حِراك جديد بالأردن يدعو إلى مليونية لوقف الضرائب وإسقاط الحكومة، ولكن لهذا السبب المعارضة تشكّك في دوافعه ومَن وراءه

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/11 الساعة 05:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/11 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش

قوبل ظهور حراك فرقة الأحرار الجديد بالتشكيك من قبل المعارضة الأردنية وكثير من النشطاء، بعد أن دعا هذا الحراك إلى الاحتجاج ضد قانون الضرائب الجديد.

وهذا الحراك الذي يصفه البعض بالغامض، انطلق بعد إقرار قانون بشأن الضرائب اعتبره الكثيرون مجرد صيغة مختلفة عن القانون السابق الذي أثار احتجاجات أدت إلى إسقاط حكومة الدكتور هاني الملقي في يونيو/حزيران 2018.

ولكن دعوات هذا الحراك للاحتجاج ضد القانون الجديد قوبلت بالتحفظ من قبل حراك "معناش" الذي قاد الاحتجاجات السابقة، التي أدت إلى إسقاط حكومة الدكتور هاني الملقي.

الحكومة الجديدة نالت ثقة الحراك القديم، فظهر لها حراك جديد

أدى تولي حكومة رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز المسؤولية في 4 يونيو/حزيران 2018 إلى ارتياح في أوساط حراك الدوار الرابع (الذي يضم حراك معناش)، الذي نجح في إسقاط حكومة الدكتور هاني الملقي، بسبب تقديمها قانوناً للضرائب تحت ضغط صندوق النقد مما أدى إلى غضب واسع في الأردن.

رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز يبعد مغادرة مقر مجلس النواب/رويترز
رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز يبعد مغادرة مقر مجلس النواب/رويترز

ولكن الحكومة الجديدة قدمت قانوناً جديداً يراه مراقبون لا يختلف كثيراً عن قانون حكومة الملقي.

وبعد إقرار قانون ضريبة الدخل الجديد، ونشره في الجريدة الرسمية، دعا حراك جديد سمى نفسه "فرقة الأحرار" إلى وقفة مليونية، تحت اسم "خميس الشعب"، للمطالبة بإسقاط القانون.

لماذا يتشكك النشطاء في حراك فرقة الأحرار رغم أن مطالبه لا تختلف كثيراً عن الاحتجاجات السابقة؟

اللافت أن "حراك معناش" وهو الحراك الذي كان في الشارع خلال رمضان الماضي وساهم في إسقاط الحكومة وقتها، رفض دعوة الحراك الجديد للاحتجاج على القانون الجديد.

وأعلن حراك فرقة الأحرار أن الخميس من كل أسبوع سيكون موعداً جديداً للاعتصام قرب مقر الحكومة بالدوار الرابع، يواجه تشكيكاً من الشارع الأردني، بسبب عدم توافر معلومات دقيقة حول هوية منظمي الاعتصام الذي دعت إليه هذه الفرقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الأمر الذي دفع الأحزاب والنقابات المهنية للتبرؤ من نشاط حراك فرقة الأحرار الجديد هذا، كما أعلن مئات النشطاء الأردنيين أيضاً امتناعهم عن المشاركة بالحراك، على الرغم من أنه استخدم شعار "معناش" وهو ذات الشعار الذي أسقط حكومة الملقي.

وكان "حراك معناش" الذي نشط خلال شهر رمضان الماضي، واحداً من الأسباب التي جاءت بالرزاز رئيساً للحكومة.

وظهر هذا الحراك آنذاك احتجاجاً على مشروع قانون الضريبة، ونظم عدة فعاليات في الشارع قرب الدوار الرابع مقر الحكومة الأردنية.

ولكن هذا الحراك ذاته نأى بنفسه عن فعاليات حراك فرقة الأحرار بسبب عدم معرفة هوية الحركة.

ولكن رغم عدم مشاركة حراك "معناش" إلا أنه صفحته على فيسبوك قالت إن وجود أعداد كبيرة من المتظاهرين على الدوار الرابع يوم الخميس الماضي يذكر بأن خروج الناس للاحتجاج، هو رسالة إلى الدولة بضرورة استيعاب حجم الأزمة التي نعيشها.

مظاهرات مفاجئة.. ومطالب جريئة

فوجئ الأردنيون بخروج عدد لا يقل عن 1500 شخص إلى الدوار الرابع الخميس الماضي 7 ديسمبر/كانون الأول 2018، يحملون مظلاتهم، يجلسون تحت المطر، يطالبون بالإصلاح، يغنون للوطن.

وذلك على الرغم من سوء الأحوال الجوية، والتحذيرات المتكررة من الخروج تلافياً للسيول والمطر والبرد الشديدين.

وتقدم محتجو "خميس الشعب" كما أسمته صفحة فرقة الأحرار على فيسبوك، بعدة مطالبات أهمها:

  • إسقاط قانون الضريبة
  • إسقاط قانون الجرائم الإلكترونية
  • إلغاء فرق أسعار الوقود على فواتير الكهرباء
  • إخراج جميع معتقلي الرأي العام
  • إصدار عفو عام
  • تخفيض المحروقات لأكثر من 35% بما يتناسب مع سعر البرميل عالمياً
  • إعادة دعم الخبز، ومحاسبة الفاسدين.

وقالوا إنه إذا لم تتم تلبية هذه المطالب، فسيكون المطلب القادم هو إسقاط مجلس النواب والأعيان والحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.

والحكومة تؤكد أنها ماضية في الإصلاحات.. وهذا موقفها من الحراك الجديد

"التظاهر والاحتجاج السلمي هو حق مكفول للمواطنين في إطار الدستور الأردني والقوانين والأنظمة المعمول بها".

هكذا علقت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والاتصال في الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، في تصريحات صحفية، على الاعتصام الذي دعا إليه حراك فرقة الأحرار.

وفيما يتعلق ببعض المطالبات التي هتف بها المتظاهرون ليل الخميس بالقرب من المقر الحكومي عند الدوار الرابع، حول "إسقاط" قانون الضريبة وغيرها من "الإصلاحات"، قالت غنيمات إن "الحكومة ماضية في سياسات الإصلاح خاصة الإصلاح الضريبي، وأي مطالب شعبية لها قنواتها الدستورية في الحوار من خلال البرلمان".

وفي الواقع أنها أعادت تقديم القانون القديم الذي أثار الاحتجاجات ولكن بحُلة جديدة

كانت حكومة  الرزاز قد وعدت المواطنين بعد توليها السلطة، بتحسن الأوضاع الاقتصادية، وسحب مشروع قانون ضريبة الدخل، وتعهدت بإدخال التحسينات عليه، بهدف الحفاظ على الطبقة الوسطى والابتعاد عن نهج الجباية من جيوب المواطنين.

ولكن حكومة الرزاز وبعد نحو شهرين من اللقاءات والاجتماعات مع المحافظات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية، طرحت قانوناً، لم يختلف بشكل ملحوظ عن سابقه، مما أثار موجة جديدة من الاحتجاجات لكن على نطاق أقل.

وطرحت الحكومة السابقة التي يرأسها هاني الملقي، مشروع قانون لضريبة الدخل، استجابة لبرنامج التسهيل الائتماني الممدد الذي ينفذه الأردن بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ومن أهم بنود الاتفاق بين الطرفين، هو توسعة قاعدة المكلفين بدفع ضريبة الدخل، إذ إن نحو "90 %" من الأردنيين لا يدفعون الضريبة وفقاً للصندوق.

واحتجت النقابات المهنية في رمضان الماضي على مشروع القانون، الذي اعتبرته يمس أعضاءها بشكل مباشر بعد فرض غرامات مالية وفترات حبس تصل إلى عشر سنوات في حالة الإدانة بالتهرب الضريبي.

فضغوط صندوق النقد أعادته إلى سيرته الأولى

وبعد أن طرحت حكومة الرزاز مشروع القانون، وأرسلته إلى مجلس النواب، بدأ سجال جديد بشأن إدخال تعديلات على مواد القانون، وكانت التعديلات إيجابية نسبياً وفقاً لمراقبين.

وتم رفع مشروع القانون بحسب القنوات الدستورية إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، الذي أعاد مواد القانون إلى صياغة تشبه إلى حد كبير مشروع القانون الذي طرحته الحكومة.

مصدر مطلع قال لـ"عربي بوست" إن ما فعله مجلس الأعيان بالقانون وإعادته مرة أخرى إلى صياغة مشابهة لتلك التي قدمتها الحكومة جاء بطلب من الأخيرة، في ظل الضغوط التي يمارسها رئيس بعثة صندوق النقد إلى الأردن، مارتن سيرسولا لتوسيع القاعدة الضريبية.

نحن الشعب.. لسنا في حاجة إعلان عن هويتنا والحكومة تستخدم سلاح الطقس

وفي ظل كل هذه الأحداث ظهرت "فرقة الأحرار" الغامضة داعية للاحتجاج.

وترد الحركة على الشكوك المحيطة بهويتها قائلة: إنه ليس هناك حاجة إلى إعلان هوياتهم لأنهم "من الشعب وإلى الشعب".

اتهامات للحكومة بمحاولة التهويل بأخبار الطقس لمنع الناس من المشاركة في الحراك/رويترز
اتهامات للحكومة بمحاولة التهويل بأخبار الطقس لمنع الناس من المشاركة في الحراك/رويترز

وقالوا في منشوراتهم إلى أنهم "إلى الشارع راجعين، ومن الرابع مش متزحزحين".

ويتهم أعضاء الحراك الجديد الحكومة بمحاولة إجهاض تحركهم من خلال منشورات تهاجم أهدافهم وأجنداتهم من جهة، وكذلك من خلال التغطية الإعلامية والمبالغة بشأن المنخفض الجوي القادم إلى الأردن من أجل تخويف الناس من الطقس حتى لا يخرجوا للاحتجاج  عند الدوار الرابع (مقر الحكومة).

"العمل السياسي يحتاج إلى الشمس".. لماذا يخفون هوياتهم؟

ويقول الناشط محمد الزواهرة، الذي كان ضمن الحراك الأردني منذ عام 2011، عن الحراك الحالي، إن التظاهر السلمي وحق الاحتجاج والتعبير عن الرأي حق دستوري لكل الأردنيين وبكل الأدوات السلمية والسياسية".

ولكنه استدرك قائلاً "إن العمل السياسي يحتاج للوضوح والعمل تحت الشمس وليس مع أشباح.

وأضاف الزواهرة لـ"عربي بوست" "أن الجهة أو الجهات التي دعت للوقفة تسمي نفسها "فرقة أحرار الأردن" وهو مسمى عاطفي، ولا يرتكز على مجموعة محددة واضحة الشخوص والمعالم".

وقال "لأنني موجود في الشارع منذ ٢٠١١ لا أعتقد أن الأردن بلد يستدعي فيه أن تخفي اسمك أو تعمل باسم مستعار، شخصياً لن أستطيع أن أكون تابعاً لحراك مثل هذا دون أن أعرف وجوه المنظمين ومن هم وإلى ماذا يهدفون وما مدى سلمية هذا الاحتجاج".

 وتابع قائلاً "بالمحصلة أنا لن أشارك بهذا الحراك نظراً لقناعتي الشخصية بشأنه، ولكن لن أمنع أحدا من المشاركة فهذا حق للجميع".

وهناك انقسام في أوساط المتظاهرين بسبب غياب الحراك القديم

الصحافي بوكالة الأنباء الأردنية عمر الذي تعرض للضرب في منطقة الاحتجاج بالدوار الرابع، قال إنه تم ضربه بالهراوات على بطنه رغم تأكيده أكثر من مرة بأنه صحافي ويقوم بواجبه وعمله ليس إلا.

وقال دهامشة، لـ"عربي بوست"، إن الكوادر الأمنية حاولت جاهدة منع المتظاهرين عند مستشفى الأردن القريب من الدوار الرابع من الخروج من المنطقة المخصصة للاحتجاج، إذ كان عددهم يوم الجمعة الماضي أكثر من ألف شخص.

وأضاف أن أعداد المتظاهرين تقل يومياً على الرغم من إعلانهم عن مليونية يوم الخميس وذلك للمطالبة بإسقاط الحكومة بسبب قانون ضريبة الدخل، ومشروع قانون الجرائم الإلكترونية.

ويضيف "أن حراك الدوار الرابع الذي قاد الاحتجاجات السابقة ليس موجوداً اليوم في الشارع، مما يجعل الشارع ومتظاهري الدوار الرابع منقسمين".

وهناك من يقول إن بعض النشطاء تخلوا عن الشارع بسبب علاقاتهم برئيس الحكومة

بعض النشطاء تخلوا عن الشارع نظراً لعلاقتهم الشخصية برئيس الوزراء عمر الرزاز، أو بوزير الاتصالات مثنى الغرايبة الذي كان يوماً أحد وجوه الحراك، حسبما يقول مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه، نظراً لحساسية موقفه.

وقال المصدر لـ"عربي بوست"، إن الغرايبة سبق أن تعرض للضرب أكثر من مرة، خلال فترة الربيع العربي من قبل الشرطة، في الوقت الذي لا أحد يعلم من هي "فرقة الأحرار" والأمر الذي تسعى إليه.

وقال إن حراك فرقة الأحرار فقدت بوصلته فهم يطالبون بإسقاط الحكومة وسحب قانون الضريبة وقانون الجرائم الإلكترونية، ولكن في ظل عدم وجود مظلة منظمة مثل النقابات لن يستطيعوا الصمود كثيراً في الشارع، بسبب تشتت مطالبهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

Jwan Kado
تحميل المزيد