"المواطن المصري هو البطل الحقيقي"، بهذه الكلمات أطلق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مبادرة "حياة كريمة"، التي دعا فيها المجتمع المدني المصري لمشاركة الحكومة في جهودها الهادفة إلى مساندة المواطنين. ولكن، لماذا لجأ السيسي إلى المجتمع المدني الآن بعد أن ناصبه العداء سنوات؟
لم تكن مبادرة "حياة كريمة " التي أطلقها السيسي سوى تعبير عن المأزق الذي يواجه الحكومة المصرية حسب مراقبين، في ظل أزمة اقتصادية صعبة تواجه المصريين وتثقل كاهل ميزانية الدولة، وستزداد خلال الأشهر القليلة القادمة، خاصة بعد الإعلان عن قرب تحرير سعر البنزين وربطه بالأسعار العالمية.
وقال السيسي على حسابيه الرسميَّين بموقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر: "في مستهل عام ميلادي جديد.. تأمّلت العام الماضي باحثاً عن البطل الحقيقي لأمتنا، فوجدت أن المواطن المصري هو البطل الحقيقي".
وأضاف قائلاً "فهو الذي خاض معركتي البقاء والبناء ببسالة، وقدم التضحيات متجرداً، وتحمّل كُلفة الإصلاحات الاقتصادية، من أجل تحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة".
وتابع: "ولذلك، فإنني أوجه الدعوة لمؤسسات وأجهزة الدولة بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، لإطلاق مبادرة وطنية على مستوى الدولة لتوفير #حياة_كريمة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً خلال العام 2019 #تحيا_مصر".
.. لإطلاق مبادرة وطنية على مستوى الدولة لتوفير #حياة_كريمة للفئات المجتمعية الأكثر إحتياجاً خلال العام ٢٠١٩ #تحيا_مصر
— Abdelfattah Elsisi (@AlsisiOfficial) January 2, 2019
لكن، ما هي دوافع إطلاق هذه المبادرة؟ ولماذا لجأ السيسي إلى منظمات المجتمع المدني بعد أن كان النظام يناصبها العداء منذ مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 وإطاحة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي؟
هل هذا يعني أن الدولة غير قادرة على القيام بكل واجباتها تجاه المواطن؟
والسؤال الأهم، هل تستطيع منظمات المجتمع المدني القيام بدورها رغم الضربات المتتالية التي تلقتها في السنوات الأخيرة؟.
الدافع لهذه المبادرة.. فتِّش عن صندوق النقد الدولي
المتابع للشأن المصري يلاحظ أن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوفير "حياة كريمة" للفئات الأكثر فقراً، جاءت بعد تعهده لصندوق النقد الدولي بتنفيذ شروطه كافة من أجل يصرف الصندوق الشريحة الخامسة من القرض، والتي توقفت بسبب عدم تنفيذ الحكومة تعهداتها.
لكن الرئيس السيسي أقنع الصندوق بصرفها، مع تعهده بتنفيذ الشروط كافة، من إلغاء الدعم نهائياً عن الوقود بحلول منتصف العام الجاري (2019)، وتحرير أسعار بعض السلع، وهو ما ينعكس سلباً على تلك الفئات المستهدَفة من المبادرة.
وبحسب ما قاله ممدوح الولي، رئيس مجلس إدارة صحيفة "الأهرام" المصرية السابق والمتخصص بالشأن الاقتصادي، لـ "عربي بوست"، فإن "هذه المبادرة أُطلقت لتعويض المواطن البسيط".
ويستدرك ممدوح الولي متسائلاً: "لكن، هل هذه المبادرة ستنهي معاناته؟".
ويجيب الولي عن هذا التساؤل، قائلاً: "بالطبع لا؛ فنحن أمام قرارات اقتصادية صعبة ستصدر قريباً وبعضها اتُّخذ بالفعل، أهمها ربط أسعار الوقود بالسعر العالمي، حيث قرر مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، الإثنين 7 يناير/كانون الثاني 2019، ربط أسعار الوقود بالسعر العالمي".
وكان طارق الملا، وزير البترول، قد قال إنه "سيجري بدء تطبيق آلية التسعير التلقائي على بنزين (أوكتين 95)، اعتباراً من أول أبريل/نيسان 2019″.
وذكر "الملا" أن سعر "بنزين 95" قد يستقر عند معدله الحالي، وقد يتغير بنسبة لا تتجاوز 10% ارتفاعاً أو انخفاضاً عن السعر الحالي.
وأضاف الوزير أنه "خلال الربع الأول من العام الحالي (2019)، سيتم تشكيل اللجنة الخاصة بتحديد ومتابعة آلية التسعير التلقائي، بالإضافة إلى مراجعة المعادلة السعرية التي ستطبق في الآلية".
وكانت تلك هي المرة الثالثة التي ترفع فيها الحكومة أسعار الوقود منذ تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ضمن اتفاق قرض قيمته 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي.
وها هي الحكومة تعتزم فرض زيادات جديدة في أسعار الكهرباء والنقل العام
تحرير سعر البنزين وربطه عالمياً ستتبعهما زيادات جديدة في أسعار الكهرباء وزيادة في أسعار السلع، بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي.
ويضيف قائلاً: "لا مفر من تلك الزيادات، وهناك زيادة أيضاً في أسعار النقل الجماعي، خاصة مترو الأنفاق".
وكشف ممدوح الولي أن "صندوق النقد الدولي يصرُّ على إلغاء الدعم نهائياً عن المنتجات البترولية وربطها بالأسعار العالمية، وهو ما ستطبقه الحكومة، وهذا بالطبع لا يتناسب مع دخل أغلب المواطنين في مصر، فالموظف أو العامل بمصر لا يتلقى أجوراً بالمعدلات العالمية".
وأوضح الولي أنه "في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن مثل هذه المبادرات، نجد أنها تقّلص من معاشات (تكافل وكرامة)، وتقصر دفع هذا المعاش على السيدة التي لديها طفلان فقط، بدلا من ثلاثة".
ويبقى التساؤل مطروحاً: لماذا لجأ السيسي إلى المجتمع المدني الآن بعد كل هذا العداء؟
إذن، لماذا لجأ السيسي إلى المجتمع المدني بعد أن أصبح مشتبهاً به من وجهة نظر نظامه.
"هناك نضوب في موارد الدولة، وعجز كبير في الموازنة والديون التي تراكمت وفوائدها"، حسبما يقول ممدوح الولي.
"فحتى صندوق تحيا مصر الذي أطلقه السيسي يعاني قلة الموارد.
وهو الأمر الذي يعني أن الدولة أصبحت غير قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن، ومع القرارات الاقتصادية المنتظرة هناك مخاوف من غضب مكتوم لدى الفئات الفقيرة، التي ستتأثر بهذه القرارات"، وفقا للولي.
ويؤكد "الولي" أن "ثلث المصريين تحت خط الفقر، وما تفعله الدولة من برامج اجتماعية لن يغطي هذا الرقم بالطبع" .
وكانت مصادر مطلعة بالحكومة المصرية قد أخبرت "عربي بوست" في تقرير سابق بأن "الرئيس السيسي شخصياً كان وراء تأخير الدفعة الخامسة من قرض" صندوق النقد الدولي.
ويعد تدخُّل السيسي لتأجيل قرار رفع الدعم أمراً لافتاً للنظر.
إذ إنه من الواضح بناءً على تصريحات السيسي نفسه، أنه كان دوماً متحمساً لفكرة تحرير أسعار الوقود في مصر، وإزالة الدعم بصفة عامة، وأن يدفع المواطن ثمن السلعة أو الخدمة التي يتلقّاها.
ويُرجَّح أن يكون سبب هذا التغيير المؤقت في موقفه هو ما ذكرته المصادر عن تلقِّي الرئيس تقرير "تقدير موقف أمني" من الأجهزة السيادية، ينصح بعدم تحريك الأسعار الآن، أو رفع الدعم عن أي سلعة حيوية (كالوقود)، في ظل الاحتقان الموجود بالشارع.
كما أن حركة السترات الصفراء في فرنسا أثارت قلق الرئيس المصري، وفقا للمصادر الحكومية المصرية.
وحسب هذه المصادر فإن تطورات السودان أقنعت صندوق النقد بوجهة نظر السيسي بضرورة تأجيل رفع أسعار الوقود.
5 ملايين فقير جديد خلال عامين نتيجة اتباع سياسة الصندوق
"5 ملايين فقير جديد في عامين، وأكبر مستوى للفقر بمصر، وأسرع معدل للإفقار"، حسبما قالت الكاتبة سلمى حسين في مقال لها بصحيفة "الشروق" المصرية.
وأضافت: "أخطأ الصندوق فى تقدير الآثار المتوقعة على الاقتصاد نتيجة السياسات التي فرضها على الاقتصاد المصري.
فجاءت الآثار السلبية أعنف من توقعاته، على رأسها الارتفاع الكبير في التضخم، والتدهور الكبير بسعر الجنيه المصري.
وهذان الخطآن وحدهما هما المسؤولان عن سقوط الملايين تحت خط السَّتْر"، حسب تعبيرها.
"فقد زاد عدد الفقراء من 25 مليون مصري إلى نحو 30 مليوناً. هذا تقدير أولي رسمي صادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء.
ولم يعلَن بعدُ عن الزيادة في أعداد الجوعى (نسبة الفقر المدقع التي كانت تقترب من 4 ملايين مصري قبل البرنامج). نحن لا نعرف"، حسبما تقول الكاتبة.
وتحمل هذه الأرقام في طياتها، إجابة عن التساؤل الذي يطرحه المراقبون، وهو لماذا لجأ السيسي إلى المجتمع المدني الآن بعد أن ناصبه العداء في السابق؟
ولكن، أين المجتمع المدني؟.. تعرَّف على ما أصاب الجمعيات الأهلية المصرية العريقة
منذ عام 2016، شنت الدولة المصرية حملات أمنية، وصدرت أحكام قضائية ضد كثير من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني؛ وهو ما أدى إلى تقلُّص مواردها ونضوبها، نتيجة الحصار الحكومي بدعوى وقف تمويل الإرهاب.
ونتيجة قلة التبرعات، بات السؤال هو: أين هذه المنظمات الآن؟ وما هي الجمعيات الأهلية التي تبقَّت من حملة التصفية؟
وهل تستطيع الوفاء باحتياجات المواطن المصري تحت شعار هذه المبادرة رغم تلقِّيها ضربات متتالية؟
ومن المعروف أن الجمعيات الأهلية الإسلامية، خاصةً تلك التي كانت تخضع للجمعية الشرعية أو جماعة أنصار السنة (وهما من أقدم الجمعيات الأهلية العامة بمصر)، أو تلك الجمعيات التي كانت تتبع جماعة الإخوان المسلمين- كانت صاحبة النصيب الأكبر في مساندة الفقراء بمصر من خلال مستشفياتها ومراكزها الطبية أو مساعداتها النقدية للأسر الأكثر فقراً في مصر.
وكانت السلطات المصرية قد أصدرت عام 2016 قراراً بحلّ 25 جمعية أهلية، قالت إنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، في 11 محافظة على مستوى الجمهورية.
وتتحفظ الحكومة المصرية على 1107 جمعيات أهلية، بدعوى علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، و81 مدرسة.
ومن بين الجمعيات التي جرى التحفظ عليها، الجمعية الشرعية التي يبلغ عدد فروعها 1100 فرع على مستوى الجمهورية، تم التحفظ على 138 فرعاً فقط منها.
وأرجعت الحكومة السبب إلى أن هذه الفروع تم التحفظ عليها، بسبب اختراقها من قِبل جماعة الإخوان.
ولكن حتى الجمعيات التي لم تتحفظ عليها الحكومة، أصبحت تعاني نضوب الموارد.
وأشهر الجمعيات الأهلية الخيرية التي ما زالت تعمل حالياً مؤسسة "رسالة" ، و"بنك الطعام المصري"، وجمعية "الأورمان"، ومع ذلك يزداد الفقراء في مصر، حسبما تشير التقارير.
بحث آليات تنفيذ مبادرة الرئيس.. ركَّزوا على هذه المحافظات
وعقدت وزيرة التضامن الاجتماعي اجتماعاً مؤخراً مع جمعيات المجتمع المدني، لمناقشة آلية تنفيذ مبادرة الرئيس.
وتم خلال الاجتماع استعراض بيانات أكثر من 32 مليون مواطن، لتغطية احتياجاتهم المادية لدعم المبادرة.
وقالت نيفين القباج، نائبة وزيرة التضامن للحماية الاجتماعية، إنه "سيتم تطبيق المبادرة على أفقر 100 قرية، تتجاوز نسب الفقر فيها أكثر من 70%، ومعظم هذه المحافظات في الوجه القبلي".
وهذه المحافظات هي (الجيزة – المنيا – أسيوط – سوهاج – قنا – الأقصر – أسوان – الوادي الجديد – القليوبية – البحيرة – مرسى مطروح – شمال سيناء).
ولكن، هناك جانب أهم تهمله الدولة في المجتمع المدني: النظرة القديمة ما زالت سائدة
"هناك جانب آخر تهمله الدولة في قضية المجتمع المدني المصري"، حسبما يرى الدكتور السيد عبد الستار المليجي نقيب العلميين.
يقول المليجي لـ "عربي بوست"، إن "هناك 50 ألف جمعية أهلية في مصر، ما تمت مصادرة أمواله أو نقل تبعيته للدولة لا يتعدى 1000 جمعية.
لكنَّ هناك جانباً آخر في مسألة دور المجتمع المدني المصري، وهو دور النقابات المهنية الذي ما زال ضعيفاً، لأن نظرة الدولة القديمة لها ما زالت سائدة، وهي أنها نقابات سياسية تعتبر معاقل تقليدية للمعارضة".
ويقول: "إن هذا نهج خاطئ في التعامل مع النقابات، وإحدى السلبيات التي تقلل من مشاركاتها الاجتماعية".
وأوضح المليجي أن "الدولة لا تعطي التسهيلات الكافية للنقابات، ولا تخطب وُدَّها حتى في المشروعات القومية، فهذه النقابات مخازن للخبرات بلا نهاية، فلا يقتصر الأمر على دور الجمعيات الأهلية فقط لتقديم خدمات للمجتمع".