قالت صحيفة The Guardian البريطانية، إن حالة من الذعر تنتاب الكثير من الفنزويليين، بسبب العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد، وخاصة على شركة النفط الحكومية، بهدف إسقاط الرئيس نيكولاس مادورو .
وأوضحت الصحيفة أن العقوبات التي صدرت يوم الإثنين الماضي 28 يناير/كانون الثاني، حظرت على الشركات الأمريكية تصدير السلع أو الخدمات شركة Petroleum of Venezuela في إطار حملةٍ لإجبار الرئيس نيكولاس مادورو على التنَّحي والتنازل عن السلطة لخوان غوايدو زعيم المعارضة.
وحظرت كذلك على مصافي التكرير في الولايات المتحدة شراء النفط الخام من الشركة الفنزويلية، إلَّا في حال تسديد المال إلى حساباتٍ غير مرتبطة بمادورو.
"كل شيء سيزداد سوءاً" في فنزويلا
خارج إحدى محطات خدمة السيارات في شرق العاصمة الفنزويلية كاراكاس، كان طابور انتظار الوقود ممتداً حتى البِنايات السكنية المجاورة. فالسائقون يعرفون أنَّ الولايات المتحدة فرضت عقوباتٍ على شركة النفط الحكومية الفنزويلية، ويخشون نفاد الوقود قريباً.
وقال توماس باتشيكو الذي كان ينتظر لملء سيارته: "كل شيء سيزداد سوءاً. لقد صارت هذه الطوابير الطويلة أمراً طبيعياً جديداً بالنسبة لنا".
ومع ذلك، هناك قلقٌ في فنزويلا من أنَّ هذه الإجراءات لن تُسفر إلَّا عن مزيدٍ من المعاناة في بلد يعاني بالفعل تضخماً مُفرطاً ونقصاً مزمناً في المواد الغذائية الأساسية والأدوية.
إذ قال كارلوس فوينتيس، وهو مهندسٌ كان ينتظر في الطابور للحصول على الوقود: "لم أر شيئاً صعباً للغاية كهذا طوال حياتي. وإذا نفد الجازولين، ستكون هذه مجرَّد مشكلة أخرى وسط كل هذه الفوضى".
ويأتي ذلك في الوقت الذي يقول فيه محللون إنَّ الهدف من العقوبات هو زيادة معاناة الشعب الفنزويلي وإطلاق احتجاجات ضد الرئيس نيكولاس مادورو أكبر من تلك التي هزَّت أرجاء فنزويلا طوال الأسابيع القليلة الماضية.
إذ قال جيف رامزي، المدير المساعد في قسم شؤون فنزويلا في منظمة Washington Office on Latin America: "تأمل الولايات المتحدة في أن يكون ذلك الاستياء الهائل هو السلاح السحري الفعَّال الذي يقتل نظام مادورو. لكن كما تعلمنا ممَّا حدث في كوبا، يمكن للأنظمة الاستبدادية أن تكون شديدة المقاومة للانكسار".
بينما يواصل الرئيس نيكولاس مادورو الاحتفاظ بورقة الجيش
وصحيحٌ أنَّ عدد المُظاهرات المعارضة فاق عدد المظاهرات المؤيدة للحكومة، لكنَّ الرئيس نيكولاس مادورو ظل محتفظاً بورقة الدعم الحاسمة المتمثلة في الجيش، وذلك بعرض مناصب رفيعة في الحكومة وشركة Petroleum of Venezuela على قادة الجيش.
وتهدف العقوبات كذلك إلى استنزاف أموال تلك الحاشية من ذوي السُلطة والنفوذ، مع أنَّ الاقتصادات الشاسعة غير القانونية التي يديرونها أيضاً -مثل تهريب المخدرات وعمليات التعدين غير الشرعية والابتزاز- لن تتأثَّر.
إذ قال رامزي: "هناك أموالٌ طائلة تأتي من الأنشطة السرية في فنزويلا وتذهب إلى جيوب النظام، لذا من الصعب أن تُسفر هذه العقوبات عن شيء باستثناء زيادة معاناة أفراد الشعب العاديين".
ومن المستبعد أن تتمكن شركة Petroleum of Venezuela، التي لطالما كانت شريان الحياة للاقتصاد الفنزويلي، من التغلب على العاصفة الحالية؛ فصحيحٌ أنَّ البلاد ربما تمتلك أكبر احتياطات نفطية مُثبَتة في العالم، لكنَّها تعاني نقص الوقود على نحوٍ متزايد بسبب البنية التحتية المتداعية.
إذ أنَّ النفط الفنزويلي الخام الذي يخرج من الأرض يحتوي على نسبةٍ مرتفعة من الكبريت، ولا يمكن معالجته واشتقاق الجازولين منه إلا في بعض المصافي المعينة.
لكن تراجع عائدات النفط قد يعصف بمادورو
وفي ظل الحالة السيئة لمصافي التكرير في فنزويلا، يُنقَل النفط إلى الولايات المتحدة ويُكرَّر هناك قبل إعادة بيعه إلى فنزويلا لتلبية الطلب على الوقود. وفي الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي 2018، ارتفعت واردات النفط الفنزويلية من الولايات المتحدة بنسبة 76% لتبلغ 125 ألف برميل يومياً، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وقال غيلبرتو موريلو، وهو استشاري عمل مديراً مالياً في شركة Petroleum of Venezuela حتى عام 2003، حين بدأ هوغو شافيز الرئيس الفنزويلي الراحل في ملء الشركة بموظفين مُعيَّنين لأسبابٍ سياسية: "تُدار الشركة بطريقةٍ سيئة تماماً منذ أن ملأها شافيز بموظفين موالين له".
وأضاف موريلو أنَّ الرئيس نيكولاس مادورو سيحاول التودُّد إلى مشترين آخرين لشراء النفط الخام من أجل التخفيف من حدة الأزمة الوشيكة، لكن هذه الدعوات ستُرفَض على الأرجح. وقال: "البلدان التي توجد بها المصافي المناسبة، مثل الهند، أو بعض البلدان في إفريقيا، تقع في الجانب الآخر من الكرة الأرضية.. أي أنَّ تكاليف الشحن ستكون هائلة بالنسبة لها".
ويُمكن لمشكلات شركة Petroleum of Venezuela كذلك أن تعزل مادورو عن راعيته الرئيسية روسيا، التي تبلغ قيمة استثماراتها في فنزويلا نحو 20 مليار دولار، ويذهب جزءٌ كبير من تلك الاستثمارات إلى الشركة الفنزويلية.
إذ اقترضت الشركة الفنزويلية أكثر من 6 مليارات دولار من شركة روسنفت الروسية العملاقة، ويُسدَّد هذا القرض عن طريق نقل شحنات من النفط الخام إلى الشركة الروسية خلال العام الحالي 2019، وهذا يعتمد على قدرة الشركة الفنزويلية على ضخ النفط.
خاصة وأن بعض حلفائه أصبحوا منزعجين أكثر
وقد أدى انخفاض الإنتاج في فنزويلا العام الماضي إلى ظهور تقارير تفيد بأنَّ إيغور سيتشين، أحد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذوي النفوذ، توجَّه شخصياً إلى كاراكاس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ليشكو إلى مادورو ويُخطِره بنفاد صبر الكرملين بوتيرةٍ متزايدة.
ويُذكَر أنَّ هذا القرض كان بضمان حصة الشركة الفنزويلية في شركة تكرير النفط الأمريكية سيتغو البالغة 49.9%، لكنَّ العقوبات الأمريكية الجديدة على الشركة الفنزويلية قد تُصعِّب على روسيا الاستحواذ على ملكية الأسهم في حالة التخلُّف عن السداد. وتملك روسنفت كذلك حصصاً مشتركة مع الشركة الفنزويلية في عددٍ من حقول النفط في فنزويلا.
هذا وقد ظهرت حالةٌ من الذعر كذلك لدى بعض شركات الصين، التي تعد حليفاً حيوياً آخر لمادورو، إذ تعتزم شركة PetroChina الصينية التراجع عن الدخول في شراكةٍ مع الشركة الفنزويلية في مصفاةٍ لتكرير النفط في جنوب الصين، وفقاً لما ذكرته وكالة Reuters يوم الخميس 31 يناير/كانون الثاني.
وفي ظل استمرار طوابير الوقود في كاراكاس، رحَّب بعض السائقين بالعقوبات، بينما يتأهبون للمرور بأوقاتٍ عصيبة. إذ قالت ماريا ألكسندرا فيلاسوسو، وهي مُنتِجة تعمل في مجال إنتاج فيديو، بينما كانت تملأ سيارتها بالوقود: "هل سنعاني؟ نعم بالتأكيد، لكنه شرٌّ لا بد منه. الحكومة تغرق بالفعل، وإذا غرقت، فليكن ذلك. سنطفو مرةً أخرى يوماً ما".