هنا حيث ألقى صدام خطاباته وسيطر الأميركيون على العراق.. المنطقة الخضراء تفتح أبوابها بعد 15 عاماً، فهل تستعيد اسمها القديم؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/11 الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/11 الساعة 21:28 بتوقيت غرينتش
Iraqi security forces and workers use a crane to remove a concrete barrier on a street leading to green zone in Baghdad, Iraq November 28, 2018. REUTERS/Khalid al-Mousily

رُفعت الجدران المضادة للانفجارات والأسلاك الشائكة، واختفت نقاط التفتيش حول "المنطقة الخضراء" في بغداد. وبعد 15 عاماً على إغلاق الحي شديد التحصين الواقع في قلب بغداد، فتح أبوابه أخيراً للمواطنين، يوم أمس الإثنين 10 ديسمبر/كانون الأول.

مرت السيارات محملة بالأعلام العراقية والمشاة الذين علت أصواتهم بهجة بعبورهم سواترها واستعادتهم ملكيتها.

كان الجيش الأميركي قد طوَّق الحي، المعروف بالمنطقة الخضراء، في عام 2003 لحمايته من التفجيرات أثناء الحرب.

المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 6 كيلومترات مربعة، تحتوي على قصور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وضمَّت فيما بعد مقرات سلطات الاحتلال والجيش الأميركي ومبنى البرلمان الذي يُمثِّل مقر الحكومة العراقية الجديدة.

 

تاريخ المنطقة الخضراء وعزلتها جعلاها رمزاً للاحتلال الأميركي

بيد أنَّ تاريخ المنطقة وعزلتها جعلاها رمزاً قوياً للاحتلال الأميركي أولاً، والعزلة التي شعر بها كثير من العراقيين تجاه حكومتهم ثانياً.

وقد وعد القادة العراقيون بإعادة فتحها منذ انسحاب الجيش الأميركي في عام 2011.

تأتي إعادة فتح المنطقة الخضراء في الذكرى السنوية الأولى لاستعادة العراق مدينة الموصل شمالي البلاد، من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وقال المسؤولون إنَّ افتتاح المنطقة هو افتتاح تجريبي لمدة أسبوعين.

وسُمِح بالمرور على الطرق الرئيسية، لكنَّ العديد من الطرق الجانبية، حيث يعيش المسؤولون ويعملون، ظلت مغلقة.

وكذلك المباني الحكومية مثل البرلمان والقصر الجمهوري القديم للرئيس الراحل صدام حسين، ظلَّت تحت حراسة مشدَّدة.

وليس هناك ما يضمن أنها ستبقى مفتوحة

وكانت هذه هي المرة الثانية خلال 3 سنوات، التي يعلن فيها المسؤولون العراقيون إعادة فتح المنطقة الخضراء، وليس هناك ما يضمن أن إعادة الفتح هذه ستستمر كذلك.

إذ أعادت الحكومة فتح المنطقة في عام 2015 وفقاً لـBBC، وذلك لبضعة أيام فقط قبل إغلاقها مرة أخرى، بعد معارضة قوية من المسؤولين الأميركيين، الذين كان مقر سفارتهم ومقرهم العسكري يقعان داخل المنطقة.

لكنَّ الحكومة وعدت بأنَّ إعادة الفتح ستكون دائمة هذه المرة، وفق صحيفة New York Times الأميركية.

الحكومة تحمي القصور والسفارات

ويُذكَر أنَّ الحكومة بدأت الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني، في رفع الجدران الأسمنتية الشاهقة التي تحيط بالمنطقة، التي كانت ممتدة بطول كيلومترات، وطوَّقت العديد من المباني الرسمية، والقصور الرئاسية للنظام السابق، والسفارات والفيلات في الداخل.

وتضم داخلها قوس النصر، الذي يجسد قبضة صدام ونصب الجندي المجهول وقصر السلام وقصر المؤتمرات.

وكان من المقرر إعادة فتح المنطقة يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني، لكنَّه تأجَّل.

لم تكن الأسباب واضحة، لكن كان يُعتقد على نطاق واسع أنَّ الحكومة الأميركية والجيش الأميركي عارضا هذه الخطوة.

وأقامت مديرية المرور العامة احتفالاً رسمياً بإعادة الافتتاح، فيما سمحت لمركبات المدنيين بالدخول لأول مرة إليها، والتوجه إلى مناطق الكرادة والمنصور ومطار بغداد الدولي عبرها.

والقيادة الأميركية تترقب رد الفعل بحذر

وقال الكولونيل شون رايان، المتحدث باسم الجيش الأميركي في بغداد، إنَّ التقارير التي تفيد بأنَّ الولايات المتحدة تعارض إعادة فتح المنطقة الخضراء غير صحيحة، وأنَّه لا يوجد خطر مباشر على الأفراد الأميركيين في المنطقة الخضراء.

وأوضح قائلاً: "إنَّها حالة مؤقتة، دعونا نرى كيف ستسير الأمور. نحن هنا بدعوة من حكومة العراق، وهي دولة ذات سيادة، إذا كان هذا قراراً يريدون اتخاذه يمكنهم ذلك، لكنَّنا دائماً متيقظون للغاية إزاء الأمن".

وحتى الآن، ليس هناك أي تغيير في التحصينات الشديدة حول السفارة الأميركية، التي تقع في الجهة الجنوبية من المنطقة.

بيد أنَّ بعض الجنود الأميركيين شوهدوا يوم أمس وهم يقفون بجانب نقاط التفتيش التي أصبحت مُعطَّلة الآن في المنطقة الخضراء، حيث لم يكن أحدٌ يستطيع المرور منها دون إظهار بطاقة الهوية البيومترية وتصاريح السيارات.

حيفا و14 تموز من جديد ملك للعراقيين

يُذكَر أنَّ المنطقة كانت مُحصَّنةً بشدة في عهد نظام صدام حسين، بسبب القصور والمساكن الخاصة به وبأفراد عائلته، لكنَّها لم تُغلق.

وذلك نظراً إلى مرور اثنين من أكثر الطرق ازدحاماً في العاصمة عبر المنطقة، وهما شارعا حيفا و14 تموز.

وعلى الرغم من تعرض القصور للقصف الشديد في أثناء الغزو الأميركي، اختيرت لإيواء إدارة الاحتلال التابعة للحكومة الأميركية، ومقرَّاتها وسفارتها بعد ذلك.

ومع تبلور مقاومة الوجود الأميركي في شكل تفجيرات مميتة متزايدة نفَّذها انتحاريون، أُغلقت المنطقة بالكامل أمام عامة الشعب.

انتظر العديد من العراقيين وقتاً طويلاً -وبلا جدوى في أغلب الأحيان- للحصول على خدمات حكومية أساسية.

حاولت أميركا تغيير صبغتها الأمنية لكنها فشلت

وكانت سفارات ووكالات دولية أخرى قد انتقلت إلى المنطقة الخضراء المحمية نسبياً، التي حاول المسؤولون الأميركيون إعادة تسميتها "المنطقة الدولية" في أواخر عام 2003، لكنَّهم فشلوا.

كانت محاولة محكوماً عليها بالفشل لتحسين صورة المنطقة، التي أصبحت حديث الكتب والمقالات.

وأُنتج على الأقل فيلمٌ واحد يحمل اسمها، وهو فيلم "Green Zone"، من بطولة مات ديمون.

وأصبحت جدران المنطقة الشاهقة المضادة للانفجارات، التي يبلغ ارتفاعها أكثر من 6 أمتار ويبلغ سمكها بضعة مترات، رمزاً لحقبة كان فيها المتطرفون ينشرون قنابل ضخمة.

غالباً ما كان يقودها أو يحملها مهاجمون انتحاريون، وهو تكتيك هزم وسائل الحماية العادية مثل السيارات المدرعة وحواجز الطرق.

ظلّت هدفاً للانتحاريين الذين رأوها رمزاً للاحتلال

وبقدر ما تمتعت المنطقة الخضراء بالتحصين والتطويق، ظلّت هدفاً للانتحاريين.

ففي عام 2004، تمكن انتحاريان من التسلل إلى المنطقة، وأسفر هجومهما عن مقتل العشرات من الأميركيين وآخرين في مقهى وسوق للهدايا التذكارية.

وبعدها بثلاث سنوات، استهدف انفجارٌ آخر البرلمان العراقي، مما أسفر عن مقتل أحد المُشرِّعين البارزين.

وكانت المنطقة في إحدى فترات عام 2008 تتعرض لهجمات صاروخية يومياً تقريباً، من جانب أتباع رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر، إذ كانوا يُطلقون الصواريخ من مدينة الصدر عبر نهر دجلة.

وفي هجومٍ آخر، ضربت بعض الصواريخ فندق الرشيد الواقع هناك، في أثناء زيارة نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفويتز في عام 2003، وأسفرت عن مقتل جندي أميركي وإصابة 17 آخرين.

وفي عام 2016، اقتحم بعض المتظاهرين المناهضين للفساد المنطقة الخضراء، وأخلَوا مبنى البرلمان، وأصابوا الحكومة بحالة شللٍ تام.

افتتاح المنطقة الخضراء في بغداد يتزامن مع ذكرى هزيمة داعش

وقال بيان صادر من أمين مجلس الوزراء، مهدي محسن العلاق، إنَّ المنطقة ستفتح أبوابها تدريجياً، ابتداءً من يوم أمس الإثنين لمدة أسبوعين.

وقال في البيان: "في أثناء هذه المدة، سيكون هناك تقييم للتجربة، ثم سنمُدها لضمان راحة المواطنين".

وألقى رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، خطاباً تلفزيونياً للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لهزيمة تنظيم داعش في الموصل، لكنَّه لم يتطرق إلى إعادة فتح المنطقة الخضراء.

وقال: "استرد العراق أراضيه، واستعاد الناس إرادتهم، واستعاد المواطنون كرامتهم، وكلنا قال لا للإرهاب ولا للتطرف ولا للاستبداد، وقلنا نعم للعراق، ونعم للحضارة، ونعم للمواطنة".

وأُعلن يوم الإثنين 10 ديسمبر/كانون الأول عطلة وطنية رسمية، تخليداً لذكرى النصر على داعش، وأقيمت دقيقة حداد على أرواح الضحايا عند الظهر.

والسفارة الأميركية تحذر مواطنيها

ولم تعلق السفارة الأميركية على إعادة فتح المنطقة الخضراء إلا من أجل التحذير، ضمن تحذير أمني رسمي، من أنَّ "سكان بغداد يجب أن يتوقعوا أصوات الألعاب النارية، وإطلاق النار الاحتفالي في جميع أنحاء المدينة، بما في ذلك المنطقة الدولية".

وواصلت السفارة تحذيرها للمواطنين قائلة: "ابقوا في الداخل بعيداً عن المقذوفات المتساقطة".

على الرغم من الاحتفال، ما زال تنظيم داعش يسيطر على مساحات صغيرة من الأراضي الواقعة على الحدود السورية العراقية، ويُنَفِّذ نحو 75 هجوماً في العراق شهرياً، ويعمل التنظيم سراً في أجزاء كثيرة من البلاد.

البعض يراها للمرة الأولى في حياته

ومع ذلك، أصبحت الهجمات في بغداد نادرة نسبياً، وانخفضت حصيلة القتلى، مع أنَّها ما زالت مُقلِقَة.

وبعد عدة أشهر من الهدوء النسبي، أدت ثلاثة تفجيرات في الشهرين الماضيين أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني إلى مقتل أربعة أشخاص.

وسيتمثّل التأثير الفوري لفتح المنطقة يوم الإثنين في التخفيف من الاختناقات المرورية المزمنة في بغداد، حيث كان شارعا حيفا و14 تموز هما الشريانان الرئيسيان بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب بالنسبة للمدينة التي تضم 8 ملايين نسمة.

وقال سائق سيارة أجرة يدعى محمد خالد، 28 عاماً، كان يقود سيارته عبر المنطقة يوم الإثنين، إنَّه سعيد بتحسن حركة المرور، لكنَّه شعر بخيبة أمل.

إذ قال: "اعتقدت أنَّ كل المنطقة الخضراء ستُفتح، وليس فقط أجزاء منها. أعتقد أنَّ الافتتاح تم فقط من أجل استعراضه أمام وسائل الإعلام".

بينما زار سيد علي محمد، وهو رجل أعمال، المنطقة أيضاً، ومع أنَّه يبلغ من العمر 32 عاماً، قال: "أرى المنطقة الخضراء للمرة الأولى في حياتي، لا يمكنني أن أتخيل أني واقف هنا، أقف في الساحة التي اعتاد صدام حسين الوقوف فيها وإلقاء التحية على الشعب".

وآمال بأن يعود اسمها لسابق عهده.. الشاكرية

والآن بعد إزالة الجدران المضادة للانفجارات والمرتبطة بالحقبة الأميركية، يريد العديد من الزائرين التخلص من التسمية الأميركية للمنطقة.

إذ قال مهدي الكرخي، رئيس رابطة مشجعي المنتخب العراقي: "أكره اسم المنطقة الخضراء".

وذكر أنَّ إعادة الفتح لن تكون كاملة أبداً حتى يستعيد الحي اسمه الأصلي. وأضاف: "يجب أن يسموها (الشاكرية) مجدداً، وفي أقرب وقت إن شاء الله".

علامات:
تحميل المزيد