كان محمد قصاف (32 عاماً) في خيمته مع أطفاله الأربعة عندما هبَّت العاصفة. فاض النهر خارج مُخيَّم حور للاجئين، فتسرَّبت مياه الأمطار والصرف الصحي من خلال أقمشة الخيمة المصنوعة من المشمع، ليرتسم مشهد مأساوي جديد في معاناة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الطقس السيئ.
قال قصاف: "انتقلت المياه من خيمةٍ إلى أخرى، واصلنا التحرُّك من غرفةٍ إلى أخرى حتى لم أعد أستطيع التحمُّل أكثر من ذلك، فأرسلت الأطفال إلى مكانٍ آخر".
أمضى قصاف الليلة في فراشه المنقوع في المياه منتظراً مرور العاصفة.
انحسرت العاصفة نورما التي ضربت لبنان في الايام الاربعة الماضية مخلّفة اضرارا جسيمة.
اللاجئون السوريون في المخيمات هم الأكثر تأثرا بالعاصفة الأقوى التي يشهدها لبنان منذ ست سنوات.
تضرر عشرات الآلاف منهم بسبب العاصفة التي قضت على مخيماتهم وممتلكاتهم٫ pic.twitter.com/HteGoMfvly— ميدان رابعه العدويه (@Isalmnahaya) January 11, 2019
وارتفعت المياه إلى حوالي نصف متر في الكثير من مُخيَّمات اللاجئين السوريين في سهل البقاع اللبناني الأسبوع الجاري (الثلث الأول من يناير/كانون الثاني 2018)، حسب ما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.
لم تكن هذه أول عاصفة يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان منذ أن وطئت أقدامهم البلاد عام 2011، ولكن وطأة هذه العاصفة كانت الأشد، ليس فقط بسبب قسوتها، بل أيضاً جراء موقف المجتمع الدولي الذي تزداد لا مبالاته بهم،.معاناة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الطقس تظهر بشكل أوضح في منطقة البقاع
حوالي 600 أسرة من اللاجئين أُجبروا على إخلاء منازلهم، في منطقة البقاع، حسبما يقول عمال الإغاثة في المنطقة.
وخرجت هذه الأسر إلى العراء، مواجهين الأمطار، والثلج المخلوط بالمطر، والرياح القوية للعثور على مأوى في واحدة من أسوأ الأزمات التي فاقمت معاناة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الطقس.
وخاض أولئك اللاجئون طريقهم عبر مياه الصرف الصحي التي انفجرت من شبكة مياه الصرف للوصول إلى مأوى.
والموت طال فتاة في الثامنة من عمرها
أما ذروة المآسي التي تُلخص معاناة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الطقس فقد وقعت في بلدة المنية الواقعة في شمالي البلاد.
إذ لقيت فتاةٌ تبلغ من العمر ثماني سنوات حتفها خلال العاصفة، بعد أن سقطت في النهر وغرقت.
وتعاني رحمة محمد علي (60 عاماً) من ضعفٍ في البصر، وتعيش في خيمةٍ بمفردها.
وعندما هبَّت هذه العاصفة، التي يطلق عليها علماء الأرصاد الجوية اسم (نورما)، يوم الإثنين 7 يناير/كانون الثاني 2018، ساعدها جيرانها على الخروج.
لاجئة تمشي في مياه الفيضان في مخيم للاجئين السوريين في ضواحي طرابلس بلبنان في 8 يناير 2019. وعانى اللاجئون السوريون الذين يعيشون في الخيام في لبنان، الكثير من العاصفة الكبرى التي يطلق عليها نورما، التي تسببت بأضرار كبيرة في العديد من مناطق البلاد. pic.twitter.com/yDvzSIjolX
— شمعة أمل (@dhof6Dn0rvJSwK5) January 9, 2019
درجة حرارة قاربت التجمد، ورائحة المجاري في كل مكان
وقالت رحمة: "كان الأمر فوضوياً ومُذِلاً تماماً، وكانت رائحة المجاري قاتلة".
وغطَّت العاصفة معظم جبال لبنان بالثلوج، وألحقت ضرراً ببعضٍ من أكبر الجسور في العاصمة بيروت واكتسحت بلداتها الساحلية.
أما في المناطق المنخفضة، مثل سهل البقاع، فقد صاحب الفيضان درجات حرارة قريبة من حدِّ التجمُّد.
وكما هو الحال مع كلِّ شتاءٍ لبناني منذ بداية الحرب السورية، في شهر مارس/آذار 2011، كانت معاناة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الطقس هي القصة الأبرز.
فدوماً هم الأكثر تضرراً بسبب الطبيعة المزرية للمساكن والخيام المؤقتة التي يقيمون بها.
وتتناثر المُخيَّمات في سهل البقاع، فضلاً عن جبال عرسال بالقرب من الحدود مع سوريا، حيث اكتست الخيام بالثلوج.
فهذه واحدة من أسوأ العواصف منذ سنوات.. البحر جاء إلينا
وقال عمال الإغاثة واللاجئون إنَّ العاصفة نورما هي أسوأ عاصفة عانوا منها منذ سنوات.
وقال مشعل حمود، مدير العمليات بمنظمة "سوا" المحلية للتنمية والمساعدة: "لطالما كنَّا نمزح بالقول إنَّ الناس في سهل البقاع يطالبون الحكومة أن تعطيهم شاطئاً. حسناً، لقد جاء البحر إلينا الآن".
وقال حمود، وهو لاجئ سوري: "هذه العاصفة كارثةٌ مُطلَقة".
وخيام اللاجئين غير مؤهلة لمواجهتها
وعلى الرغم من أنَّ الكثيرين من المليون لاجئ سوري في لبنان قد عاشوا في البلاد طيلة السنوات السبع الماضية، إلا أنَّ مساكنهم قد صُنِعَت بغرض الإقامة القصيرة.
فخيام اللاجئين مصنوعةٌ من القماش والصفائح الخشبية.
ويحاول اللاجئون تدعيم مساكنهم بأقمشة إضافية ونايلون، لكنَّ القليل بإمكانه حمايتهم من هذا الطقس القاسي، الذي يُعَدُّ حدثاً سنوياً في لبنان.
وقالت ربى محيسن، مديرة "سوا"، التي كانت تقود جهوداً لجمع التبرُّعات لمساعدة اللاجئين المتضرِّرين: "ثمة بنية تحتية فظيعة في أماكن المُخيَّمات، ولأنَّ هذه البنى ليست دائمة فنحن نواجه المشكلات ذاتها كل عام".
والمنظمات الدولية لم توفر إلا 12% من التمويل المطلوب للاجئين
جمعت المنظمة أكثر من 40 ألف دولار في اليوم الذي ضربت فيه العاصفة، وساعدت على إجلاء أكثر من 20 مُخيَّماً للاجئين السوريين، وزوَّدت من تم إجلاؤهم بالمأوى والطعام والمراتب والبطانيات.
ولكن من الصعب التصدي لنقص المساعدات المتاحة للاجئين السوريين.
إذ حذَّرَت الأمم المتحدة، في شهر مايو/أيار، من "فجوةٍ حرجة" في تمويل اللاجئين السوريين في 2018.
وبحسب الأمم المتحدة فقد تمت تلبية 18-22% فحسب من الأموال المطلوبة.
وفي لبنان، تم توفير التمويل بـ12% فقط من برنامج مساعدة اللاجئين السوريين عام 2018.
ورغم تراجع الحرب في سوريا فإن معاناة اللاجئين تزداد
ويحذِّر عمال الإغاثة أنَّه مع هدوء الحرب في سوريا، فإنَّ محنة اللاجئين السوريين مستمرة.
وبالإضافة إلى معاناة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الطقس السيئ، فإن البؤس يزداد في المُخيَّمات بسبب تناقص المساعدات حسبما قالت ربى محيسن.
وعلى الرغم من أنَّ الحرب قد تضاءلت شدتها، فلا يزال اللاجئون عاجزين عن العودة، لأنَّ لديهم مخاوف أخرى".
إذ ما يزال اللاجئون يشعرون بالقلق من التجنيد الإجباري في الجيش السوري، وعدم وجود سكن في بلدٍ دمَّرَته الحرب، والخوف من الانتقام السياسي ضد أولئك الذين وقفوا في صفّ المعارضة السورية في قتالها ضد الرئيس السوري بشار الأسد.
والمساعدات التي يتلقونها تتراجع إلى مستوى غير مسبوق
وقالت فاطمة سليم الخليفة (30 عاماً)، وهي تحمل رضيعها أحمد: "كانت المساعدة التي تلقَّيتها هذا العام هي الأقل منذ لجوئي إلى لبنان".
وأضافت: "كان عليَّ دفع 100 ألف ليرة (66 دولاراً) في الشهر مقابل الأرض التي تستقر عليها هذه الخيمة"
وأردفت قائلة "وما زلت بحاجةٍ للحصول على قماشٍ لتغطية بيتي".
وأُصيبَ طفلها الرضيع أحمد بالإنفلونزا خلال العاصفة.
وكان على وشك الاختناق حال الرضاعة بسبب احتقانه الأنفي.
وأشارت إلى قطع النايلون التي تغطي بيتها ثم قالت: "أينما ذهبت، فثمة رياحٌ وبردٌ وبلل".
والحل هو إنشاء جسر من الصخور والأخشاب داخل الخيمة
ويرتدي محمد قصاف حذاءَ مطرٍ ويخوض في الأوحال التي تغمر أراضي خيمته. ويضع ألواحاً خشبية وصخوراً ليمكن للزائرين غير المُجهَّزين لهذا الجو أن يمشوا عليها ليظلوا جافين.
ويجلس قصاف على السرير الوحيد في الغرفة، مع أكوامٍ من المراتب المربوطة معاً على رفٍّ عال، انتظاراً لنهاية العاصفة حتى يتمكَّن أبناؤه من العودة.
وقال قصاف: "ما ذنب الأطفال؟ إنهم يسألونني عن موعد رجوعهم إلى الخيمة لأنَّهم وُلِدوا فيها. لا يعرفون أننا نازحون، لاجئون نعيش تحت المشمع".
وأضاف قصاف: "في الصيف تحرقنا الشمس، وفي الشتاء، كما رأيت، يفيض الماء. لا نعرف إلى أين نذهب، ومَن سوف يستقبلنا".