لم تكن ليلة الأحد عادية، فلم ينم الجزائريون الرافضون لترشح عبدالعزيز بوتفليقة للانتخابات الجزائرية بل خرجوا في مظاهرات ليلية في الجزائر كلها ، رغم أن كل المؤشرات كانت تؤكد ترشحه، إلا أن لحظة تأكيدها كانت صعبة عليهم.
ويبدو أن رسالة الرئيس الجزائري، الذي تعهد فيها بتنظيم انتخابات مسبقة في غضون سنة، لا يترشح فيها، لم تسهم في تهدئة الشارع، إذ سارع آلاف المواطنين للتعبير عن رفضهم في مظاهرات واعتصامات بأغلب الولايات.
التنازل رقم 1
الرئيس بوتفليقة، الذي لا يملك الجزائريون خبراً عن مكان تواجده، يوم تقدمه بملف الترشح بطريقة استعراضية للمجلس الدستوري، حين حمل 8 سيارات نفعية استمارات ترشحه، استجاب لأول مرة لمسيرات الفاتح من مارس/آذر، التي طالبته بالعدول عن الترشح لعهدة خامسة.
وقال في رسالته التي قرأها نيابة عنه عبد الغاني زعلان مدير حملته: "لقد نَمَتْ إلى مسامعي، وكُلي اهتمام، آهات المتظاهرين، ولاسيما تلك النابعة عن آلاف الشباب الذين خاطبوني في شأن مصير وطننا، غالبيتهم في عمر تطبعُه الأنفة والسخاء اللذان دفعاني وأنا في عمرهم إلى الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني المجيد، أولئك شباب عبروا عن قلقهم المشروع والمفهوم تجاه الرّيبة والشكوك التي حركتهم".
وقبل ذلك أشاد بوتفليقة بالسلمية التي طبعت المسيرات الرافضة للعهدة الخامسة وتعامل قوات الأمن معها.
واستند الرئيس الجزائري على ماضيه كمجاهد، للرد على مطالب الرافضين لترشحه، حيث تعهد بتلبية المطلب الأساسي المتمثل في "تغيير النظام".
وفي محاولة لتهدئة الرأي العام، قدم بوتفليقة عرضه الأول للغاضبين، حينما وعد "بتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، يتحدد موعدها في ندوة وفاق وطني يشارك فيها الجميع تستكمل بتعديل معمق للدستور الذي يصادق عليه باستفتاء شعبي".
مظاهرات ليلية في الجزائر
بعد يوم طويل من الترقب وتوجيه الأنظار صوب مقر المجلس الدستوري ببن عكنون بالجزائر العاصمة، عاشت الجزائر ليلة طويلة، إذ خرج آلاف المحتجين فور تلقيهم نبأ ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة.
وفي حدود الساعة التاسعة ليلاً، وصل أول المتظاهرين شوارع مدينة جيجل شرق البلاد، لتتوالى أخبار الاحتجاجات في جميع الولايات تقريباً، شرقاً وغرباً، واستعادت العاصمة بعضاً من أجواء الجمعة الماضي بمظاهرات ومسيرات انطلقت من الأحياء الشعبية، كباب الوادي، بلوزداد، حسين داي، باتجاه وسط المدينة، وبالأخص شارعي العربي بن مهدي وديدوش مراد وساحتي موريس أدوان والبريد المركزي.
وردد المحتجون ذات الشعارات الرافضة للعهدة الخامسة والعصبة الحاكمة، على غرار "مكاش (لا توجد) الخامسة"، و "كليتو (أكلتم) البلاد يا السراقين"، وكذا العبارة الشهيرة "جيبو البياري جيبو الصاعقة، مكاش الخامسة يا بوتفليقة".
كما غنا المتظاهرون بصوت واحد: "اليوم اليوم المباتة (المبيت) برا (في الشارع)".
Grande manifestation anti 5e mandat en ce moment rue Didouche Mourad #Alger
Gepostet von Khaled Drareni am Sonntag, 3. März 2019
وتنقل الرافضون لخامسة بوتفليقة في مسيرات بين الساحات المعروفة ومقرات الولايات والبلديات.
واللافت في المظاهرات الليلة، أنها كانت عفوية، ولم تسبق بأية دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي مثلما حدث مع مسيرات 22 فبراير/شباط و1 مارس/آذار.
اليد على القلب
وبعد مرحلة حبس الأنفاس، التي عرفها الجزائريون طيلة يوم كامل، جاء الدور على وضع اليد على القلب خوفاً من أية انزلاقات خطيرة.
ودعا ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الكف عن التظاهر ليلاً، لما في الأمر من خطورة، بسبب إمكانية تسلل مندسين يمتهنون التخريب والتعدي على الأملاك وما يتبع ذلك من احتمالات إعلان حالة الطوارئ.
وفي السياق، دعا الإعلامي الجزائري الشهير حفيظ دراجي، على صفحته الرسمية بفيسبوك إلى عدم التظاهر ليلاً.
يرجى من شبابنا في كل الوطن العودة إلى المنازل وتجنب الخروج للاحتجاج ليلا لأن في ذلك خطر عليكم وعلى البلد و على حراكناغدا يوم آخر
Gepostet von Hafid Derradji – حفيظ دراجي am Sonntag, 3. März 2019
وحاول بعض المدونين تعميم هاشتاغ " #لا_للتظاهر_ليلا"، تفادياً لما أسموه بإعطاء الفرصة لخفافيش الظلام.
وتوقع الصحفي خالد بودية تدخل الجيش لفرض النظام العام في المدن في حالة انزلاق الأمور وكتب على صفحته "ليس مستبعداً أن يتدخل الجيش لاستتباب الأمن #احتجاجات_الليل خطر".
ولم تمنع أحداث العنف التي عرفتها مسيرات الجمعة الماضي، بالموقع، متظاهرين من السير في جنح الليل باتجاه قصر رئاسة الجمهورية ببلدية المرادية، الذي يخضع لرقابة أمنية مشددة، فيما دوى صوت المروحيات ليلاً فوق رؤوس سكان العاصمةّ.
دعوة للعصيان المدني
وإلى جانب التظاهرات السلمية، التي خرجت ليلاً، انتشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بعصيان مدني، وأنشئ للغرض دعوة نالت اهتمام حوالي 400 ألف متابع.
وحدد تاريخ العصيان المدني من الإثنين 4 مارس/آذار إلى غاية الجمعة 8 مارس/آذر.
وأرسلت الدعوة عبر تطبيقات الرسائل الخاصة، مثل فايبر، واتسآب وماسنجر، مع عبارة قصيرة "انشر" و "شارك".
الأمر الذي دفع المواطنين إلى الإسراع في اقتناء أكبر قدر من ممكن من المواد الغذائية، لتخزينها، بعد شائعات الإضراب المحتمل للتجار ومختلف المؤسسات في إطار التصعيد ضد ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة.
هجوم معاكس للذباب الإلكتروني
على صعيد آخر، شن أنصار العهدة الخامسة لبوتفليقة، هجوماً معاكساً على مواقع التواصل الاجتماعي، معتمدين على ما يسمى الذباب الإلكتروني، حيث نجحت التبليغات الكثيفة في حجب العديد من الصفحات ذات المتابعات الواسعة ولم تعد تظهر عند تحديث جدار المستجدات على موقع فيسبوك.
فيما اشتكى العديد من المدونين من كثرة التبليغات، التي أدت إلى تعطيل مؤقت لصفحاتهم ما دفعهم للاستنجاد بتعاليق الأصدقاء، لاستعادتها.
وبعد الليلة الطويلة، يضرب الجزائريون موعداً آخر مع نهار الإثنين، للتعبير عن مواقفهم تجاه المرحلة المفصلية من تاريخ البلد.
ماذا تعني مظاهرات رفض العهدة الخامسة للجزائريين؟
سألنا الشباب الجزائري: ماذا تعني لكم المظاهرات الحالية في البلاد؟!قالوا بأعلى صوتهم #لا_للعهدة_الخامسة
Gepostet von عربي بوست am Mittwoch, 27. Februar 2019