قالت مجلة The Atlantic الأميركية، إن تصويت مجلس الشيوخ الأميركي، الخميس 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، بسحب الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن عبر تصويتٍ خرج بفارقٍ مُدوٍّ، ثُمَّ الإعلان بالإجماع أنَّ ولي العهد السعودي مسؤولٌ عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، لم يكونا مجرد تحدٍّ تاريخيٍّ ليس فقط للرئيس ترامب، لكن أيضاً لطبيعة العلاقات الأميركية-السعودية، الممتدة منذ نحو 7 عقود.
وبكل تحدٍّ، واجه مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس دونالد ترامب، في إقرار هذين المشروعين الخميس، وتساءلت المجلة الأميركية: إذا كان هذا التصعيد لن يخرج واشنطن من الحرب، فماذا كان الهدف إذن؟
كانت تلك لحظةً نادرة لمجلس الشيوخٍ
باختصار، كان الأمر سياسياً أكثر من كونه سياسة بحد ذاته، وكان التحوُّل السياسي سريعاً وكبيراً منذ موت خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وفجأة، راح حتى عُتاة الأنصار التقليديين للتحالف مع السعودية في مجلس الشيوخ، مثل السيناتور عن ولاية ساوث كارولينا ليندسي غراهام، يصطفُّون لإدانة ما وصفوه بتهور المملكة، مُطالبين بتغييرٍ في سلوكها.
وبات المشرِّعون الذين رفضوا حتى مناقشة الإجراء نفسه بشأن اليمن في وقتٍ سابق من هذا العام (2018)، الآن، ينتقدون القيادة السعودية من قاعة مجلس الشيوخ، مستشهدين بقضيتي خاشقجي واليمن في الخطابات نفسها، باعتبارهما عَرَضين لقائدٍ سعودي شاب خارج عن السيطرة.
وفي مواجهة إدارةٍ دافعت مراراً عن الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من مزاعم أنَّه كان مسؤولاً عن موت خاشقجي، كانت تلك لحظةً نادرة لمجلس شيوخٍ يسيطر عليه الجمهوريون وهو يحاول تأكيد سلطته على اثنين من أهم جوانب السياسة الخارجية الأميركية: طبيعة التحالفات وقرار شن الحرب. وكما تعهَّد السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، أحد رعاة مشروع القانون، في مؤتمرٍ صحافي، الأربعاء 12 ديسمبر/كانون الأول 2018: "إن لم تُعِد هذه الإدارة توجيه سياستنا تجاه السعودية، فإنَّ الكونغرس سيفعل".
هذا ما يحتاجه القرار ليصبح نافذاً
لكنَّ مجلس الشيوخ لا يمكنه فعل ذلك وحده. فلا يزال يتعين أن يمر مشروع القانون هذا عبر مجلس النواب، الذي قال إنَّه لن يُصوِّت عليه هذه السنة، بالإضافة إلى تعيُّن حصوله على توقيع الرئيس –المتشبث بمحمد بن سلمان، لكن أشار كذلك إلى انفتاحه على الانسحاب من اليمن- حتى يصبح قانوناً.
وحاجج حتى بعض منتقدي الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، مثل غراهام، بأنَّ مشروع القانون، الذي يستند إلى قانونٍ مثير للجدل ينص على أنَّ بإمكان الكونغرس وقف مشاركة القوات الأميركية في الأعمال العدائية التي لم يُصرِّح بها الكونغرس، ليس هو الأداة الملائمة، وعلى أي حال، فإنَّ الدعم الأميركي للسعوديين في اليمن لم يُعتبَر أعمالاً عدائية نشطة.
ما يضيفه هذا هو مجموعة من أسئلة السياسة الخارجية الكبرى التي لن تزداد إلا إلحاحاً الشهر المقبل (يناير/كانون الثاني 2019)، حين ينعقد مجلس النواب الجديد الذي يقوده الديمقراطيون، بعد تعهُّد مجلس الشيوخ بمواصلة الضغط على السعودية. تتجاوز هذه المخاوف بكثيرٍ النقاش الآني حول مقدار العقاب الإضافي الذي ينبغي للولايات المتحدة توجيهه للنظام السعودي بسبب موت خاشقجي، وذلك بالنظر إلى أنَّ إدارة ترامب عاقبت بالفعل 17 سعودياً لأدوارهم المزعومة في الجريمة.
وبصورةٍ أوسع، هناك قلقٌ متنامٍ في الكونغرس من جوانب الشراكة الأميركية-السعودية، التي جعلها ترامب ركيزةً لاستراتيجيته في الشرق الأوسط برُمّتها، خصوصاً حين يتعلَّق الأمر بمواجهة إيران. وهذا على وجه الخصوص هو جانب العلاقة الذي حذَّر مسؤولو الإدارة من أنَّه في خطر بسبب الغضب من قتل خاشقجي، مجادلين بأنَّ مصير رجل واحد لا ينبغي السماح له بتدمير شراكة بنَّاءة ضد عدو مشترك.
ولم تزدد مخاوف الكونغرس إلا تنامياً منذ فبراير/شباط 2018، حين قدَّم عضوان ديمقراطيان وثالث جمهوري مشروع القرار الذي جرى للتو تمريره، والذي لم يبرح مكانه في البداية. وحتى آنذاك، كان بعض الأعضاء منزعجين بصورة واضحة من الدعم الأميركي للحملة التي تقودها السعودية باليمن، والتي بدأت تحت حكم إدارة باراك أوباما في عام 2015.
معركة ليست بسهلة أمام مجلس الشيوخ
يأتي غضب مجلس الشيوخ متناقضاً مع الدفاع عن ولي العهد، ليس فقط من جانب البيت الأبيض، بل أيضاً من جانب وزارتي الخارجية والدفاع. وقدَّم وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس بنفسيهما إحاطةً لمجلس الشيوخ بشأن ملابسات مقتل خاشقجي، وشكَّكا في تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الذي يفيد بتورط ولي العهد.
وفيما يتعلق بحرب اليمن، جادل المسؤولان بأنَّ سحب دعم الولايات المتحدة لن يؤدي إلا إلى تعرُّض المزيد من الأرواح للخطر عن طريق حرمان السعوديين من المساعدة الأميركية في الاستهداف الدقيق للأهداف، وأشادا بالسعوديين لتقديمهم التمويل الإنساني. وفي حين كان مجلس الشيوخ يُجري مناقشاتٍ الأسبوع الجاري، كانت الحكومة اليمنية والحوثيون يجرون أول مفاوضات سلام مباشرة في السويد.
كان من الممكن أن يحصد مشروع القانون هذا المزيد من المؤيدين، لكنَّ بعض المشرِّعين صوّتوا ضده، مثل غراهام والسيناتور ماركو روبيو. وعلى الرغم من إعرابهما عن غضبهما إزاء تصرُّفات السعودية في اليمن ومقتل خاشقجي، فإنَّهما عارضا هذا القرار على وجه الخصوص، فأيَّد البعض، مثل كوركر، تشريعات بديلة، وجادل آخرون، مثل روبيو، بأنَّ سحب الدعم تماماً من حملة اليمن قد يأتي بنتائج عكسية.
رأى آخرون فرصةً لتقديم أهداف لا علاقة لها بمسألة خاشقجي. كان هناك قلقٌ منذ أمدٍ طويل لدى كلا الحزبين من أنَّه مهما تفعل الولايات المتحدة لمساعدة السعوديين للحد من الضحايا المدنيين في اليمن، فإنَّه لم يكن فقط غير ناجح، بل ويجعل من الولايات المتحدة شريكةً في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
كانت هناك أيضاً مسألة سلطة الكونغرس لاتخاذ القرار بشأن متى وأين تصبح الولايات المتحدة في حالة حرب. ومن جديد، كان القلق من الحزبين، فأثار السيناتور الجمهوري مايك لي والسيناتور الديمقراطي تيم كين التساؤلات بشأن ما إن كان بإمكان الرئيس قانونياً إقحام الولايات المتحدة في أعمال عدائية مستمرة دون موافقة الكونغرس.
سيتجرَّع السعوديون مرارة الكونغرس
ومن غير الواضح لِمَ قرَّر أعضاء مجلس الشيوخ أن يكون هذا الصراع هو الصراع الذي يخوضون فيه الجدال بشأن سلطات الحرب، بالنظر إلى أنَّهم رفضوا فعل الأمر نفسه في حالات تدخَّلت فيها أميركا بصورة مباشرة أكثر، لا سيما في سوريا. لكنَّ النقاش قد يسفر عن كونغرس أكثر حزماً -مع بدء سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب في يناير/كانون الثاني 2018- واستعداداً لممارسة المزيد من التدقيق على مشاركة الولايات المتحدة في مجموعة من الصراعات حول العالم.
لكن، ما يُستبعَد أن يقوم به الكونغرس على المدى القصير هو تغيير العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية جوهرياً، حتى لو كان ذلك يمثل خطوة في تدهورٍ بطيء. لقد نجت العلاقة من أزمات أخرى، من ضمنها الكشف عن أنَّ 15 من المشاركين الـ19 في هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانوا سعوديين. ولا يوجد حتى الآن بديل عن الشراكة الأميركية لضمان أمن السعودية. لذا، على الأرجح سيتجرَّع السعوديون من جانبهم مرارة الكونغرس، متأكدين في الوقت الراهن من دعم البيت الأبيض.
لكنَّ حقيقة أنَّ الحرب في اليمن تُتناول باعتبارها موضوع نقاش قوي بعد سنواتٍ طويلة، تعني أنَّ شيئاً كبيراً قد تغيَّر في السياسة الأميركية. وعندما يحدث ذلك، عاجلاً أم آجلاً، ستجنح السياسة الأميركية للمواكبة.