من السر إلى العلن.. ما وراء «شجاعة» إسرائيل بالاعتراف بقصف قواعد عسكرية في سوريا

تم النشر: 2019/01/21 الساعة 15:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/01 الساعة 22:08 بتوقيت غرينتش
هل يجازف نتنياهو بأمن إسرائيل لأجل الفوز بالانتخابات القادمة؟

لم يكن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الإثنين 21 يناير/كانون الثاني، عن استهداف إسرائيل لمواقع عسكرية إيرانية في سوريا مجرد إعلان عابر، إذ يعتبر ذلك أول تصريح رسمي إسرائيلي باستهداف مواقع في سوريا.

إذ تجنّبت تل أبيب تبنّي العمليات والغارات التي تتهم بشنّها على أهداف في سوريا خلال السنوات الـ7 الأخيرة، إلا مرة واحدة وعلى "استحياء" في مارس/ أذار 2017، حينما أعلنت مسؤوليتها عن استهداف قافلة عسكرية تابعة لـ"حزب الله"، قبل أن ترد دمشق بصاروخ "إس200" الروسي المضاد للطائرات في تصديه للطائرات الإسرائيلية.

اعترفت إسرائيل حينها "مضطرة" بذلك، وذلك بعد اعتراض المضادات الأرضية السورية لطائراتها الحربية، وانطلاق صفارات الإنذار في بلدات عدة بمنطقة الجليل وفي غور الأردن والقدس المحتلة.

لكن هذه المرة، صعّدت تل أبيب من خطابها "الجريء" بل وهددت إيران والنظام السوري بمواجهة كبيرة إذا ما فكرت بإيذاء إسرائيل أو استمرت بتهديداتها"، معلنة أنها "تعمل في سوريا ضد كل من طهران والقوات السورية".

هذا التبني الجريء والعلني، يستدعي بعض الأسئلة، حول توقيت الإعلان، ولماذا الآن؟ وعن إذا ما سيتحوّل التدخل الإسرائيلي في سوريا إلى صراع كبير، تورط تل أبيب نفسها فيه من حيث لا تحتسب؟ سنحاول معرفة ذلك في هذا التقرير.

إيران تحتل المركز الأول في تهديد إسرائيل

اعتبر تقرير صدر عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي حول التحديات الأمنية والعسكرية بالنسبة لها عام 2019 في تقرير طويل ومفصل، صدر يوم الخميس 17 يناير/كانون الثاني، أن إيران هي الأولى على سلّم الخطورة بالنسبة لإسرائيل.

وبحسب التقرير السنوي الصادر عن المركز، والذي شارك في إعداده عدد كبير من الباحثين برئاسة الجنرال عاموس يادلين، مدير المركز والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية، فإنه من المحتمل جداً أن توجه تل أبيب ضربات عسكرية كبيرة لإيران في سوريا ولبنان.

لكن وفي الوقت نفسه، لم يخف التقرير المخاطر الجمّة للتصعيد إسرائيل الكبير في سوريا، إذ لفت إلى أن العوائد الإيجابية التي تنطوي عليها استراتيجية استهداف الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ومحاولة إحباط قدرة طهران على بناء قوة عسكرية هناك، لا تبرر المخاطر الجمة التي تنطوي عليها.

إذ أن نظام بشار الأسد بدأ بالاستقرار بالفعل، كما أن حصوله على أسلحة روسية نوعية إلى جانب القيود التي تفرضها موسكو، مستدركاً في الوقت نفسه أن إيران أحدثت تحولاً على سلم أولوياتها الإقليمية، فقد باتت تكثف الجهود الهادفة إلى تمكين "حزب الله" من الحصول على سلاح نوعي، مشدداً على أن قدرات الحزب التسليحية تثير القلق.

وهذا بالفعل ما يفاقم المخاطر بالنسبة لتل أبيب ويجعلها في حالة تصعيد مستمر بالجبهة الشمالية، إذ يرى التقرير حقيقة أن "حزب الله" قد حصل على صواريخ أرض بحر طويلة المدى وذات دقة عالية، إلى جانب أنه قد حسّن من قدرات منظومات الدفاع الجوي التي بحوزته.

التوصيات الأمنية تترجم مباشرة على الأرض

توصيات التقرير الأمني الإسرائيلي التي دعت في نهايته إلى مواصلة العمل على منع وصول السلاح المتطور إلى "حزب الله"، يبدو أنها لاقت آذاناً صاغية لدى حكومة تل أبيب، وبشكل سريع تم ترجمتها على الأرض الواقع بالضربات الأخيرة وتبينها بشكل واضح وصارم.

إذ حث التقرير صناع القرار على الاستعداد لشن عمل عسكري لإفشال مشروع إنتاج الصواريخ ذات الدقة العالية، وتوجيه ضربة قوية للمنظومة التكنولوجية التي دشنتها إيران في سوريا ولبنان لتحقيق هذا الغرض.

وتوّج التقرير توصياته هذه، بضرورة أن تعلن إسرائيل "بشكل لا يقبل التأويل" أنها ستستهدف كل ما يهددها، ويمس وجودها وأراضيها، سواء أكان ذلك الخطر في سوريا أو لبنان.

لكن هل هذا هو السبب الوحيد لهذا الإعلان "الجريء" والتصعيد الكبير ضد طهران في سوريا؟

موعد الانتخابات الحاسمة يقترب أيضاً

ربما يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أسوأ أيامه في الحكم، وسط تحديات ثقيلة داخلية بعد موجة حادة من التحقيقات بالفساد تلاحقه، واضطرابات الحكومة التي تعاني من التفكك بل استقالة وزراء أبرزهم ليبرمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقرب موعد الانتخابات التي ستجري في التاسع من أبريل/نيسان، والتي ستحسم مستقبل بقاء نتنياهو في السلطة.

ويبدو أن حاجة نتنياهو الحالية إلى الدعم، سواء الشعبي أو من الجيش وضباطه، تجعله يقدم على خطوات كبيرة وربما مفاجئة، أملاً في حسم نتائج الانتخابات القادمة لصالحه.

إذ يرى محللون إسرائيليون، أن رئيس الوزراء ومسؤولين آخرين يهدفون إلى تعزيز مصداقية نتنياهو على المستوى الأمني مع اقتراب الانتخابات، لكن إسرائيل ربما تواجه بذلك خطر الدخول في تصعيد عسكري مع سوريا وإيران، وكذلك إغضاب روسيا التي تدعم نظام الرئيس بشار الأسد.

نتنياهو يعاني بالطبع من حساسية كبيرة في الداخل، ويحاول إمساك العصا من الوسط والموازنة بين حسمه الرهان الانتخابي بهذه الأعمال، وعدم تورطه بحرب تدمره سياسياً بدل أن تنقذه.

فإذا حدث تصعيد عسكري جديد على الجبهة الشمالية، بشكل متزامن مع موعد الانتخابات، فإن خصوم رئيس الوزراء سيثورون عليه ويهتمونه بجلب الأضرار للجبهة الداخلية في وقت غير متوقع، وأنه يثير أزمات ربما تتحول لحروب، لكي يفوز في الانتخابات ويحقق نجاحه الشخصي.

وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية، حذّرت مؤخراً من ميل متزايد في تقديم الجيش الإسرائيلي على أنه ضعيف وانهزامي، وإمكانية أن يؤدي كل هذا إلى تقويض ثقة الجمهور في جيش الإسرائيلي، خصيصاً في حال ورط نتنياهو البلاد في حرب لا يعلم عقباها.

الضوء الأخضر الأمريكي

تستغل تل أبيب علانية ضرباتها على سوريا في ظل وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعد أكثر رئيس أمريكي داعم لإسرائيل ومستعد لفعل الكثير لأجلها، خصيصاً بعد اعترافه بالقدس عاصمة لها ونقل للسفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

ليس هذا فحسب، فلقد ألغى الرئيس المثير للجدل الاتفاق النووي الذي كان سلفه باراك أوباما قد عقده مع طهران برفقة الشركاء الأوروبيين، وقام بفرض عقوبات كبيرة عليها جعلت الاقتصاد الإيراني في أضعف حالاته، وذلك لإرضاء إسرائيل والتأكد من حمايتها من الأخطار الإيرانية.

قبل أيام قليلة فقط، وعقب قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا، أكد وزير خارجيته مايك بومبيو، أن الولايات المتحدة ستواصل التعاون مع إسرائيل بشأن سوريا ومواجهة إيران في الشرق الأوسط، على الرغم من خطط الانسحاب، في محاولة لتبديد مخاوف إسرائيل من ترك واشنطن لها وحيدة أمام طهران وحلفائها.

وفي تعقيب على كلام بومبيو، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقول إنه يعتزم بحث كيفية تعزيز التعاون الأمريكي الإسرائيلي في مجالي المخابرات والعمليات العسكرية في سوريا ومناطق أخرى، للتصدي "للعدوان" الإيراني، الأمر الذي لا يحتاج لتفسير في أن واشنطن تدعم تل أبيب بقوة في عملية عسكرية تستهدف أهدافاً إيرانية في سوريا.

تحميل المزيد