قال قائد القيادة المركزية الأمريكية أمام لجنة بمجلس الشيوخ، أمس الثلاثاء 5 فبراير/شباط، إنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يمكن أن يعاود الظهور في سوريا بمجرد أن يسحب البنتاغون قوّاته هناك، في تحذير لا ينذر بخير من أن تأكيدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتحقيق النصر على التنظيم سرعان ما ستزول.
وبحسب صحيفة New York Times الأمريكية أخبر الجنرال جوزيف فوتيل، الذي يشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، أن تنظيم داعش لا يزال يسيطر على حوالي 20 ميلاً مربعاً من الأراضي السورية. وتشكل هذه المساحة تراجعاً كبيراً عما كان التنظيم يسيطر عليه عام 2014 (34000 ميلاً مربعاً)، وقد استخدم الرئيس ترامب هذا التراجع لتعزيز حجته بأن القوات الأمريكية والقوات الحليفة لها قد ألحقت بشكل عام الهزيمة بقوات التنظيم الجهادي.
وقد أشار ترامب إلى أنه مستعد لإعلان الانتصار في سوريا، في حرب كانت محل تفاخره في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه مساء الثلاثاء الماضي.
وجاءت تعليقات الجنرال فوتيل أثناء جلسة استماع شاقة طرح خلالها جمعٌ من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تساؤلات حول قرار ترامب سحب القوات من سوريا. غير أن الجلسة كانت مثالاً آخر على معارضة كبار القيادات الأمنية في الولايات المتحدة قرار ترمب بالانسحاب؛ وهو القرار الذي أدى إلى استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بحسب الصحيفة الأمريكية.
الحرب ضد داعش لم تنتهِ
وجاءت الملاحظات أيضاً بعد أسبوع واحد فقط من إطلاق تقييم استخباراتي سنوي غير عادي بالتهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، بما يتعارض بشكل كبير من تصريحات ترامب حول مجموعة من القضايا، من بينها كوريا الشمالية وروسيا وسوريا.
وقال فوتيل: "من المهم أن نفهم أنه رغم استعادة هذا القدر من الأرض، فالحرب ضد التنظيم والجهاديين لم تنتهِ ومهمتنا لم تتغير"، مضيفاً أن "المعركة التي تحقق النصر فيها بشق الأنفس، لا يمكن تأمين نتائجها إلا بالإبقاء على عملية يقظة ضد تنظيم الدولة المشتت والمفكك حالياً إلى حد كبير، والذي يحتفظ بقادته ومقاتليه وموارده والأيديولوجية المُدنسة التي تغذي جهوده"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ومن المقرر أن يتقاعد الجنرال فوتيل هذا الربيع، وأن يحل محله الجنرال كينيث ماكينزي. وللمرة الأولى أكد فوتيل على الملأ أن إعلان الرئيس سحب القوات من سوريا كان مفاجأة له كما كان مفاجأة لكافة أفراد القوات المسلحة الذي قاتلوا التنظيم إلى جانب القوات الكردية وقوات الحلفاء الدوليين منذ عام 2014.
وقال فوتيل عند استجوابه من جانب السيناتور أنغوس كينغ، وهو سيناتور مستقل متحالف مع الديمقراطيين: "لم يجر استشارتي". وفي غضون دقائق، أرسل مكتب كينغ مقطع فيديو بهذا الكلام إلى الصحفيين لتأكيد ما وُصِّف بأنه "مفاجأة القادة العسكريين بإعلان الانسحاب من سوريا".
وعارض العديد من قادة الجمهوريين في الكونغرس خطط الانسحاب. ويوم الاثنين 4 فبراير/شباط وافق مجلس الشيوخ على تشريع يعارض سحب القوات الأمريكية بشكل مفاجئ، مع التحذير من أنَّ ذلك يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة ويؤدي إلى قيام روسيا وإيران بأدوار أكبر. غير أنَّ التشريع في مجمله رمزيّ ولا يحمل أي تبعات.
داعش يلملم صفوفه
وقالت هيئة مراقبة داخلية للبنتاغون يوم الاثنين أيضاً في تقرير لها إنَّ تنظيم داعش يعمل بالفعل على لملمة صفوفه في العراق. وقال التقرير الصادر عن مكتب المحقق العام إنه ما لم يستمر الضغط، فإن تنظيم الدولة "سيصعد في سوريا في غضون 6 إلى 12 شهراً وأن يستعيد قدراً محدوداً من الأرض".
وحذر مسؤولو البنتاغون من أن التنظيم الجهادي يمكن أن يصوِّر الانسحاب الأمريكي باعتباره انتصاراً، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقد عارض الجنرال فوتيل في شهادته وجهة نظر ترامب حول الدور الذي تلعبه القوات الأمريكية في العراق.
وكان ترمب قد صرح في مقابلة، يوم الأحد 3 فبراير/شباط، مع برنامج Face the Nation على قناة CBS الأمريكية بأنه أراد للقوات الأمريكية أن تظل في العراق لتراقب النشاط الإيراني، وهو إعلانٌ مفاجئ أغضب الزعماء العراقيين وأثار دهشة وزارة الدفاع.
وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون إنّهم غير قادرين على تفسير مزاعم الرئيس الأمريكي بأنّ القوات الأمريكية في العراق يمكنها أن تلعب دوراً قيادياً في رصد البرنامج النووي الإيراني أو غير ذلك من الأنشطة المشبوهة.
وعند توجيه السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيو مكسيكو مارتن هاينريش سؤالاً إلى الجنرال فوتيل عما إذا كان تركيز الجيش الأمريكي في العراق قد تحول إلى إيران، رد عليه فوتيل: "لا، لم يتحول".
وقال إن الإدارة المركزية "تصبّ تركيزها على السبب الذي طلبت لأجله الحكومة العراقية منّا الحضور إلى العراق، وأنها تركز على إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وتحاول في الوقت الحالي منع هذا التنظيم تحديداً من معاودة الظهور".
الجيش الأمريكي ودوره في حرب اليمن
كما أكد الجنرال فوتيل تقريراً نشرته صحيفة New York Times الأمريكية مفاده أنّ أفراد الجيش الأمريكي الموجودين في أحد مراكز العمليات في السعودية لديهم حق الوصول إلى قاعدة بيانات تحتوي تفاصيل كل غارة جوية وطائرة وذخيرة استخدمت ضد متمردي الحوثيين في اليمن. وقد أدت حملات القصف بقيادة السعودية في اليمن إلى مقتل العديد من المدنيين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن، عن ولاية ماساتشوستس: "هذه معلومات مزعجة، لأنها تشي بأنه كان بوسعنا أن نحدد بأثر رجعي ما إذا كانت طائرات التحالف التي قصفت المدنيين قد فعلت ذلك بمساعدة أمريكية".
وقد سبق أن اعترفت قيادة العمليات التي يتولاها فوتيل بوجود قاعدة البيانات، وإن كانت قد قالت إن الضباط الأمريكيين قد استخدموا بيانات التحالف لأغراض تتعلق بالأهداف الأساسية فقط، بما في ذلك الإبلاغ عن الإصابات في صفوف المدنيين، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الحوثية والتعاون الجوي لتزويد الطائرات السعودية بالوقود، الأمر الذي توقف في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.