سلاحهم «البث المباشر».. الاحتجاجات على بوتفليقة تصنع قادة جدداً للمعارضة قلبوا الطاولة على «التقليديين»

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/03 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:40 بتوقيت غرينتش
رئاسيات الجزائر تكشف عن رموز جديدة للمعارضة قلبوا الطاولة على «التقليديين»

في ظل حالة الترقب التي تسود المشهد السياسي في الجزائر، وحالة الغضب الشعبي غير المسبوق مؤخراً حول إعادة ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، كشف سباق الترشح للرئاسة والاحتجاجات التي تزامنت معه عن قادة جدد للمعارضة، قلبوا الطاولة على رموزها القديمة التقليدية، بحسب مراقبين.

إذ يتميَّز قادة المعارضة الجدد بمواقفهم الجريئة، كما أنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ويلتقون المواطنين خارج القاعات المغلقة، ويخاطبونهم بلغة بسيطة، على عكس ما عُرف عن قادة المعارضة التقليديين في الجزائر طوال السنوات السابقة.

وتُجرى الانتخابات الرئاسية في 18 أبريل/نيسان المقبل، ويعد الأحد 3 مارس/آذار هو آخر موعد لتقديم ملفات الراغبين في الترشح إلى المجلس الدستوري، بغية المصادقة عليها.

وأعلن الرئيس المنتهية ولايته، عبدالعزيز بوتفليقة (81 عاماً)، في 10 فبراير/شباط الماضي، اعتزامه الترشح "استجابة لنداءات ومناشدات" من أنصاره، كما قالت حملته في رسالة إلى الجزائريين.

كما أعلنت شخصيات سياسية عزمَها خوض السباق، منهم رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، والجنرال المتقاعد علي غديري، ورئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي) عبدالرزاق مقري.

الاحتجاجات تكشف عن وجوه جديدة

في 22 فبراير/شباط الماضي، بدأ الجزائريون وبشكل غير مسبوق مسيرات احتجاجية في ولايات عديدة، ضد "ولاية رئاسية خامسة" لبوتفليقة، الذي يحكم منذ عام 1999، ويعاني من مشاكل صحية منذ سنوات.

حظيت المسيرات بزخم وتجاوب غير مسبوقين في البلاد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي غصَّت بصور وفيديوهات وبث مباشر، خاصة على "فيسبوك"، رغم التذبذب الكبير وبطء سرعة تدفق الإنترنت.

إذ يعتبر "فيسبوك" المنصة الاجتماعية الأولى بالجزائر، حيث يوجد أكثر من 20 مليون مشترك، بحسب الإحصائيات عام 2018.

وعلى عكس الانتخابات الرئاسية السابقة تضاعف عددُ المشتركين في الإنترنت الجوال والشبكات الاجتماعية، بحكم أن الجزائر أطلقت خدمات الجيل الثالث للهاتف المحمول قبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أبريل/نيسان 2014.

واللافت هذه المرة في الترشح للانتخابات الرئاسية هو دخول شخصيات جزائرية من المهجر، وأخرى محلية، على الخطِّ، وتحوُّلها إلى رموز جديدة للمعارضة سَحبت بساط النجومية من تحت أقدام شخصيات المعارضة القديمة التقليدية. وهذه أبرز تلك الوجوه السياسية:

رشيد نكاز.. ومنبر "البث المباشر"

يعد نكاز سياسياً مثيراً للجدل، إذ ترشَّح في انتخابات الرئاسة الفرنسية، عام 2012، ثم تخلَّى عن الجنسية الفرنسية في عام 2013. وفي العالم الذي يليه، وبشكل مفاجئ، ترشح نكاز لانتخابات الرئاسة الجزائرية.

لكن قبيل تقديم ملف ترشحه، في مارس/آذار 2014، اختفى نكاز هو وملفه، واتهم السلطات حينها بتدبير مكيدة لمنعه من إيداع ملفه حتى تنتهي مدة التقديم.

يُعرف عن نكاز دفاعه عن المنتقبات في أوروبا، حيث يلتزم منذ سنوات بدفع غرامات مالية تفرضها محاكم أوروبية على منتقبات في فرنسا، وبلجيكا، وسويسرا والدنمارك وغيرها.

ويحظى الرجل على صفحته في "فيسبوك" بـ1.46 مليون متابع، ويبث يومياً فيديوهات عديدة تحظى بمتابعة وتفاعل كبيرين للغاية من قبل الجزائريين.

Rachid Nekkaz à TIZI-OUZOU Formulaires/istimarates : Rafik (Kiosque de 3ami Saïd, en bas de l'APC) : 0551781545———‎هذا هو الرابط لتصبحوا مراسلين ح.ش.ت ببلديتكم لجمع 60.000 توقيع : http://nekkaz-mjc.com/creer-une-section-du-mjc-dans-votre-ville/——-

Gepostet von ‎رشيد نكاز Rachid Nekkaz‎ am Sonntag, 24. Februar 2019

كما أن آلاف الشباب يلتفون حوله خلال جولاته في ولايات خنشلة وقالمة وباتنة وعنابة وقسنطينة وميلة (شرق)، أثناء جمع استمارات التوكيلات للترشح. وأظهرت فيديوهات نكاز وهو محاط بشباب يرددون أغاني، منها "رشيد رئيس"، وتم حمله على الأكتاف مرات عديدة.

ويشترط قانون الانتخابات أن يجمع الراغب في الترشح للرئاسة 60 ألف توقيع من مواطنين، أو 600 توقيع من منتخبين بالمجالس البلدية أو الولائية أو الوطنية (البرلمان بغرفتيه).

وحظيت جولات نكاز في الولايات بمتابعة غير مسبوقة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث فاق عدد المشاهدين للبث الحي على صفحته في بعض الولايات 30 ألف متابع، إضافة إلى مشاركة منشوراته على نطاق واسع.

يبقى هذا اليوم تارخيا: نكاز يعطي موعد الى كل الجزائريين امام المجلس الدستوري في الجزائر العاصمة هذا الأحد على الساعة 15H لإداع ملف ترشحه إن شاء الله.——JOURNÉE HISTORIQUE : Rachid Nekkaz donne rendez-vous à TOUS LES ALGÉRIENS au Conseil Constitutionnel à ALGER ce dimanche 3 mars à 15h pour déposer le dossier de candidature.———‎هذا هو الرابط لتصبحوا مراسلين ح.ش.ت ببلديتكم لجمع 60.000 توقيع : http://nekkaz-mjc.com/creer-une-section-du-mjc-dans-votre-ville/——-

Gepostet von ‎رشيد نكاز Rachid Nekkaz‎ am Samstag, 2. März 2019

عادة ما يخاطب نكاز متابعيه ومحبيه باللهجة العامية الجزائرية (الدارجة)، إضافة إلى استعماله العربية الفصحى والفرنسية في أحيان أخرى.

في 2015 قام نكاز بمسيرة على الأقدام من العاصمة إلى بلدة عين صالح، على بعد 1500 كيلومتر، لمناهضة استغلال الغاز الصخري. ويصور نكاز ويبث معظم جولاته داخل الجزائر أو خارجها عبر صفحته بـ "فيسبوك"، فيما تقوم عشرات الصفحات الأخرى والمواقع الإخبارية بمشاركة فيديوهاته.

خلال جولاته لجمع التوقيعات تسبب نكاز في حرج كبير للسلطات في ولايات عديدة، نظراً إلى العدد الكبير من الأنصار الذين انتظروه في كل مرة أمام مقر البلدية، للتوقيع على استمارات الترشح لصالحه.

وأظهر فيديو على صفحة نكاز، في 23 فبراير/شباط الماضي، رئيس بلدية الجزائر الوسطى، عبدالحكيم بطاش، وهو يرجو نكاز لتنظيم الجماهير التي اجتاحت مقر البلدية للتوقيع على الاستمارات.

بعدها بساعات أظهر فيديو قوات الشرطة وهي بصدد توقيف نكاز، وسط العاصمة، ليتم اقتياده إلى مقر إقامته في محافظة الشلف (غرب)؛ لأنه تسبب في احتشاد كثيرين حوله وتحول الأمر إلى مظاهرة.

وبثَّ نكاز، في 26 فبراير/شباط الماضي، على خدمة البث المباشر بـ "فيسبوك" عملية توقيف الشرطة له في محافظة وهران (غرب)، لأن لقاءه بمواطنين أيضاً تحول إلى مظاهرة.

وأظهر الفيديو، الذي حظي بعشرات الآلاف من المتابعين وتمت مشاركته على نطاق واسع، عملية توقيف تشبه الأفلام البوليسية، حيث اعترضت سيارات شرطة طريق نكاز من الجهات الأربع.

في البداية، رفض نكاز التوقف، حيث ظلَّ يبث الفيديو، ورفض فتح زجاج النوافذ والأبواب أمام رجال الشرطة، قبل أن يستسلم في النهاية.

غاني مهدي.. شعبية برنامج تلفزيوني

يحظى المرشح، الكاتب والإعلامي الجزائري غاني مهدي بمتابعة لافتة على منصات التواصل الاجتماعي. وقد اشتهر من خلال برنامجه التلفزيوني: "واش قالوا في الجرنان؟"، الذي كان يقدمه أسبوعياً ولأربعة مواسم متتالية على قناة "المغاربية" المعارضة، التي يقع مقرها كذلك في العاصمة البريطانية لندن، حيث كان يقيم سابقاً.

ويعتبر برنامجه التلفزيوني سياسياً ذا طابع تهكمي وساخر، ولقي نجاحاً كبيراً في الجزائر وخارجها، وينتقد مهدي عبْرَه السلطاتِ الجزائرية في تسييرها للشأن العام، ويهاجم عبره الكثيرَ من رموز "الفساد" داخل وخارج الجزائر.

يملك مهدي صفحة على "فيسبوك" تحظى بمتابعة أكثر من 600 ألف، ويبث عبرها بانتظام تحركاته من خلال خدمة المباشر.

ومراراً، أعلن مهدي مسبقاً على صفحته عن مكان وجوده لتوقيع استمارات الترشح، وفي كل مرة استقبله المئات من المتعاطفين والأنصار، ولاسيما الشباب.

يخاطب مهدي الحاضرين في تجمعاته لتوقيع الاستمارات، باللغة العربية الفصحى والإنجليزية والعامية الجزائرية، وخاصة في الساحات والمقاهي.

تعرَّض مهدي كغيره من المرشحين المعارضين لمضايقات واعتقال مؤخراً، آخرها كان في 28 فبراير/شباط، إذ أوقفته الشرطة في مترو الجزائر، وفقاً لمقطع فيديو منشور على صفحته على فيسبوك، وذلك لاستمرار دعوته للتظاهر والاحتجاج على العهدة الخامسة لبوتفليقة، بحسب صفحته.

ميسوم.. من البرلمان إلى الشوارع والميادين

ظهرت شعبية النائب البرلماني السابق، طاهر ميسوم، خلال الولاية النيابية السابقة (2012-2017). إذ عُرف بهجماته غير المسبوقة والقوية على الوزراء، ما دفع وزير الصناعة السابق، عبدالسلام بوشوارب، إلى وصفه منتقداً بـ "ابن الحركي".

و"الحركي" هم جزائريون خانوا ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، وانضموا إلى الجيش الفرنسي، وانتقل معظمهم إلى العيش في فرنسا، بعد استقلال الجزائر.

وبالعامية الجزائرية، يخاطب ميسوم الجزائريين بعيداً عن القاعات المغلقة، في المقاهي والساحات العامة.

وقبل أيام اجتمع المرشحون نكاز ومهدي وميسوم في وهران (غرب)، في لقاء تخلَّف عنه المرشح الرئاسي العسكري المتقاعد علي غديري، رغم موافقته سابقاً عليه، بغية الاتفاق على مرشح واحد منهم لخوض السباق الرئاسي.

لم يتوصل اللقاء إلى اتفاق لأسباب قيل إنها تتعلق بحضور شخصيات لا علاقة لها بالاجتماع وانسحاب غديري وإحجامه عن المشاركة.

الخطاب الأقرب للشباب

وفقاً للباحث الجزائري، العيد إزري، فإن السبب في تحول مرشحين لانتخابات الرئاسة الجزائرية إلى رموز جديدة للمعارضة هو طبيعة خطابهم السياسي الجريء، وطريقة تواصلهم المباشرة مع المواطنين، وقربهم من الشباب.

ويقول إزري للأناضول إن "هؤلاء المترشحين جلبوا معهم طريقة تواصل جديدة مباشرة، وبلغة بسيطة مفهومة، غزت عقول أعداد لافتة من الجزائريين، وخاصة الشباب.. لقد أعادوا الشباب إلى الحقل السياسي بعد أن استقال منه سابقاً".

نكاز وميسوم ومهدي في اجتماع سابق لتحديد مرشح من بينهم للرئاسيات/ مواقع تواصل
نكاز وميسوم ومهدي في اجتماع سابق لتحديد مرشح من بينهم للرئاسيات/ مواقع تواصل

وتابع الباحث أن "شرائح واسعة من الشباب الجزائري وجدت فسحة ومتنفساً لتفريغ همومها، والتعبير عن مشاعرها تجاه ما يحصل في البلد، من خلال هؤلاء المرشحين". مشدداً على أن "هذه الفسحة لم يجدها غالبية الجزائريين، وخاصة الشباب، في الأحزاب التقليدية، التي ظلت حبيسة خطابات قديمة لم تُجدد، ونشاط داخل القاعات المغلقة".

مضيفاً أن "اللافت هو أنه رغم أن تلك الشخصيات لا تملك أحزابا فإن لها قدرة كبيرة على التجنيد والحشد، بشكل تلقائي عفوي، لاسيما وسط الشباب، عكس الأحزاب التقليدية، التي يكون التجنيد فيها غالباً بمقابل مادي أو امتيازات".

تحميل المزيد