استعادت نانسي بيلوسي الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي لقب أقوى امرأة في السياسة الأميركية، معتمدة على حسها الاستراتيجي بمهارة لسحق التمرد في صفوف حزبها الديمقراطي بهدوء، لكنها ستحتاج إلى حنكتها لمواجهة الرئيس المتقلب دونالد ترامب.
وانتُخبت نانسي بيلوسي (78 عاماً)، بعد ظهر الخميس 3 يناير/كانون الثاني 2019، رئيسة لمجلس النواب، وهو المنصب الذي كانت أول امرأة في التاريخ الأميركي تتولاه بين 2007 و2010.
ومع تسلّمها المهام من رئيس المجلس المنتهية ولايته بول راين، ستصبح نانسي بيلوسي الشخصية الثالثة في هرم السلطة بالبلاد بعد الرئيس ونائبه.
أول تحدٍّ تخوضه الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي
وستبدأ الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي مهامها بتحدٍّ أول لدونالد ترامب، يتمثل بالتصويت، على قوانين مؤقتة للميزانية، يمكن أن تسمح -إذا وقعها الرئيس- باستئناف العمل في الإدارات الأميركية، التي توقفت بسبب "إغلاق" جزئي منذ 22 ديسمبر/كانون الأول 2018.
وبات الأمر يتعلق الآن بمعرفة من سيستسلم أولاً في المواجهة بين دونالد ترامب "والسيدة رئيسة المجلس"، والتي لا يشك مؤيدوها في نتيجتها.
وقالت ابنتها ألكسندرا، لشبكة "سي إن إن"، الأربعاء 2 يناير/كانون الثاني 2019: "لم يسبق أن انتصر أحد عندما راهن على مواجهة نانسي بيلوسي. هي يمكن أن تنزع رأسك من دون حتى أن تشعرَ بأنك تنزف".
لكن هذه لن تكون المواجهات الأولى بين ترامب وبيلوسي. فقد جعل منها المرشح الجمهوري، خلال حملته، "فزاعة" استخدمها لإدانة السياسيين الديمقراطيين، والحديث عن مشكلات السياسة في واشنطن.
ويدين محافظون آخرون "وقاحة" هذه السيدة الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي المتزوجة برجل أعمال مليونير.
وشهدت الاشهر القليلة الماضية مشكلات داخلية، مع إعلان عشرات النواب والمرشحين الديمقراطيين رغبتهم في إجراء تغيير بالقمة، ومنهم تيم راين عضو الكونغرس عن أوهايو، الذي نافس بيلوسي على زعامة الديمقراطيين بعد انتخابات 2016، لكنه فشل.
وقد أنكرت شابة تقدمية سلطتها، وذهبت إلى حد القَسم بأنها لن تنتخبها رئيسة لمجلس النواب. لكن بيلوسي تمكنت في نهاية المطاف من إقناع عدد كافٍ من المترددين، من خلال الموافقة على تحديد مدة ولايتها وتوزيع عدد من مناصب المسؤولية.
رغم أنها ضد عزل الرئيس دونالد ترامب
مثّلت الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي بيلوسي، في ولايتها الأولى، قوة معارضة كبيرة للجمهوري جورج دبليو بوش في السنتين الأخيرتين من رئاسته. وسيكون دورها الرقابي على ترامب مماثلاً.
وسيكون لديها وللقيادة الديمقراطية القدرة على منع تمرير قوانين يطرحها الجمهوريون، وتعطيل الكثير مما على أجندة ترامب، من مقترحات لخفض ضريبي جديد إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك. وبإمكان بيلوسي أن تصعّب الأمور أكثر على ترامب إذا ما أطلقت إجراءات لعزله.
وحتى الآن، عبرت عن معارضتها استخدام هذه العصا الغليظة ضده، قائلة إنها يمكن أن تؤدي إلى تعبئة الناخبين الجمهوريين لحماية الرئيس. وفي دورها الجديد سيتحتم عليها الوقوف أحياناً بوجه ترامب إذا استدعى الأمر ذلك، ولكن أيضاً العمل معه لإقرار قوانين إذا تيسر الأمر.
وقالت الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي بعد إعلان حصول حزبها على الأكثرية في مجلس النواب، إن "كونغرس ديموقراطياً سيعمل على حلول تجمعنا، لأننا سئمنا جميعاً الانقسامات". وأضافت: "الشعب الأميركي يريد السلام. يريد نتائج".
وتعد بيلوسي بلا جدل، من الأكثر حنكة بين القادة السياسيين من جيلها. وقادت قانون الرعاية الصحية الذي طرحه الرئيس السابق، باراك أوباما، في المجلس، وصولاً إلى تمريره التاريخي الشائك في 2010.
وقد يكون هذا سبب اعتبارها من كثيرين، مصدر إزعاج بعد 8 سنوات. وسأل ترامب جمهوراً في تجمّع بمينيسوتا الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2018): "أيمكنكم تصوّر نانسي بيلوسي رئيسة لمجلس النواب؟"، وأضاف: "لا تفعلوا هذا بي! لا أتصور ذلك، ولا أنتم".
نانسي بيلوسي أول امرأة رئيسة للكونغرس
تعرضت بيلوسي لهجمات من اليمين على مدى سنوات. فالمحافظون كانوا يصورون زوجة مليونير الاستثمارات من كاليفورنيا، كتجسيد لنخبة اليسار.
وهي متهمة في كل شيء، من السعي لزيادة الضرائب على العائلات المتوسطة إلى دعم تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
ومثّلت الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي ، على مدى 3 عقود، الدائرة الـ12 في الكونغرس عن كاليفورنيا وتشمل سان فرانسيسكو، معقل السياسة اليسارية والثقافة المختلفة وحقوق المثليين، وهو ما يعتبره العديد من الناخبين المحافظين انحطاطاً أخلاقياً.
وُلدت نانسي باتريشا داليساندرو في بالتيمور، في عائلة تضم سياسيين جذورها إيطالية. وكل من والدها وشقيقها كان رئيس بلدية مدينة إيست كوست الساحلية.
وبعد دراسة العلوم السياسية في واشنطن، انتقلت مع زوجها إلى سان فرانسيسكو ولديهما 5 أولاد.
انتُخبت الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي عضواً في مجلس النواب للمرة الأولى عام 1987، وشقت طريقها لتصبح زعيمة الديمقراطيين في المجلس اعتباراً من 2002، وهو المنصب الذي لا تزال تتولاه.
وبيلوسي، التي زادتها الصراعات السياسية التي لا تحصى صلابة، تمكنت بشكل كبير من الحفاظ على وحدة الحزب. وقالت مرة إن السياسة الأميركية تتطلب ارتداء "درع" والقدرة على "تلقي لكمات".