تشير التوقعات إلى توجه سعودي رسمي خلال الفترة القادمة نحو إعادة النظر في ضريبة القيمة المضافة، والرسوم على المرافقين للمقيمين من العاملين في الجمعيات الخيرية المسجلة تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والتي لا تمارس نشاطاً اقتصادياً ويوجد لديها بعض المنشآت غير الاقتصادية.
يأتي هذا التوجه بعد اللقاء المفتوح الذي عقده وزير العمل المهندس أحمد بن سليمان الراجحي بداية الأسبوع الماضي، مع عدد من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات وأمناء الجمعيات الخيرية في المنطقة الشرقية، موضحاً أن الوزارة تبذل جهودها لإعفاء القطاع الثالث من ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى ما يعرف بـ"الفاتورة المجمعة" وإعادة النظر في رسوم المرافقين والمرافقات للعاملين الوافدين في القطاع غير الربحي بالسعودية (الجهات والجمعيات والمنظمات الخيرية).
وقد أكد مسؤول في وزارة العمل طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية لـ"عربي بوست"، بأنّ الوزارة تبحث فعلياً تخفيض رسوم الأبناء المرافقين للأجانب، مؤكداً بأنّ هذا التوجه يأتي في إطار مراعاة نشاط الجمعيات الخيرية المسجلة تحت الوزارة – ما يقارب 748 جمعية خيرية منها 83 جمعية نسائية وكذلك 148 مؤسسة خيرية خاصة منتشرة في أنحاء السعودية.
وتقوم هذه الجمعيات بتقديم العديد من الخدمات والأنشطة الأسرية والاجتماعية والصحية، إضافة إلى العديد من المشاريع التأهيلية المتعلقة بالمقبلين على العمل والزواج.
ويؤكدّ المصدر بأنّ هناك حوالي 23 ألف موظف ما بين دوام كامل وجزئي يعملون داخل هذه الجمعيات غالبيتهم من السعوديين، مشيراً إلى أنّ نسبة العاملين من السعوديين تصل إلى 51 %. مشدداً على أنّ وزارة العمل تسعى إلى مراعاة الأعباء الكبيرة المترتبة على هذه الجمعيات، خاصة وأنّ غالبية المستفيدين من تلك الجمعيات من المواطنين السعوديين.
وفي هذا السياق طالب عضو مجلس إدارة مجلس الجمعيات التعاونية عبدالله الحمراني بضرورة تفعيل تخفيض رسوم التابعين/المرافقين على العاملين الوافدين على مستوى الجمعيات التعاونية التي ينطبق عليها نظام وزارة العمل في كل اللوائح والقوانين، وليس على العاملين في الجمعيات الخيرية فقط.
وعبّر الحمراني في حديث خاص مع "عربي بوست"، أهمية أن يشمل القرار الجديد الجمعيات التعاونية التي من شأنها أن تسهم في تقوية مثل هذه الجمعيات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأنّ رؤية 2030 تسعى إلى زيادة حجم مثل هذه الجمعيات في السعودية من 243 إلى 5000 جمعية خلال السنوات الخمس المقبلة.
واعتبر الحمراني أنّ تطبيق تخفيض أو إعفاء الرسوم على التابعين من العاملين المقيمين في الجمعيات التعاونية من شأنه أن يدعم توسيع دائرة نشاط هذه الجمعيات، خاصة وأنّها تقع في منطقة وسط بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، فهي تخدم الدولة بدافع النهوض بالاقتصاد من ناحية، وبدافع اجتماعي عبر التشجيع على العمل ومكافحة البطالة وإشاعة روح التعاون بين المواطنين من ناحية أخرى.
أعباء تواجه العمل الخيري بالسعودية
هذا ويواجه واقع الجمعيات والعمل الخيري في السعودية تحديات كبيرة وصعبة خاصة فيما يتعلق بالتنظيم المؤسسي الداخلي لها. أحد أهم التحديات يتعلّق بالعاملين الوافدين خارج الإطار القانوني للجمعيات، إذ أنّ الكثير منهم يعملون ضمن دائرة "التطوع" في محاولة للالتفاف على الأنظمة والقوانين.
وهناك العديد من الجمعيات التي سعت إلى سعودة المنتسبين لها من أجل تفادي حجم الرسوم العالية المترتبة على توظيف الأجانب، ابتداء من الرسوم التي تفرضها وزارة العمل على العاملين الأجانب والتي تصل إلى 400 ريال شهرياً عن كل عامل وافد، بالإضافة إلى ارتفاع رسوم الإقامة المفروضة على التابعين (100 ريال شهرياً) وزيادتها على نحو مستمر.
حيث بدأ تحصيل رسوم الإقامة على التابعين في اليوم الأول من شهر يوليو/تموز لعام 2017. ثم ارتفعت إلى 200 ريال شهرياً في الأول من شهر يوليو لعام 2018، وستصبح 300 ريال شهرياً في يوليو 2019، ثم 400 ريال شهرياً مع بداية شهر يوليو لعام 2020.
كل هذا زاد من الأعباء المترتبة على مؤسسات وجمعيات العمل الخيري التي يبدو أنها لم تجد الوقت المناسب لضبط وتصويب عملها وفق الأنظمة واللوائح القانونية، إضافة إلى عدم قدرتها على الإيفاء بالالتزامات المادية المقررة سواء على مستوى التراخيص أو على مستوى العاملين من غير السعوديين. مما يدفعها إلى الالتفاف على الأنظمة والقوانين.
عزوف الكفاءات والخبرات الوافدة
أكدّ الخبير في القطاع الخيري د. أشرف سالم في تصريح لـ"عربي بوست"، بأنّ التوجه الرسمي لإعادة النظر في قرار الرسوم المفروضة على الأجانب يأتي لعدة أسباب أهمها هجرة ورحيل عدد كبير من العمالة الوافدة التي كانت من الكفاءات والخبرات المهمة في القطاع الخيري، وأشار إلى أنّ كثيراً من الكفاءات المهمة الوافدة في المؤسسات الخيرية السعودية أُجبرت على مغادرة السعودية بعد فرض رسوم التابعين.
وأوضح سالم الذي شغل منصب مدير العلاقات العامة في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بأنّ نسبة العاملين من غير السعوديين في المؤسسات الخيرية تتراوح ما بين 40-60 %، منوهاً إلى أنّ هذه النسبة تختلف بحسب حجم المؤسسة والمنطقة أو المدينة التي تعمل بها، مشيراً إلى أنّ هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي تعدّ من أكبر المؤسسات الخيرية في السعودية قد وصلت نسبة السعودة فيها إلى 50%.
يرى سالم أنّ نسبة السعودة داخل المؤسسات الخيرية قد أثرت بشكل كبير في طبيعة العمل ومنهجيته؛ نظراً إلى قلة الكفاءة والخبرة لدى العنصر السعودي، فهي تفتقد التدريب وغير مؤهلة لقيادة المؤسسات والجمعيات الخيرية، نظراً إلى أنّ العنصر الأجنبي كان هو الأقدر على إدارتها، مشدداً على أنّ هذا هو أحد الأسباب التي ستدفع وزارة العمل لاتخاذ قرار تخفيض أو إلغاء الرسوم على المرافقين للمقيمين العاملين بالجمعيات الخيرية بالسعودية.
يذكر أن نظام الإقامة في "الجوازات السعودية" استثنى من دفع رسوم المرافقين كلاً من الموظفين في القطاع الحكومي والطلاب الأجانب الملتحقين بمؤسسات تعليمية جامعية، إلى جانب أبناء المواطنات، أم المواطن الأرملة أو المطلقة، والمرافقين المسجلين في النظام تحت بند "خرج ولم يعد".