تبدو الانتخابات الجزائرية حدثاً لا يستحق المتابعة؛ فهي استحقاق على النمط العربي التقليدي، يضمن فيه الرئيس الطاعن في السن الفوز أمام منافسين شكليين، ولكن قائمة المرشحين في الانتخابات الرئاسية الجزائرية تستحق إعادة النظر في هذه الفكرة، فقد تحمل بعض المفاجآت.
وأعلنت أحزاب الائتلاف الحاكم بالجزائر رسمياً ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، في انتخابات الرئاسة المقررة 18 أبريل/نيسان 2019.
جاء ذلك في بيان مشترك، السبت 2 فبراير/شباط 2019، عقب اجتماع لقادة أحزاب التحالف بمقر حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.
ويبلغ عمر بوتفليقة 81 عاماً، وتعرض في عام 2013، لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة، لكنه واصل الحكم، حيث يظهر نادراً في التلفزيون الرسمي خلال استقبال ضيوف أجانب، أو ترؤُّس اجتماعات لكبار المسؤولين، إلى جانب رسائل لمواطنيه في المناسبات الوطنية والدينية.
وصل بوتفليقة للحكم في عام 1999 ولعب دوراً كبيراً في تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية التي أنهت حرباً أهلية نشبت بعد إنقلاب الجيش إثر فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية في مطلع التسعينيات.
وفي حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنها ستكون ولايته الخامسة.
شروط الترشح صعبة، وبالطبع فإن أفضل من تنطبق عليه هو بوتفليقة
وينص قانون الانتخابات الرئاسية الجزائرية على أنه يتعيّن على المترشح تقديم قائمة تتضمن على الأقل 600 توقيع فردي لأعضاء منتخبين في مجالس بلدية أو محلية أو برلمانية، موزعة على 25 ولاية على الأقل.
أما في حالة استحالة جمع توقيعات المنتخبين المحليين أو الوطنيين، فبإمكان المترشحين جمع 60 ألف توقيع فردي للناخبين من 25 ولاية على الأقل.
كما ينبغي ألّا يقل العدد الأدنى للتوقيعات المطلوبة في كل ولاية من الولايات المقصودة عن 1500 توقيع.
وفُرضت تعديلات أدخلت على الدستور شروطاً صعبة للترشح.
إذ تنص المادة 87 من الدستور على أن الذي "يُنتخب لرئاسة الجمهورية يجب أن يثبت مشاركته في ثورة نوفمبر/تشرين الثاني 1954، إذا كان مولوداً قبل يوليو/تموز 1942″، وأن "يثبت عدم تورط والديه في أعمال ضد الثورة التحريرية إذا كان مولوداً بعد يوليو/تموز 1942".
ويجب على المترشح أن يقدم شهادات تثبت هذين الشرطين، مع الملف الذي سيقدمه للمجلس الدستوري، لفحصه والتصديق عليه بالسلب أو الإيجاب.
ولم يسبق أن رفض المجلس الدستوري ملف مترشح لأسباب تتعلق بالماضي الثوري، سواء تعلَّق الأمر بالمعنيِّ أو بوالديه.
بوتفليقة مرشحنا الوحيد.. هل هم صادقون؟
هناك العديد من المؤشرات والأحداث توحي بأن بوتفليقة سوف يترشح.
منها تدشين مرافق عامة وتوزيع وحدات سكنية وإقالة بعض الولاة كاستجابة للمطالب الشعبية.
واللافت أيضاً ظهور الرئيس بوتفليقة بعد غياب كبير عن الساحة الإعلامية.
بالإضافة إلى ذلك تصريح العديد من الجهات باستمرارية بقاء النظام الحالي، على غرار خطاب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني السابق جمال ولد عباس، الذي يؤكد على أن الرئيس هو المرشح الوحيد لجبهة التحرير (الأفلان)، والخطاب الأخير للوزير الأول أحمد أويحيى رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي.
ولكن هناك مؤشرات، إضافة إلى تقارير إعلامية فرنسية تفيد بأن ترشح بوتفليقة ليس أمراً مسلماً به كما يبدو.
سيناريوهات مفاجئة أصبحت مطروحة
وترسم هذه المعطيات والتقارير سيناريوهات أخرى، تبدو صادمة للقارئ الجزائري والعربي.
إذ تشير مجموعة من المعطيات لسيناريو مختلف، وهو أن بوتفليقة يمكن ألا يترشح، أو لا يتم ترشيحه من قبل الأحزاب الحاكمة.
أبرز هذه المعطيات هي تأزم صحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وغيابه التام عن الساحة الإعلامية، خصوصاً في جنازة مراد مدلسي، رئيس المجلس الدستوري قبل أيام.
اللافت أيضاً تأخر النظام الجزائري في الإعلان عن اسم مرشحه.
وحتى بعد إعلان الأحزاب الحاكمة ترشيحها لبوتفليقة، فإن الرئيس لم يعلن عن ترشحه بشكل رسمي.
هل ضمِن بوتفليقة الفوز قبل الانتخابات حقاً؟
يرى تقرير لموقع AFRIC.COM أن هناك العديد من المعطيات والتحاليل التي تشير إلى أن استمرار بوتفليقة في قصر المرادية (قصر الرئاسة) ليس بالسهولة التي تسوَّق للعيان.
ويستند الموقع إلى أن هناك تجاذبات وصراعات داخل مؤسسات النظام السياسي، خاصة بين جناح المؤسسة العسكرية الممثلة في شخص القايد الصالح، والرئاسة الممثلة في أخي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره.
ورغم حالة الجمود التي تهيمن على الأحزاب الجزائرية، وحالة الإحباط التي أصابت الشارع، فإن هناك مرشحين أمام الرئيس بوتفليقة يمكن أن يكونوا أكثر من مجرد ديكور سياسي.
أم يقدم النظام مرشحاً آخر غيره.. إليك أبرز المنافسين المحتملين
بموجب هذا السيناريو، فإن النظام قد يقدم وجهاً جديداً غير معروف على الساحة السياسية، بغية تجديد ثقة الشعب بالنظام، وبالتالي ضمان بقاء واستمرارية النظام الحالي.
وفي حال عدم ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فإن فترة المخاض التي يمر بها النظام السياسي الحالي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تقديم مرشح توافقي للنظام.
وفي هذا الإطار، يظهر عدد من الأسماء المحتمل ترشحها من داخل النظام.
أبرز المرشحين المحتملين من داخل النظام هما الوزير الأول الأسبق (رئيس الحكومة الأسبق) عبدالمجيد تبون، أو الوزير السابق للطاقة شكيب خليل.
تبون.. الرجل الذي قال لا للفساد فأقيل بعد ثلاثة أشهر
مما يزيد من فرص عبد المجيد تبون، في حال صحة هذا السيناريو، أن شخصية مثل عبدالمجيد تبون خلقت حالة مختلفة.
تولى تبون رئاسة الحكومة عام 2017، من شهر مايو/أيار إلى أغسطس/آب من نفس العام، أي لمدة ثلاثة أشهر فقط.
وخلال هذه الفترة القصيرة، طرح تبون خطاباً شرساً ضد رجال الفساد والمال في الجزائر.
ودعا آنذاك إلى إصلاحات تفصل بين عالم المال والسياسة، لأنها في نظره هي مصدر الفساد المستشري في البلد.
وهو الأمر الذي أكسبه شرعية أكبر لدى الأوساط الشعبية، لكن منهجه وأدواته في التغيير وإعلان حربه ضد عصابات المال والعقار في الجزائر كانت سبباً في إقالته من منصبه واستبداله بأحمد أويحيى.
رئيس الحكومة الجديد عبد المجيد تبون ماشاء الله عليه ناوي ينظف البلاد من الفساد😅😅مهمة شبه مستحيلة وفيها مغامرة لكن يكفيه شرف المحاولة🙏🏻 pic.twitter.com/KBOR1skBdS
— فطوم🇩🇿الجزائرية (@fatooma_dz) July 19, 2017
إنه حليف لرجل الجيش القوي
لكن هذه الأحداث وتتابُعها صنعا اسماً ثقيلاً لعبدالمجيد تبون.
كما أن تقاسمه لنفس الموقف مع القايد الصالح، رئيس الأركان، والمتعلق بضرورة مكافحة الفساد.
وازداد هذا الارتباط بين الرجل خصوصاً بعد حادثة ضبط عدد من المسؤولين بتهمة تهريب الكوكايين وجملة التغييرات التي نجمت عنها في المجال السياسي والعسكري جعل اسم عبدالمجيد تبون لصيقاً ومحسوباً على القايد صالح.
وهو الأمر الذي يُحسب لصالحه ويعزز من إمكانية تقديمه كمرشح توافقي للنظام، في حال لم يترشح بوتفليقة.
شكيب خليل.. الوزير العائد سالماً من فضيحة القرن
أما بخصوص الوزير السابق شكيب خليل، ورغم أن اسمه أقل حضوراً من تبون، فإنه بدوره لديه نقاط قوة.
إذ يستند خليل إلى مكانته العلمية والعملية، خصوصاً أن اسمه مرتبط بحجم الرفاه الاقتصادي وحجم العلاقات التي استطاع أن ينسجها مع المؤسسات الدولية والإقليمية، إثر توليه مناصب حساسة ذات علاقة بقطاع الطاقة على المستوى الدولي الوطني.
كما أنه من بين المقربين لجناح الرئاسة، وهو الأمر الذي سهل من رجوعه إلى الجزائر بعد فضيحة القرن التي اتُّهم فيها باختلاس مبلغ طائل من الأموال أثناء توليه لمنصب وزير الطاقة.
وعبر مباركة المشايخ يتم تبييض سيرته الأولى
وبهذا فإن رجوع شكيب خليل ووقوف جناح الرئاسة إلى جانبه، خاصة بعد عملية تبييض اسمه إثر قيامه بالعديد من الزيارات إلى الزوايا الدينية ومباركة شيوخ له،
كل هذه مؤشرات تزيد من فرص وروود اسم شكيب خليل كخليفة محتمل لبوتفليقة في حال عدم ترشح الأخير.
إلا أن هناك سيناريوهات أخرى محتملة، قد تحمل مفاجآت أخرى غير متوقعة.
إذ إن هناك لاعبين آخرين قد تكون لديهم فرص أكبر لمنافسة بوتفليقة، ولكن من خارج النظام أو على الأقل يبدون كذلك.
قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية تطول كثيراً
أعلن أكثر من 160 شخصاً نيتهم الترشح حتى بداية العام الحالي (2019)، من بينهم 14 مرشحاً حزبياً.
وفشلت الأحزاب وقوى المعارضة الجزائرية في التوافق على مرشح تنافس به الرئيس بوتفليقة.
كما فشلت حركة مواطنة، المناهضة لفكرة العهدة الخامسة، في إقناع الأحزاب المعارضة بالالتفاف حول مرشح توافقي.
وفي قائمة المرشحين الحزبيين حتى الآن، 5 أحزاب سبق أن شاركت في استحقاقات رئاسية.
ومرشحو هؤلاء الأحزاب الخمسة هم
- عليّ بن فليس، المرشح عن حزب طلائع الحريات.
- عبد الرزاق مقري عن حركة مجتمع السِّلم.
- لويزة حنون عن حزب العمال.
- عبد العزيز بلعيد المرشح عن حزب المستقل.
- علي فوزي رباعين عن حزب عهد 54.
وهناك أحزاب تتقدم لأول مرة للسباق الرئاسي
في حين تُعد الأحزاب الأخرى وجهاً جديداً على استحقاقات أبريل/نيسان 2019.
من الأحزاب التي تقدم مرشحين لأول مرة في الانتخابات الرئاسية
- حزب "النصر الوطني" في ممثله عدول محفوظ.
- أحمد قوراية عن جبهة العدالة والديمقراطية من أجل المواطنة.
- زغدود عليّ "تجمع الجزائر".
- فتحي غراس عن حركة الديمقراطية الاشتراكية.
- عمار بوعشة عن حركة الانفتاح؛ ومحمد الهادف عن الحركة الوطنية للأمل.
- سليم خالفة عن حزب الشباب الديمقراطي.
- بن قرينة عبد القادر عن حركة البناء الوطني.
- بلهادي عيسى عن جبهة الحكم الراشد.
مرشح إسلامي يستند إلى حزب قوي بالمعايير الجزائرية
من أبرز الأسماء في قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية مرشح حركة مجتمع السِّلم، التي تعتبر أكبر الأحزاب السياسية المعارضة بالبلاد.
وقدمت الحركة (التي تعود جذورها للإخوان المسلمين) مرشحاً هو عبد الرزاق مقري، بالبيان الختامي للدورة العادية الخاصة بالحركة، في 26 يناير/كانون الثاني 2019.
وأفاد مرشح الحركة، على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، بأنه في حال انتخابه من طرف الشعب، فإن أول اهتماماته ومشروعاته سيكون في وضع إطار توافقي وطني يجمع الجزائريين والطبقة السياسية حول رؤية سياسية واقتصادية تُخرج البلد من الأزمة.
وقال إن مشاركته في هذه الانتخابات جاءت في خضم مسعى كل حزب للوصول إلى السلطة؛ رغبة في الإصلاح والتغيير، وإنها ليست مرتبطة بأي ضمانات تتعلق بالنزاهة، لأن نزاهة الانتخابات تبقى موضوع كفاح ونضال.
كما اعتبر في المصدر ذاته، أن العهدة الخامسة لبوتفليقة فخٌّ يُراد به تحييد الأحزاب السياسية وتجميدها في هذا الاستحقاق، وإخلاء الساحة أمام جهات معينة فقط.
وقال: "لا يُعقل أن نربط مصيرنا بالوهم وبشيء غير واضح ولا يعلمه أحد، بما فيه أقرب المقربين من بوتفليقة".
ولكن اتهامات الصفقة مع السلطة تطارده
وأكد عبد الرزاق مقري أن حركة مجتمع السلم غير منخرطة في أي جناح من الأجنحة، لأن هذا النوع من الصراعات مهدِّد للبلد والعملية الديمقراطية، وأن من يريد أن يصل إلى الحكم عليه تشكيل حزب سياسي أو أن يساند حزباً ما.
كما شدد على أن دور الجيش هو حماية ما يتفق عليه السياسيون، والتزام الحياد الذي يؤمّن سير الانتخابات في جو من الديمقراطية.
الجزء الأخير من كلام عبد الرزاق مقري جاء بمثابة رد على الاتهامات الموجَّهة إليه إثر التقائه مع شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة.
وهو اللقاء الذي اعتُبر سرياً في وسائل الإعلام، خصوصاً الفرنسية.
ويريد المرشح الإسلامي من كلامه تفنيد الأقاويل التي تزعم أن هذه اللقاءات تشير إلى وجود صفقة بينه وبين شقيق الرئيس ومستشاره سعيد بوتفليقة، والتي كان هدفها عودة "حمس" إلى أحضان السلطة.
وتأتي هذه الأقاويل في الوقت الذي يتعرض مقري لضغط من داخل حزبه للعودة إلى السلطة والتي يمكن أن تكلل بمكاسب سياسية ومادية للكثير من قياداتها، حسب ما عبر عنه رابح لونيسي.
والمشكلة ليست بسبب الحزب الحاكم فقط، بل المعارضة مسؤولة عما جرى أيضاً
يبدو المشهد الحزبي في الجزائر معقداً.
ففي حين تدخل بعض الأحزاب الانتخابات بهدف محاولة الوصول إلى السلطة حتى في ظل غياب ضمانات بنزاهة العملية السياسية، فإن بعضها يتطلع إلى الدخول في صفقات مع النظام الحالي، أو الحصول على مكتسبات وامتيازات سياسية لحزبه ومناضليه، في حال نجاح مرشح النظام في الانتخابات.
وتتكرر هذه الممارسة في الجزائر كل انتخابات، وهو ما أدى إلى ضعف العمل الحزبي، نتيجة ارتباطه بالمناسبات الانتخابية.
ولكن هناك أزمة أكبر، مسؤولةٌ عنها أحزاب المعارضة، وهي انعدام الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية.
إذ أدى غياب فكرة تداول المناصب داخل الأحزاب؛ إثر الممارسات الأبوية لبعض قياديي الأحزاب السياسية، إلى جمود الحياة السياسية في الجزائر.
وهو ما أنتج الوجوه نفسها والخطابات الديماغوجية نفسها التي تتشابه في طروحاتها وأولوياتها المُنادية بالتغيير والإصلاح.
إذ لا تختلف خطابات هذه الأحزاب كثيراً بعضها عن بعض، في تأكيدها الاهتمام بالشباب، ومسألة الحرقة (هجرة الشباب غير الشرعية).
كل هذا أدى إلى فقدان الثقة بمشروعية الأحزاب ودورها في الحياة السياسية، إثر تشكُّل ذهنية لدى الفرد الجزائري، مفادها أن معظم الأحزاب السياسية ما هي إلا أداة لخدمة مصالحها الشخصية.
ومن هنا فضَّل البعض التقدم بصفته مرشحاً مستقلاً
هذا المشهد العام للأحزاب السياسية في الجزائر أدى بكثير من الشخصيات المعروفة وغير المعروفة إلى الأخذ بفكرة "المترشح الحر" (المستقل عن الأحزاب)، باعتبار ذلك إطاراً لممارسة العمل السياسي بُغية الوصول إلى السلطة.
ومما شجَّع البعض على ذلك، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اتخذ من الإطار نفسه منبراً له، للتعبير عن توافقه مع جميع التيارات السياسية الموجودة في انتخابات 1999، وهو ما شكَّل صورة نمطية وأداة جديدة للطامحين إلى الوصول لقصر المرادية.
ونتيجة هذه القناعة، بلغ عدد المرشحين المستقلين في الانتخابات حتى بداية العام، 169 مرشحاً، ليشكل المرشحون المستقلون الغالبية الكاسحة من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية.
في حين يبقى الأمر اللافت للانتباه بهذه الترشحات، هو حجم البهرجة السياسية التي أقدم عليها كثير من المترشحين خلال تقديمهم برامجهم وأسباب ترشحهم، والتي يمكن أن يستغلها النظام في الترويج لمرشحه.
ولذا فإن مصاعب بوتفليقة الحقيقية قد تكون مع المستقلين
اللافت في قائمة مرشحي الانتخابات الرئاسية الجزائرية هو ترشُّح أسماء ثقيلة كمرشحين مستقلين، على شاكلة الجنرال المتقاعد علي غديري، وهو الأمر الذي خلق اهتماماً سياسياً وإعلامياً بالانتخابات الرئاسية.
وجعل هذا الوضع أنه إذا كان هناك احتمال بأنه ستقع معركة انتخابية حقيقية، فإنها ستكون -على الأرجح- مع مرشح مستقل أو أكثر.
ومن بين المرشحين المستقلين، هناك إثنان لفتا الانتباه خلال الحملات الانتخابية التمهيدية.
رشيد نكاز.. قضى نصف عمره بفرنسا وحاول الوصول لتوافق
رشيد نكاز أعلن ترشحه كمستقل، نتيجة عدم حصول حزبه على اعتماد من السلطة، وكذلك بسبب فشل المعارضة في الوصول إلى مرشح توافقي، خاصة أنه كان من بين مؤيدي هذه الفكرة.
ويسوّق رشيد أفكارَه من خلال برامجه الموجَّهة أساساً إلى خدمة الشباب، على اعتبار أنهم يشكّلون النسبة الأكبر في الشارع الجزائري.
رجل الأعمال الفرنسي من أصل جزائري رشيد نكّاز، يدفع عن السيدات المسلمات غرامات ارتدائهن النقاب في النمسا
.
بارك الله في ماله pic.twitter.com/UHwcvXWmF0— تركي الشلهوب (@TurkiShalhoub) February 6, 2018
وهو يؤكد مكانة الشباب، والحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وتأكيده تجسيد مشروع متكامل قادر على أن يحقق الإصلاح الفعلي للبلد.
إلا أن احتمالات وصوله للسلطة، خاصة أنه واجه عراقيل في أثناء ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة، تطرح تساؤلات عديدة تتعلق بتقبُّل مؤسسة النظام والشعب شخصاً قضى نصف عمره في فرنسا.
"يا أنا يا هو" .. جنرال يتحدى النظام
كما يواجه رشيد منافسةً في ظل وجود اسم ثقيل بالساحة السياسية الحالية، والممثلة في شخص الجنرال المتقاعد علي غديري، الذي اشتغل ما يقارب 42 عاماً في صفوف المؤسسة العسكرية، 15 عاماً منها قضاها مديراً مركزياً للموارد البشرية التابعة للجيش.
ويعد غديري من أبرز الأسماء التي لففت الانتباه في قائمة المرشحين في الانتخابات الرئاسية الجزائرية.
وجذبت تصريحات الجنرال السابق الجريئة الحادة الاهتمام، إذ يرفع شعار ""يا أنا يا هو"، في إشارة إلى الرئيس الجزائري.
ومؤخراً، استنكر علي غديري ما سماه "العقبات" و "الترهيب" خلال عملية جمع التوقيعات اللازمة للترشح.
كما قال: "سنُحدث معجزة في الانتخابات الجزائرية".
إلا أن حدة هذه التصريحات وإعلانه الترشح في هذا الوقت أثارا تساؤلات بشأن من يقف وراءه.
فمن يقف وراءه إذاً؟
تُطرح 3 سيناريوهات لتفسير ترشُّح الجنرال الجزائري المخضرم.
أولها منبثق من تصريحات الجنرال السابق علي غديري، التي قال خلالها إنه مرشح حر يعبر عن إرادته الشخصية، ولا يجسد ترشحه ولاءً لأحد.
بل إن الشعب هو البطاقة الوحيدة التي يراهن عليها للفوز بالانتخابات، حسب قوله.
ويلاحَظ أن الخطوط العريضة لبرنامجه تضع في أولوياتها دعم عملية وتصحيح المسار الديمقراطي والتنموي في البلد.
وهذا وفقاً له من خلال محاربة الفساد السياسي، بالإضافة إلى إضفاء مزيد من الشفافية في معالجة القضايا الأساسية بالبلد، وتوسيع مجال الحريات السياسية والممارسة الديمقراطية.
البعض يقول إنه مرشح رئيس المخابرات السابق، وهذه أدلتهم
في حين يشير السيناريو الثاني إلى أن علي غديري هو مرشح جهاز المخابرات السابق، خاصة في ظل التساؤل الكبير عن مصدر الجرأة والقوة التي يتحدى بها النظام الحالي.
ويردد الجنرال السابق قول "يا أنا يا هو"، ويؤكد أنه لا يخاف من أحد، ولا يخشىترشُّح الرئيس أو عملية تزوير الانتخابات، لأنه في آخر المطاف لم يدخل هذه الانتخابات للخسارة، بل جاء ليفوز باستحقاقات أبريل/نيسان 2019، حسب قوله.
وما يزيد من فرص سيناريو أنه مرشح جهاز المخابرات السابق، وقوف رجل الأعمال ربراب، المحسوب على الجنرال توفيق (رئيس المخابرات الجزائرية الأسبق ورجل الجزائر القوي) مع علي غديري، والتفاف بعض الشخصيات حوله.
وكذلك، الرد العنيف من قِبل رئيس أركان الجيش، القايد صالح، على تصريحات علي غديري، وهو الأمر الذي يعزز مصداقية هذا السيناريو، القائل إن غديري هو ظِل ويد الجنرال توفيق، رئيس جهاز المخابرات السابق.
إذ يُعتقد أن هذا الأخير يسعى إلى استرجاع النفوذ والسلطة التي سُلبت منه بعد عملية إقالته سنة 2015.
وأفاد موقع mondafrique الفرنسي بأن اجتماعاً عُقد بين مقربين للجنرال توفيق وأجهزة الأمن، بالسفارة الأمريكية في باريس، معتبراً أن هذا دليل على أن شبكات توفيق تحاول التأثير في عملية خلافة الرئيس بوتفليقة.
المفاجأة: إنه المرشح التوافقي الحقيقي للنظام
أما السيناريو الثالث والأخير، فهو الأغرب.
إذ يفترض أن علي غديري هو الرجل التوافقي للنظام، حسبما ورد في تقارير إعلامية فرنسية.
وأن ما يُصاغ من معارضة وتهويل إعلامي ضده من قِبل مؤسسة الجيش أو أطراف آخرين هو مجرد تمويهٍ، القصد منه تسليط الضوء على شخصية غديري وإبرازها إعلامياً في وقت قصير، خاصة أنه غير معروف لدى الشعب الجزائري، ومحاولة إظهاره في شكل المعارض السياسي الشرس والمنقذ للدولة الجزائرية.
حسب هذا السيناريو، فإن علي غديري هو مرشح النظام، من أجل زيادة نسبة مشاركة الهيئة الناخبة في استحقاقات أبريل/نيسان 2019، لتبدو صورة الانتخابات أكثر تنافسية وبعيدة عن الروتين الانتخابي المعهود.
ولكن هناك وجهة نظر أكثر جرأة داخل مؤيدي هذا السيناريو من المراقبين الفرنسيين، تزعم أن النظام قد يفاجئنا بفوز غديري على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وليكون الجنرال السابق بمثابة الرجل الذي يمكن أن يُحدث القطيعة مع النظام السابق، ويضمن التوافق بين التيارات السياسية الموجودة، حسب ما صرح به في بعض خطاباته، أو بمعنى آخر، يكون الرجلَ المعبر عن القوى النافذة داخل النظام.
وبصرف النظر عن مدى صحة السيناريو الأخير الذي يبدو صادماً، فإن الانتخابات الجزائرية تبدو مثل جبل الجليد، ما نراه منها فوق السطح أقل كثيراً مما هو مخفي أسفله.
ولكن دراما الانتخابات الجزائرية أبطالها ليسوا بالضرورة من الجزائريين.
إذ تظل العوامل الدولية لاعباً مؤثراً في مشهد الانتخابات الجزائرية لتزيده غموضاً على غموض.
القوى العظمى.. لاعب صوته غير مسموع ولكنه مؤثر
لا يمكن الحديث عن الانتخابات الرئاسية الجزائرية بمنأى عن محيطها الدولي.
فجغرافيا واستراتيجية موقع الجزائر يجعلانها نقطة تلاقٍ، وأحياناً تدافع للمصالح الغربية والدولية.
بالإضافة أن طبيعة علاقاتها السياسية والاقتصادية منذ الاستقلال مكنتها أن تكون فاعلاً أساسياً في المنطقة، وأيضاً محطة اهتمام للقوى الدولية الكبرى.
فاستقرار الجزائر اليوم يعني استقرار دول المنطقة، وخاصة دول جنوب المتوسط، الأمر الذي يهم الغرب عامة، وأوروبا خاصة.
أمريكا.. لقاء سري مع الجنرال الغامض وآخر علني مع المرشح الإسلامي
وفي هذا الصدد، تشير بعض المعلومات إلى أن دولاً كبرى تجري مباحثات مع عدة مرشحين، على غرار ما أشار إليه (نيكولاس.ب) في صحيفة موند دافريك mondafrique الفرنسية.
إذ قال نيكولاس إن المرشح المستقل علي الغديري، ورئيس الوزراء الأسبق عبدالمالك سلال جمعهما لقاء سري مع أجهزة الأمن الأمريكية في فرنسا، داخل أسوار سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.
من جهة أخرى، قام السفير الأمريكي بالجزائر بإجراء لقاء مع عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم في الجزائر، من أجل تقييم الوضع القائم في الانتخابات.
كما استقبل مقري سفير المملكة المتحدة باري روبرت لوين، من أجل التباحث في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والدولية.
فالولايات المتحدة تريد أن تضمن النفط
كما قام المرشح السابق لحزب طلائع الحريات علي بن فليس، بلقاء مع السفير الأمريكي في الجزائر.
وأشار البيان الصادر عن الحزب أن المباحثات لم تتعدَّ الحديث عن الوضع القائم، وآفاق شراكة اقتصادية جزائرية أمريكية طويلة الأجل، قائمة على أسس المصلحة المشتركة.
وحسب بيان صادر يوم 28 يناير/كانون الثاني 2019، اجتمع علي بن فليس مع سفير المملكة المتحدة في الجزائر، لمناقشة ضبابية المشهد السياسي الذي يعتري انتخابات الرئاسة.
وشرح بن فليس الخطوط العريضة لبرنامج حزبه، وآفاق التعاون المستقبلي بين المملكة المتحدة والجزائر.
وتسعى الولايات المتحدة إلى ربط علاقاتها مع الأحزاب والشخصيات الثقيلة في الساحة السياسية الجزائرية، بغية ضمان مصالحها والحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية، خاصة أن العديد من الشركات النفطية التابعة لها مازالت تعمل في الجزائر.
فرنسا.. هل صوتها للرئيس أم غيَّرت رأيها؟ شقيقه يجسّ النبض
أما فرنسا، وبالرغم من تخبط قيادتها في العديد من المشاكل الاجتماعية، خصوصاً بعد حركة السترات الصفراء، فهي لم تُهمل دورَها الإقليمي في المنطقة، وخصوصاً الجزائر.
إذ إن استحقاقات 2019 تعتبر حدثاً مهماً مرتبطاً بمستقبل المصالح الفرنسية في الجزائر.
وقال مستشار الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، دحمان عبدالرحمن، إن باريس لن تتخلى عن بوتفليقة، في إشارة منه أن مصالح حكومة ماكرون مرتبطة ببقاء النظام القائم.
ولكن اللافت ما ذكره الدبلوماسي الجزائري السابق محمد عربي زيتوت، أن سعيد بوتفليقة توجه إلى فرنسا من أجل جسّ نبض الموقف الفرنسي الغامض تجاه الانتخابات الرئاسية القادمة في الجزائر.
ويظل هذا الرجل هو البديل الأقوى لبوتفليقة
ورغم تعدد المرشحين والسيناريوهات، في ظل الغموض الذي يحيط بالمشهد الرئاسي الجزائري، فإن المرشح الأقوى في مواجهة بوتفليقة يظل هو الجنرال علي غديري.
ويرى البعض أنه قد يُفجّر مفاجأة، ويصبح الرئيس القادم للجزائر، حتى في حال ترشح بوتفليقة.
فالجنرال الغامض يمكن أن يكون بالنسبة لمن يقف وراءه، بمثابة الرجل الذي يعطي انطباعاً بأنه سيُحدث قطيعة مع مشكلات النظام السابق، ويضمن التوافق بين التيارات السياسية الموجودة، بحسب ما صرح به شخصياً في العديد من خطاباته.
ولكن حتى مع تزايد احتمالات هذا السيناريو، يظل جبل جليد السياسة الجزائرية عصياً على المستكشفين، مهما حاولوا سبر أغواره.