نقل موقع Middle East Eye عن مصدر عسكري سوداني كبير قوله إن رئيس المخابرات السوداني صلاح قوش، أجرى محادثات سرية مع رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين في ألمانيا شهر فبراير/شباط 2019 ضمن ما أسماها "مؤامرة دبرها حلفاء إسرائيل في الخليج" لتعيينه (قوش) في الحكم بعد إسقاط الرئيس عمر البشير.
وأضاف المصدر أن قوش، التقى كوهين على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في اجتماع نظمه وسطاء مصريون بدعم من السعودية والإمارات.
وأوضح أن هناك إجماع على أن البشير سيكمل في إدارة الحزب الحاكم والجيش، إلا أن المعركة تدور حول من سيأتي بعد ذلك. وتابع: "لدى قوش روابط قوية مع السعوديين والإماراتيين والمصريين. يريدون الإطاحة بالبشير، وزرع رجلهم (قوش) مكانه".
ووفقا للمصدر، فلم يكن البشير على علم بالاجتماع "غير المسبوق" بين قوش وكوهين في ميونيخ.
تفاصيل لقاء رئيس المخابرات السوداني وزعيم الموساد
وأكد متحدث باسم مؤتمر ميونيخ للأمن أن كلاً من قوش وكوهين حضرا نسخة هذا العام من المؤتمر، التي انعقدت في الفترة بين 15 و17 فبراير/شباط 2019. وأكد مصدر دبلوماسي آخر تحدث مع موقع The Middle East Eye، تفاصيل اللقاء.
وأخبر رئيس مركز كومون الإعلامي، وهو مؤسسة إعلامية مقربة من الحكومة السودانية، بأن قوش التقى كذلك رؤساء أجهزة المخابرات الأوروبية.
وبحسب المصدر، فقد كان البشير يجهل اللقاء "غير المسبوق" بين قوش وكوهين في ميونيخ. وكان الغرض من اللقاء هو إبراز قوش باعتباره خليفة محتملاً، وإشراك إسرائيل في الأمر، لتأمين دعم الولايات المتحدة للخطة.
وقال المصدر: "يُنظر إلى الإسرائيليين باعتبارهم حليفهم (حليف السعوديين والمصريين والإماراتيين)، ذلك الذي يمكنهم الاعتماد عليه لفتح الأبواب في واشنطن".
وأدى الموساد دور وزارة الخارجية الإسرائيلية في التعامل مع مسؤولي البلدان التي لا تجمعها معاهدة سلام مع إسرائيل، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
وقال مسؤول إسرائيلي، في تصريحات لقناة 13 الإسرائيلية، ضمن تقرير عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبحرين: "الموساد يُستخدم باعتباره وزارة خارجية في العلاقات مع كل الدول التي ليست لديها روابط دبلوماسية مع إسرائيل".
بينما تتواصل الاحتجاجات في السودان مطالبة بإسقاط البشير
هذه المعلومات تتزامن مع احتجاجات متواصلة في عدة مدن بالسودان احتجاجاً على حكم البشير، الذي أعلن قبل أسبوع حالة الطوارئ في البلاد، وتعيين حكومة جديدة، وتعيين حكام جدد للولايات كلهم من العسكريين.
وصول هذه المعلومات إلى المتظاهرين السودانيين قد يضعف من التحركات الجماهيرية، فالشعوب عادة لا تتعاطف مع الرغبات الإسرائيلية، وتخشى أن تكون طرفاً في أي مخطط يستهدف تغيير نظام الحكم.
وقد يجد الرئيس السوداني هذا المخطط الذي شاركت فيه السعودية والإمارات ومصر فرصة تاريخية لصناعة عدو خارجي وإظهار أي تحرك ضده في المستقبل القريب مشاركة محلية في المخطط الخارجي.
كما أن ثبوت صحة تورط مصر والسعودية والإمارات في التخطيط للإطاحة بعمر البشير، يعني على الفور توتر العلاقة بين السودان والدول الثلاث.
رجل الاستخبارات الأمريكية في الخرطوم
وقوش معروف جيداً في واشنطن، حيث اكتسب سمعة في أثناء العقد الأول من القرن الماضي، باعتباره زعيم التجسس الذي قد تتعاون معه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في "الحرب على الإرهاب" ضد تنظيم القاعدة، حتى إنه زار الولايات المتحدة عام 2005، عندما كان السودان مدرجاً على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، والتي لا يزال البلد مدرجاً بها.
وذكر تقرير لموقع Africa Intelligence، الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2019)، أيضاً، أن وكالة الاستخبارات المركزية حددت قوش باعتباره خليف البشير المفضل لديها في حال أصبح موقف الرئيس السوداني ضعيفاً.
واقتبس الموقع عن تقرير لسفارة دولة خليجية في واشنطن، أن وكالة الاستخبارات المركزية لم تكن تعمل لأجل تغيير النظام، لأن الحكومة السودانية كانت تقدم معلومات استخباراتية قيّمة عن حركة الشباب الصومالية، وعن ليبيا وعن جماعة الإخوان المسلمين.
لكن تقرير السفارة قال إن وكالة الاستخبارات المركزية قد تعمل لضمان أن يحل قوش محل البشير في حال صعوبة احتواء الاحتجاجات.
"عسكرة" الدولة
قال محللون في الخرطوم لموقع The Middle East Eye، هذا الأسبوع، إن البشير بدا كأنه يتحرك صوب "العسكرة الكاملة" للدولة، وإقصاء كل المعارضة داخل الحزب الحاكم.
لكن المصدر الذي تحدث إلى الموقع قال إن الجيش بقى حذراً من نفوذ قوش والسعوديين والإماراتيين في البلد، مشيراً إلى أن التغطية الإعلامية المتعاطفة مع الاحتجاجات في وسائل الإعلام التي تدعمها السعودية عارضت عادةً "التغيير الشعبي".
وقال: "إن وسائل الإعلام مهتمة للغاية بالاحتجاجات. لم يكن ذلك ليحدث دون منحها الضوء الأخضر".
ترأس قوش جهاز الأمن والاستخبارات الوطني السوداني منذ عام 2004 وحتى 2009، عندما عيَّنه البشير مستشاراً للأمن القومي. أُقيل من منصبه عام 2011، واعتُقل بعد ذلك للاشتباه بتورطه في مؤامرة للانقلاب على الحكم، ولكن جرى الإفراج عنه بعفو رئاسي عام 2013.
وأُعيد تعيينه مديراً عاماً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في فبراير/شباط 2018. وكان يُنظر إلى عودته باعتبارها حركة من البشير للقضاء على المعارضة، في وقت كان البلد يواجه فيه مشكلات اقتصادية متفاقمة واحتجاجات مناهضة للتقشف، وأيضاً لبناء الجسور مرة أخرى مع الولايات المتحدة، في أعقاب رفع العقوبات الأمريكية عن السودان أواخر عام 2017.
ووفقاً للمصدر الذي تحدث معه موقع The Middle East Eye، فقد لطَّف أيضاً من عودة قوش لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الوعود السعودية بالدعم المالي للاقتصاد السوداني المتعثر.
البشير.. "صديق متقلب"
لكن البشير سعى أيضاً للإيقاع بالسعوديين والإماراتيين ضد عدوتيهما الإقليميتين قطر وتركيا، اللتين تتمتعان أيضاً بمصالح استراتيجية في الخرطوم، وهو ما كلفه التودد لجميع الأطراف، وفقاً لما نقله موقع Africa Confidential عن محلل إقليمي.
وقال المحلل الذي لم يُذكَر اسمه: "تعتبر الرياض وأبوظبي، وكذلك الدوحة، البشير صديقاً متقلباً، بسبب ميله إلى التلاعب بكلا الطرفين المتنازعين".
وأضاف: "فقد تعهد في الماضي بالولاء مقابل الحصول على إعانات، وما برح أن مضى في طريقه".
علِم موقع Middle East Eye أن الدبلوماسيين البريطانيين والأمريكيين يعملون أيضاً من أجل إقناع البشير بالتنحي مقابل الحصانة من المقاضاة في المحكمة الجنائية الدولية، حيث اتُّهم بارتكاب جرائم حرب عام 2009 على خلفية أعمال وحشية، يُزعم أن قوات الحكومة والميليشيات الموالية للحكومة في دارفور ارتكبتها.
وذكرت تقارير أيضاً أن بشير ناقش مسألة الحصانة المحتملة مع أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي التي عُقدت الشهر الماضي (فبراير/شباط 2019) في إثيوبيا.
لطالما اقترحت عناصر المعارضة السياسية السودانية، وعلى رأسهم بشكل خاصٍ صادق المهدي، تجميد قرار الاتهام من محكمة العدل الدولية مقابل تنحي البشير باعتبار ذلك سبيلاً ممكناً للمضي قدماً.
مع ذلك، قالت جماعات التمرد في دارفور، التي سلَّم بعض قاداتهم أنفسهم إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامهم بجرائم حرب دولية، إنهم سيرفضون أي خطوة من هذا القبيل، وعليه سيعزفون عن المشاركة في محادثات السلام.
لطالما قدَّم مؤتمر ميونيخ للأمن ستاراً خلفياً بافارياً للقاءات سرية بين الخصوم الجيوسياسيين ورؤساء الاستخبارات، مع حضور منتظم للحدث من كوهين.
ضمَّت قائمة المتحدثين هذا العام (2019) الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الشؤون الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ونائب رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.