زيارة ترامب للعراق لتهنئة الجنود الأميركيين بمناسبة احتفالات عيد الميلاد، وحّدت موقف الأحزاب الشيعية الرافض للزيارة، وتنامت معها دعوات تطالب بإلغاء الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية بين بغداد واشنطن ، وإزالة القواعد العسكرية وجلاء القوات الأميركية من العراق .
زيارة ترامب وضعت رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، في موقف حرج أمام القوى السياسية الداعمة لحكومته. كما أن الإعلان عن موعد الزيارة عبر وسائل الإعلام كان بمثابة صدمة للحكومة العراقية ورئيسها.
زيارة سرية بأقصى الاحتياطات الأمنية
الرئيس الأميركي أقر بعد زيارته، في طائرة بلا أضواء، بوجود مخاوف أمنية رافقته للعراق، وقال إنه "من المحزن جداً أن تنفق 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ورغم ذلك يتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم، وأن تفعل كل شيء كي تدخل سالماً".
وصل ترامب، مساء الإثنين 24 ديسمبر/كانون الأول 2018، إلى قاعدة "عين الأسد" بمحافظة الأنبار غرب العراق، في زيارة سريعة وخاطفة لم تستغرق سوى 3 ساعات، دون علم المسؤولين بالحكومة العراقية، حسب مسؤول محلي بمحافظة الأنبار.
المسؤول الذي رفض ذكر اسمه أضاف لـ "عربي بوست"، أن بعض الشخصيات السياسية والعشائرية في الأنبار، علموا بعد 20 ساعة من زيارة الرئيس الأميركي القاعدة العسكرية بالمحافظة.
ترامب وصل في الساعة 4:15 بتوقيت غرينتش من مساء يوم الإثنين، "ما نُشر في وسائل الإعلام عن زيارته للمحافظة في مساء الأربعاء (26 ديسمبر/كانون الأول 2018)، غير صحيح، زيارة ترامب كانت سريعة ولم تستغرق سوى 3 ساعات".
إنشاء قواعد عسكرية جديدة؟
ويضيف المسؤول أن المعلومات التي يمتلكها تشير إلى تحرك الجيش الأميركي قرب مدينة القائم العراقية المحاذية لمدينة البوكمال السورية، لإنشاء قواعد عسكرية في صحراء الأنبار، على أن تكون القاعدة هي الأولى في مدينة الرطبة غرب مدينة الرمادي المحاذية للحدود السورية، والثانية في ناحية الرمانة التابعة لقضاء القائم والمحاذية للحدود الأردنية.
وأكد المسؤول المحلي أن الحكومة في الأنبار لا تعرف أسباب زيارة ترامب للمحافظة، وتم إبلاغ الحكومة المركزية، وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي، بما يحدث، ولم يتم اتخاذ الإجراءات الرسمية، بسبب وجود اتفاقية أمنية موقَّعة بين بغداد وواشنطن.
إلى ذلك، أكد مكتب رئيس الوزراء العراقي أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أبلغ عبد المهدي رغبته في زيارة العراق، لتهنئة الحكومة العراقية الجديدة، ولزيارة العسكريين الأميركيين ضمن قوات التحالف الدولي الداعمة للعراق في محاربة تنظيم داعش.
وذكر بيان لمكتب عبد المهدي، حصل "عربي بوست" على نسخة منه، أنه "كان من المفترض أن يجري استقبال رسمي ولقاء بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأميركي، إلا أن التباين في وجهات النظر لتنظيم اللقاء أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع العراقية، والانسحاب الأميركي من سوريا، والتعاون المشترك لمحاربة داعش، وتوفير الأمن والاستقرار لشعوب وبلدان المنطقة".
لم يُعلمه بالزيارة لكنه دعاه لزيارة واشنطن
ولفت بيان مكتب عبد المهدي إلى أن "الرئيس الأميركي دعا رئيس الوزراء العراقي لزيارة واشنطن، واتفق الطرفان على الاستمرار في توثيق العلاقات المشتركة بين البلدين، وشملت تهنئة العسكريين الأميركان بقاعدة عين الأسد العراقية في الأنبار بمناسبة أعياد الميلاد".
زيارة ترامب العراق وحّدت الأحزاب الشيعية المتخاصمة على وزارة الداخلية في الحكومة العراقية، كل منهما رفض الزيارة وطالب بانعقاد جلسة طارئة لمجلس النواب، لإخراج القوات الأميركية عن العراق، وإلغاء الاتفاقية الأمنية بين بغداد واشنطن.
وصف زيارة ترامب: كأن العراق ولاية من ولاياته!
رئيس كتلة الإصلاح والإعمار في البرلمان العراقي، صباح الساعدي، وصف زيارة ترامب المفاجئة من دون علم الحكومة بأنها "انتهاك للسيادة"، كأن العراق ولاية من ولاياته دون أي احترام لسيادة الدولة العراقية.
وقال الساعدي في بيان للكتلة، حصل "عربي بوست" على نسخة منه، إنه من الواجب عقد جلسة طارئة لمجلس النواب، لبحث هذا "الانتهاك الصارخ لسيادة العراق، وإيقاف هذه التصرفات الهوجاء من ترامب، الذي يجب أن يعرف حدوده؛ فالاحتلال الأميركي للعراق انتهى، وانسحاب القوات الأميركية من سوريا ليس مسوغاً أو مبرراً لبقاء القوات الأميركية بالعراق، وجعله قاعدة لها من القواعد في المنطقة والشرق الأوسط".
من جهته، توقع ائتلاف سائرون، المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، انعقاد الجلسة الطارئة لمجلس النواب، في الأسبوع المقبل، بحضور القائد العام للقوات المسلحة العراقية، لمناقشة انتهاك السيادة والوجود الأميركي في العراق.
ويقول النائب عن "سائرون" بدر الزيادي، لـ "عربي بوست"، إن "زيارة ترامب مخالفة للأعراف الدبلوماسية وإهانة للدولة العراقية، وتم جمع وتقديم تواقيع أعضاء البرلمان إلى رئاسة المجلس، لعقد جلسة طارئة، لمناقشة انتهاك السيادة والوجود الأميركي على الأراضي العراقية، وإعادة النظر في الاتفاقية الأمنية الموقَّعة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية".
جلسة طارئة في البرلمان العراقي
وبيَّن الزيادي أن "الجلسة ستُعقد في الأسبوع المقبل، بحضور رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ووزيري الداخلية والدفاع بالوكالة، ووزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، ورئيس أركان الجيش بالوكالة عثمان الغانمي، وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد انعقاد الجلسة ومناقشة هذه المواضيع".
ولفت النائب عن "سائرون" إلى أن "اتخاذ قرار بإخراج القوات الأميركية من العراق يحتاج إلى توافق سياسي في مجلس النواب، العراق دولة ذات سيادة، ويرفض دخول أي شخصية أميركية أو إيرانية، أو السعودية أو غيرها، مهما كان منصبها ووجودها، في أراضي العراق، من دون علم مسبق وموافقة الحكومة".
في حين يرى حسن سالم، رئيس كتلة عصائب أهل الحق، والقيادي في تحالف الفتح أن من يصمت على زيارة الرئيس الأميركي إلى العراق، ولا يستنكر، ولا يرفضها، هو "متآمر على العراق وسيادته"
إلغاء الاتفاقية الأمنية وإخراج الأميركان
يقول سالم لـ "عربي بوست"، إن "زيارة ترامب غير مرحب بها، وينبغي ألا تمر مرور الكرام، زيارته المفاجئة دليل واضح على استهتار ترامب وتكبر واشنطن واستخفافها بالسيادة العراقية، ولهذا، على الحكومة العراقية ووزارة الخارجية اتخاذ موقف، وعدم السكوت أو التهاون عن تلك الزيارة غير القانونية، وتجاوزها الأعراف الدبلوماسية.
وتابع سالم أن "مجلس النواب مطالب بتشريع قانون إخراج القوات الأميركية والأجنبية من الأراضي العراقية، وضع حد للقواعد العسكرية. إن الولايات المتحدة وإدارة البيت الأبيض لا يحترمون السيادة العراقية، ويعتبرون أنفسهم دولة محتلة وتبحث عن مصالحها في منطقة الشرق الأوسط".
وتنص الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، التي صوَّت عليها مجلس النواب العراقي، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، على انسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية، في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر/كانون الأول 2011، ولا يجوز استخدام أراضي ومياه وأجواء العراق ممراً أو منطلقاً لهجمات ضد دول أخرى.