كشف المحلل السياسي البريطاني ديفيد هيرست عن تفاصيل الخطة السرية التي وضعتها 3 دول عربية، إضافة إلى إسرائيل، من أجل عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، من أجل الحد من النفوذ التركي والإيراني في سوريا.
وقال الكاتب البريطاني في مقال بموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر قد دبرت خطة مع إسرائيل للترحيب بعودة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، بغرض تهميش النفوذ الإقليمي لتركيا وإيران.
وأضاف هيرست: إذ أفادت مصادر خليجية مطلعة أنه قد تم الاتفاق على هذه المبادرة الدبلوماسية في اجتماع سري عُقِدَ في عاصمة خليجية، الشهر الماضي، وحضره كبار مسؤولي الاستخبارات في الدول الأربع، بما في ذلك يوسي كوهين، مدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
وقد عُقِدَ هذا الاجتماع أيضاً استجابة لـ "تحسن" ملحوظ في العلاقات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرياض، منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
تركيا هي المنافس العسكري وليس إيران!
وكان ترامب قد ساند علناً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي حَمَّلَته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأعضاء من الكونغرس الأمريكي مسؤولية قتل خاشقجي.
لكنَّ مسؤولاً على دراية بالاجتماع، قال إنَّ مسؤولي المخابرات قيل لهم: "لقد فعل ترامب ما بوسعه ولن يفعل المزيد".
وبحسب هيرست اتفق المسؤولون خلال الاجتماع على أنَّهم يعتبرون تركيا، وليس إيران، منافسهم العسكري الرئيسي في المنطقة، وناقشوا خططاً لمواجهة نفوذ أنقرة المتزايد.
فيما قال الجانب الإسرائيلي للمجتمعين إنَّ إيران يمكن احتواؤها عسكرياً، لكنَّ تركيا لديها قدرة أكبر بكثير. وأفيد كذلك بأنَّ كوهين قال خلال هذا الاجتماع: "القوة الإيرانية هشّة، بينما التهديد الحقيقي يأتي من تركيا".
ولمعالجة هذه المسائل، اتفق الحاضرون في هذا الاجتماع على أربعة إجراءات:
محادثات مع طالبان
وبحسب الكاتب البريطاني، تمثَّل الإجراء الأول في مساعدة ترامب في جهوده لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، حيث ما يزال هناك 14 ألف جندي أمريكي منتشرين لدعم قوات الحكومة الأفغانية التي تقاتل طالبان وجماعات مسلحة أخرى.
ومن هذا المنطلق، عُقِدَ اجتماعٌ بين مسؤولين أمريكيين ومسؤولين من حركة طالبان في إمارة أبوظبي، الأسبوع التالي، لإجراء محادثات ضمَّت مسؤولين سعوديين وإماراتيين وباكستانيين.
أما الإجراء الثاني فكان "التحكم في ورقة الضغط السُّنّية" في العراق، الذي يستهدفون من خلاله العمل على تقويض نفوذ تركيا داخل تحالف المحور الوطني، أكبر كتلة برلمانية للنواب العراقيين السُّنّة.
ومن ثم، فقد مورست ضغوطٌ على محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي، في أول زيارة رسمية له إلى الرياض، في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول.
وخلال هذه الزيارة، التقى الحلبوسي، ثامر السبهان، سفير السعودية السابق لدى العراق، وضغط هذا الأخير على الحلبوسي لتقليل نفوذ تركيا على تحالف المحور الوطني وإما الانسحاب منه كليةً.
ونتيجة لذلك، سادت حالة من الذعر داخل الكتلة السُّنّية العراقية، بعد أن عرقل الحلبوسي، الشهر الماضي، ترشيح الكتلة لصبا الطائي لشغل منصب وزيرة التعليم، وذلك أثناء مفاوضات حول تشكيل الحكومة الجديدة للبلاد.
ومع ذلك، فقد رُشِّحَ عضوٌ آخر من المحور الوطني، وهو صلاح الجبوري، للمنصب ذاته، الثلاثاء 8 يناير/كانون الثاني، بحسب الموقع البريطاني.
طريق لعودة الأسد للجامعة العربية
وكان ثالث الإجراءات التي نوقشت هو القيام بمبادرة دبلوماسية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين الدول العربية الثلاث ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
وقد ناقش اجتماع رؤساء أجهزة الاستخبارات الرسالة التي يريدون إيصالها إلى الأسد، الذي اعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الإيراني ومقاتلي حزب الله المدعومين من إيران خلال الحرب الأهلية في البلاد.
وقال مسؤول خليجي أُطلِعَ على المناقشات: "لم يتوقعوا من بشار أن يقطع علاقاته مع إيران، لكنهم أرادوا أن يستخدم بشار الإيرانيين بدلاً من أن يستخدموه هم".
وأضاف المسؤول: "كانت الرسالة: عد إلى الطريقة التي كان يعامل بها والدك الإيرانيين، فعلى الأقل كُنّ نداً لهم، بدلاً من أن تكون خاضعاً للمصالح الإيرانية".
وتوالت الزيارات إلى سوريا عقب ذلك الاجتماع الاستخباراتي، إذ وصل الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق في الـ16 من ديسمبر/كانون الأول، في أول زيارة رسمية لزعيم عربي منذ عام 201،1 وهي خطوة ما كان لها أن تحدث دون موافقة من الرياض، بحسب ما قاله المحلل السوري كمال علام لموقع Middle East Eye.
ثم زار نائب رئيس الاستخبارات الإماراتية، علي الشامسي، دمشق لمدة أسبوع، وفي الـ27 من شهر ديسمبر/كانون الأول، أعلن الإماراتيون إعادة فتح سفارتهم بعد توقفها لثماني سنوات.
وفي اليوم ذاته أعلنت البحرين، المُنحَازة بقوة إلى السعودية والإمارات، أنَّ بعثتها الدبلوماسية في سوريا ستستأنف عملها.
وقبل ذلك بثلاثة أيام، أجرى علي المملوك، المستشار الأمني الخاص للأسد، زيارةً علنية نادرة إلى القاهرة، وقالت مصادر لموقع Middle East Eye إنَّ من المتوقع إعلان التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين قريباً.
وأضافت المصادر أنَّ مصر تريد من النظام السوري أن يعلن أنَّ أعداءه الأساسيين هم تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين.
وتشمل الحوافز المُقدَّمة للأسد فتح طريق لعودته إلى الجامعة العربية، ودعم الدول العربية لدمشق في معارضة الوجود العسكري لأنقرة في شمالي سوريا، حيث نشرت تركيا قواتها لمواجهة مقاتلي وحدات حماية الشعب التي يقودها الأكراد، بحسب الموقع البريطاني.
وكشفت تقارير أنَّ الجزائر مهتمة بدعوة الأسد لحضور القمة القادمة لجامعة الدول العربية، التي ستُعقََد في تونس، في شهر مارس/آذار، وذلك بعد مرور سبع سنوات على تعليق عضوية سوريا في الجامعة.
دعم الأكراد ضد تركيا
أما الإجراء الرابع الذي اتُّفِقَ عليه خلال هذا الاجتماع، فهو دعم أكراد سوريا ضد محاولات تركيا طرد وحدات حماية الشعب ونظيرها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، من الحدود التركية إلى العراق شمالاً.
واتفق مسؤولو الاستخبارات أيضاً على تعزيز العلاقات مع حكومة إقليم كردستان العراق، ومنع أية مصالحة مع أنقرة منذ فشل استفتاء الاستقلال التام لإقليم كردستان، شبه المستقل، عام 2017.
وقال المسؤول: "السعوديون أنفسهم لا يريدون أن يكونوا في طليعة هذا الضغط الدبلوماسي للتودد للأسد. ومع ذلك، فهم متفقون مع سياسة دعم الأسد لإضعاف تركيا".
ولم تكن إسرائيل على اتصال مباشر بالأسد، لكنها استخدمت مجموعة من رجال الأعمال السوريين المسيحيين والعلويين للاضطلاع بدور الوساطة.
وقد أدت المجموعة ذاتها دوراً في استعادة العلاقات بين الإمارات ودمشق. ولكي تبعث إسرائيل برسالة واضحة للأسد ليستقل عن إيران، شنت سلسلة من الضربات الجوية ضد ما زعمت أنها شحنات أسلحة إيرانية إلى حزب الله بلبنان، في الـ27 من شهر ديسمبر/كانون الأول، وهو اليوم ذاته الذي أعلنت فيه الإمارات أنَّها ستعيد فتح سفارتها في العاصمة السورية.
وقد جاء هذا الاجتماع الاستخباراتي للدول الأربع أيضاً، رداً على الأزمة التي غرقت فيها العلاقات الأمريكية السعودية بسبب قضية خاشقجي.
الإماراتيون سعوا لعقد اجتماعات مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية
وكان ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي وُصِفَ بأنَّه في مقام المُرشِد لنظيره السعودي الأصغر سناً، في صدارة من حاولوا إصلاح العلاقات المضطربة بين البيت الأبيض والديوان الملكي في الرياض، كما يقول هيرست.
وتدخل بن زايد لأول مرة لإصلاح العلاقات بين الملك سلمان ونجله الأمير محمد بن سلمان. إذ انتاب الملك غضبٌ عارم حين سمع بدور ابنه في جريمة قتل خاشقجي. ولفت الانتباه تغيب محمد بن سلمان عن حضور الاجتماع بين الملك السعودي وبن زايد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ثم عقب الإحاطة التي قدمتها مديرة الاستخبارات المركزية، جينا هاسبل، لأعضاء مختارين من الكونغرس الأمريكي، التي كشفت فيها عن تحميل وكالة الاستخبارات محمد بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي، أرسل بن زايد أخاه مستشار الأمن القومي، طحنون بن زايد إلى واشنطن، ليطلب عقد اجتماع مع هاسبل.
وعَلِمَ موقع Middle East Eye أنَّ طلب الاجتماع رُفِض. وعندما فشل هذا المسعى، أرسل بن زايد نجله خالد إلى واشنطن. ووفقاً لمصادر موقع Middle East Eye فقد جرى الاتفاق على موعد لعقد اجتماع مع هاسبل، لكنه لم يُعقَد.
وتواصل موقع Middle East Eye مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والسفارة الإماراتية طلباً للتعليق.
وقبل شهر، التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، مع بن زايد، لكنَّ هذا الاجتماع فشل في كسر حالة الجمود.
وكان موقع Middle East Eye قد ذَكَر في السابق أنَّ مسؤولين سعوديين سعوا للحصول على دعم ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعددٍ من مبادرات تستهدف الحد من الأضرار، بعد أن تصدرت تفاصيل اقتراف محمد بن سلمان لجريمة قتل خاشقجي عناوين الصحف العالمية.
وشملت هذه المبادرات مصافحة على غرار مصافحة كامب ديفيد بين نتنياهو وولي العهد.
وبحسب مصادر لـMiddle East Eye فإنَّ هذه الجهود توقفت بسبب إدراك البيت الأبيض أنَّ المسارعة لإنقاذ ولي العهد الذي تشوهت صورته قد يسبب مشكلات أكثر مما يستحقه الأمر.
ويبدو أنَّ المسؤولين الأمريكيين بدأوا يفقدون صبرهم إزاء أسلوب الرياض في التعامل مع تحقيقهم الخاص حول مقتل خاشقجي، إذ قال أحد كبار المسؤولين، دون أن يكشف عن هويته، يوم الجمعة الماضي، 4 يناير/كانون الثاني، إنَّ التحقيق السعودي يفتقر إلى المصداقية والمسؤولية.
وتزامنت هذه التعليقات مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنَّ الوزير مايك بومبيو، سيزور الرياض في وقت لاحق من الشهر الجاري، في ثاني زيارة له إلى العاصمة السعودية منذ مقتل خاشقجي.
وقد قال بومبيو نفسه، مراراً، إنه ليس ثمّة دليل مباشر على وجود علاقة بين محمد بن سلمان وجريمة القتل.
وبعد زيارة بومبيو الأولى للسعودية في أعقاب الحادثة، في شهر أكتوبر/تشرين الأول، ذكر موقع Middle East Eye، أنَّه جلب معه خارطة طريق لحماية ولي العهد من تداعيات جريمة القتل.
فيما نقلت صحيفة The New York Times الأمريكية عن مسؤول أمريكي قوله إنَّ مبلغ الـ100 ميلون دولار الذي دفعته السعودية إلى الولايات المتحدة في نفس يوم الزيارة كان "مصادفةً".
وتواصل موقع Middle East Eye مع الحكومة الإسرائيلية، للحصول على تعليق في هذا الصدد. وتواصل الموقع كذلك مع السفارتين السعودية والمصرية في لندن، لكنَّ أياً منهما لم تَرُد حتى وقت نشر هذا التقرير.