هل ستُعاقب السعودية دولياً على قتل خاشقجي بعد تحقيق الأمم المتحدة؟ نعم، لكن في حالة واحدة!

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/31 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 18:12 بتوقيت غرينتش
مقتل خاشقجي ألب الكونغرس ضد دور السعودية في حرب اليمن

لن يضع التحقيق التابع للأمم المتحدة في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي أياً من قتلته على الفور خلف القضبان، لكنَّه ربما يكون نقطة البداية لعملية قد تقود إلى فرض عقوبات وبدء محاكمة جنائية دولية، وذلك بحسب ما صرَّح به خبراء قانونيون لموقع Middle East Eye البريطاني.

بدأ أول تحقيق مستقل في موت خاشقجي هذا الأسبوع مع وصول فريقٍ أممي مكون من ثلاثة أفراد إلى تركيا. ويأتي هذا التحقيق بعد أكثر من ثلاثة أشهر من اغتيال خاشقجي وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

وقال خبراء للموقع إنَّه في حين يحظى السعوديون رفيعو المستوى بالحماية بفضل علاقات التمويل التي تربط الدولة المُصدِّرة للنفط بكلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا، قد يكون تحقيق الأمم المتحدة مزعجاً، بل وحتى خطيراً، بالنسبة لأولئك الذين يقفون خلف عملية الاغتيال.

ما معنى أن تحال القضية لمحقق "جنائي"؟

يقول ريتشارد ديكر، وهو محامي حقوقي دولي، إنَّ تحقيق الأمم المتحدة، الذي تقوده مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء أغنيس كالامارد، قد يكون إحدى اللبِنات الأولى التي تقود في نهاية المطاف إلى مثول قتلة خاشقجي أمام المحكمة.

وأضاف ديكر للموقع: "تحقيق كالامارد ليس تحقيقاً جنائياً، بل مهمة لتقصّي الحقائق، ومعايير عبء الإثبات فيه مختلفة. لكن إذا ما أُحِيل تقريرها إلى محققٍ جنائي، قد يكون مُساعِداً للغاية في إقامة الدليل لتقديم دعوى جنائية".  

ووصلت كالامارد إلى تركيا يوم الإثنين 28 يناير/كانون الثاني كي تبدأ مهمتها التي تستمر أسبوعاً.

وصرَّحت لوكالة رويترز في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع بأنَّها ستُقيِّم ملابسات الجريمة، و"طبيعة ونطاق مسؤوليات الدول والأفراد في عملية القتل"، وتُقدِّم تقريراً لمجلس حقوق الإنسان بجنيف في يونيو/حزيران المقبل.

وانضم إلى المقررة الخاصة كلٌّ من هيلينا كينيدي، وهي محامية بريطانية كبيرة وعضوة بمجلس اللوردات البريطاني، ودوارتي نونو فييرا، وهو خبير في علم الأمراض والطب الشرعي وأستاذ بجامعة قلمرية في البرتغال.

السعوديون لم يردّوا بعد

ومنذ وصول كالامارد إلى تركيا، التقت وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو والمدعين الأتراك. وصرَّحت للصحفيين، أمس الثلاثاء 29 يناير/كانون الثاني، بأنَّها طلبت من السعودية دخول القنصلية ومقابلة المسؤولين السعوديين، لكنَّها لا تزال تنتظر رداً.

ولا يعرف ما إن كانت كالامارد استمعت إلى التسجيلات الصوتية الموجودة في حوزة تركيا لموت خاشقجي أم لا، وكانت تركيا شاركت هذه التسجيلات مع مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) جينا هاسبل، وكذلك مسؤولين من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا.

وتفيد تقارير بأنَّ التسجيلات تتضمَّن عملية القتل نفسها، وتُظهِر بشكل واضح سعود القحطاني، أحد كبار مساعدي الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية محمد بن سلمان. وقادت تسجيلات أخرى، تعود إلى ما قبل عملية القتل، أنقرة إلى الوصول مبكراً إلى استنتاجٍ بأنَّ عملية القتل كانت مُدبَّرة مسبقاً، على الرغم من نفي الرياض.

وقادت التسجيلات والأدلة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى الاستنتاج، بدرجة عالية من الثقة، أنَّ الأمير محمد بن سلمان أَمَرَ باغتيال خاشقجي. وأشارت المصادر التركية إلى ضلوع القحطاني في إدارة العملية من مكتب الأمير، وضلوع نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد العسيري بالموافقة على عملية القتل.

وغرَّد كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، على حسابه بتويتر قائلاً: "وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقول إنَّ لديها الدليل (الذي على ما يبدو يتمثَّل في الاتصالات المُعتَرَضة) الذي يظهر أنَّ ولي العهد السعودي أَمَرَ بقتل جمال خاشقجي. حان الوقت لتسليم هذا الدليل لمُحقِّقة الأمم المتحدة في عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، الموجودة الآن في تركيا".

ونفى المسؤولون السعوديون مراراً تورّط محمد بن سلمان، وتحدَّثوا عن "عملية مارقة" نُفِّذَت دون علمه. وأُقِيل القحطاني والعسيري منذ ذلك الحين من منصبيهما، ويخضع 11 مُتهماً مجهولي الهوية للمحاكمة بتهمة ارتكاب الجريمة أمام محكمةٍ سعودية.

لكنَّ المجتمع الدولي شكَّك في مصداقية المحاكمة التي تجريها الرياض، وتكهَّن البعض بأنَّ أولئك المشتبه بهم هم شخصيات رفيعة المستوى لدرجة أنَّهم ليس ممكناً أن يعملوا إلا لصالح ولي العهد.

إجبار مجلس الأمن على التحرك

وقال لويس شاربونو، مدير قسم الأمم المتحدة بمنظمة هيومن رايتس ووتش، إنَّ تقرير كالامارد قد يضع خاتم الأمم المتحدة على هذه النظريات والتقارير الإعلامية، ويجبر أجهزة الأمم المتحدة الأكثر ثقلاً، مثل الجمعية العامة ومجلس الأمن، إلى التحرك.

وصرَّح شاربونو للموقع قائلاً: "السيناريو الأفضل هو أن تعود بتقريرٍ شديد اللهجة يُحدِّد أسماءً، أسماء مَن قام بالعملية ومَن أَمَرَ بها. وسيكون من المفيد وجود توصيات لمحاسبة المسؤولين".

محاكمات حقيقية؟

في الماضي، أطلقت المستويات العليا في منظومة الأمم المتحدة تحقيقاتٍ في اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو، ونظيرها اللبناني رفيق الحريري. ويملك مجلس الأمن سلطة إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وأضاف شاربونو: "على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة المطالبة بالمساءلة، والعقوبات الفردية، والمحاكمات، محاكمات حقيقية بدلاً من المحاكمات الصورية التي تهدف للتستُّر على تورُّط قادة سعوديين كبار".

وبعيداً عن منظومة الأمم المتحدة، يقول ديكر إنَّ أدلة كالامارد يمكن أن تدعم قضيةً ما في إحدى الدول التي يوجد بها نظام ولاية قضائية عالمية تسمح للمُدَّعين في أستراليا وألمانيا والسويد ودول أخرى بالملاحقة القضائية في الجرائم المرتكبة خارج تلك الدول.

وحاولت منظمة هيومن رايتس ووتش القيام بتلك المناورة، فطلبت من الأرجنتين استخدام مادة متعلقة بجرائم الحرب في دستورها للتحقيق في دور محمد بن سلمان في عملية القتل، ولو أنَّ ذلك لم يمنع الأمير السعودي من حضور قمة مجموع العشرين في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ما مدى قوة تحقيق الأمم المتحدة؟

إلى ذلك، أشار آخرون إلى احتمالية ضعف التحقيق. فلا يمكن لمُقرِّري الأمم المتحدة إصدار مذكرات استدعاء، أو إجبار الدول على الامتثال لتحقيقهم، وهم يعملون بصورة مستقلة عن بقية منظومة الأمم المتحدة. وتعتمد كالامارد إلى حدٍ كبير على أنقرة، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وغيرها من الأطراف التي تشارك الأدلة الموجودة لديها مع المُقرِّرة الأممية.

وغرَّد شاربونو على حسابه بتويتر قائلاً: "على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تشجيع تركيا بفعالية على طلب تحقيقٍ أممي كامل في قتل السعودية لجمال خاشقجي، تحقيقٍ يطلقه الأمين العام بنفسه. وعلى تركيا تقديم طلب دون تأخير. أمَّا الخيارات الأخرى فسيكون من السهل على السعوديين رفضها".

وفضلاً عن ذلك، يُعَد مُقرِّرو الأمم المتحدة عُرضة لادعاءات التحيُّز. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سارع سياسيون بالحكومة البريطانية إلى شجب تقريرٍ لاذع عن حملة التقشف البريطانية "العقابية النزقة" أعدّه مقرر الأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع فيليب ألستون، بسبب لغة التقرير "السياسية غير الاعتيادية".

ويُلقي المحللون كذلك بظلالٍ من الشك على استعداد المجتمع الدولي في مواصلة دعوى جنائية بحق السعوديين، بالنظر إلى ثروة السعوديين النفطية، ومشترياتهم التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات من الأسلحة، ودورهم القيادي بين الدول العربية.

ليست الغاية، بل وسيلة للوصول إلى الغاية!

قالت شيرين تادرس، رئيسة مكتب منظمة العفو الدولية بالأمم المتحدة، للموقع: "هذه التحقيقيات ليست تحقيقاتٍ جنائية، بل تقارير بشأن ما حدث. نحن بحاجة إلى الإرادة السياسة لاتباع توصيات تلك التقارير". وأضافت: "إنَّها ليست غاية، بل وسيلة للوصول إلى غاية".

وعبَّر السفراء بالأمم المتحدة عن ترددهم في المضي قدماً في التحقيق هذا الأسبوع. فصرَّح السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر للموقع بأنَّ القضية "حساسة للغاية"، وأنَّه "من المبكر للغاية القول" كيف ستستجيب باريس.

وتحدث المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن دعمه للتحقيق، في حين نأى كذلك برئيسه عن كولامارد، قائلاً إنَّها "تعمل بموجب تفويضٍ مستقلٍ تماماً عن الأمين العام".

ومع أنَّ العديد من السياسيين الأمريكيين الكبار طالبوا بمحاسبة ابن سلمان وصاغوا قوانين ضد الحرب التي تشنها الرياض في اليمن، دعمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بثباتٍ الأمير السعودي.

وفي ظل كل هذا، قالت تادرس إنَّ الأمر سيكون منوطاً بغوتيريش لاتخاذ موقفٍ مبدئي. وصرَّحت للموقع: "لا بديل عن تحقيقٍ كامل يجريه الأمين العام للأمم المتحدة. إنَّنا نتعامل مع السعودية، الدولة القوية للغاية، ونحتاج إلى قوة الأمين العام خلف هذا الأمر إن كنا سنقف على الحقائق ونخلص إلى أي صورةٍ من العدالة".

تحميل المزيد