"مصر الجندي المجهول الذي فتح ذراعيه للسوريين دون شرط أو قيد"، هذه كانت كلمات معاذ الخطيب الرئيس السابق للائتلاف السوري المُعارض عندما مثّل دمشق في القمة العربية بالدوحة عام 2013، وهو يتحدث عن وضع اللاجئين السوريين في مصر.
فمصر كانت إحدى الدول القليلة التي لم تُلزم السوريين بالبقاء في معسكرات للاجئين، وسمحت لهم بتلقي التعليم في مدارسها وجامعاتها بالمجان.
ولكن مرّت بالسوريين في مصر أحداث وتقلبات كثيرة، أبرزها ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 فهل ساءت أوضاعهم عن السابق؟ وما أهم المشكلات التي يواجهها السوريون بعد مرور نحو 7 سنوات على اندلاع الثورة في بلادهم، خاصة بعد أن وجهت لبعضهم اتهامات بأنهم كانوا يؤيدون نظام الرئيس السابق محمد مرسي؟ وما أعدادهم الحقيقية، وكيف يعيشون في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية لأبناء البلد؟
التغريبة الشامية في مصر ليست الأولى من نوعها، فعبر التاريخ كان الشوام يهاجرون إلى مصر في أوقات المحن، ويتقاسمون مع أهلها العيش والملح كما يقول المصريون.
واليوم تتزايد معاناة السوريين في مصر مع تزايدة وطأة الأزمة الاقتصادية في البلاد وطول فترة التغريبة الشامية الجديدة، ومع ذلك فهناك في مصر شيء يجعل السوريين يفضلون المقام بها رغم كل شيء.
وضع اللاجئين السوريين في مصر.. الإقامة أكبر المشاكل
يتكلف المدرس السوري رضوان ما يعادل تقريباً 50 جنيهاً (2.8 دولار) مع صباح كل يوم لتجديد جوازات سفر وإقامات أسرته في مصر، أي 1500 جنيه شهرياً.
ورغم ذلك يصر رضوان على البقاء في القاهرة وعدم العودة إلى سوريا مع الذين قرروا العودة إلى بلادهم التي بدأت الأوضاع تستقر فيها تدريجياً.
هذه المبالغ الباهظة التي يدفعها رضوان تأتي رغم أن السوريين معفوْن تقريباً من رسوم الإقامة المفروضة على بقية الجنسيات.
إذ لا يدفع السوريون رسمياً سوى مبالغ بسيطة كثمن للطوابع فقط ولا تتجاوز قيمتها 50 جنيهاً مصرياً، في حالة الإقامة لأول مرة، ومن 20 إلى 30 جنيهاً في حال تجديد الإقامة.
ولكن بسبب العراقيل البيروقراطية التي تعطل إنهاء وثائق الأسر السورية لأسابيع فإنهم أحياناً يضطرون لدفع رشى لتجديد إقاماتهم.
يقول رضوان البالغ 43 عاماً لـ"عربي بوست" إن "الإقامة من أكثر الأمور التي تقضّ مضجع السوريين في مصر، ويبذلون كثيراً من أوقاتهم وأموالهم للحصول عليها".
ويضيف رضوان الذي فضّل تقديم نفسه باسمه الأول فقط، أن "السوق السوداء راجت في تسيير أمور الإقامة للسوريين، حتى وصل المبلغ الذي يتقاضاه الوسيط إلى 75 دولاراً على جواز (السفر) الواحد، فضلاً عن مبالغ تزيد على 200 دولار للحصول على قيد دراسي أو إذن عمل".
ولكن ما أعداد السوريين الحقيقية في مصر؟ إنه رقم أكبر كثيراً من الإحصاءات الرسمية
يقدر عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في القاهرة بنحو 130 ألفاً، غير أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.
إذ يصل العدد إلى نحو 700 ألف بحسب ما قالت لـ"عربي بوست" مسؤولة الإعلام في مكتب المفوضية في القاهرة، كريستين بشاي.
وأوضحت أنّ إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في مصر يصل إلى 240 ألف لاجئ من 58 جنسية، أكثر من نصفهم من السوريين.
والعام الماضي 2017 قال السفير طارق القوني، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية، إن عدد السوريين في مصر يبلغ نحو 500 ألف شخص، من بينهم 120 ألفاً مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وسبق أن قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في كلمة ألقاها بقمة اللاجئين في الأمم المتحدة، إن بلاده تستضيف نحو 5 ملايين لاجئ مسجلين وغير مسجلين.
وأضاف: "نعمل على توفير الحياة الكريمة لهم، دون عزلهم في مراكز إيواء، ونوفر لهم الخدمات بالمساواة مع المصريين".
ولكن المشكلة الأكبر لا تأتي من البيروقراطية المصرية.. إنها من السفارة السورية
"الإقامة ليست أسوأ الصعوبات، بل الحصول على جواز السفر السوري ساري المفعول هو الأسوأ"، حسب رضوان.
إذ يتحدث رضوان وهو أب لثلاثة أطفال بصوت حزين عن التكاليف الباهظة التي يتكبدها السوريُّ للحصول على جواز سفر من وطنه، والتي تزيد على 300 دولار بنظام الدور العادي، ولا تتعدّى مدة الجواز أكثر من سنتين في غالب الأحوال".
وتابع: "أي أن كل سوري يتكلف مع إشراقة شمس كل صباح 50 جنيهاً مصرياً بين جواز سفره وتكاليف إقامته فقط، عدا أجرة مسكنه وطعامه وشرابه وتنقلاته ودراسته وجامعته.. إلى غير ذلك من تكاليف".
المحامي الأشهر في مصر في التعامل مع قضايا السوريين، يوسف المطعني،
يقول إن "إجراءات استخراج جواز سفر سوري جديد من سفارة القاهرة عملية مكلفة جداً مادياً وصعبة وطويلة، إذ يتكلف 300 دولار والاستلام بعد شهرين، أما المستعجل فيصل ثمنه إلى 800 دولار، ما يجعله أغلى جواز سفر في العالم".
واللاجئون السوريون في هذه المنطقة هم الأكثر معاناة
وضع اللاجئين السوريين في مصر يختلف من منطقة إلى أخرى.
الشاب السوري أيمن وهو أب لطفل واحد يعتقد أن صعوبة الحصول على إقامة تنطبق بالأساس على المقيمين السوريين في ضاحية 6 أكتوبر (جنوبي غرب القاهرة)، لزيادة أعداد السوريين، لكن الأمور أسهل كثيراً في باقي المحافظات.
ويتركز السوريون في مصر بمنطقة 6 أكتوبر غربي القاهرة، الأمر الذي يؤدي إلى تكدّس السوريين في المكاتب الحكومية المعنية بأمورهم، وليس بسبب تمييز ضدهم في هذه المنطقة.
وفي ظل هذه الظروف انتقل بعض السوريين للعيش في الإسماعيلية ودمياط شرق وشمال البلاد، فيما انتقل آخرون للإسكندرية شمال غرب البلاد.
ولكي تحصل على الإقامة يجب عليك الذهاب قبل الفجر إلى معقل البيروقراطية المصرية
ولا يعيش السوريون اللاجئون في مصر في مخيمات مثل دول جوار سوريا، لبنان والأردن وتركيا، لكنهم على العكس اندمجوا في نسيج المجتمع المصري بشكل كبير.
ويتمتع السوريون في مصر بالحق في الالتحاق بالمدارس الحكومية والحصول على الخدمات الطبية الأولية مثل المصريين، وهو أمر يشعرهم براحة كبيرة.
لكن إجراءات الإقامة وشروطها تزداد صعوبة، وأصبحت تشكل تهديداً لكثير من السوريين أو على الأقل مصدر قلق لهم.
فالحاج نذير وهو فني كهربائي وأب لخمسة أطفال يقول إن "صعوبات الإقامة تزداد عاماً بعد عام بسبب القوانين (التعليمات أو القرارات) التي تصدر".
وبسبب ذلك يضطر السوريون للانتظار بدءاً من ساعات الفجر أمام مجمع التحرير (مقر حكومي رئيسي) لحجز دور في الطابور قبل حتى أن يفتح المبنى أبوابه.
.@telegraphnews: Shutting down Mogamma, clogged heart of Egypt's bureaucracy https://t.co/CASRg3H2q5 #مجمع_التحرير pic.twitter.com/ZPq6xXKI34
— Youssef Taha (@Youssef_Taha) July 3, 2016
المشكلة نفسها تواجه محمد، وهو لاعب كرة سوري سابق يبلغ الآن 44 عاماً، فإن تجديد الإقامة يشكّل أبرز معضلات الحياة في القاهرة.
إذ يشكو محمد -الذي فضل عدم ذكر اسمه بالكامل- من "النزول إلى مجمع التحرير في ساعات الفجر لحجز دور قبل فتح المبنى، خصوصاً أن ظروف إنهاء الأوراق تتوقف على طريقة معاملة الضابط الموجود".
ويقول محمد، وهو أب لثلاثة أطفال "يذهب المقيم في مصر من الساعة 3 صباحاً لكي يحجز دوراً للدخول إلى المجمع الساعة الثامنة صباحاً، ويأتي الضابط ويأخذ عدداً محدوداً من الاستمارات، في ظل تقدم عدد كبير جداً".
وأضاف: "مَن لم يأتِ دوره يعود في اليوم التالي من أجل الحصول على توقيع الضابط على الاستمارة للبدء بالمعاملة في غرف المجمع".
وتابع: "لذلك يمكن أن ينتهي الأمر بربِّ الأسرة أن يذهب للمجمع 5 أيام متتالية لإنهاء معاملة قد تنتهي في 5 دقائق. وهو ما يُعد إهداراً لوقتنا ومواردنا المحدودة بشكل كبير، كما يؤثر على أعمال السوريين ومصادر أرزاقهم".
مافيا إقامات السوريين تتوحش.. والسجن مصير الضحايا
مع تدهور وضع اللاجئين السوريين في مصر بتوالي السنين الغربة، بدأت أعداد قليلة من السوريين بدأت العودة إلى بلادهم بسبب ظروفهم المادية الصعبة في مصر، ولكن عدداً أكبر غادر إلى دول أوروبية وتركيا، حسبما يقول المحامي الأشهر المتخصص في قضايا السوريين.
ويوضح المطعني أن "أكبر مشكلة تواجه اللاجئين السوريين في مصر هي الحصول على الإقامة وتجديدها"، موضحاً: "معاملة ضباط وأفراد مجمع التحرير من أسوأ ما تكون إلا من رحم ربي".
ويتابع المحامي المتخصص في قضايا السوريين أن "كثيراً من موكليه وقعوا في فخ النصب بسبب موضوع الإقامات، إذ دفعوا مبالغ لنصابين من أجل تسريع إجراءات الحصول على الإقامة".
ويضيف: "وبسبب هؤلاء النصابين وجد بعض السوريين أنفسهم في السجن لأكثر من جريمة جنائية، وبعد إثبات براءتهم يصعب إخراجهم من السجن لعدم وجود هوية"، حسب ما قال المطعني.
ويتواجد في مصر ما تطلق عليه وسائل الإعلام المصرية مافيا تزوير الإقامات والتأشيرات للسوريين.
وسبق أن ألقت على بعض أفراد هذه المافيا، وقد بلغت تسعيرة الإقامة المزورة في إحدى الحالات في 2015 نحو 10 آلاف جنيه.
"أمتار تفصلني عن أسرتي ولكن ممنوع عليّ رؤيتهم".. معضلة لمّ الشمل
صعوبات الحصول على جواز سفر أو تجديد الإقامة شيء بسيط أمام مأساة إنسانية أكبر هي لمّ الشمل بالنسبة للأسر السورية.
إذ يتواجد الأب في مصر أحياناً وأولاده في مكان آخر، أو الزوج في مصر وزوجته في مكان آخر.
لرضوان تجربة صعبة في محاولة لمّ شمل أسرته، إذ وصل إلى القاهرة وحيداً في بداية عام 2013، وبعد 7 أشهر حجزت زوجته وطفلاه الصغيران تذكرة طيران إلى مصر، ولكن عندما حطّت الطائرة في مطار القاهرة صدر قرار بإعادة كل مّن على الطائرة من السوريين حتى يحصّلوا على تأشيرة الدّخول.
ويصف رضوان هذا الموقف بأنه من أصعب وأشد ما تعرض له في حياته.
ويقول: "يا لهول الموقف، كان بيني وبين زوجتي وأطفالي نحو 200 متر، ولم أستطع حتى رؤيتهم، وعادوا من حيث أتوا، وبدأت رحلة البحث عن التأشيرة، وكأنك تبحث عن إبرة في كومة قش، لا أحد يجيبك أو يساعدك أو يدلّك، ودخلت في أتون حرب التأشيرة من أين؟ وكيف؟ ومتى؟ ولا جواب".
قسطنطين شرايبر: اللاجئون السوريون في #مصر يشعرون بالراحة أكثر من إخوانهم في #ألمانياhttps://t.co/aNJS0aYeQD
— El Bashayer (@elbashayer) December 25, 2018
والحل قد يكون في تهريب الزوجة عبر السودان
ويتذكر الحاج نذير البالغ من العمر 55 عاماً أنه تقدم منذ 3 سنوات بطلبين للمّ الشمل واحد لوالدته وآخر لزوجته، مع العلم أنه قدم إلى إدارة الجوازات الأوراق والإثباتات المطلوبة وعقد الزواج مُصدق من الخارجيتين والسفارتين السورية والمصرية، إلا أنه قوبل بالرفض، ما اضطره إلى استقدام زوجته عبر طريق السودان بدخول غير شرعي.
ويقول أيمن إن "عدداً قليلاً جداً من السوريين يلتقون بأهاليهم، وبعض الناس يزورون أقاربهم في سوريا ويعودون فقط بحكم الإقامة السنوية التي تخولهم الذهاب والعودة إلى أرض مصر، وهم من ميسوري الحال".
ويقول لاعب الكرة محمد بصوت حزين: "مع تضييق السلطات المصرية على منح التأشيرة قد لا يلتقي المقيمون في مصر مع أهاليهم الموجودين خارج مصر، وقد يضطرون إلى الالتقاء في بلد آخر، ما يكلف الطرفان مبالغ باهظة بسبب تذاكر الطيران وأجور الإقامة في البلد الثالث".
وتابع: "بالنسبة للسوريين البلد الوحيد الذي يمكن الاجتماع بالأهل هو السودان". ويمكن للسوريين الدخول إلى السودان دون تأشيرة وهو الأمر الذي يستغله السوريون للدخول إلى مصر أحياناً.
إذ يصلون للخرطوم ومنها برا إلى بورسودان، ثم يدخلون إلى مصر بشكل غير قانوني في رحلات محفوفة بالمخاطر وبعد سلوك دروب صحراوية جد وعرة.
لقمة العيش تزداد صعوبة على المصريين والسوريين.. ولكنهم يفضلون البقاء
وضع اللاجئين السوريين في مصر لايختلف كثيراً عن المصريين، تأثر السوريون في مصر بالظروف الاقتصادية مثل أهل البلد تماماً، خاصة بعد الغلاء الذي حدث إثر تحرير سعر الصرف.
إذ تعيش مئات الأسر السورية على تلقي مساعدات خيرية شهرية، لذا يسعى أولئك الذين قرروا البقاء إلى تأمين دخل ثابت للاستغناء عن المساعدات.
ويتقاضى رضوان نحو 1700 جنيه أجراً شهرياً في وظيفته، وهو ما لا يكفي أسرته خصوصاً مع غلاء الأسعار وضرورة توفير إيجار البيت، والمواصلات، والمدارس، والمياه والكهرباء والهاتف.
الاكلات السورية الاكثر رواجاً في #مصر بعد تزايد عدد الاجئون السوريون .. بالفعل بمصر اشتهيت دوق شي اكلة طيبة
— kallas🇸🇾 (@Mohammedkallas) March 17, 2013
ويرى المدرس السوري رضوان أن البقاء في مصر ليس الخيار الأمثل، ولكنه "الأمر المتاح الذي لا بديل عنه حاليّاً ضمن الظرّوف الراهنة، فالذي تعايش مع الأسوأ يستطيع أن يعيش مع السيئ".
ويستدرك قائلاً: "بل لعل السيئ من وجهة نظر المصريين هو جيّد بالنسبة لنا كسوريين بناءً على ما هو موجود عندنا، لذلك البقاء على السّيئ أفضل من الرجوع إلى الأسوأ"، حسب تعبيره.
والزيجات المختلطة تزايدت بين المجتمعين
وضع اللاجئين السوريين في مصر ليس سيئا في كل شئ، فعلى العكس هناك إيجابيات في مصر لم يروها في بلدان أخرى.
يقول رضوان إن "المدارس المصرية والجامعات تعامل السوري معاملة المصري دون أيِّ عقبات تذكر، إلا فيما يخص سريان الإقامة على الجواز أو بطاقة اللجوء، فلا يقبل الطالب السوري إلا إذا كانت الإقامة سارية على جواز السفر أو بطاقة اللجوء الصفراء".
لكن اندماج السوريين في نسيج الحياة المصرية يتم بشكل حذر، إذ لا يشتري السوريون الميسورون سوى المسكن والسيارة فقط، وهذا بسبب ما يراه رضوان من "عدم وضوح آلية التعامل مع السوريين، فكل يوم قرار جديد، وكل سنة معاملة جديدة ومتطلبات جديدة وأوامر جديدة".
ويعتقد رضوان أيضاً أنه من معالم اندماج السوريين مع المصريين هو الزيادة الملحوظة في الزواج المختلط بين المصريين والسوريين بسبب أن طول المدة التي عاشها السوريون في مصر جعلهم يتعرّفون على أبناء المنطقة التي يعيشون فيها، ويتأقلمون معها، فلم تعد بعض الاختلافات بين العادات السورية والمصرية عائقاً بين تلاقي الأسرتين من بلدين".
هؤلاء يفضلون العودة إلى كوريا الشمالية.. سوريا سابقاً
ومع بدء استقرار الأوضاع في سوريا واستعادة الحكومة السورية السيطرة على كثير من المدن بدأت الكثير من الأسرة العودة لديارها مجدداً.
وقال الشاب السوري أيمن إن "كثيراً من السوريين بدأوا العودة إلى بلادهم بعد استقرار الأوضاع نسبياً، حتى إن هناك سوريين عادوا مع أثاثهم عن طريق الشحن نظراً لغلاء أسعار الأثاث داخل سوريا".
ويرى أيمن أن من قرر الإقامة في مصر ولم يعد إلى سوريا يعود إلى أن "الحريات في بلادنا في سوريا تشبه كوريا الشمالية"، حسب تعبيره.
بالإضافة إلى أن هناك آخرين دُمرت منازلهم بشكل كامل أو جزئي، وتُكلّف ملايين الليرات السورية لإعادة بنائها، وبطبيعة الحال فإن الشباب في سن التجنيد الإلزامي يتجنبون العودة لسوريا.
أما لاعب الكرة السابق محمد يقول إن "قرار البقاء في مصر لا يرتبط بوضع الحريات، وإنما مرتبط بالأمان بالدرجة الأولى، وهذا ما هو متوافر في مصر بشكل أكبر من سوريا، مع إقراره بأن الحريات في مصر أوسع بطبيعة الحال، لكنها لم تعد السبب الرئيسي بالنسبة لقراره عدم العودة إلى وطنه".
وتابع قائلاً: "مصر تشبه سوريا بأنها بلد عربي والحياة مقبولة، وأيضاً من قرر البقاء منهم أسس لنفسه عملاً جيداً أو لديه أطفال بسن الشباب مطلوبين لخدمة العلم أو للاحتياط".
والبعض عاد إلى سوريا لكنه قرر الرجوع إلى مصر مجدداً
لا يوجد إحصاء رسمي يوضح عدد السوريين الذين عادوا إلى سوريا من مصر.
وعدد من اللاجئين المسجلين عادوا إلى بلادهم لتفقد الأوضاع ثم رجعوا إلى مصر مرة أخرى، حسب مسؤولة الإعلام في مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة، كريستين بشاي.
وأكدت كريستين أن المفوضية تتفاوض الآن مع الحكومة السورية للحصول على ضمانات قبل "العودة الاختيارية" للاجئين، منها ضمان ملكية عقاراتهم والاعتراف بشهادات ميلاد اللاجئين الصغار وشهادات تعليمهم والأهم عدم الملاحقة القضائية لهم.
اللاجئون السوريون
وفقاً لبيانات رسمية في 2017، أسس السوريين في مصر نحو 4100 شركة في قطاع المشروعات الصغيرة، برأسمال 1.9 مليار دولار،
— mahmoud elgarihy (@mahmoudelgarih1) July 21, 2018
وما حقيقة التحريض ضد السوريين؟
مشاكل الحياة اليومية طالت اللاجئين السوريين مثل المصريين.
إذ يقول نذير إنه حدثت مشكلة كبيرة في العقار الذين يسكنون فيه مع أحد المصريين وتطور الأمر إلى أن جاء بلطجية وحاولوا إخراج 4 عائلات سورية من العقار لولا تدخل عقلاء مصريون.
ولكن عاد نذير وشدد على أن "مصر كانت أفضل دولة عربية على الإطلاق بالنسبة إلى اللاجئين السوريين، وهذا باعتراف كل السوريين الموجودين بمصر.. يكفي أن السوريين لم يتم إلزامهم على الإقامة في مخيمات مثل لبنان والأردن وتركيا".
ويقول المدرس السوري: "إن السوريين في مصر يعاملون بشكل طبيعي باستثناء ما حدث من "تحريض إعلامي" في عامي 2013 و2014، بسبب دعم بعض السوريين لنظام الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي".
اعلام مصر لم يسلم منهم حتى الاجئون السوريون الذين هربو من البراميل المتفجرة . http://t.co/Nw17XRpvxO
— عماد عيدروس العقله (@emad_qasem1) September 4, 2015
جمال النساء السوريات مشكلة.. ولذا لجأن إلى هذه الحيلة لتجنب التحرش
أحياناً تعاني النساء والفتيات السوريات من بعض الإزعاج، بسبب مظهرن المختلف، وجمالهن المشهور في مصر، ويكون ذلك سبباً لبعض المضايقات وبعض التحرّش أحياناً، حسب رضوان.
ويقول: "هذا ما حدا بكثير من السوريّات إلى محاولة الاندماج عبر محاولة ارتداء الملابس خاصة الحجاب على النمط المصري حتى يتجنبنَ المضايقات".
وقالت شابة سورية أم لطفلتين بخجل لـ"عربي بوست": "نعم هناك تحرش، لكنه تحرش مماثل تماماً لما تتعرض له المصريات".
وتابعت باقتضاب: "الأمر متعلق بكوني أنثى وليس كوني سورية".
وتعاني المصريات من انتشار ظاهرة التحرش على نطاق واسع.
وأظهرت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أن حوالى 99% من النساء المصريات تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسى.
وهناك عامل آخر أسهم في كسر الحاجز النفسي لدى السوريين في مصر
"عامل اللغة والثقافة والعادات المشتركة بين مصر وسوريا أسهم في كسر الحاجز النفسي لدى اللاجئين السوريين في مصر"، حسبما تقول مسؤولة الإعلام في المفوضة السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويمثل هذا العامل واحداً من أهم إيجابيات وضع اللاجئين السوريين في مصر
وتوضح كريستين أن الفارق بين اللاجئ السوري المسجل لدى المفوضية والذي يحمل الكارت الأصفر أو الأزرق وبين السوري المقيم في مصر بدون صفة اللجوء، أن "الأول يتمتع بحماية قانونية تمنع ترحيله قسرياً إلى بلده".
غير أنها شددت على أن "الحكومة المصرية كانت ولازالت مضيافة مع السوريين".
لن نقول لهم ارحلوا أبداً.. ولمّ الشمل أصبح متاحاً للجميع إلا لهذه الفئة
وقال مسؤول مصري مطلع على ملف السوريين في وزارة الخارجية المصرية، وطلب عدم ذكر اسمه: "في كل الأحوال ومهما طالت إقامة السوريين في مصر فالحكومة لن تقول لهم ارحلوا".
وشدد على أن "مصر لا تعاملهم كلاجئين أبداً. هم أشقاؤنا ويمرون بمحنة، ومصر مفتوحة لهم حتى يقرروا هم الرحيل".
وقال المسؤول لـ"عربي بوست" إن القاهرة باتت توافق أخيراً، "طالما توافرت الشروط"، على العديد من طلبات لمّ الشمل التي تقدمها الأسر السورية بعد سنوات من الرفض لأسباب أمنية.
🔴 #اللاجئون #السوريون بين جحيم العيش بـ #تركيا و #لبنان وكرم الضيافة في #مصر https://t.co/xcOzQ7dd8Y pic.twitter.com/GHSi1HdwAq
— بوابة أخبار اليوم (@akhbarelyom) July 6, 2018
لكن مسؤولاً في وزارة الداخلية المصرية قال لـ"عربي بوست" إن "ملف لمّ الشمل ملف حساس للغاية لأننا نأخذ وقتاً طويلاً للتأكد من أن الشخص المطلوب استقدامه لم يتورّط مع الجماعات الإرهابية في سوريا".
وتابع: "الأولوية للعجائز والأمهات كبار السن، لكن لمّ شمل الشباب الأصغر سناً يأخذ وقتاً طويلاً وأحياناً لا يمكننا الفصل في الطلبات أساساً".
وتابع: "مهمتنا حماية الأمن القومي المصري أولاً".