صحة بوتفليقة تتدهور والجيش يرفض التدخل والدستور لا ينص على هذه المناورة السياسية.. هل تتأجل الانتخابات الرئاسية في الجزائر؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/14 الساعة 15:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/14 الساعة 17:34 بتوقيت غرينتش

بعد تدهور الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، اقترح الإسلامي عبد الرزاق مقري فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر والمزمع إجراؤها خلال أبريل/نيسان 2019. ساندت الأغلبية من مؤيدي النظام هذه الفكرة على استحياء. لكن، هل هذا التأجيل قابل للتنفيذ سياسياً وقانونياً؟

تشهد الجزائر منذ فترة موجة من التخبطات السياسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

طرح بدايةً سيناريو مراجعة الدستور بهدف بعث منصبيّ نائبين للرئيس لمساعدة عبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر 81 عاماً، والذي تعرض لجلطة دماغية عام 2013، لكن سرعان ما تم التخلي عن هذه الفرضية.

كما أن هناك إمكانية حل المجلس الشعبي الوطني، الذي يعيش على وقع أزمة خطيرة انطلقت منذ طرد رئيسه السعيد بوحجة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

واليوم، يتم الحديث عن سيناريو تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال أبريل/نيسان عام 2019.

ويقف وراء هذا المقترح الجديد، رئيس حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي، عبد الرزاق مقري.

مقري يقترح تأجيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر لهذه الأسباب

فمنذ بضعة أيام، اقترح مقري تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عام على الأقل حتى تنحل الأزمة التي تمر بها البلاد.

وأشار رئيس حزب حركة مجتمع السلم إلى أن الوضع الحالي يستوجب عقد هدنة انتخابية، لا سيما في ظل تدهور حالة الرئيس الصحية، علاوة على غياب توافق في هرم الدولة حول ترشّحه لفترة خامسة، والأزمة الاقتصادية التي تغرق فيها الجزائر منذ 4 أعوام على خلفية تراجع أسعار النفط.

تجنباً للوقوع في سيناريو فوضوي شبيه بما تمر به فنزويلا حالياً، التي تشهد اضطرابات سياسية واجتماعية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، اعتبر مقري أن الحل الوحيد يكمن في فترة انتقالية يتم التفاوض بشأنها بين النظام والمعارضة لتجنب الزجّ بالجزائر في طريق مسدود تسير إليه بالفعل.

فكرة مستلهمة من سعيد بوتفليقة لقيت ترحيباً من المعارضة والموالاة

ونوَّه مقري بأن مبادرته تلقى ترحيباً هاماً، سواء إن كان ذلك في الخفاء أو علناً، من زعماء المعارضة وأنصار النظام على حد سواء، الذين تحدث معهم خلال الأيام الأخيرة.

وحسب معلومات تم تداولها، تحدث مقري خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع سعيد بوتفليقة، شقيق رئيس الدولة الأصغر ومستشاره.

وقد اجتمع كلا الرجلين عبر وسيط، وهو وزير سابق مقرب من مقري الذي بادر بطلب عقد هذا اللقاء مع السعيد بوتفليقة.

ومنذ مرض الرئيس، أصبح شقيقه سعيد الوحيد الذي يدخل عنده ويقابله، ليعود بتوجيهات وأوامر إلى الحكومة ومؤسسات الدولة، وفق ما صرح به مصدر لـ "عربي بوست".

ووفقاً لمصدر مطلع على هذا اللقاء، أكد سعيد بوتفليقة للمقري أنه "من الصعب التوصل إلى إجماع قبل 6 أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية".

لكن، هل لمبادرة مقري علاقة بهذه المحادثة مع سعيد بوتفليقة، علماً أن مطلب مقري للقاء الرئيس قد قوبل بالرفض؟

هذا الأمر وارد جداً. وعندما طرحت مجلة Jeune Afrique على مقري سؤالاً خلال لقاء عقد مؤخراً في الجزائر العاصمة، نفى هذا الأخير حقيقة اللقاء مع سعيد بوتفليقة، ولم يمنعه ذلك من إظهار بعض الانزعاج من السؤال.

لضمان فترة انتقالية من التداول السلمي للسلطة

أما حين سُئل عن طريقة عمل مقترحة لتأجيل الانتخابات الرئاسية، فلم تخلُ إجابة مقري من المراوغة.

ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس حزب حركة مجتمع السلم عن فكرة الفترة الانتقالية التي تم التفاوض عليها بين السلطة والمعارضة.

فخلال الربيع الماضي، رسم مقري ملامح هذا المشروع، الذي يتطلب تدخُّل المؤسسة العسكرية إما عبر لعب دور الكفيل أو العراب بما أنها العمود الفقري للنظام الجزائري.

ووفقاً لمقري، ستسمح هذه الفترة الانتقالية بإحداث الكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية على وجه السرعة، وستهيئ الظروف الملائمة لإجراء انتخابات شفافة تضمن التداول السلمي للسلطة.

وأفاد مقري في حوار له مع مجلة Jeune Afrique خلال أبريل/نيسان، بأن "هذه التدابير تتطلب تضحيات يقبل بها الجزائريون إذا كانوا يثقون بحكامهم".

وأضاف: "لا وجود لاستقرار سياسي دون تغييرات اقتصادية حقيقية. علينا أن نجلس حول الطاولة ذاتها، وأن نتجاهل خلافاتنا ونتوصل إلى اتفاق يصب في صالح البلاد. فإذا غرق النظام، سنغرق معه".

الجيش يقف عائقاً.. والتحالف الرئاسي يشهد انقساماً

حين طُرحت هذه المبادرة على الطاولة، تم تجاهلها صراحة من قِبل النظام، حيث اعتبرها حزب جبهة التحرير الوطني "انقلاباً" ضد الرئيس المنتخب.

أما بالنسبة للجيش، فقد جاء على لسان رئيس الأركان، الجنرال أحمد قايد صلاح، تأكيده أن "المؤسسة العسكرية لا يمكنها أن تشارك في هذا النوع من المنطق الحزبي والمفاوضات السياسية"، مضيفاً أن "الجيش يعرف جيداً صلاحياته الدستورية".

ونوَّه رئيس الأركان بأن "الجيش يتلقى أوامره من الرئيس وقائد القوات المسلحة ووزير الدفاع، عبد العزيز بوتفليقة".

لكن، ما الذي تغيّر في غضون ستة أشهر كي يعيد مقري طرح مشروعه الانتقالي على الطاولة عبر فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية؟

وصحة بوتفليقة تؤشر على عدم ترشحه لولاية خامسة

في الحقيقة، يتراجع احتمال ترشح بوتفليقة لولاية خامسة كلما اقترب الموعد النهائي للانتخابات الرئاسية.

ومنذ فترة قريبة، كانت مسألة ترشح الرئيس حتمية، أما اليوم فباتت غير مؤكدة؛ نظراً إلى تدهور صحته.

وبسبب تعرضه لـ "أنفلونزا حادة"، تعذر على بوتفليقة استقبال ولي العهد السعودي، الذي زار الجزائر في الثالث من ديسمبر/كانون الأول.

بدأت الشكوك تحوم حول ترشح الرئيس لولاية خامسة بين مؤيديه وأنصاره.

ولعل أبرز دليل على ذلك، دعم عمار غول، رئيس حزب تجمع أمل الجزائر، عضو الائتلاف الرئاسي والداعم لبوتفليقة لتولي رئاسة البلاد لولاية خامسة، لمبادرة مقري علناً.

والآن لا بد من إيجاد خليفة للرئيس يرضي الجميع

أما عمارة بن يونس، الوزير السابق المقرب من سعيد بوتفليقة، فقد أكد بدوره للصحافة يوم الثلاثاء 11 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أن حزب الحركة الشعبية الجزائرية، الذي يتزعمه والتابع أيضاً للائتلاف الرئاسي، "على استعداد لمناقشة جميع المقترحات من أي طرف كان، خاصة عندما تأتي من المعارضة".

كان ترشح عبد العزيز بوتفليقة مجرد فرضية، ولم يفكر هذا الأخير في تعيين خليفة له، لذلك تجد زمرته نفسها دون خطة بديلة من أجل تحديد من سيخلف الرئيس الواهن.

ويمكن أن تشكل فكرة تأجيل الانتخابات مخرجاً، كي يكون لدى حاشية بوتفليقة وقتٌ كافٍ لإيجاد خليفة للرئيس يرضي الجميع، أو يتم اختياره على الأقل بعد مشاورات.

لكن الدستور لا يتضمن أحكاماً تتعلق بتأجيل الانتخابات

لكن، ماالفوائد التي ستعود بها فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية 2019؟

قد يكون لهذه الخطوة بعض النتائج الإيجابية، أو قد لا تكون لها أي فائدة تُذكر.

وتعتمد أية مبادرة سياسية تتعلق بالانتخابات على قرار رئيس الدولة، إن كان يرغب في الترشح من جديد أو تمرير المشعل.

مع ذلك، ينبغي ألا تأتي هذه المبادرة قبل شهر فبراير/شباط 2019، كما كان الحال عند الإعلان عن ترشحه لفترة رابعة خلال عام 2014، أو على الأقل إلى غاية نهاية يناير/كانون الثاني 2019.

لكن فكرة تأجيل الانتخابات لا علاقة لها بمصير الرئيس فقط، فهي أولاً وقبل كل شيء، لا تستند إلى أي أساس قانوني، حيث لا يتضمن الدستور ولا القوانين أحكاماً تتعلق بهذه المسألة بالتحديد.

وقد أكدت فتيحة بن عبو، وهي باحثة وأستاذة في الحقوق بجامعة الجزائر، لمجلة Jeune Afrique، أنه "لا وجود لأي قانون بإمكان صناع القرار الاعتماد عليه في حال اختاروا تأجيل الانتخابات، إلا في حالة الحرب عندما يتم تعليق الدستور ويستحوذ الرئيس على جميع السلطات. وإذا قاربت فترة رئاسته نهايتها، فيتم تمديدها بصفة آلية حتى نهاية الحرب".

وعلى افتراض أن صناع القرار قد وجدوا حيلة قانونية للالتفاف حول هذا النقص في الدستور، فيجب ألا يتأخر الإعلان عن تأجيل الانتخابات حتى دعوة الناخبين للتصويت، في موعد أقصاه 20 يناير/كانون الثاني 2019.

أما بعد تجاوز هذا الموعد، فسيكون من الصعب التشكيك في العملية الانتخابية التي انطلقت بالفعل.

وحتى في حال تم تجاوز هذه العقبة، فستظل هناك عقبات أخرى لا يمكن التغلب عليها. ويبقى السؤال هو: أي هيئة ستكون قادرة على البت في هذه المسألة؟

تحميل المزيد