لغة الاستعمار تعود بعد 60 عاماً من رحيله.. الفرنسية في مواجهة مع العربية والأمازيغية بالمغرب، فمن ينتصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/19 الساعة 13:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:55 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية

بين كل ثلاثة أشخاص يفشل اثنان من أبناء المغرب في استكمال تعليمهما في الجامعات العامة؛ لأنهما لا يتحدثان الفرنسية، ما دفع الحكومة إلى دراسة عودة اعتماد الفرنسية لغة لتدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية مثل علوم الحاسب في المدارس العليا.

رغبة الحكومة المغربية، بحسب تقرير لرويترز، في تعليم اللغة الفرنسية لن يقتصر على طلاب التعليم الجامعي فقط، بل تدرس تعليمها للأطفال لدى التحاقهم بالمدرسة.

واللغتان الرسميتان في المغرب هما العربية والأمازيغية، ويتحدث معظم الناس العربية المغربية، وهي خليط من العربية والأمازيغية تتخللها كلمات من اللغتين الفرنسية والإسبانية.

يتعلمون الفصحى في الصغر ثم الفرنسية في الجامعة

وفي المدارس يتعلم الأطفال اللغة العربية الفصحى على الرغم من أنهم لا يستخدمونها خارج قاعات الدرس، وعندما يذهبون إلى الجامعة يتحول التدريس إلى الفرنسية، وهي لغة المستعمر السابق للمغرب والتي تستخدمها حالياً النخبة في المدن.

يشعر الكثيرون في المغرب بأن هذه الازدواجية في التعليم تتسبب في حالة من الارتباك ما أثر بشكل سلبي على الطلاب، خاصة في صفوف التعليم الجامعي، فلم يكمل اثنان من كل ثلاثة أشخاص تعليمهما في الجامعات العامة بالمغرب لأنهما لا يتحدثان الفرنسية.

هذا الوضع المرتبك يؤثر بطبيعة الحال على النمو الاقتصادي وزاد من عدم المساواة في المغرب الذي تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة البطالة بين الشبان فيه تبلغ 25٪ ويقارب متوسط الدخل السنوي 3440 دولاراً للفرد، وهو أقل من ثلث المتوسط العالمي.

هل تنجح اللغة الفرنسية في إزاحة العربية؟

وتصل خطط توسيع نطاق تعليم الفرنسية في تأثيراتها إلى لبّ الهوية المغربية ففي حال نجاحها فسوف تنهي عقوداً من التعريب بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956.

عودة الحديث عن ضرورة تدريس الفرنسية بهذا الشكل واسع الانتشار أثار ضجة في البرلمان، حيث يعتبر أعضاء حزب العدالة والتنمية ذي التوجّه الإسلامي والشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي، حزب الاستقلال المحافظ تلك الخطط خيانة، وقد أجل الاختلاف بشأن تلك التغييرات التصويت عليها.

وقال الحسن عديلي، النائب عن حزب العدالة والتنمية: "الانفتاح على العالم لا ينبغي أن يُتخذ مطية لتكريس هيمنة اللغة الفرنسية".

بن كيران يشتبك مع الحدث أيضاً

فيما شن رئيس الحكومة السابق عبدالإله بن كيران الذي كان قد انزوى عن السياسة بعد خروجه من منصبه هجوماً حاداً على من سمّاهم "اللوبي الفرنسي" في المغرب، وقال إنهم يسعون إلى سلخ المجتمع من هويته الإسلامية والعربية والأمازيغية عن طريق فرض اللغة الفرنسية في البلاد باعتبارها أداة هيمنة.

مشهد من أحد احتجاجات أمازيغ المغرب قرب البرلمان للمطالبة بحقوق لهم/ رويترز
مشهد من أحد احتجاجات أمازيغ المغرب قرب البرلمان للمطالبة بحقوق لهم/ رويترز

واعتبر بن كيران في فيديو بثه على صفحته على فيسبوك، الاثنين 18 فبراير/شباط 2019، أن اعتماد اللغة الفرنسية لغة تدريس لجميع المواد "مؤامرة وإجراماً بحق الشعب المغربي وضرباً لمبدأ تكافؤ الفرص"، وعدّها أيضاً بمثابة "ألعوبة من اللوبي ولفّ ودوران ومكر غير معقول ولا مقبول".

وقال نواب بالبرلمان إن التعديلات التي أدخلت على القانون مخالفة للنصّ الأصلي الذي صادقت عليه الحكومة، ومنها إقرار تدريس المواد العلمية بالفرنسية بدل العربية المعمول بها حالياً حتى مرحلة البكالوريا (الثانوية العامة).

وأشار بن كيران إلى أن التعديلات التي أدخلت على القانون مخالفة للرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم التي سلّمت له من قبل الملك محمد السادس عندما كان رئيساً للحكومة وحثه على تنفيذها. وقال إن هذه الرؤية هي "المعتمدة من الناحية السياسية ولا يمكن الخروج عنها". وشدد على أنه "لم يثبت أن سبب تدهور التعليم في البلاد راجع إلى كوننا ندرس المواد العلمية بالعربية. هذا غير صحيح".

وقال بن كيران: "اللوبي الفرنسي في المغرب قوي، وهو من يحاربنا وهو خصمنا الحقيقي، ولا أعتقد أن هذا هو التوجّه الرسمي لفرنسا، إلا أن اللوبي الفرنسي مفرنس أكثر من الفرنسيين وحريص على مصالح الفرنسيين أكثر منهم". وتدارك قائلاً: "نحن لسنا ضد فرنسا، فهي دولة مهمة وصديقة، لكن هذا لا يعني أن نزيل هويتنا العربية ونضع مكانها الفرنسية. فنحن لدينا لغة وتاريخ وغير مستعدين للتنازل عنهما مهما كلفنا الثمن".

 

ويقول معارضون إن التغييرات تعكس واقع أن الفرنسية هي اللغة الأهم في عالم الأعمال وفي الحكومة والتعليم العالي، ما يعطي القادرين مادياً على الالتحاق بالمدارس الخاصة التي تدرس المواد بالفرنسية ميزة أكبر من أغلبية طلاب المغرب.

وقال حميد العثماني، رئيس لجنة المواهب والتكوين والتشغيل التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب: "في سوق الشغل المغربي إتقان اللغة الفرنسية أمر ضروري. الأشخاص الذين لا يتقنون هذه اللغة هم في عداد الأميين في سوق الشغل".

الحكومة تستبق البرلمان وتوافق على اعتماد تعليم الفرنسية

وحتى قبل أن يصوّت البرلمان على تلك التغييرات، وافق وزير التعليم حسن أمزازي على اعتماد تعليم الفرنسية في بعض المدارس، معلناً أن استخدامها في تدريس المواد العلمية "خيار لا رجعة فيه".

ويتلقى ابنه تعليماً خاصاً شأنه في ذلك شأن كثير من الساسة المغاربة.

وقال جمال كريمي بنشقرون، العضو بحزب التقدم والاشتراكية الشريك في الائتلاف الحاكم: "عندما يشرع صُناع القرار في تسجيل أبنائهم في المدارس العمومية آنذاك فقط يمكن القول إننا نعتمد على نظام تعليمي ناجح".

ويطلق الإحباط من نقص الوظائف والفقر شرارة احتجاجات بين الحين والآخر في المغرب، لكن المملكة تفادت حالة عدم الاستقرار التي عانت منها دول أخرى بشمال إفريقيا تسبب فيها الغضب المكبوت في انتفاضات.

وأثبت الملك محمد السادس، صاحب السلطة المطلقة في المغرب، براعة وذكاء بإدخاله إصلاحات محدودة استجابة للاحتجاجات الشعبية. وتحدث علانية بشأن الحاجة إلى تدريس اللغات الأجنبية للطلاب بغية الحد من البطالة وجعل من الاقتصاد أولوية أولى للمغرب.

وعزل العام الماضي وزير المالية بعد مطالبته الحكومة بفعل المزيد لتعزيز الاستثمار.

تعكس هيمنة اللغة الفرنسية استمرار تأثير باريس في المنطقة

لا يعاني المغرب وحده من المشكلات المتعلقة باللغة. ففي الجزائر، وهي أيضاً مستعمرة فرنسية سابقة، يتعلم الطلاب اللغة العربية في المدارس ليجدوا أنفسهم بعد ذلك في مواجهة الفرنسية في الجامعات والعمل.

وتعكس هيمنة اللغة الفرنسية استمرار تأثير باريس في المنطقة. ففرنسا هي صاحبة أكبر استثمارات أجنبية مباشرة في المغرب وتوظف شركات كبرى مثل رينو وبيجو لصناعة السيارات عشرات الآلاف من المغاربة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والملك المغربي محمد السادس يستعرضان حرس الشرف في محطة أول قطار عالي السرعة للعمل في إفريقيا بالرباط
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والملك المغربي محمد السادس يستعرضان حرس الشرف في محطة أول قطار عالي السرعة للعمل في إفريقيا بالرباط

وتخصص جامعات خاصة مثل الجامعة الدولية للرباط مقررات دراسية موجهة للصناعات العالية النمو مثل الفضاء والطاقة المتجددة وتدرس موادها بالفرنسية والإنجليزية.

لكن رسوم العام الدراسي الواحد في تلك الجامعة تصل إلى 10 آلاف دولار، وهو ما يفوق بكثير ميزانية معظم المغاربة الذين يلتحقون في المقابل بجامعات عامة مجانية كثيراً ما يمثل الانتقال المفاجئ إلى الدراسة بالفرنسية فيها عبئاً على الطلاب ومحاضريهم.

وقال أمين ضفير، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بمدينة المحمدية قرب الدار البيضاء: "في بعض الأحيان نجد أنفسنا نعطي دروساً في اللغة الفرنسية داخل حصص الاقتصاد".

حاجز اللغة يحول دون تحقيق طموح الشباب المغربي

وتوقف حميد الفريشة (37 عاماً) عن مساعي الحصول على شهادة في الفيزياء التطبيقية وعلوم الحاسب من جامعة الحسن الثاني خلال السنة الأولى بعد أن كان يحلم بأن يصبح مهندساً، لكن حاجز اللغة حال دون ذلك، وكان البحث عن ترجمة عربية للكلمات العلمية الفرنسية يستنفد وقته.

واتجه بدلاً من ذلك لدراسة الميكانيكا في مدرسة مهنية. ومع ذلك ما زال عليه إتقان الفرنسية ليجد وظيفة.

وقال الفريشة لرويترز: "التحدي الأكبر بعد الحصول على شهادتي هو كتابة السيرة الذاتية والقدرة على إجراء مقابلات الوظائف بالفرنسية".

وحصل الفريشة على وظيفة فني في مصنع لإصلاح هياكل السيارات براتب أقل من الحد الأدنى للرواتب الشهرية في المغرب وهو 2570 درهماً (270 دولاراً).

والفريشة واحد من المحظوظين. فالاقتصاد المغربي لا يمكنه استيعاب كل الشبان الباحثين عن عمل. ودخل نحو 280 ألف خريج سوق العمل العام الماضي، ولم تتوفر في السوق سوى 112 ألف وظيفة فقط.

وتفيد بيانات المندوبية السامية للتخطيط بأن معدل البطالة للخريجين يبلغ 17%، أي أعلى من المعدل الوطني البالغ 9.8%.

الخريجون العاطلون عن العمل يرفعون شعارات وهم يحتجون على البطالة وتكاليف المعيشة/ رويترز
الخريجون العاطلون عن العمل يرفعون شعارات وهم يحتجون على البطالة وتكاليف المعيشة/ رويترز

ويرجع ارتفاع معدل البطالة بين الخريجين في جانب منه إلى اعتماد المغرب على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي لا توظف عادة الخريجين، إضافة إلى سياسة التقشف التي قلصت الوظائف في القطاع العام.

كما أن نظام التعليم يخفق في تأهيل الطلاب لتلبية احتياجات سوق العمل.

وبالإضافة إلى ارتفاع معدلات التسرب من التعليم فإن طلاب المغرب يسجلون نتائج سيئة مقارنة مع أقرانهم في الاختبارات الدولية.

ويذكر تقرير لصندوق النقد الدولي صادر أواخر عام 2017 أنه على المستوى الجامعي يقبل الطلاب بشكل كبير على مجالات العلوم الاجتماعية على حساب العلوم التقنية. وهذا يعني أن كثيرين لا تتوافر لديهم عند تخرجهم المؤهلات التي يبحث عنها أصحاب العمل.

واللغة الفرنسية لا غنى عنها حتى بالنسبة للأعمال التي لا تتطلب شهادة جامعية. فعلى الموقع الفرنسي الخاص بوكالة دعم الوظائف في المغرب يبحث كل أصحاب العمل تقريباً عن موظفين يتحدثون الفرنسية، بما في ذلك وظائف الحراس والنُدل والطهاة والسائقين.

ولإصراره على المضي قدماً، يعمل الفريشة على تحسين لغته الفرنسية أثناء عمله في المصنع وذلك من خلال قراءة الصحف والكتب في وقت فراغه، كما أنه يحدد لنفسه قائمة يومية بتعبيرات ومفردات جديدة يتعلمها.

وعاد الفريشة للجامعة في 2014 للحصول على شهادة في القانون بالفرنسية كما يدرس لنيل درجة الماجستير في الدبلوماسية والتحكيم الدولي.

ولكسب رزقه يعمل الفريشة في تدريس اللغة الفرنسية للطلاب الآخرين.

 

 

تحميل المزيد