تتخلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الجمعة 7 ديسمبر/كانون الأول 2018، عن قيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ التي تولتها لـ18 عاماً، للرئيس الجديد الحزب الذي سينتخب في تصويت يرتدي طابعاً تاريخياً وسيحدد مسار ألمانيا في المستقبل.
خطاب الوداع
ووجَّهت ميركل، في آخر خطاب لها كرئيسة للاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، الجمعة، نداء من أجل الدفاع عن القيم "المسيحية" و "الديمقراطية" في مواجهة صعود التيارات القومية والشعبوية في العالم.
وقالت ميركل: "في هذه الأوقات الصعبة، علينا ألا ننسى قيمنا المسيحية الديمقراطية".
وعدَّدت ميركل التي تتخلى عن رئاسة حزبها، لكنها ستبقى مستشارة حتى نهاية ولايتها في 2021، لائحة طويلة من المخاطر الحالية، مثل "التشكيك بالنهج التعددي والتراجع على الصعيد الوطني وخفض التعاون الدولي" والتهديدات "بحرب تجارية"، في إشارة واضحة إلى سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل خاص.
كما حذَّرت من "الحروب الهجينة أو زعزعة استقرار مجتمعات عبر الأخبار الكاذبة".
انتخابات تاريخية
وسينتخب 1001 مندوب في الاتحاد الديموقراطي المسيحي ثلثهم من النساء، في مؤتمر يعقد في هامبورغ، رئيساً جديداً بعد ظهر الجمعة.
ويتنافس 3 مرشحين على المنصب الذي يعد جسراً يؤدي إلى منصب المستشارية. لكن بما أن وزير الصحة ينس شبان لا يتمتع بفرص للفوز، ستنحصر المنافسة بين الأمينة العامة للحزب أنيغريت كرامب كارينبوير (56 عاماً) القريبة من ميركل والمليونير فريدريش ميرتس (63 عاماً) الذي يريد تحولاً واضحاً باتجاه اليمين.
وهذا المحافظ الذي ينتمي إلى المدرسة القديمة يريد استعادة الناخبين الذين خاب أملهم من حكم ميركل وصوتوا لمصلحة اليمين القومي، خصوصاً بعد فتح أبواب ألمانيا لأكثر من مليون لاجىء سوري وعراقي في 2015 و2016.
وتتوقع استطلاعات الرأي منافسة حامية بين كرامب-كاريبنبوير وميرتس، لأن المندوبين منقسمون جداً بشأن توجه الحزب بعد رحيل ميركل.
"نجاحات وإخفاقات"
قالت ميركل في افتتاح المؤتمر الخميس "أشعر بالامتنان لشغلي الرئاسة 18 عاماً". وأضافت "إنها فترة طويلة بالتأكيد شهد خلالها الحزب نجاحات عديدة وإخفاقات عديدة".
وكانت ميركل (64 عاماً) التي كان يلقبها الألمان بود عند فوزها بـ"موتي" (الأم)، اضطرت في تشرين الأول/أكتوبر بعد انتخابات في اثنتين من المناطق جاءت نتائجها مخيبة للآمال، للإعلان عن تخليها عن قيادة الحزب.
إلا أن المستشارة التي تقود منذ 13 عاماً أكبر اقتصاد أوروبي، حريصة على إكمال ولايتها هذه حتى نهايتها، أي حتى 2021. وقالت الخميس "يسعدني أن أواصل العمل كمستشارة"، وهذا ما سيحدده خيار المندوبين لرئيس جديد للحزب.
ووعد كل من المرشحين باحترام رغبتها هذه، لكن تعايشاً هادئاً مع ميرتس الذي أخرجته ميركل نفسها من الحزب قبل عقد، يبدو صعباً.
ويتوقع كثيرون رحيل المستشارة اعتباراً من العام المقبل بعد الانتخابات الأوروبية في أيار/مايو، إذا منيت الأحزاب التقليدية بهزيمة جديدة، وعلى أبعد حد في الخريف بعد انتخابات في ثلاث مقاطعات تشكل كلها معاقل لليمين القومي.
وهذا إذا لم يتسبب شريكها في التحالف الحكومي الحزب الاجتماعي الديموقراطي الذي يشهد أزمة أيضاً، في تسريع رحيلها عبر انسحابه من الحكومة.
وحصل ميرتس على دعم ثمين من رئيس مجلس النواب فولفغانغ شويبله الذي يرى أن "انتخابه سيكون الأفضل لألمانيا".
كم ستصمد ميركل؟
يحتاج الحزب اليوم أكثر من أي وقت مضى لنفس جديد. فهو يواجه من اليمين هجمات اليمين القومي المتمثل بحزب "البديل لألمانيا" ومن الوسط انتقادات دعاة حماية البيئة (حزب الخضر)، ولم يعد يحصد مع حليفه البافاري "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" أكثر من 26 إلى 28% من الأصوات في استطلاعات الرأي.
وقد أضعف في الانتخابات التشريعية التي جرت في أيلول/سبتمبر 2017، مع أنه حصل على 33% من الأصوات.
ويحاول كل المرشحين النأي بأنفسهم عن إرث المستشارة.
وقالت أنيغريت كرامب كارينبوير الأربعاء "لدي سيرتي ومسيرتي"، مشيرة خصوصاً إلى معارضتها الشرسة لزواج المثليين.
وفي مجال الهجرة، دعت كرامب كاريبوير إلى إبعاد السوريين الذين يدانون بأعمال إجرامية في خطوة حتى وزير الداخلية هورست سيهوفر المحافظ جداً استبعدها.
أما ميرتس، فقد ذهب إلى حد التشكيك في قانون اللجوء كما هو مدرج في الدستور.
وبعد فترة استقبال سخية للمهاجرين في 2015 و2016، هناك أمر واحد مؤكد هو أن الباب سيغلق من جديد مع رحيل ميركل من قيادة الحزب.