قال موقع Lobe Log الأمريكي، إن المملكة العربية السعودية تحالفت بشكل سري مع التيار اليميني المتطرف في أوروبا، من أجل نشر صورة الإسلام المعتدل الذي تروج له إصلاحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وبحسب الموقع الأمريكي خضع التمويل السعودي، الذي يركز تقليدياً على الإسلام السني المتشدد، لبعض التغييرات، ليصبح أكثر فاعلية في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لضمان توظيفه في خدمة طموحاته الجيوسياسية، التي يأتي في مقدمتها تقليص توسع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعزيز التأثير العالمي للمملكة.
وأضاف الموقع الأمريكي: بيد أنَّ هذا الجهد أدى إلى نتائج مختلطة؛ إذ انخفض الإنفاق، ولكنه أصبح أدق توجهاً. وفي خطوة تهدف إلى إظهار وجهها المعتدل الجديد، والحد من الأضرار التي لحقت بسمعة الإدارة السعودية المتشددة التي أصبحت مثيرة للجدل في بلجيكا، تخلَّت السعودية عن إدارة المسجد الكبير في بروكسل.
هناك دعم لمؤسسات متشددة أيضاً
ومع ذلك، ما زالت الأموال تتدفق إلى مدارس أو معاهد دينية متشددة، تنتشر على الحدود الباكستانية الإيرانية. وعلاوة على ذلك، فإن تركيز المملكة قد تحول في بعض البلدان المُختارة إلى الترويج لمجموعة سلفية متشددة تدعو إلى الطاعة المطلقة للحاكم، وهي نتاج حملة الأمير محمد بن سلمان القمعية على المنتقدين والناشطين في الداخل.
وتبنَّت المنظمات غير الحكومية السعودية الرسمية، التي كانت ذات يوم توزع هبات المملكة للترويج للتشدد، بالإضافة إلى بعض المسؤولين السعوديين، تبنت لغة التسامح والاحترام ومبادئ حوار الأديان، لكنَّهم لم يقدموا تغييراً ملموساً في الداخل لتعضيدها، بحسب الموقع الأمريكي.
ورغم أن الأمير محمد بن سلمان رفع الحظر عن قيادة المرأة، وحسَّن ظروف عمل المرأة، وأتاح فرصاً للترفيه، ووضع حجر الأساس لإنشاء صناعة ترفيه حديثة، لكن لا ترقى أي من هذه التدابير إلى وعده بتعزيز صورةٍ معتدلة من الإسلام، كما يقول الموقع الأمريكي.
اليمين الأوروبي المتطرف يدعم محمد بن سلمان
وعلاوة على ذلك، كانت تحركات الأمير مصحوبةً بدعمٍ من اليمين الأوروبي واليمين المتطرف، وكذلك الجماعات الغربية المحافظة المتطرفة التي يصعب في العموم اعتبارها منارات للتسامح والاحترام المتبادل.
وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط إتش إيه هيلر: "السعودية في ظل وجود محمد بن سلمان ولياً للعهد لا تنادي بالإصلاح الديني الإسلامي".
وأضاف هيلير: "لم تلق المؤسسة الدينية السعودية القائمة تشجيعاً على الانخراط في عملية إعادة دراسة حقيقية لأفكارها التي تقربها من التيار السني المعتدل، ولا تستمع إلى علماء الدين السعوديين الحاليين، الذين يدعون إلى مقاربات أكثر فاعلية وشيوعاً. وتعرَّضت المؤسسة الدينية بدلاً من ذلك للتكميم. وتدور "إصلاحات" محمد بن سلمان في هذا المجال حول تركيز سلطته، وليس إعادة المؤسسة الدينية السعودية إلى الإسلام السني المعتدل".
يتوافق اهتمام الأمير محمد بن سلمان بالجماعات المتطرفة غير المسلمة في الغرب مع نمطٍ عالمي، يبرزه الخبيران السياسيان ياشا مونك وروبرتو ستيفان فوا، تُخبرنا فيه الوسائل التكنولوجية المتقدمة والأهمية المتزايدة للقوة الناعمة التي تكمن في جذور التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والأوروبية، بالمعلومات وسياسات العلاقات العامة للعديد من الدول المستبدة.
ووفقاً لمونك وفوا، من المرجح أن تؤدي التكنولوجيا والقوة الناعمة إلى بذل المتسلطين والحكام المستبدين عموماً قدراً أكبر من الجهود للتأثير على الدول الغربية وتقويض الثقة في الديمقراطية.
وقال مونك وفوا: "في الواقع، تُصعِّد الصين بالفعل الضغط الأيديولوجي على مواطنيها في الخارج، وتؤسس معاهد كونفوشيوس المؤثرة في مراكز تعلم رئيسية. وخلال العامين الماضيين رفعت السعودية بشكل كبير من مدفوعاتها إلى جماعات الضغط الأمريكية المسجلة، مما أدى إلى زيادة عدد عملائها الأجانب المسجلين الذين يعملون لحسابها من 25 إلى 145 عميلاً… وقد ظهر صعود القوة الناعمة للمستبدين جلياً في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية والثقافة الشعبية والاستثمار الأجنبي والمساعدات التنموية"، بحسب الموقع الأمريكي.
البحث عن القوة الناعمة بعد مقتل خاشقجي
نبعت حاجة السعودية إلى الحصول على القوة الناعمة من الانتقاد الغربي المتصاعد لحربها في اليمن وإدانة قتل الصحافي جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول.
وكان الجهد السعودي المبذول لتحقيق ذلك بكسب دعم التيار المحافظ واليميني واليميني المتطرف واضحاً في أيرلندا الشمالية.
إذ أشار الصحافي الأيرلندي فينتان أوتول، كاتب مقالات الرأي في صحيفة Irish Times، بعد تحريه عن حملة لافتة للنظر شنَّها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي الشمالي، وهو أحد الدعامات الأساسية لحكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أشار إلى أنَّ أحد كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية، ورئيس جهاز المخابرات السعودي السابق الأمير نواف بن عبدالعزيز آل سعود، بالإضافة إلى السفير السعودي في بريطانيا الذي تغيّر للتو، قد موّلوا جهود مكافحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عبر إقامة علاقة تجارية مع ريتشارد كوك، وهو ناشط اسكتلندي محافظ غامض نسبياً، وذو دخل متواضع.
يُذكَر أنَّ الأمير محمد بن نواف آل سعود، ابن الأمير نواف، كان سفيراً للسعودية في بريطانيا حتى إعادة تشكيل الحكومة السعودية، في الشهر الماضي ديسمبر/كانون الأول.
وقال أوتول للموقع الأمريكي: "قد يكون من قبيل الصدفة البحتة أن الرجل الذي وجَّه نحو 543 ألف دولار إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي الشمالي كانت لديه مثل تلك الاتصالات القوية بالسعودية. نحن ببساطة لا نعرف، ولا نعرف أيضاً ما إذا كان السفير السعودي على علم باتصال والده بريتشارد كوك".
وبالمثل، دعت السعودية العشرات من أعضاء البرلمان البريطاني إلى التوجه إلى المملكة في زيارة مدفوعة التكاليف، وأغدقت على ما لا يقل عن 50 من أعضاء الحكومة البريطانية، ومن ضمنهم ماي، بطرود تحوي كميات هائلة من الطعام، يصل وزن الواحد منها إلى 8 كيلوغرامات، بحسب الموقع الأمريكي.
وكان أحد الطرود الموجهة إلى أحد أعضاء مجلس اللوردات يحوي أعشاباً بحرية ومايونيز بالثوم، وسمك السلمون المدخن، وسمك السلمون المرقط وبلح البحر، وكيلوغراماً من جبن ستيلتون. واحتوت طرودٌ أخرى على زجاجات من مشروب كلاريت، والنبيذ الأبيض، والشمبانيا، وويسكي تاليسكير، على الرغم من حظر المملكة المشروبات الكحولية.
علاقات سعودية مع المتطرفين الأوروبيين
وبحسب الموقع الأمريكي، ففي خطوة مشابهة للجهود الروسية للتأثير في السياسة الأوروبية، أقامت السعودية أيضاً علاقات وثيقة مع بعض الجماعات المحافظة واليمينية المتطرفة في أوروبا، من بينها حزب الشعب الدنماركي وحزب ديمقراطيو السويد، بالإضافة إلى غيرها من الأحزاب الكارهة للإسلام، وفقاً لعضو البرلمان الأوروبي، إلدار ماميدوف.
وقال ماميدوف، الذي يكتب على موقع LobeLog الأمريكي إنَّ السعودية تعاملت كثيراً مع تكتُّل المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، وهي ثالث أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي. وتمتعت المملكة كذلك بدعم عضو البرلمان الأوروبي ماريو بورغيزيو، الذي ينتمي إلى حزب رابطة الشمال الإيطالي، وهو عضو في تكتُّل أوروبا والحرية، وهو تجمُّع من الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان.
وللمفارقة، تشبه استراتيجية المملكة إلى حدٍّ ما استراتيجية أحد خصومها -ولكن سعياً لأهدافٍ مختلفة- ويتمثل هذا الخصم في جمعية نهضة العلماء الإندونيسية، التي تعد أكبر منظمة غير حكومية إسلامية في العالم تعارض التوجه الإسلامي المتشدد في السعودية، المتأصل في جيناتها، وأقامت علاقات وثيقة مع اليمين الأوروبي واليمين المتطرف، في سعيها لإصلاح العقيدة.
ويمكن أن يتضح أنَّ هذه الاستراتيجية السعودية مُخادعة، لا سيما في الولايات المتحدة، وذلك اعتماداً على التقدم الذي يحرزه المحقق الخاص الأمريكي روبرت مولر، في التحقيق في التدخل الأجنبي في انتخابات عام 2016، التي أوصلت الرئيس دونالد ترامب إلى منصبه.
وبحسب ما ورد في التقارير، من المقرر أن يواصل مولر التحقيق في الملفات القضائية لكشف النقاب عن الجهود التي تبذلها السعودية -التي شوه مقتل خاشقجي سمعتها في الولايات المتحدة- والإمارات العربية المتحدة، أقرب حليف للمملكة، للتأثير على السياسة الأمريكية.
وقال هاري ليتمان، وهو محامٍ أمريكي سابق: "أعتقد أن ما توصل إليه مولر حتى الآن قد اتضح أنه أهم وأكثر تفصيلاً مما توقعنا. وقد يتبين أن هذا جزءٌ مهم من القصة بأكملها".