حل واحدة من أطول المعضلات في تاريخ الفيزياء.. مادة سوداء غريبة ذات «كتلة سالبة» تتجه للسيطرة على الكون

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/10 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/11 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
Theconversation/ المادة السوداء المظلمة

يبدو أن الأفكار غير المألوفة، هي غالباً التي تجيب عن الأسئلة والمشكلات المستعصية طويلة الأمد.

فعلى الرغم أن الأمر قد يكون محرجاً، إلا أن علماء الفيزياء الفلكية يعترفون بأن أفضل نموذج نظري يملكونه يفسر 5% فقط من الكون، بينما لا يملكون تفسيراً لــ 95% منه التي تسيطر عليها المادة السوداء (المظلمة).

المادة السوداء وطاقتها المظلمة تسيطر على الكون

وحسب موقع The Conversation البريطاني، يمكن الاستدلال على اثنتين من المواد الغامضة المظلمة عن طريق تأثيرات الجاذبية.

ورغم أن المادة المظلمة غير مرئية، لكنها تشكل قوة جذب على المواد المحيطة يمكننا قياسها.

وتعتبر الطاقة المظلمة قوة طاردة تجعل الكون يتمدّد بوتيرة متسارعة، إذ لَطالَما جرى التعامل مع المادتين على أنهما ظاهرتين منفصلتين على الدوام.

ما هو السائل المظلم ذو الكتلة السالبة؟

لكن الدراسة الجديدة، التي نُشِرت في مجلة Astronomy and Astrophysics، تشير إلى أن المادتين قد تمثلان جزءاً من نفس المفهوم الغريب – الذي يقول بأنهما عبارة عن "سائل مظلم" واحد ومتحد من الكتل السالبة.

وتعد الكتل السالبة شكلاً افتراضياً من المواد، وتتمتع بنوع من الجاذبية السلبية – إِذْ تقوم بطرد أو صدّ كل المواد الأخرى المحيطة بها.

وعلى عكس المادة المعروفة ذات الكتلة الإيجابية، إذا تعرضت كتلة سلبية للدفع، فسوف تتسارع نحوك بدلاً من الابتعاد عنك.

الكتل السلبية ليست فكرة جديدة في علم الكونيات

ستصبح الجزيئات ذات الكتلة السلبية أكثر تباعداً مع تمدد الكون، تماماً مثل المادة العادية، مما يعني أنّ القوة الطاردة قد تضعف بمرور الوقت.

ومع ذلك، أظهرت الدراسات أنّ القوة المسؤولة عن التمدد المتسارع للكون ثابتة على الدوام ومستمرة بلا كلل.

تعديلات على نظرية آينشتاين

وفي السابق، أدَّى هذا التناقض إلى تخلّي الباحثين عن هذه الفكرة. فإذا كان هناك سائل مظلم، فلا يمكن أن يتلاشى أو يتضاءل بمرور الوقت.

اقترحت الدراسة الجديدة إجراء تعديل على نظرية أينشتاين عن النسبية العامة للسماح للكتل السلبية بالتواجد، بل والتجدد باستمرار.

كما جاء "تجديد المواد" بالفعل ضمن نظرية مبكرة بديلة لنظرية الانفجار العظيم Big Bang، والتي تُعرف باسم نموذج "الحالة الثابتة" Steady State.

وكان الافتراض الرئيسي يتمثل في أن المادة (ذات الكتلة الإيجابية) كانت تتجدد باستمرار لسد النقص في المادة أثناء تمدد الكون. نعرف حالياً من الأدلة المبنية على الملاحظة أن هذا غير صحيح.

ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ المادة ذات الكتلة السلبية لا يمكن تجديدها باستمرار.

وتُظهر نتيجة الدراسة أنّ هذا السائل المظلم المفترَض لا يتمدّد أبداً أكثر من اللازم، وبدلاً من ذلك، فهو يبدو تماماً مثل الطاقة المظلمة.

 المادة السوداء المظلمة

الطبيعة الفيزيائية للمادة المظلمة

وطورت الدراسة أيضاً نموذجاً حاسوبياً ثلاثيَّ الأبعاد لهذا الكون الافتراضي لمعرفة ما إذا كان بإمكان ذلك أن يفسر الطبيعة الفيزيائية للمادة المظلمة.

وجرى إدخال المادة المظلمة لتوضيح حقيقة أنّ المجرّات تدور بسرعة أكبر مما تتنبّأ به نماذجُنا.

ويعني هذا أنّ بعض المواد الإضافية غير المرئية يجب أن تتواجد لمنع المجرات من الدوران حول نفسها.

ويوضح النموذج أنّ القوة الطاردة المحيطية الناتجة من السائل المظلم يمكنها أيضاً أن تجعل المجرة متماسكة.

إذ تعمل الجاذبية الناتجة عن المجرة ذات الكتلة الإيجابية على جذب الكتل السلبية من كل الاتجاهات.

وعندما يقترب السائل ذو الكتلة السلبية من المجرة أكثر، فإنه بدوره يشكّل قوة طاردة أقوى على المجرة.

مما يسمح لها بالدوران بسرعات أكبر دون أن تحلّق بعيداً. ولذا يبدو أنّ علامة السالب البسيطة (-) قد تحلّ واحدةً من أطول المعضلات في تاريخ الفيزياء.

هل الكون حقاً بهذه الغرابة؟

قد يقول قائل إنّ هذا الأمر يبدو بعيدَ المنال إلى حد ما، لكن في حين تبدو الكتل السلبيّة غريبةً بعض الشيء، فهي أقلّ غرابةً بكثير مما قد يخطر بذهنك لأول وهلة.

في البداية، قد تبدو هذه التأثيرات غريبة وغير مألوفة، نظراً لأننا نعيش في منطقة تهيمن عليها الكتلة الإيجابيّة.

وسواء كان الأمر حقيقيّاً من الناحية الفيزيائيّة أم لا، فإنّ الكتل السلبيّة لها دورٌ نظريّ بالفعل في عدد هائل من المجالات.

إذ يمكننا تفسير فقاعات الهواء في الماء على أنها تتبع نمطاً مماثلاً للكتلة السالبة.

وقد تمكنت الأبحاث المختبرية الحديثة من إنتاج جُسيماتٍ تتصرف بالضبط، كما لو كان لها كتلة سالبة.

وعلاوة على ذلك، يتفق علماء الفيزياء بالفعل على مفهوم كثافة الطاقة السالبة.

ووِفقاً لميكانيكا الكمّ، فإنّ المساحات الفارغة تتكوّن من مجال من الطاقة الخلفيّة المتذبذبة، التي يمكن أن تكون سالبة في أماكن – مما يعطي مجالاً لموجات وجسيمات افتراضيّة لتظهر وتختفي من الوجود.

كما يمكن لتلك العملية أن تُنشِئَ قوة ضئيلة نستطيع قياسها في المعامل.

الدراسة تساعد في حل مشاكل الفيزياء الحديثة

يمكن للدراسة الجديدة أن تساعدنا في حلّ الكثير من المشاكل في الفيزياء الحديثة.

إذا يُنظَر اليوم إلى نظرية الأوتار، التي تمثل أفضل آمالنا في توحيد فيزياء عالم الكمّ مع نظرية أينشتاين عن الكون، على أنها غير متوافقة مع دلائل الرصد والمتابعة.

لكن نظرية الأوتار تشير إلى أنّ الطاقة في الأماكن الفارغة يجب أن تكون سالبة، مما يعزّز التوقّعات النظرية عن وجود سائل مظلم ذي كتلة سالبة.

إضافةً إلى هذا، فإنّ الفريق القائم بهذا الاكتشاف الرائد حول الكون المتسارِع اكتشف وجود أدلة مذهلة على أن الكون يحوي مادةً سالبة.

ولكنه التزام الحيطة في تفسير هذه الاكتشافات المثيرة للجدل ووصفها بأنها "غير فيزيائية".

يمكن لهذه النظرية أيضاً أن تحلّ مشكلة قياس تمدّد الكون.

وهذا الأمر يشرحه قانون هابل-لومتر Hubble-Lemaître Law، الذي يلاحظ أنّ المزيد من المجرّات البعيدة تبتعد بمعدّل أسرع.

وعلى الرغم من أن العلاقة بين سرعة وبُعد المجرّة يحكمها ثابت هابل Hubble constant، لا يزال قياس هذا "الثابت" يختلف ويتبايَن، الأمر الذي أدّى إلى حدوث أزمة في علم الكونيات.

لكن لحسن الحظّ، يتنبأ علم الكونيّات المهتم بدراسة الكتلة السالبة، رياضيّاً بأنّ "ثابت" هابل ينبغي أن يختلف مع مرور الوقت.

ومن الواضح أنّ ثمة أدلة على أنّ هذه النظرية الجديدة الغريبة وغير التقليديّة تستحق أن نولي لها المزيد من اهتمامنا العلميّ.

إلى أين نمضي من هذه النقطة؟

أمعن مؤسّسُ علم الكونيّات ألبرت أينشتاين -إلى جانب علماء آخرين، منهم ستيفن هوكينغ- النظر في الكتلَ السالبة.

في الواقع، كتب أينشتاين في عام 1918 أنّ نظريته النسبية العامة ربّما تحتاج إلى بعض التعديلات لتشمل تلك الكتل السالبة.

ورغم هذه الجهود، يمكن لكونيّات الكتلة السالبة أن يُجانِبها الصواب.

إذ يبدو أن النظرية تُجيب عن الكثير من الأسئلة المطروحة حالياً، لدرجةٍ تبث الريبة والحذر في العلماءَ.

فقد تزايدت الأدلّة المتراكمة القويّة حول هذا الأمر، لدرجة أنه يتعين علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الاحتماليّة غير التقليدية.

وسيقوم أكبر تلسكوب بُنيَ على الإطلاق fقياس توزيع المجرّات عبر تاريخ الكون.

والواضح أنّ هذه النظرية الجديدة تنتج كماً هائلاً من الأسئلة الجديدة.

ومثلما هو الحال مع جميع الاكتشافات العلميّة، لا تنتهي المغامرة عند هذا الحد، ففي الواقع، بالكاد بدأ سعينا لفهم الطبيعة الحقيقية لهذا الكون الجميل والموحّد- وربما المستقطَب.

علامات:
تحميل المزيد