحدهم.

لذلك، توجه الصحيفة الأمريكية رسالة لقرائها، تقول فيها: "في الأيام المقبلة، علينا أن نحاول إيجاد معنى في حياة ضحايا هجوم كرايست تشيرش، وألا نساعد أساليب جذب الانتباه التي استخدمها المتهم. يجب أيضاً أن نتعامل مع الخوف المتعلق بالعنف ضد المسلمين".

وختمت المقال بالقول: "في الوقت ذاته، نحن بحاجة إلى فهم تيار التطرف البغيض الذي ظهر على مدار السنوات العديدة الماضية، والذي من المستحيل أن نحدد حجم آثاره النهائية ولكن من الواضح أنه أكبر من أن نتجاهله. هذا الأمر لن يختفي، ولا يتحسن بشكل خاص، وسنشعر به لسنوات مقبلة".

تحميل المزيد