تشهد محافظة إدلب السورية، منذ أربعة أشهر، وقفاً هشاً لإطلاق النار، ما سمح لآخر معاقل الفصائل المعارضة في شمال غرب البلاد بتجنب هجوم واسع كان النظام السوري ينوي القيام به.
هل يمكن لسيطرة الجهاديين مؤخراً على مناطق جديدة ولانسحاب القوات الأمريكية، الذي أعلنته واشنطن، أن يقوض الاتفاق الذي توصلت إليه روسيا، حليفة دمشق، وتركيا، التي تدعم مقاتلي المعارضة؟
ماذا طُبّق من الاتفاق؟
توصلت موسكو وأنقرة في 17 أيلول/سبتمبر إلى اتفاق نصَّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها.
وتشمل المنطقة المنزوعة السلاح، والتي يراوح عرضها بين 15 و20 كيلومتراً، أطراف محافظة إدلب ومناطق سيطرة الفصائل المعارضة والجهادية في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي.
ولئن جنّب الاتفاق الروسي التركي مناطق سيطرة الفصائل المعارضة والجهادية في إدلب ومحيطها هجوماً عسكرياً، لوَّحت دمشق بشنه على مدى أسابيع، إلا أن مواجهات متقطعة جرت بين مقاتلي المعارضة والجهاديين من جهة وقوات النظام السوري من جهة أخرى.
ويقول الخبير في مؤسسة القرن أرون لاند "إن الاتفاق الروسي التركي ناجح إلى حد ما. إن الوضع هادئ في إدلب الآن، بالمقارنة مع المشهد المرعب الذي كان من الممكن أن يحدث على أقل تقدير".
وأعلنت الفصائل المقاتلة أنها أنجزت سحب عتادها الثقيل من "المنطقة المنزوعة السلاح" تطبيقاً للاتفاق.
إلا أن الجهاديين، وبخاصة الذين ينتمون لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، لم ينسحبوا من المنطقة العازلة، حسبما نص عليه الاتفاق.
كما لم يتم فتح الطريقين السريعين اللذين يمران عبر إدلب ويصلان المناطق التي يسيطر عليها النظام بالحدود التركية.
ما هي استراتيجية الجهاديين؟
تسيطر هيئة تحرير الشام على 60 % من مساحة محافظة إدلب. فيما تسيطر "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي تحالف لفصائل مقاتلة تدعمها تركيا، على المناطق المتبقية من المحافظة.
وشنت هيئة تحرير الشام، خلال الأيام الماضية، هجوماً دامياً ضد مواقع الجبهة الوطنية للتحرير، وتمكن الجهاديون من السيطرة على كامل الأراضي التي كانت خاضعة للفصائل المقاتلة في ريف حلب الغربي، حسبما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ولفت الباحث توماس بيرييه إلى "أن استراتيجية هيئة تحرير الشام هي الظهور كأمر واقع لا يمكن إنكاره، أي أنها القوة المسيطرة، أي إنها القوة المهيمنة".
وأضاف أنها تهدف لأن تبين "للجهات الفاعلة الدولية المعادية للمجموعة" بأنه لا يمكنها "القيام بأي شيء من أجل طرد" الهيئة من إدلب.
ولدى الإتفاق بينهما في أيلول/سبتمبر، تعهدت موسكو وأنقرة "محاربة الإرهاب في سوريا". ويرى خبراء أن على تركيا إخضاع هيئة تحرير الشام.
ولفت بيرييه الى وجود "استراتيجية التضييق التدريجي".
ما هو مصير معقل الفصائل المقاتلة
تشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعاً مدمراً تسبب بمقتل أكثر من 360 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وزاد من تعقيد النزاع السوري دخول عدة أطراف أجنبية في الصراع.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل عيد الميلاد بشكل مفاجئ نيته سحب القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا والتي يقدر عديدها بنحو ألفي جندي.
وأثار هذا القرار مخاوف حلفاء واشنطن، لكن سرعان ما عدل ترامب موقفه نسبياً وتحدث عن انسحاب "بطيء" يتمّ "على مدى فترة من الزمن".
لكن قوات سوريا الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، وشريكة واشنطن في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، فوجئت بالقرار فأعادت حساباتها وباشرت تقارباً مع دمشق، خوفاً من تهديدات تركيا المجاورة.
ويقول الباحث في مركز تشاتام هاوس للأبحاث حايد حايد، الذي أثار عدة سيناريوهات محتملة "من المؤكد أن الانسحاب العسكري الأمريكي سيكون له تأثير سلبي على الوضع في إدلب".
واعتبر أن "إدلب ستكون تلقائياً الوجهة المقبلة" للنظام في حال تمكن من استعادة السيطرة على الأراضي الخاضعة للأكراد.
كما ستضطر تركيا للقبول بـ"تسوية" مع روسيا حول إدلب إذا سمحت موسكو لأنقرة بطرد القوات الكردية من حدودها، بحسب حايد.