تزايدت الدعوات إلى تنظيم مظاهرات ضد ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة للولاية الخامسة.
فقد بدأ الجزائريون الرافضون لترشح بوتفليقة، في الانتقال تدريجياً من الفضاءات الافتراضية إلى الشارع كالطرق والساحات، للتعبير عن معارضتهم للقرار الذي حمل إليهم عبر رسالة خطية تناقلتها وسائل الإعلام.
وبالفعل خرجت مظاهرات ضد ترشح الرئيس الجزائري خلال الأيام القليلة الماضية.
وتظاهر آلاف المحتجين، بمدن عديدة شرق البلاد ووسط العاصمة الفرنسية باريس، حاملين شعار "لا للعهدة الخامسة"، بينما يتم التحضير على مواقع التواصل الاجتماعي لمسيرة وطنية يوم 22 فبراير/شباط، عقب صلاة الجمعة عبر كامل الولايات الجزائرية.
في المقابل، أجمعت الأحزاب السياسية الجزائرية ومؤسسات أمنية، على ضرورة اليقظة وتفادي كل ما من شأنه أن يدفع إلى انزلاقات.
ويبلغ عمر بوتفليقة 81 عاماً، وتعرض في عام 2013، لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة، لكنه واصل الحكم، حيث يظهر نادراً في التلفزيون الرسمي خلال استقبال ضيوف أجانب، أو ترؤُّس اجتماعات لكبار المسؤولين، إلى جانب رسائل لمواطنيه في المناسبات الوطنية والدينية.
وصل بوتفليقة للحكم في عام 1999 ولعب دوراً كبيراً في تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية التي أنهت حرباً أهلية نشبت بعد انقلاب الجيش إثر فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية في مطلع التسعينيات.
هذه الكلمات المستفزة أخرجت الجماهير في مظاهرات ضد ترشح الرئيس الجزائري
"الشعب الجزائري، سعيد جداً، بترشح الرئيس لعهدة رئاسية جديدة، وكان ينتظر بفارغ الصبر هذا الإعلان".
أدلى الوزير الأول الجزائري، أحمد أويحيى بهذه الكلمات بتصريح لقناة فرانس 24 الفرنسية خلال وجوده في رواق فسيح بمبنى الاتحاد الإفريقي، بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، حيث كان ممثلاً للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في القمة الإفريقية الـ32.
وفي 14 فبراير/شباط الجاري، وبالمقر الوطني للاتحاد العام للعمال الجزائريين، عاد الوزير الأسبق ومدير الحملة الانتخابية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، عبدالمالك سلال، للظهور مجدداً، وأدلى بكلمة مقتضبة قال فيها "سنلتقي في الميدان، ومتأكدون أننا سننجح، لماذا؟ لأن إعلان ترشحه (الرئيس)، أخذ صدى كبيراً".
وأضاف "انظروا إلى المجتمع الدولي، لا أحد رفض، انظروا إلى كامل القطر الوطني لا أحد رفض".
قبل أن يستطرد قائلاً "هناك أناس ليسوا موافقين، وهذا لا يطرح إشكالاً، نحن نسير بشفافية كاملة".
هذان التصريحان ألهبا العديد من النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، لتبدأ الجمعة 15 من ذات الشهر، الأصوات الرافضة للعهدة الخامسة تصدح من الشوارع.
البداية مع مباراة لكرة القدم
والبداية كانت من جيجل، هذه الولاية الساحلية الواقعة شرق البلاد، حيث خرج شباب في مقتبل العمر غاضبين من تعادل فريقهم المفضل على ملعبه، وساروا في كبرى الشوارع مرددين شعارات رافضة لبقاء بوتفليقة 5 سنوات إضافية في الحكم.
في اليوم الموالي، السبت، نجحت مسيرة ضخمة بمدينة خراطة التابعة لولاية بجاية المحاذية لجيجل، في لفت انتباه وسائل الإعلام الجزائرية والدولية، نظراً للأعداد الغفيرة التي شاركت فيها بشكل محكم التنظيم، رافعين شعارات عريضة على يافطات سوداء عملاقة تقول "لا للعهدة الخامسة.. العار".
وها هم يتظاهرون بجوار السترات الصفراء في قلب باريس
وبينما كان السترات الصفراء في فرنسا، يحتفلون في الشوارع بمرور 3 أشهر على انطلاق حراكهم، تظاهر الأحد 17 فبراير/شباط، مئات الجزائريين بإحدى ساحات العاصمة باريس، معبرين عن رفضهم لترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة يفترض أن تبدأ من 18 أبريل/نيسان 2019 المقبل.
وشارك في المظاهرة شخصيات جزائرية معروفة بالمهجر، أبرزها المدون الشهير أمير بوخرص المعروف باسم "أمير دي زاد"، المتابع من قبل القضاء الجزائري بتهم التحريض والتشهير والابتزاز، والناشط الحقوقي المعارض فضيل بومالة.
والآن النشطاء يحشدون للتظاهر مجدداً.. ولكن هل يعلم أحد من هم؟
تتداول صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ " #حراك_22_فيفري"، حراك 22 فبراير/شباط الذي يتضمن الدعوة إلى مسيرات في كل المناطق الجزائرية، عقب صلاة الجمعة، للتعبير عن رفض العهدة الخامسة.
وتتكفل صفحات محلية خاصة بالولايات والمدن، بنشر إعلانات تتضمن الدعوة للمسيرة، التي يجهل الجهات التي دعت إلى تنظيمها، لذلك من المستبعد أن تتم السيطرة عليها من قبل أي جمعيات تنظيمات سياسية.
#بيان حركة مواطنة Mouwatana 24 فيفري : يوم لحراك مواطناتي على كامل التراب الوطني #تأميم_الوطن #الجزائر
Gepostet von مواطنة Mouwatana am Mittwoch, 13. Februar 2019
في المقابل، دعت حركة مواطنة، المشكلة من سياسيين وحقوقيين وصحفيين، رافضين للعهدة الخامسة، إلى مسيرة رافضة في 24 فبراير/شباط، أي بمناسبة اليوم الوطني لتأميم المحروقات.
وقالت الحركة في بيان وقعه العضو المؤسس ورئيس حزب جيل جديد، سفيان جيلالي، أن شعار المسيرة سيكون "معاً لتأميم الوطن"، في إشارة مبطنة مفادها أن البلاد حالياً مختطفة من قبل جامعة حاكمة، وينبغي استعادتها.
وقال سفيان جيلالي، أنه يدعم مسيرة 22 فبراير/شباط وتلك المقررة يوم 24 من فبراير/شباط وكل تحرك ضد العهدة الخامسة.
المشكلة أن الطباع الجزائرية لا تقبل هذا الوضع
لماذا أغضب إعلان ترشيح بوتفليقة لنفسه لعهدة رئاسية خامسة؟ يجيب مروان (42 سنة) قائلاً "ما يغضب ليس حصيلة السنوات العشرين الماضية، ولكن أن يتم ترشيح مريض لم يره شعبه منذ عدة أشهر إلى عهدة أخرى، هذه أكبر إهانة".
مروان يتابع يومياً على موقع التواصل الاجتماعي، تفاعلات الجزائريين مع الرئاسيات المقبلة.
ويقول زميله صالح لعربي بوست "نحن الجزائريين معروفين بالشهامة والرجولة لدى العالم أجمع، ماذا ستبقى لنا من شيم إذا قبلنا برئيس غائب لا نراه إلا في كادر (إطار للصور)".
وتابع "كيف للوزير أن يقول على الشعب الجزائري بأنه سعيد جداً، نحن لسنا سعداء، إنه يمارس علينا عملية استغباء".
هل الرئيس يعلم أنه ترشح؟
ويشكل تواري الرئيس بوتفليقة عن الأنظار منذ عدة أشهر، أكبر عامل استفزاز للجزائريين.
وقال عدد من المواطنين ممن تحدثوا لعربي بوست، إنهم "يجهلون ما إذا كان الرئيس حياً أو ميتاً"، وما "إذا كان واعياً حقاً بأنه مرشح للانتخابات المقبلة".
وفي السياق قال محمد مناضل سابق في قواعد حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، "المشكلة ليست في بوتفليقة، وإنما في الحاشية المحيطة به، هم جماعة من المنتفعين ويرون في بقائه استمراراً لمصالحهم الضيقة جداً".
والبعض يخشى من تداعيات المسيرات
وهناك قلق نتائج هذه المظاهرات، خاصة أنه لا أحد يسيطر عليها.
ويرى كثير من المواطنين الجزائريين، إن المسيرات مؤشر "لا يبشر بالخير".
إذ يقول هواري (عامل يومي) لـ"عربي بوست" إنه يمكن توقع كل السيناريوهات.
وأضاف "هم يرفضون التفريط في الكرسي، والشعب رافض ويمكن أن تنفجر الأوضاع.. لا أحد يتحكم في المسيرات".
الجيش يحذر.. ودعوات للتهدئة
أمام عودة الحديث بقوة عن التظاهر في الشارع، رفضاً للولاية الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، دعت وزارة الدفاع الجزائرية، الجزائريين إلى التحلي باليقظة والتصدي لمحاولات ضرب استقرار البلاد.
وقال اللواء بوعلام ماضي مدير الإيصال والتوجيه بالوزارة الإثنين 18 فبراير/شباط 2018 "على أبناء هذا الوطن أن يتحلوا أكثر من أي وقت مضى بمزيد من اليقظة والإدراك العميق لحجم التحديات الواجب رفعها خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها الوضع الجيواستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، وما يرافقه من محاولات ضرب استقرار وأمن الجزائر".
من جانبه دعا مدير الحملة الانتخابية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، عبدالمالك سلال، إلى التهدئة، قائلاً خلال لقاء تحضيري مع اتحاد النساء الجزائريات "لا يوجد مبرر للجوء إلى الشارع، كل شيء نستطيع أن نناقشه بالحوار".
فيما حذر حزب التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، السلطة من التعامل بقسوة مع الاحتجاجات تفادياً إلى انزلاق الوضع نحو دوامة عنف خطيرة.
استنفار وتغييرات في الأجهزة الأمنية
وأمام احتمال نجاح التعبئة الشعبية للمسيرات الرافضة للعهدة الخامسة، أقرت الأجهزة الأمنية الجزائرية خطط انتشار واسعة، يمكن ملاحظتها في المداخل والطرق الرئيسية لكبرى المدن.
وذكر مصدر أمني لعربي بوست، أن تعيين مدير عام جديد ينحدر من سلك الشرطة على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، قرار أملته أولوية المرحلة "لأن فترة انتخابات الرئاسة حساسة للغاية، والمدير العام الجديد عبدالقادر قارة بوهدبة، رجل يحقق الإجماع داخل المؤسسة ويشهد له بالكفاءة والروح القيادية".
وأضاف المصدر ذاته، أن عملية انتشار جديدة دخلت حيز التنفيذ، حيث تم تعزيز التواجد الأمني للشرطة بالمدن الكبرى، على غرار العاصمة، وهران، قسنطينة، البليدة وغيرها من الولايات ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
فهناك صراع لأجنحة النظام، وجيل الشباب هذا مختلف
وحسب المصدر، فإن الوضع الحالي "يبرر الشعور بالقلق، بالنسبة للشعب ولمؤسسات الدولة على حد سواء، لأن الصراع بين الأجنحة على السلطة لم يعد خفياً، وشباب اليوم ليس شباب أمس، بدليل ما نسمعه من أهازيج سياسية كل أسبوع في جولات البطولات الرياضية".
ويقول مسؤول شغل مناصب قيادية عليا في الحزب الحاكم، فإن "المسيرات المتفرقة هنا وهناك، ليست مفاجئة أبداً، بل متوقعة، وتقف وراءها أطراف ولا تعكس إجماع الشعب الجزائري".
وأضاف قائلاً لـ"عربي بوست" إن جهات تريد فرض أجندة تليق بها وبمصالحها ومستعدة للجوء لأي شيء من أجل إزاحة السلطة الحالية لتحل محلها".
كيف تتجنب الجزائر مصير دول الربيع العربي؟
ويبقى، أن تعامل قوات الأمن الجزائرية مع المسيرات سيكون عاملاً مهماً في الحفاظ على سلمية الشارع، حسب أستاذ العلوم السياسية مصطفى سايح.
حذر سايح من "أن دعاة المسيرات ومهما عملوا على تسييرها بشكل سلمي، إلا أننا نعلم أن أولى المظاهرات السلمية في ليبيا واليمن وسوريا، بدأت سلمية".
ودعا مصطفى سايح في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن يتعامل الأمن بطريقة تتفق مع الديمقراطية مع المسيرات".
من جانبه دعا المرشح المحتمل، غاني مهدي إلى توخي الحذر من الانسياق نحو العنف، عبر مقطع نشره على مواقع التواصل الاجتماعي.