الشرطة تتصدى للبلطجية وتتودد للمتظاهرين.. ولكن هناك ما دفع المواطنين لتخزين الطعام

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/10 الساعة 19:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/11 الساعة 05:18 بتوقيت غرينتش
People protest against President Abdelaziz Bouteflika, in Algiers, Algeria March 8, 2019. REUTERS/Zohra Bensemra

"ترحلو يعني ترحلو"، كان هذا شعار المتظاهرين في ثالث جمعة تظاهر ضد ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، والتي حملت تهديداً بإعلان العصيان المدني في الجزائر.

اتسمت التظاهرات بدرجة عالية من السلمية والاحتفالية، وكان لافتاً التعامل الراقي بين المتظاهرين والشرطة، ولكن لم يخف ذلك ما حوته المظاهرات من رسالة أخيرة إلى بوتفليقة، وهو التلويح بإعلان العصيان المدني في الجزائر.

"..ترحلو يعني ترحلو"، ثلاث كلمات قصيرات ولكن دالات على الطبيعة الحاسمة لمطالب المتظاهرين في مسيرات الجمعة 8 مارس/آذار 2019.

كتبت الكلمات الثلاث بالأسود على صفائح ورقية مستطيلة بيضاء وعلى قماش أبيض، ورفعت فوق الرؤوس، في ثالث جمعة تظاهر، ضد ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة.

والخيارات لم تعد تقتصر على التظاهر

مسيرات الجمعة الماضية وكانت ضخمة وأقرب إلى المهرجانات الوطنية.

وكان واضحاً فيها إصرار ملايين الجزائريين، على إنهاء حكم بوتفليقة، وعدم التعاطي مع أي مسار انتخابي يكون مرشحاً فيه.

ويهدد الرافضون للتمديد لحكم بوتفليقة، بتنويع أدوات التعبير السلمي، لتحقيق غايتهم في رؤية "الجمهورية الثانية".

ومن هذه الخيارات إعلان العصيان المدني في الجزائر، ابتداءً من اليوم الأحد 10 مارس/آذار 2019.

عيد المرأة بنكهة سياسية

تزامن المظاهرات مع اليوم العالمي للمرأة، أكسب المظاهرات طابعاً مميزاً.

فقد تعودت النساء الجزائريات في هذا اليوم، على الاستمتاع بالحصول على راحة من الدوام المسائي لساعات العمل، إضافة إلى التكريمات واستلام الهدايا الرمزية والورد الأحمر، وسماع خطابات الثناء والمديح.

لكن الأمر اختلف هذه العام، حيث كان عيد المرأة مصبوغاً بنكهة سياسية خالصة.

إذ خرج فيه الآلاف من النساء الجزائريات للتظاهر ضد ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المنتهية ولايته لعهدة رئاسية خامسة، لينخرطن بقوة في الحراك الشعبي السلمي الذي انطلق قبل أسبوعين.

#مشهد #لن تراه في اي دولة #عناصر الشرطة يحتفلون #بنجاح مهمة تأمين وتأطير #مظاهرات اليوم .. ويرددون تحيا الجزائر🇩🇿❤️

Gepostet von ‎Algerian Street الشارع الجزائري‎ am Freitag, 8. März 2019

خرجن ملتحفات العلم الوطني، مرتديات الأزياء التقليدية العريقة كالحايك والعجار، والأزياء العصرية، قطعن كيلومترات من المنحدرات والمرتفعات للوصول إلى نقاط التظاهر المعتادة، ورفع شعارات "لا للخامسة"، "جمهورية ماشي (ليست) مملكة"، وساهمن في منح روح إبداعية للحراك وزيادة الحجم العددي للرافضين لولاية بوتفليقة الخامسة.

وفي العاصمة الجزائرية، جعلت النساء، المسيرات أقرب إلى مهرجان وطني منها إلى تظاهرة سياسية، فقد أضفن جواً عائلياً وحضارياً للمظاهرات.

حماستهن للمشاركة في المسيرة المطالبة بإنهاء حقبة بوتفليقة، بدت واضحة منذ الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة صباحاً.

إذا بدأن في النزول إلى الشوارع والساحات ومنهن من أحضرن وجبة الغذاء وتناولنها في الحدائق العمومية، قبل ساعات المسير.

اللواء  غديري يحاول الانضمام للمظاهرات.. ولكنه يلاقي استقبالاً مماثلاً لبوتفليقة

في هذا التوقيت، قرر المرشح للانتخابات الرئاسية، اللواء المتقاعد علي غديري، مغادرة مكتب مداومته والنزول إلى الشارع للتظاهر مع الشعب ضد العهدة الخامسة، لكنه قوبل بشعار "dégage" (ارحل).

وتعرض غديري لانتقادات، بسبب عدم انسحابه من المسار الانتخابي والتحاقه متأخراً بالحراك الشعبي.

فور الانتهاء من صلاة الجمعة، بدأ المشاركون في المسيرات، أخذ الطريق إلى ساحات: أول ماي، موريس أودان، البريد المركزي، وشوارع: ديدوش مراد، موريتانيا، حسيبة بن بوعلي وكريم بلقاسم.

المتظاهرون يطالبون اللواء المتقاعد علي غديري بالرحيل/مواقع التواصل
المتظاهرون يطالبون اللواء المتقاعد علي غديري بالرحيل/مواقع التواصل

مراسل عربي بوست قطع ساحة "أديس أبابا" المطوقة كلياً بشرطة مكافحة الشعب وشاحناتها المدرعة، للنزول عبر أزقة الحي الشعبي "ساكري كور".

هناك شاهد سيلاً بشرياً، مكوناً من عائلات بأكملها ومواطنين من مختلف الأعمار، أطفالاً، مراهقين، شباباً، شابات، أمهات، أباء وشيوخاً، كلهم بالعلم الوطني وكلهم يهتفون "لا نريد لا نريد بوتفليقة والسعيد"، و"مكانش (لا توجد) الخامسة يا بوتفليقة"، كما يرددون النشيد الوطني الجزائري.

وكل من بلغ وسط المدينة، يقول "جئت في واد من البشر" (في إشارة إلى ضخامة الأعداد)، مثلما تحدث فوزي (شاب) لعربي بوست.

 وهي مشاهد تشير إلى أن الجمعة الثالثة هي الأكبر منذ انطلاق الحراك في 22 فبراير/شباط 2019.

حركة المتظاهرين تتوقف ولكن ليس بسبب حواجز الشرطة

عند الاقتراب من ساحة أدوان نزولاً من شارع ديدوش مراد، تتوقف الحركة تقريباً، ليس بسبب حواجز الشرطة، ولكن لأن الأرض لم تعد تسع المتظاهرين.

بسبب الزحام تسلق البعض الشجر، ونال البعض حظاً من سخاء سكان الحي المجاور الذين فتحوا لهم أبواب العمارات لمشاهدة اللوحة الفنية البشرية من الشرفات.

لقد اكتظ المكان، بشكل يوحي أن الجزائر كلها في هذا الشارع الفسيح وساحته المسماة باسم المناضل الفرنسي الشيوعي موريس أودان.

إذ لا يظهر شيء من الأرصفة والإسفلت، ويستحيل تمييز القامات والهامات، وفوق الرؤوس المستوية كبساط متلألئ تعلو الأعلام الوطنية والأطفال الذين يعتلون أعناق ذويهم.

وروائح العطور وما يفعله الرجال مع النساء تعطيك إيحاء بأن هذا حفل كبير 

عند الدخول وسط الحشود الغفيرة، تشم رائحة العطور الزكية المنبعثة من بنات ونساء الجزائر، اللاتي تزين وتعطرن لهذا اليوم، وكأنهن ذاهبات لحفلة.

على الرصيف، ووسط الصيحات المدوية، يطوف شباب وبيدهم عشرات الورود الحمراء، يهدونها لكل امرأة صادفوها أمامهم، تكريماً لها في عيدها العالمي.

الهتافات، التي أسماها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في رسالة تسليم ملف الترشح للمجلس الدستوري بـ"الآهات"، كان يتم إطلاقها في المظاهرات بالتناوب والتناغم.

فمرة "يرفع جيبو البياري وزيدو الصاعقة مكانش الخامسة يا بوتفليقة"، ومرة "كليتو البلاد يا السراقين"، وتارة "سلمية سلمي"، وتارة أخرى "الزغاريد"، كل النساء يزغردن.

أجواء كرنفالية وعائلية

المسيرة المليونية التي جابت شوارع العاصمة، كانت أكبر حجماً من مسيرات 22 فبراير/شباط و1 مارس/آذار 2019، لدرجة أن الانتقال بين البريد المركزي وساحة أودان يستغرق ساعة كاملة بسبب الاكتظاظ.

ومع ذلك سادت أجواء، لا يمكن وصفها إلا بالاحتفالية.

فالمتظاهرون كلهم مبتسمون وهم يرددون شعاراتهم ضد العهدة الخامسة وما وصفوه بـ"العصبة المحيطة" بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وروح التضامن قوية جداً، حيث تطوع شباب للقيام بمهام الإسعاف الميداني لكل من أصابه مغص، كما وزع آخرون قارورات الماء والتمر والبرتقال لحشد طاقة المتظاهرين.

#بيان_صحفي

Gepostet von ‎المديرية العامة للأمن الوطني‎ am Freitag, 8. März 2019

وتواصلت للجمعة الثالثة على التوالي، مظاهر الاحتفاء برجال الشرطة ومبادلتهم التحية والتشجيع.

وقال فاتح (شاب) لعربي بوست، "نحن الآن في أجواء عائلية، جئت مع كامل عائلي، وأرى أن أغلب المتظاهرين مثلنا، تنظيم عفوي، روح أخوية وتصرفات حضارية"، ليضيف "لا شك أن العالم سيتحدث عنا مطولاً".

إنها جمعة الإنذار الأخير.. والمتظاهرون يتعاملون بطريقة غريبة مع مروحية الأمن

اللافت أنه كلما استقرت مروحية الأمن الوطني فوق المكان قابلتها تحية صاخبة، فالجميع يعلن أنها مزودة بكاميرا عالية الدقة، وكأنهم يريدون أن يتم تصويرهم من قبل الأمن.

الأجواء الودية والسلمية للغاية التي ميزت المسيرات الثالثة على التوالي، لم تمنع إرسال رسالة صارمة إلى أعلى هرم السلطة، وهي "لا نريد هذه الانتخابات ولن تكون عهدة خامسة لبوتفليقة".

ومن بين الشعارات التي تنوعت بين الجد والهزل، برز شعار "ترحلو يعني ترحلو"، الذي يبين إصرار ملايين الأشخاص بمختلف شرائحهم على عدم التراجع قيد أنملة عن مطلب إسقاط العهدة الخامسة لبوتفليقة.

وأتت مسيرة الثامن مارس/آذار عقب وضع ملف ترشح عبدالعزيز بوتفليقة لدى المجلس الدستوري وقبل أيام قليلة، عن انقضاء مهلة العشرة أيام للإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين.

ويشكل ارتفاع الحراك الشعبي الميداني وانضمام مختلف التنظيمات إليه، من يوم إلى آخر، عوامل ضغط على  النظام الجزائري الذي يصر على العهدة الخامسة بعد إعلان بوتفليقة الترشح وتقديم الملف.

السكان يبدأون بتخزين الأطعمة تحسباً لما سيحدث إذا لم يستجب بوتفليقة

وفي الوقت الذي كان الجزائريون في الشوارع، كانت رسالة نصية قصيرة، تتداول على نطاق واسع عبر تطبيق ماسنجر وصفحات فيسبوك وتويتر، تدعو إلى "الشروع في عصيان مدني، بتجميد النشاطات في كافة المؤسسات والمحلات ابتداء من الأحد 10 مارس/آذار إلى 14 من ذات الشهر، في حال لم ينسحب بوتفليقة".

وقع التحضير للعصيان المدني، كان ذا أثر كبير هذه المرة، حيث سارعت العائلات الجزائرية، إلى المحلات لاقتناء أكبر قدر ممكن من المواد الغذائية وتخزينها تحسباً لشل البلاد  مقاومة لاستمرار بوتفليقة والعصبة المحيطة به في الحكم.

وفي السياق، قال محمد صاحب محل لبيع المواد الغذائية لعربي بوست، قائلاً "ما بعته في هذين اليومين يضاهي ما بعته طيلة شهر، الناس تشتري المواد الأساسية كالسكر والزيت، والحبوب والدقيق بشكل مضاعف".

كما أفاد يوسف (شاب) الذي شارك في جميع المسيرات منذ انطلاقه، أنه سيكون أول مطبق للعصيان المدني في حالة استمرار السلطة في الاستمرار على نهج الخطة الخامسة. وقال "عندما أخرج إلى المسيرة وأرى تلك الأعداد، أقول في نفسي كيف لا يتراجع بوتفليقة ويستجيب لشعبه؟".

ويقول يوسف لـ"عربي بوست "سأنشر على صفحتي على فيسبوك ليلة السبت أنا في بيتي سأمكث الأحد وسأدعم العصيان المدني إذ لم يصدر ما يلبي مطالب الشارع".

البلطجية مجدداً والشرطة تتصدى وتحتفل

ومثلما حدث الجمعة الماضية، اشتبكت مجموعة من البلطجية مع عناصر الشرطة بشارع كريم بلقاسم في الاتجاه المؤدي إلى قصر رئاسة الجمهورية، حيث حاول هؤلاء المشاغبون اقتحام متحف التاريخ الإسلامي وسرقة محتوياته وتخريب مدرسة الحرية، قبل أن تتصدى لهم قوات مكافحة الشغب.

#بيان_صحفي الجمعة 08 مارس 2019

Gepostet von ‎المديرية العامة للأمن الوطني‎ am Freitag, 8. März 2019

وتسبب المواجهات في جرح 112 عنصراً من أفراد الشرطة، بينما تم إلقاء القبض على 195 شخصاً، وفق حصيلة نهائية لقوات الأمن.

ونفت المديرية العامة للأمن الوطني، خبر وفاة شرطي، الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت أنها "لم تسجل أية حالة وفاة ماعدا إصابات متفاوتة في صفوف رجال الشرطة".

والمنظمون يوجهون تحية للشرطة

وفي مشهدين مميزين، نظم مواطنون ممر شرف، لرجال الشرطة، بحي ديدوش مراد، عند نهاية مهمتهم في تأمين المسيرة والتصدي للمنحرفين الذين أرادوا السطو على الممتلكات.

#الأمن_الوطني دائما في خدمتكم

#الأمن_الوطني دائما في خدمتكم

Gepostet von ‎المديرية العامة للأمن الوطني‎ am Freitag, 8. März 2019

 

كما قام عناصر مكافحة الشغب، في بادرة لافتة بالاحتفال بما قاموا به، في يوم طويل وشاق، وهتفوا أمام الكاميرا "تحيا الجزائر".

 

تحميل المزيد