نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية كواليس قرار فريق المحقق الأمريكي روبرت مولر الذي نشره موقع BuzzFeed حول علاقة الرئيس دونالد ترامب بمحاميه السابق مايكل كوهين.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إنه حين حاول مراسل موقع BuzzFeed الحصول على تعليقٍ على التقرير المدوِّي الذي ذكر فيه أنَّ ترامب أمر مايكل كوهين محاميه السابق بالكذب على الكونغرس، تعامل روبرت كار المتحدث باسم المحقق الخاص روبرت مولر مع هذا السؤال كما يتعامل مع أي سؤالٍ ببرود شديد.
هل أمر ترامب محاميه حقاً
وقال المراسل لكار إنَّه وأحد زملائه لديهما "خبرٌ يقول إنَّ الرئيس الأمريكي شخصياً أمر كوهين بالكذب على الكونغرس بشأن مشروع ترامب في موسكو"، وفقاً لنسخٍ من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهما قدَّمها متحدثٌ باسم موقع BuzzFeed. والأهم من ذلك أنَّ المراسل لم يُشِر إلى مكتب المحقق الخاص روبرت مولر على وجه التحديد، ولا إلى دليلٍ كشفه محققو مولر.
وقال كار حينئذٍ: "نرفض التعليق". وهي إجابةٌ مألوفة للعاملين في مجال الإعلام الذي يغطون عمل مولر.
لكنَّ هذا الحوار الهادئ أعطى فكرةً خاطئة عن الفوضى التي سيُحدِثها لاحقاً. فحين نشر موقع BuzzFeed الخبر بعد ذلك بساعات، قال أشخاصٌ مُطَّلعون على المسألة إنَّ الخبر تجاوز انطباع كار المبدئي بكثير. إذ زعم التقرير أنَّ كوهين محامي ترامب السابق، الذي يصف نفسه بأنَّه مهندس صفقاته السياسية، قال "للمحقق الخاص إنَّ الرئيس الأمريكي أمره شخصياً بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة بالكذب" وأنَّ مكتب مولر عرف بشأن ذلك "عبر لقاءاتٍ شخصية مع عدة شهود عيان من شركة Trump Organization ومن خلال الاطلاع على رسائل بريدية إلكترونية داخلية ورسائل نصية وعدة وثائق أخرى داخلية خاصة بالشركة".
مولر ينشر تكذيباً!
لكنَّ مكتب المحقق الخاص يرى أنَّ ذلك غير صحيح، وفقاً لما ذكره شخصان على درايةٍ بالمسألة رفضا الكشف عن اسميهما لمناقشة مداولاتٍ داخلية. وفي ظل زيادة احتمالية إدانة ترامب وعزله على يد الديمقراطيين، بدأ فريق مولر في مناقشة خطوةٍ لم يتخذها من قبل: وهي نشر تكذيبٍ لصحة ما نشره هذا التقرير عن الأدلة التي توصَّل إليها المكتب في التحقيقات الجارية.
وفي غضون 24 ساعة من صدور التقرير، نشر مكتب المحقق الخاص بياناً يُكذِّب فيه صحة الخبر. وأشار ترامب، الذي يصف وسائل الإعلام بأنَّها "عدوة الشعب"، يوم أمس السبت 19 يناير/كانون الثاني إلى بيان مولر على أنَّه دليلٌ على ما يراه تحيزاً يمارسه الصحفيون ضده.
وقال ترامب يوم أمس: "أعتقد أنَّ الخبر الذي نشره موقع BuzzFeed وصمة عار على جبين بلدنا. لقد كان وصمة عار على جبين الصحافة، وأعتقد أيضاً أنَّ تغطية معظم وسائل الإعلام كانت شائنة، وأظن أنَّ استعادة وسائل الإعلام مصداقيتها ستستغرق وقتاً طويلاً. لقد فقدت قدراً هائلاً من مصداقيتها، وصدِّقوني، هذا يؤلمني حين أراه".
بيد أنَّ موقع BuzzFeed أصرَّ على صحة الخبر الذي نشره.
إذ قال مات ماتنثال، المتحدث الرسمي باسم الموقع: "بينما أعدنا التأكد من صحة تقريرنا، لم نر أيَّ مؤشرٍ على أنَّ أيَّ جانبٍ محدد من خبرنا غير دقيق. ما زلنا واثقين في صحة ما نشرناه، وسننشر ما نعرفه قدر الإمكان".
وقال أشخاصٌ مطلعون على الأمر إنَّ كار قال لموظفين آخرين في الحكومة إنَّه كان سيمنع الصحفيين من نشر الخبر لو كان يعرف ما يتضمنه، وأنَّه يزعم بأنَّ كوهين أخبر المحقق الخاص بأنَّ ترامب أمره بالكذب، أو أنَّه يدَّعي أنَّ المحقق الخاص عرف ذلك من خلال مقابلات مع شهود عيان من منظمة ترامب ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية الداخية الخاصة بالشركة.
ورفض كار التعليق على الخبر بغير ما ذُكِر في بيان مكتب المحقق الخاص الذي صدر يوم الجمعة 18 يناير/كانون الثاني.
الموقع الأمريكي مصر على موقفه
وبعدما رفض كار التعليق على سؤال مُراسل BuzzFeed، وقبل نشر الخبر، أرسل إلى المراسل جيسون ليوبولد نسخةً جزئية من جلسة استماع كوهين، التي اعترف فيها بالكذب على الكونغرس بشأن توقيت المناقشات المتعلقة بمشروع برج ترامب المحتمل في موسكو، وفقاً لنسخةٍ من رسائل البريد الإلكتروني قدَّمها المتحدث باسم موقع BuzzFeed. إذ ادَّعى كوهين زوراً أنَّ مساعي الشركة لبناء البرج انتهت في يناير/كانون الثاني من عام 2016، في حين أنَّها استمرت في الواقع حتى شهر يونيو/حزيران من العام نفسه، في الوقت الذي فاز فيه ترامب بترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة.
وقال كوهين في جلسة استماعه في أواخر العام الماضي 2018، مستخدماً مصطلح "الفرد 1" للإشارة إلى ترامب: "لقد أطلقتُ هذه الأكاذيب للتماشي مع التصريحات السياسية للفرد 1 وبدافع الولاء له".
وقال أشخاصٌ مطلعون على الأمر إنَّ كار كان يأمل أن يلاحظ ليوبولد أنَّ كوهين لم يقل أثناء جلسة الاستماع إنَّ ترامب أمره صراحةً بالكذب. لكنَّ ليوبولد، الذي شارك في كتابة القصة مع المراسل الصحفي أنتوني كورمييه، قال لكار إنَّه لن يأخذ أي ملاحظاتٍ من نسخة جلسة الاستماع، ووافقه كار.
إذ كتب ليوبولد لكار: "لن أقرأ ما أرسلته، أظنَّك أرسلته من باب الاطلاع ومشاركة المعلومات". فأجابه كار: "أجل، كنت أشارك معك المعلومات فقط".
وقال شخصٌ داخل شركة ترامب إنَّ مراسل BuzzFeed تحدَّث أيضاً إلى أحد محاميِّ الشركة قبل ساعاتٍ من نشر الخبر، وحُذِّر من أنَّ الخبر خاطئ، ويجب أن يخضع لمزيدٍ من التدقيق. بينما قال ميتنثال: "نثق في مصادرنا أكثر ممَّا نثق في المنظمة التي ما زالت تديرها عائلة دونالد ترامب. فهذه المنظمة متورطة تورُّطاً مباشراً في الادعاءات المتعلقة بمشروع برج ترامب في موسكو، ورَفَضت التحدث علانيةً عن الخبر الذي نشرناه".
وبحسب الصحيفة الأمريكية، كانت اللغة التي استخدمها كوهين وممثلوه في المحكمة غامضة. وقد اعترف كوهين بالذنب في قضيتين: إحداهما الكذب على الكونغرس بشأن مشروع موسكو، والأخرى تتعلق بانتهاكاتٍ مالية، تمثَّلت في استغلال تمويل الحملة الانتخابية في دفع رشاوى لإسكات النساء اللواتي زعمن أنَّهن أقمن علاقاتٍ مع ترامب.
قصة تمويل حملة ترامب
وبينما لم يقل كوهين ولا ممثلوه صراحةً إنَّ ترامب أمره بالكذب على الكونغرس، كتب غاي بيتريلو محامي كوهين في مذكرةٍ قبل صدور الحكم: "نتناول قضيتي تمويل الحملة والادعاءات الكاذبة معاً لأنَّ كلتيهما نتجتا عن ولاء مايكل الشديد للعميل 1. ففي كلتا القضيتين، كان الهدف من التصرُّف هو فائدة العميل 1، وفقاً لتوجيهات العميل 1". جديرٌ بالذكر أنَّ مصطلح العميل 1 يشير إلى ترامب.
ومن غير الواضح بالضبط ما "التوجيهات" التي أشار إليها، مع أنَّه لم يذكر في أي مكانٍ آخر في المذكرة أنَّ ترامب أصدر توجيهاتٍ صريحة إلى كوهين بالكذب على الكونغرس. وكتب أنَّ كوهين كان "على اتصالٍ وثيق ومنتظم مع موظفين مقيمين في البيت الأبيض والمستشار القانوني للعميل 1″ في أثناء الإعداد لشهادته، و"عرف على وجه التحديد.. أنَّ العميل 1 والمتحدثين باسمه كانوا يسعون إلى تصوير الاتصالات مع الممثلين الروس بأي شكلٍ من جانب العميل 1 أو حملته الانتخابية أو شركة ترامب على أنَّها انتهت فعلياً قبل انطلاق الانتخابات التمهيدية الأمريكية بولاية آيوا في 1 فبراير/شباط من عام 2016".
وقال أشخاصٌ على دراية بالأمر إنَّه بعدما نشر موقع BuzzFeed تقريره، الذي نُسِب إلى "اثنين من مسؤولي إنفاذ القانون الفيدراليين المشاركين في التحقيق في القضية"، راجع مكتب المحقق الخاص الأدلة لتحديد ما إذا كانت هناك أي وثائق أو مقابلات مع شهود عيان مثل تلك الموصوفة في التقرير، للوصول إلى أولئك الذين يعتقدون أنَّهم قد يكون لهم مصلحةٌ في القضية.
لكنَّهم لم يجدوا شيئاً، وفقاً لما ذكره أولئك الأشخاص، مضيفين أنَّ هذا هو السبب في أنَّ نشر تكذيبٍ علني من جانب مكتب مولر استغرق نحو يومٍ كامل. وفي هذه الأثناء، سارعت قنواتٌ تلفزيونية إخبارية ومؤسسات إعلامية أخرى، بما في ذلك صحيفة The Washington Post الأمريكية، بتحليل التداعيات المحتملة لذلك الخبر، حتى في الوقت الذي لم يتمكن فيه مراسلوها من تأكيده على نحوٍ مستقل.
مناقشة التكذيب داخلياً
وفي حديثه عن فشل المحقق الخاص في العثور على سَنَدٍ للخبر، قال ميتنثال، المتحدث باسم موقع BuzzFeed: "مصادرنا رفيعة المستوى في جهات إنفاذ القانون، التي ساعدتنا في تأكيد التقارير الصحيحة التي نُشِرت على مرِّ عدة أشهر حول صفقة برج ترامب في موسكو وتداعياتها، أخبرتنا بخلاف ذلك. ننتظر مزيداً من التوضيح من جانب المحقق الخاص في المستقبل القريب".
وقال شخصان على درايةٍ بالأمر إنَّ المحامين في مكتب المحقق الخاص ناقشوا بيان التكذيب داخلياً طوال اليوم، بدلاً من التشاور مع قادة وزارة العدل. وفي المراحل المتقدمة من تلك المناقشات، استفسر مكتب نائب المدعي العام عمَّا إذا كان المحقق الخاص يعتزم الرد، فأُبلغ بأنَّه يجري إعداد بيان، وفقاً لما ذكره الشخصان.
وفي الساعة 7:30 مساءً تقريباً، وزَّع كار بيان التكذيب على عديدٍ من وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.
وجاء في بيان التكذيب: "وصف موقع BuzzFeed لتصريحاتٍ معينة قيلت لمكتب المحقق الخاص، ووصف بعض الوثائق والشهادات التي حصل عليها هذا المكتب بشأن شهادة مايكل كوهين أمام الكونغرس، يتسم بعدم الدقة".
وقال أشخاصٌ مطلعون على الأمر إنَّ مكتب المحقق الخاص أراد لهذا البيان أن يكون تكذيباً للافتراضات الأساسية التي ذُكِرَت في خبر موقع BuzzFeed، لا سيما تلك التي أشارت إلى ما قاله كوهين للمحقق الخاص، وماهية الأدلة التي جمعها المحقق.
ومع ذلك، أكَّد موقع BuzzFeed أنَّ لغة البيان لم تكن محددةً بشأن النقاط المُتنازع عليها.
وقال بن سميث رئيس تحرير الموقع: "نُصِرُّ على صحة تقريرنا والمصادر التي أخبرتنا به، ونُطالِب المحقق الخاص بتوضيح ما يعترض عليه بالضبط في تقريرنا".
ولم يتطرق كوهين إلى تقرير موقع BuzzFeed، وأوضح الموقع أنَّ كوهين ليس من بين المصادر التي أخبرت الموقع بالمعلومات المنشورة. وقال لاني ديفيس، مستشار الشؤون القانونية والاتصالات لدى كوهين، قبل إصدار بيان المحقق الخاص: "من منطلق احترام تحقيقات السيد مولر ومكتب المحقق الخاص، رفضتُ أنا والسيد كوهين الإجابة على أسئلة الصحفيين". ورفض التحدُّث عن القضية بعد البيان الذي أصدره مكتب المحقق الخاص.
ورفض كوهين التعليق يوم أمس.