قالت صحيفة The Financial Times البريطانية، إن توقيت استضافة القاهرة للقمة العربية الأوروبية، الأحد 24 فبراير/شباط، هو الأسوأ بالنسبة للأوروبيين، إذ أيد البرلمان المصري قبل أيام مقترحاً لتمديد حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي "السلطوي" على نحو متزايد حتى عام 2034، وهو "استيلاءٌ على السلطة هز البلاد"، بحسب وصف الصحيفة.
وأضافت، لو تمت الموافقة على هذا التعديل، فسوف توسع هذه الخطوة من سلطة الجيش والسيسي، الذي يتهمه منتقدون بأنه مستبدٌ مسؤول عن كبح الحريات وسجن المعارضين.
إخفاء خيبة الأمل
يتوقع حضور أكثر من عشرين زعيماً أوروبياً في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر لحضور القمة الافتتاحية للاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والمصممة "بهدف تعزيز الروابط بين الجانبين".
إذ يحاول الدبلوماسيون الأوروبيون إخفاء "خيبة أملهم". يقول أحد الدبلوماسيين المدركين لإحراج الاتحاد الأوروبي في ما يخص إعادة تقويم سياسته الخارجية للصحيفة البريطانية: "السيسي ليس مانديلا". لكنَّ دبلوماسياً آخر، ذا توجه أكثر تشككاً فيما يخص نهج احتضان السيسي الذي تتبناه بروكسل صاغ الأمر بطريقة أكثر صراحة حين قال: "يبدو وكأنه يظن أنَّ بإمكانه الإفلات من العقاب".
وقد برزت هذه القمة -المستوحاة من الاتحاد الأوروبي والتي من المقرر أن يحضرها كل من أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي- بوصفها رمزاً لما يمكن أن يسمى "صفقة الرجل القوي للاتحاد الأوروبي". إذ أدت المشكلات المزمنة للكتلة وعداواتها الداخلية، لا سيما بخصوص الهجرة، إلى ثورة صغيرة في رغبتها في التعاون مع الحكام المستبدين مثل السيسي، حتى عندما يعرضها ذلك لاتهامات بالنفاق وإضفاء الشرعية على هذه الأنظمة.
هذه العلاقات عن بعد التي كانت بين الكتلة الأوروبية -إن لم يكن جميع الدول الأعضاء- مع قادة متشددين مثل حسني مبارك، الذي حكم مصر لثلاثين عاماً قبل الإطاحة به عام 2011، أفسحت المجال لاحتضان أكثر حميمية.
تناقض الأوروبيين يساعد في تجميل صورة السيسي
ويقول منتقدون إنَّ هذا الأمر لا يتفق مع الموقف المعلن للاتحاد الأوروبي بوصفه مروجاً لحقوق الإنسان، وإحساسه بذاته بوصفه بديلاً غربياً أكثر استساغة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي حين كان ترامب غير اعتذاري، وأحياناً صريحاً في دعمه للمستبدين، فإنَّ أوروبا تحركت بهدوء متجاوزة عدم ارتياحها التقليدي في التعامل مع أمثال ممالك الخليج، إلى علاقات غير اعتذارية مع مدى واسع من الدول الاستبدادية.
ويقول إتش إي هيلير، المحلل بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إنَّ انخراط الاتحاد الأوروبي قد ساعد حكومة السيسي بالفعل على تحسين موقفها الدولي بعد الانتقادات التي أعقبت انقلاب عام 2013 المدعوم شعبياً الذي أوصل السيسي إلى السلطة.
وقال هيلير، مشيراً إلى الطريقة التي قدمت بها القاهرة نفسها بوصفها شريكاً جيداً في إدارة الهجرة ومكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي: "تريد مصر أن تؤكد أنها تحظى بسمعة جيدة في العالم. هذه صفقة سهلة يرغب الناس في أوروبا بشرائها".
وتضاعفت معضلة أوروبا بسبب المشهد الجيوسياسي العالمي المتغير، إذ انزلقت بعض الدول إلى ديكتاتوريات كاملة أو أصبحت في منطقة رمادية من الحكم المتطرف المتدثر بانتخابات ذات درجات مختلفة من المصداقية.
وقال أحد الدبلوماسيين من دولة من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي: "تعني السياسة الواقعية أنه ينبغي لك الكلام في عالم من الجنون مع الأشخاص المجانين والسلطويين. لا يمكنك أن تعيش في جزيرتك الصغيرة وتقول إنَّ الأمر لا يعنيك".
فيما يقول بيير فيمون، المبعوث الفرنسي المخضرم الذي كان أول أمين عام تنفيذي للسلك الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي بين عامي 2010 و2015، "يحاول الاتحاد الأوروبي إيجاد سياسة خارجية أكثر واقعية مما كان عليه في الماضي. وهو أمر يصعب إلى حد ما على الأوروبيين الاعتراف به والتسليم له".
قمة دون الأسد والبشير ومحمد بن سلمان
وقد أثار تجمع شرم الشيخ هذا بالفعل عدداً من العقبات الدبلوماسية للأوروبيين. إذ تحتل الديكتاتوريات والملكيات المطلقة والأنظمة الاستبدادية المنتخبة مكانة بارزة من بين الدول الـ 22 الأعضاء في الجامعة العربية.
ومن المتوقع ألا يحضر الرئيس السوداني عمر البشير، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بإبادة جماعية مزعومة، هذه القمة. ويشعر الدبلوماسيون الأوروبيون بالراحة لانطباق الأمر ذاته على الرئيس السوري بشار الأسد، بعد تكهنات العام الجاري بأنَّ تعليق عضوية هذا البلد الذي تمزقه الحرب منذ أكثر من سبع سنوات ربما ينتهي قريباً.
ويقول دبلوماسيون أوروبيون إنهم حصلوا على تأكيدات، سعوا للحصول عليها، بانَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لن يضطلع بدور بارز وأنَّ الملك سلمان هو من سوف يقود الوفد السعودي.
وكانت المملكة قد أثارت غضباً بعد أن قتل عملاء سعوديون الصحفي جمال خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول العام الماضي، فيما قالت الرياض إنها كان عملية مارقة. وقد أفزع ترامب، في وقت لاحق، الكثير من الحلفاء الغربيين بما رأوه اعتذاراً علنياً للحكومة السعودية وولي العهد -على الرغم من أنَّ الاتحاد الأوروبي.
ملف الهجرة.. الأوروبيون مهتمون بحالة الاستقرار على عتبات بلدانهم فقط
وتقع الهجرة في القلب من أجندة القمة، وهو الموضوع الذي دفع اهتمام الاتحاد الأوروبي بمصر وبالمنطقة على نطاق أوسع خلال الشهور الستة الماضية. ذلك أنَّ صعود الأحزاب الأوروبية المعادية للهجرة قد كثف من أزمة الكتلة بخصوص أولئك الذين يريدون المجيء إلى شواطئها، حتى مع أنَّ عدد المهاجرين الوافدين إليها يشكلون نسبة ضئيلة مقارنة بنسبتهم المرتفعة التي كانت عامي 2015 و2016. والتقى دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، بالسيسي في القاهرة ونيويورك العام الماضي، في حين قام الزعيم المصري بزيارة رسمية في شهر ديسمبر/كانون الأول إلى النمسا، التي كانت حينها تشغل منصب الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
لم تسفر هذه المقترحات عن نتائج ملموسة كثيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي حتى الآن. ذلك أنَّ القاهرة لم تظهر كبير اهتمام بتلبية رغبتين أوروبيتين أساسيتين: أن تستقبل مصر المهاجرين المتوسطيين الذي جرى إنقاذهم، وأن تمد دوريات خفر السواحل على طول الساحل الشمال إفريقي.
وقالت كريستين كوش، الزميلة الأقدم بمكتب بروكسل لمركز أبحاث صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة (the German Marshall Fund of the US) إنَّ مشاركة الاتحاد الأوروبي مع نظام السيسي تظهر كيف أنَّ الكتلة قد تجاوزت شاغل ما بعد الربيع العربي بالترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط. أما الآن فإنَّ الأوروبيين ينظرون إلى المنطقة بشكل كبير من خلال منظور الهجرة وأهمية دعم الحكومات التي يفترض أنها آمنة والتي سوف تمنع المهاجرين من المغادرة.
وقالت كوش: "لا أعتقد أنَّ الأوروبيين لا يبالون بحقوق الإنسان. كل ما في الأمر أنهم مهتمون أكثر بأشياء أخرى-في هذه الحالة بالاستقرار على عتبات بلدانهم".
المغازلة الأوروبية للسلطويين ليست وليدة اليوم
وتعطينا المغازلات الأوروبية الأقدم للسلطويين في الشرق الأوسط بعض الحكايات التحذيرية. ففي أواخر عام 2010، عرض الاتحاد الأوروبي مبلغاً مبدئياً بقيمة 50 مليون يورو (حوالي 57 مليون دولار) لجهود مكافحة الهجرة وحقوق المهاجرين في ليبيا، التي طلب زعيمها معمر القذافي مبلغ 5 مليارات يورو (حوالي5.57 مليار دولار). أما بشار الأسد، طبيب العيون الذي تلقى تعليمه في بريطانيا، فقد جرى تكريمه باعتباره مصلحاً ومنح وسام جوقة الشرف الفرنسي. لكن بحلول عام 2011، قصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) القذافي، وأدان الاتحاد الأوروبي بشار الأسد مع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية.
وبشكل كبير، قادت دول مفردة دبلوماسية الاتحاد الأوروبي قديمة الطراز-وعادة ما كانت هذه الدول هي القوى الاستعمارية السابقة مثل إيطاليا في ليبيا. أما هذه المواعدة الأوروبية الأخيرة مع المستبدين فتتزعمها الكتلة كلها على نحو متزايد.
"مضطرون للعمل مع هؤلاء الحكام"
يقول أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي ممن يعملون بشكل وثيق مع العديد من الدول الاستبدادية: "سوف يكون اضطرار التعامل مع المستبدين بشكل يومي أمراً ضرورياً. ثم يكون لك الخيار. إذا قررت عدم التعامل معهم، فسوف تجد فجأة أنه ليس لديك أصدقاء لتتعامل معهم".
ويعترف المسؤولون أنَّ الجدالات المختلفة حول جهود الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة قد قوضت من دفاعه الدولي العام عن حقوق الإنسان.
لكنَّ بعض المراقبين يرون التناقض الأخير بين الأقوال والأفعال فيما يخص الهجرة بوصفه جزءاً من نمط أكبر من تناقض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيما يخص الدول الاستبدادية. إذ تقاعس الاتحاد الأوروبي عن اتخاذ إجراء ضد دول ذات أهمية استراتيجية أكبر.
وفي عام 2016، رفع الاتحاد الأوروبي العقوبات ضد ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، وهي دولة واقعة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وقد وصف المنتقدون لوكاشينكو، بعد أكثر من عقدين من الحكم القمعي، بأنه "ديكتاتور أوروبا الأخير" -على الأقل حتى صعود حكومات استبدادية وإن كانت منتخبة مثل حكومتي المجر وبولندا.
وفي عام 2017، رفع وزراء الاتحاد الأوروبي قيوداً مفروضة منذ وقت طويل على الاتصالات السياسية بالمجلس العسكري في تايلاند، المقرب من كل من القوى الغربية والصين. وقالت الكتلة الأوروبية إنها تريد أيضاً أن تستكشف إذا ما كان من الممكن استئناف اتفاقية تجارية مع هذا البلد الجنوب شرق آسيوي الذي يعد مركزاً للتصنيع.
وفي الوقت ذاته، هددت بروكسل بتعليق غير مسبوق للامتيازات التجارية ضد ميانمار وكمبوديا، وهما اثنتان من أفقر دول آسيا. وجاءت هاتان الخطوتان رداً على الحملة الدموية للجيش الميانماري ضد مسلمي الروهينغا، وقمع المعارضة على يد هون سين، رئيس الوزراء الكمبودي المخضرم.
وقال أحد الدبلوماسيين في إحدى الدول الأعضاء: "بطريقة ما، ربما يكون من الأسهل للاتحاد الأوروبي أن يكون صارماً مع الحكام المستبدين في الدول الصغيرة. أما المستبدون في الدول الأهم، فينبغي أن نجد طريقة للتعامل معهم".
معايير مزدوجة وجوفاء
ويقول المنتقدون إنَّ مثل هذه المعايير المزدوجة بوضوح تجعل من عرض الاتحاد الأوروبي بوصفه حامي حقوق الإنسان أمراً أجوف. وفي أجزاء عديدة من العالم يغذي هذا الأمر شعوراً أعمق بأوروبا بوصفها قارة فشل أعضاؤها الغربيون المؤثرون في الأخذ في الحسبان تاريخهم الاستعماري والقمعي.
وإذا كان فصيل واحد من الدبلوماسيين الأوروبيين يشعر بالحزن، أو بالتردد على الأقل، حيال صفقة الرجل القوي الجديدة هذه، فإنَّ آخرين يجادلون بأنَّ هذا الأمر ليس ضرورياً فحسب، بل مُشرِّفاً أيضاً. ذلك أنه من الأفضل محاولة تعديل السلوك والحث على حقوق الإنسان -حتى لو كان ذلك على حساب الاتهامات بالنفاق.
وقال أحد كبار مسؤولي السياسة الخارجية: "أظن أنَّ من الأفضل أن نتكلم بقوة وأن نلتزم بالمعايير العالية، حتى لو كان الأذكى سياسياً أن نلزم الصمت".
وقد كانت شرم الشيخ هي المكان الذي اعتزل فيه مبارك، رئيس مصر لثلاثة عقود تقريباً، في أوائل عام 2011، بعد انتفاضة شعبية أطاحت به. وتلت فترة الانتخابات التي جرت في العالم التالي لذلك، فترة مضطربة استمرت 12 شهراً من حكم الإخوان المسلمين وانقلاب عسكري أوصل السيسي إلى السلطة.
ومنذ ذلك الحين، اتبع الاتحاد الأوروبي مساراً يركز بشكل أكبر على الحفاظ على بقاء التوازن الجيوسياسي على حاله، ويركز بشكل أقل على ما يحب الاتحاد الأوروبي أن يراه. وسوف تكون هذه القمة بمثابة اختبار إضافي لمدى استعداد الاتحاد الأوروبي للتكيف مع ما يصفه أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بتشاؤم بأنه "سباق للوصول إلى قاع العالم".
وقالت أصلي إيدينتاسباس، الزميلة الأقدم والمتخصصة في الشؤون التركية بالمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية، في إشارة إلى صعود الحكام المستبدين في الاتحاد الأوروبي وعبر البحر المتوسط: "لقد فقدت أوروبا بشكل كامل ثقتها في قدرتها على تحويل حتى حيها نفسه. ثمة استعداد لهز الكتفين والقول: ما باليد حيلة".